الباهي الأدغم

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1913 - 1998م]

الباهي الأدغم

نشأته ودراسته[عدّل]

ولد السياسي الباهي الأدغم في حي باب الأقواس من ربض باب سويقة بالعاصمة، يوم 13 جانفي 1913. وبعد أن حفظ نصيبا من القرآن الكريم في كتّاب الحي وأتمّ دراسته الابتدائية، نجح في مناظرة الدخول إلى المدرسة الصّادقية التي التحق بها في مستهلّ السنة الدراسية 1927– 1928. وقد واصل بها دراسته إلى أن أحرز دبلوم ختم الدروس الثانوية في آخر سنة 1933. واسترعى انتباه أساتذته وأقرانه بما كان يقوم به من نشاط سياسي في مثل تلك السنّ المبكّرة. ولا شكّ في أنّ ذلك راجع إلى تأثره بوسطه العائلي إذ كان دكّان والده الكائن بحيّ باب سعدون ملتقى عدد كثير من أتباع الحزب الحرّ الدستوري التّونسي ومناضليه الذين كانوا يطالعون فيه الصحف الوطنية ويعلّقون على الأحداث التي كانت بلادهم مسرحا لها في النصف الثاني من العشرينات. وقد تميّزت تلك الفترة الحاسمة بسياسة الدهاء التي كان ينتهجها المقيم العام لوسيان سان، وبركود الحزب إثر هجرة زعيمه الشيخ عبد العزيز الثعالبي إلى المشرق منذ شهر جويلية 1923 وإبعاد عدد من أنشط مناضليه إلى الخارج.

وأصبح الشابّ الباهي الأدغم ملمّا أكثر فأكثر بالوضع السياسي في البلاد بعد التحاقه بالمعهد الصادقي واتّصاله بزملائه الذين سبقوه في الدّراسة. والملاحظ أنّ كثيرا من قدماء الصادقيين انضمّوا إلى الحزب الدستوري منذ إنشائه في سنة 1920، أمثال الحبيب جاء وحده والحبيب بورقيبة والشاذلي الخلادي وسليمان بن سليمان. لكن سرعان ما خيّب قادة هذا الحزب آمالهم، إذ كبحوا من جماحهم ولم يفسحوا لهم المجال لأخذ نصيبهم من الكفاح الوطني، لأنّهم كانوا يرون أنّ من واجب تلامذة المدارس التفرّغ لدراستهم وعدم الاهتمام بالسّياسة. على أنّ عودة الصحفي الدستوري الشاذلي خير اللّه من فرنسا في مطلع سنة 1928 أسهمت في تنشيط الحياة السّياسية في البلاد، لا سيما بعد إنهاء مهامّ المقيم العام لوسيان سان في سنة 1929. وبعد مدّة قصيرة أصدر خير اللّه في 26 مارس 1930 جريدة "صوت التونسي" "La voix du Tunisien" الناطقة بالفرنسية، والبلاد تتأهّب لاحتضان المؤتمر الافخارستي المسيحي المقرّر عقده في تونس خلال شهر ماي 1930.

بداية نشاط الباهي الأدغم (1930 - 1932)[عدّل]

انعقد المؤتمر الإفخارستي من 7 إلى 11 ماي 1930 وشارك فيه عدد كثير من الأساقفة والرهبان الكاثوليكيين القادمين من مختلف أنحاء العالم، واستغل عدد من الشبّان الفرنسيين والايطاليين الفرصة للتّظاهر في شوارع مدينة تونس، مرتدين ملابس الصليبيّين ورافعين الصلبان متحدّين بذلك مشاعر الشّعب التّونسي المسلم. فأقنع الباهي الأدغم رفقاءه في المعهد الصادقيّ بضرورة تنظيم مظاهرات مضادّة لمقاومة هذا الاعتداء الصارخ على التونسيين في وطنهم. واستجابة لهذه الدّعوة انتظمت مظاهرات احتجاجيّة في تونس، شارك فيها إلى جانب تلامذة الصادقية، طلبة جامع الزيتونة وتلامذة معهد كارنو والمعهد العلوي، وتضامن معهم عمّال الرصيف. فألقت الشرطة القبض على عدد كثير من هؤلاء التّلامذة واعتقلتهم بتهمة تنظيم مظاهرات والتّحريض على الاضراب والتعرّض لحريّة الشغل والاعتداء على أعوان الأمن.

ولاحظ الوطنيّون تقاعس الحزب الدستوري الذي اكتفى قادته بتوجيه برقيّات احتجاج على انعقاد المؤتمر الافخارستي وعدم القيام بأيّ عمل إيجابي. فقرّر الشاذلي خير اللّه الاستغناء عن اللجنة التنفيذية للحزب، والاستعانة ببعض الشبّان الوطنيّين للقيام بحملة صحفية ضدّ الاحتفالات التي تعتزم السلطة الاستعمارية تنظيمها بتونس في شهر ماي 1931 للاحتفال بخمسينيّة "الحماية". واستعدادا لهذا الحدث، حوّل خير اللّه "صوت التونسي" من جريدة أسبوعية إلى جريدة يوميّة، وعيّن للاشراف على تحريرها هيئة تضمّ نخبة من المثقّفين الوطنيين النشيطين أمثال محمود الماطري والحبيب بورقيبة والطاهر صفر والبحري قيڨة ومحمّد بورقيبة ومحمّد بدرة. أمّا تلامذة الصادقية فقد اتّسع نطاق نشاطهم السياسي المناهض للاستعمار وأبدوا استعدادهم للنّضال في سبيل تحرير بلادهم من الهيمنة الأجنبيّة. وفي هذا الاطار جاء في تقرير رئيس مصلحة المخابرات الفرنسية بتاريخ 20 مارس 1931 حول التلميذ الباهي الأدغم ما يلي:"الشابّ الباهي الأدغم تلميذ ذكيّ ولكن تحدوه عواطف مناهضة تماما لفرنسا. وقد استرعى مرارا وتكرارا انتباه السيد مدير الصادقية".

تأسيس الشبيبة المدرسية (1932 - 1933)[عدّل]

رأى هذا الشابّ أنّ النّشاط السياسي الذي يقوم به التّلامذة داخل المدرسة الصادقية لا يمكن أن يكون إلاّ محدودا، فلا بدّ من التّفكير في إنشاء منظّمة تفسح المجال لشباب المعاهد المدرسية للقيام بنشاط ثقافي وسياسي خارج أوقات الدراسة. ولمّا السّلطة لم توافق على قيام مثل هذه المنظمة، فقد اتّفق الباهي الأدغم ورفقاؤه مع هيئة جمعيّة قدماء الصادقية على بعث فرع مدرسي تابع للجمعية يجمع شمل جميع تلامذة المعاهد الثانوية الموجودة بالعاصمة، بما في ذلك جامع الزيتونة. وفي شهر أفريل 1932 تأسّس هذا الفرع الذي احتضنته جمعية قدماء الصادقية وأطلق عليه اسم "الشبيبة المدرسيّة". وانتخبت على رأسه هيئة مديرة تضمّ بالخصوص الحبيب مبارك، رئيسًا، والباهي الأدغم، كاتبًا عامًا، وعبد العزيز بلّلونة، أمين مال. واستمرّ احتضان جمعية القدماء للشبيبة المدرسية من ذلك التاريخ حتى الاستقلال.

نشاط الباهي الأدغم الإداري والسياسي (1934 - 1944)[عدّل]

اضطرّ الباهي الأدغم بعد حصوله على دبلوم الصّادقية سنة 1933, إلى الانقطاع عن الدّراسة لأنّه أصبح عائل أسرته الوحيد بعد مرض والده ثمّ وفاته. وقد انخرط سنة 1934 في سلك الوظيفة العمومية بصفة كاتبٍ مؤقّتٍ بإدارة الداخلية التي كان على رأسها عهدئذ المؤرخ الفرنسي شارل سوماني. واستمرّ في هذه الخطّة إلى أن نجح في آخر سنة 1939 في مناظرة المنشئين بإدارة المال. فكان من التونسيّين القلائل الذين نجحوا في هذه المناظرة، نظرا إلى ما اكتسبه من زاد معرفي في اللّغتين العربية والفرنسية، بفضل تكوينه بالصّادقية ومطالعاته الخاصّة. على أنّ التحاقه بالوظيفة العموميّة لم يمنعه من مواصلة الاهتمام بالشؤون السّياسيّة والعناية بالقضية الوطنية. فقد استبشر بانعقاد مؤتمر قصر هلال وانبعاث الحزب الدستوري الجديد الذي أعاد الأمل إلى نفوس الوطنيّين بفضل برنامجه المرتكز على العمل المباشر والاتّصال بالجماهير الشعبية لاعدادها للكفاح من أجل تحرير الوطن.

لكن نضاله الفعليّ لم ينطلق إلا إ ثر الافراج عن الزّعماء في مارس 1936 وعودة الحزب إلى سالف نشاطه. وانضمّ إلى الشبّان الذين رجعوا من فرنسا منذ عهد قريب بعد أن أتمّوا دراستهم العليا، أمثال سليمان بن سليمان والمنجي سليم وعلي البلهوان والهادي نويرة وصلاح الدين بوشوشة. وبرز بالخصوص في المؤتمر الثاني الذي عقده الحزب في مقرّه بنهج التريبونال في آخر أكتوبر 1937. إذ ساند من أوّل وهلة النزعة الاستقلالية التي مثلها في المؤتمر عدد كثير من المناضلين، وأسهم في ترجيح كفّة الشقّ المتصلبّ في الديوان السياسي. وإثر اندلاع حوادث 9 أفريل 1938 وإلقاء القبض على قادة الحزب وأبرز مناضليه، تزعّم الباهي الأدغم حركة المقاومة السريّة إلى أن ألقي عليه القبض في 11 ماي 1938. ولما أفرج عنه في شهر أوت 1938 استأنف نشاطه على رأس الديوان السياسي الخامس السرّي، بالتعاون مع الدكتور الحبيب ثامر والهادي السعيدي والهادي خفشّة وصلاح الدين بوشوشة. وتحولت المقاومة من تنظيم المظاهرات وتوزيع المناشير إلى عمليّات مسلّحة يقوم بها أعضاء لجنة المقاومة.وفي نوفمبر 1939 ألقي القبض على أعضاء الديوان السياسي الخامس ولجنة المقاومة، وأحيلوا على المحكمة العسكرية التي أصدرت ضدّهم أحكاما قاسية. وكان نصيب الباهي الأدغم الأشغال الشاقة لمدّة 15 عاما. ونقل المحكوم عليهم في 14 فيفري 1940 إلى الجزائر حيث زجّ بهم في سجن حراش حقبة من الزمن ثم حولوا إلى سجن لمباز السّيء الذكر وكان عددهم 43 سجينا، لم يرجع منهم إلى تونس في ماي 1944 سوى 23 مناضلا منهم الباهي الأدغم، وذلك بمقتضى قرار العفو الذي أصدره الجنرال ديغول. أماّ الاخرون فقد لقوا حتفهم في السجن.

نشاطه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945 - 1951)[عدّل]

لمّا عاد الباهي الأدغم إلى تونس في ماي 1944 ظلّ عاطلا عن العمل حقبة من الزمن ثم تولّى التدريس في المدرسة القرآنية الحرّة بنهج القنطرة في حيّ الحلفاوين. وفي شهر أكتوبر 1945 عيّن مديرا للحجرة التّجارية التّونسيّة، خلفا لصلاح الدين بوشوشة الذي توفّي على إثر حادث مرور. وفي أثناء قيامه بهذه المهمّة تمكّن من الاطّلاع عن كثب على دواليب الادارة التونسيّة وتعميق معلوماته حول الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تونس. وهو ما ساعده على تكوين ملفّات سيستعين بها عند الحاجة. وإلى جانب نشاطه الاداري واصل نضاله بالتّعاون مع أعضاء الديوان السياسي الجديد، بعد هجرة الزّعيم الحبيب بورقيبة إلى المشرق في مارس 1945, وهم: صالح بن يوسف وسليمان بن سليمان والمنجي سليم وعلي البلهوان والهادي نويرة. ورغم أنّه لم يكن عضوا رسميّا في الديوان السياسي، فقد كان يسهم في اجتماعاته الدوريّة ويحضر اجتماعات المجلس الملّي ويشارك في جميع الاجتماعات التي يعقدها الحزب. من ذلك أنّه أسهم في مؤتمر ليلة القدر المنعقد في 23 أوت 1946 واعتقل في السجن المدني بتونس صحبة المشاركين الستّة والأربعين الذين ألقي عليهم القبض.وإثر خروجه من السّجن واصل نشاطه السّياسي وهو إعداد ملفّات القضيّة التّونسية بالاشتراك مع الهادي نويرة، والتحرير في جريدة الحزب النّاطقة بالفرنسية "Mission" (الرّسالة)، وكان يمضي فصوله باسم مستعار (الخميري)، كما كلّفه الديوان السياسي بالقيام بمهمّة سياسيّة في الجزائر والمغرب سنة 1948, للاتصال بقادة الحركة الوطنية في البلدين الشقيقين، واجتمع خاصّة بملك المغرب محمد الخامس. ثم تحوّل في سنة 1950 إلى مصر، حيث اجتمع بمناضلي الحزب الدستوري الجديد المقيمين بالقاهرة وبأعضاء مكتب المغرب العربي وقادة جامعة الدّول العربية.ولمّا تكوّنت وزارة محمد شنيق في 17 أوت 1950 للتفاوض مع الحكومة الفرنسية لمنح تونس الاستقلال الداخلي، عيّن الباهي الأدغم مستشارا لدى رئاسة الحكومة لاعداد ملفّ المفاوضات. وتحوّل إلى باريس في أكتوبر 1951 بصفة خبيرٍ لدى الوفد التفاوضي التونسي المتركّب من الوزير الأكبر محمد شنيق والوزراء صالح بن يوسف ومحمد بدرة ومحمد سعد اللّه.

نشاطه في الخارج (1952 - 1954)[عدّل]

ولمّا فشلت المفاوضات التّونسيّة الفرنسيّة إثر صدور مذكّرة 15 ديسمبر 1951, كلّف الزّعيم الحبيب بورقيبة الباهي الأدغم بالتحوّل إلى نيويورك للدّفاع عن القضيّة التّونسيّة لدى المحافل الدوليّة ومواصلة الجهود الرّامية إلى إدراجها في جدول أعمال الجمعيّة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة. فحلّ بنيويورك في أفريل 1952 أوّلا ممثلا لوزارة محمد شنيق التي أقالها المقيم العام دي هوتكلوك يوم 26 مارس 1952 وألْقيَ القبض على أعضائها الموجودين يومئذ بتونس، ثم بصفة ممثّلٍ للحزب الدستوري الجديد. وأنشأ هناك "المكتب التونسي للتحرير الوطني" الذي أصدر عدّة نشريات للتعريف بالقضيّة التّونسيّة. وتواصل نشاطه في نيويورك على نحو حثيث من أفريل 1952 إلى ماي 1955. وتجلّى هذا النّشاط بكلّ وضوح في الكتاب الذي أصدره باللغة الفرنسية في تونس سنة 1990 بعنوان "مراسلات" وكذلك في المجموعة الضخمة من الوثائق والملفّات التي جمعها في نيويورك ثمّ أهداها بعد الاستقلال إلى الدولة التونسيّة لوضعها تحت تصرّف الباحثين والدارسين.

نشاطه بعد عودته إلى تونس (1955 - 1956)[عدّل]

إثر التّوقيع في 3 جوان 1955 على الاتّفاقيات التّونسيّة الفرنسيّة المتعلّقة بمنح البلاد التّونسيّة الاستقلال الدّاخلي، قرّر الباهي الأدغم العودة إلى أرض الوطن، وذلك بعد أن انتقد تلك الاتّفاقيات، لا باعتبارها "خطوة إلى الوراء"، كما أعلن ذلك صالح بن يوسف الأمين العام للحزب، بل لكونها في نظره "حلاّ منقوصا". ولكن ما إن عاد إلى تونس في أكتوبر 1955 واجتمع بالزعيم الحبيب بورقيبة على انفراد، حتى اقتنع بضرورة الاعتراف بالأمر الواقع، إذ لا يجوز في نظره أن يرفض الحزب مشروعا كان قد وافق عليه منذ عهد قريب. فينبغي حينئذ قبول الاتفاقيات، كما تمّت المصادقة عليها، والسعي إلى تجاوزها في أقرب وقت ممكن لتحويل الاستقلال الداخلي إلى استقلال تامّ عن طريق التّفاوض، لا عن طريق الكفاح المسلّح، لا سيما أن الحكومة الفرنسيّة وافقت، من حيث المبدأ، على منح المغرب الشقيق الاستقلال، بعد أن أرجعت الملك محمد الخامس إلى عرشه.وشاطر الزعيم بورقيبة هذا الرأي الذي جنّب البلاد اندلاع حرب أهليّة لو انحاز الباهي الأدغم إلى الحلّ الذي اقترحه صالح بن يوسف المنادي بالجهاد إلى أن يتحرّر المغرب العربي كلّه بحدّ السلاح. ومنذ ذلك الحين فكّر بورقيبة في إعداد الباهي الأدغم ليكون الرجل الثاني في الحزب والدولة. وقد كان ذلك بالفعل بعد فترة قصيرة، إذ انتخب في مؤتمر صفاقس المنعقد في 15 نوفمبر 1955, كاتبا عامّا للحزب الدستوري الجديد، خلفا لصالح بن يوسف الذي رُفت من الديوان السياسي وفُصل عن الحزب.

إسهامه في تجسيم الاستقلال وبناء الدولة الحديثة (1955 - 1970)[عدّل]

إثر انتخاب الباهي الأدغم كاتبا عامّا للحزب الدستوري الجديد، عيّن في 14 جانفي 1956 نائبا للوزير الأكبر الطاهر بن عمار، مكلّفا بالتفاوض مع الحكومة الفرنسيّة لتحويل الاستقلال الداخلي إلى استقلال تامّ. وبالفعل شارك في المفاوضات التّونسيّة الفرنسيّة التي جرت لهذا الغرض في باريس وأسفرت عن إبرام بروتوكول الاستقلال التامّ في 20 مارس 1956. وهو ينصّ على اعتراف فرنسا باستقلال تونس، وينتج عن ذلك إلغاء معاهدة الحماية المبرمة في 12 ماي 1881, وتنقيح أو إلغاء أحكام اتفاقيات 3 جوان 1955 المتنافية مع نظام تونس الجديد " باعتبارها دولة مستقلّة ذات سيادة ". وينتج عن ذلك أيضا "أنّ تونس تمارس مسؤولياتها في ميدان الشؤون الخارجية والأمن والدّفاع، وأنّها تشكّل جيشا وطنيا تونسيّا".وبإعلان استقلال تونس التامّ، فتحت صفحة جديدة في حياة الباهي الأدغم الذي سيصبح الرجل الثاني في الحزب الحاكم والدولة، وسيسخّر جهوده طوال خمس عشرة سنة (نوفمبر 1955 - نوفمبر 1970) لتجسيم الاستقلال واسترجاع مقوّمات السّيادة كلّها وبناء الدّولة التّونسيّة الحديثة.

وقد تحمّل في هذه الفترة المسؤوليّات التالية:

  • انتخابه عضوا في المجلس القومي التأسيسي (25 مارس 1956).
  • تعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء في حكومة الاستقلال الأولى (14 أفريل 1956).
  • تكليفه بمهامّ كاتب دولة للرئاسة والدّفاع الوطني بعد إعلان الجمهورية (25 جويلية 1957).
  • تجديد انتخابه كاتبًا عاما للحزب الدستوري الجديد في مؤتمر سوسة (1959).
  • انتخابه كاتبًا عاما للحزب الاشتراكي الدّستوري في مؤتمر بنزرت (1964).
  • تعيينه رئيسا للجنة العليا للحزب، إثر الاعلان عن فشل سياسة التعاضد (1970).
  • تعيينه وزيرا أوّل في 7 نوفمبر 1969 وقيامه بمهامّ رئيس الدولة بالنيابة في غياب الرئيس الحبيب بورقيبة الموجود بالخارج للتداوي (1969 - 1970).
  • تعيينه من جديد وزيرا أول في 12 جوان 1970.
  • تخلّيه عن الوزارة الأولى وتعويضه بالسيد الهادي نويرة (2 نوفمبر 1970).

وفي أثناء قيامه بمختلف هذه المهامّ الحكومية والحزبية والنيابية أسهم الباهي الأدغم في إرساء أسس الدّولة التّونسية الحديثة، بتحقيق الانجازات التالية:

  • إنشاء الجيش الوطني وتونسة الأمن وتوحيد القضاء. - إصلاح الادارة وتونستها.
  • تبادل السّفراء بين تونس والدّول الشّقيقة والصّديقة.
  • انخراط تونس في منظّمة الأمم المتّحدة وجامعة الدّول العربيّة ومنظّمة الوحدة الافريقيّة.
  • إصدار مجلّة الأحوال الشخصية (13 أوت 1956) وتحرير المرأة.
  • إصلاح التعليم وتوحيده وتعميمه (1958).
  • إنشاء العملة التونسية وبعث البنك المركزي التونسي.
  • جلاء الجيش الفرنسي عن قاعدة بنزرت (15 أكتوبر 1963).
  • تأميم الأراضي الزّراعية التي كانت على ملك الأجانب (12 ماي 1964).
  • إنجاز برامج النموّ الاقتصادي والرقي الاجتماعي، باعتبار الاستقلال وسيلة لتوفير أسباب النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية.

شواغل الباهي الأدغم الثقافيّة[عدّل]

عُرفَ الباهي الأدغم، إلى جانب نشاطه السياسي، باهتمامه بالشؤون الثقافية واعتنائه بالخصوص بالمعالم الأثرية والفنون الاسلاميّة والموسيقى. وقد ألقى بعد حصوله على دبلوم الصّادقية محاضرة بنادي قدماء الصّادقية يوم 5 نوفمبر 1933, بعنوان "نشأة الفنون الاسلامية وتطوّرها"، كما انضمّ إلى اللّجنة التي كوّنتها جمعية قدماء الصّادقية في الثلاثينات لاحياء التراث التونسي. واهتمّ خاصّة بدراسة نقائش مقبرة القرجاني بتونس وقضّى عدّة سنوات في تدوين ملاحظاته وبحوثه حول هذا الموضوع. وعمل أيضا على النّهوض بالموسيقى التّونسيّة الأصيلة، وتتلمذ في هذا الميدان لشيخين من شيوخ المالوف هما محمد غانم ورشيد بن جعفر. وكان من المسهمين في تأسيس الجمعيّة الرشيديّة في سنة 1934. وأخيرا كان الباهي الأدغم مولعا بالتاريخ منذ أن كان تلميذا بالمعهد الصّادقي. وقد تفرّغ، إثر تخلّيه عن المسؤوليات الحزبيّة والحكومية في نوفمبر 1970, للمطالعة والبحث والتّنقيب وتدوين مذكّراته. كما كان يحضر بانتظام في جميع النّدوات والمؤتمرات المحلية والدّولية حول التاريخ بوجه عام وتاريخ الحركة الوطنية بوجه خاصّ. وكان لا يتأخّر عن الاسهام بمداخلاته القيّمة في النّدوات التي عقدتها منذ سنة 1981 لجنة البحوث في تاريخ الحركة الوطنية، ثم بَدْءًا من سنة 1990 المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية. وبوفاته في 13 أفريل 1998, فقدت تونس علما بارزا من أعلامها الأفذاذ، ومرجعا أساسيّا من مراجع تاريخها المعاصر، وشاهدا مرموقا من بين المناضلين الذين قادوا معركة التحرير الوطني منذ أكثر من نصف قرن وأسهموا في تشييد صرح الدّولة التّونسيّة الحديثة.