تونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

(Oppidum Tunicenses = Thunes = Tynes)

أحد مساجد مدينة تونس

كانت مدينة تونس تسمى في القديم ترشيش، وكانت مركزا فينيقيا معاصرا للعاصمة القديمة أوتيكا، فلمّا تأسّست العاصمة الجديدة قرطاج أصبحت ترشيش تابعة لها، واستمرّت كذلك في العهدين الروماني والبيزنطي حتّى مجيئ العرب عندما نقل حسان بن النعمان الغساني سكان قرطاج إلى تونس، فأصبحت المدينة الثانية بعد القيروان منذ سنة 78هـ/697م، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي الذي أوحى إلى القائد حَسّان أن يؤسس بها أول دار لصناعة السفن بالمغرب الإسلامي، وجلب لها ألف عائلة قبطية للقيام بهذه الدار للدّفاع عن الشواطئ التونسية من هجومات الأسطول البيزنطي المتكررة في مرحلة أولى، ولفتح جزر البحر الأبيض المتوسط وبعض الشواطئ الأوروبية في مرحلة ثانية. ولم يمض العهد الأغلبي حتى أصبحت مدينة تونس مزدهرة العمران والاقتصاد. فقد أسس عبيد الله بن الحبحاب جامع الزيتونة الذي كان جامعة تخرّج فيها جلّة العلماء والأدباء. وراجت صناعة الحرير والخزف، وانتشرت حولها القرى الفلاحية، وأصبحت ذات حصن وأرباض وأبواب، نذكر منها القصبة وباب الجزيرة، نسبة إلى جزيرة شريك أي الوطن القبلي، وباب قرطاجنة لأنه يؤدي إليها شرقا، وباب السقّائين شمالا وباب أرطة غربا، وباب البحر، وكان يحيط بالسور خندق بقيت تسميته إلى اليوم بنهج الحفير. ومن أهم قصور تونس الأغلبية قصر السلسلة قبلة الميناء لحماية السفن، وقصر جبل التوبة حيث مغارة الولي أبي الحسن الشاذلي.

وقد أشاد الرحالة الذين زاروا تونس برخائها ونظافتها، فذكروا أسواقها ومتاجرها وحماماتها وفنادقها، ولاحظوا عضادات أبواب منازلها الرخامية. وقد اقتضى التمصير الاسلامي للمدينة العربية، كما تجسّم في مدينة تونس، أن ترتّب الأسواق في دوائر يحيط بعضها ببعض حول الجامع الكبير، فخصصت دكاكين الدائرة الأولى الموالية مباشرة لجامع الزيتونة للمتاجر النظيفة التي لا تسبب الضوضاء فلا تزعج المصلين مثل دكاكين العطارين والملابس والأقمشة والفواكه الجافة والذهب والفضة والأواني المستوردة والمواد الثمينة. وخصصت الدائرة الثانية لدكاكين الخياطين وصناع الأحذية والشاشية والقوافي والبرانسية، على حين خصصت الدائرة الثالثة لصناعة النحاس والسلاح والنجارة. أما الدائرة الرابعة فخصّصت لصناعات التّلوين كالدّباغة والصباغة. ولأسواق تونس أمناء ومحتسبون يحمون الصنعة والمستهلك من أنواع الغش، ولها حُرّاس وأبواب تغلق ليلا لحماية دكاكين المواد والبضائع الثمينة من السرقة. وتوجد داخل الأسواق وحول الجامع الكبير الفنادق والوكالات والحمامات والمدارس التي كان يقيم بها الطلبة. وبعد هذه المنطقة التجارية والصناعية وعلى امتداد الأنهج والطرقات تتلاصق الأحياء السكنية بمتطلباتها وخاصة المساجد والمخابز والزوايا والكتاتيب ومتاجر المواد الغذائية وغير ذلك. ومن مكان إلى آخر تلفت الأنظار دار متميّزة المعمار بادية الثراء يسكنها أحد كبار التجار أو أعيان السلطة. ومنذ القرن الخامس للهجرة 11م تأكدت الحاجة إلى توسيع مدينة تونس، فهدم السور في بعض نواحيه لزيادة أحياء جديدة، أولها ربض باب السويقة وربض باب الجزيرة، وتلاحمت المباني السكنية والتجارية والصناعية بهذه الأرباض حتى احتيج إلى ضمّها إلى المدينة الأصلية بأسوار جديدة منذ القرن السابع الهجري/13م. وأسس السلطان الحفصي سورا على القصبة لدواوينه وجنده من العلوج النصارى. وشهدت المدينة تطورا كبيرا بعد خراب مدينة القيروان أواسط القرن الخامس هـ/11م ونشأت بها إمارة بني خراسان، التي انتهت سنة الأخماس (555هـ/1160م) تاريخ سيطرة الموحدّين على كامل إفريقيّة. واستقل بتونس الأمير الموحّدي عبد الواحد بن أبي حفص سنة 603هـ/1206 - 1207م ليؤسس الدولة الحفصية ويجعل من تونس مدينة العلوم والفنون والصناعات بفضل إسهام الهجرة الأندلسية الأولى وعلاقات دولته التجارية مع إفريقيا وآسيا وأوروبا. فقد كانت العلاقات بين الدولة الحفصية والدول الأوروبية متينة جدّا، خاصة مع الجمهوريات الايطالية: بيزا وجنوة والبندقية في مجال التبادل التجاري. وهو ما شجع على استقرار بعض التجار في تونس، وقد سمح لهم السلطان الحفصي ببناء الفنادق والكنائس وممارسة شعائرهم بكل حرية.واستخدم الحفصيون عدّة علوج مرتزقة في الجيش. ولم يمنع ذلك من قيام لويس التاسع بحملته الصليبيّة الفاشلة على تونس سنة 668هـ/1270م، ومن محاصرة ملك فرنسا شارل السادس تونس بأسطوله سنة 730هـ/1330م، لكن دون جدوى. وإلى العهد الحفصي تعود إنجازات عمرانية مهمّة منها قصبة تونس وجامعها، والأسواق المتبقيّة، والمارستان بين باب بنات ونهج دار الجلد، والأبواب مثل باب المنارة والباب الجديد، والمكتبات التي كانت تعدّ حَوَالَيْ 36.000 كتاب بالقصبة وبجامع الزيتونة. وهو ما يدل على ازدهار العلوم ونبوغ علماء أمثال العلامة ابن خلدون.

ومنذ القرن السابع هـ/13م ضمت تونس المدينة النواة من باب سويقة إلى الباب الجديد ومن باب البحر إلى القصبة، وكان يحيط بها سور تَضَرّرَ إثر الحرب الصليبية الثامنة. وحول أسوار المدينة تكونت أرباض وهي أحياء سكنية للنازحين من الأرياف ومن داخل البلاد. وقد تحولت ساحاتها إلى أسواق تلبي حاجات الفلاحين مثل رحبة الغنم وسوق الخيل وسوق القمح وسوق الحلفاوين وسوق القلالين. ووضعت الصناعات المختلفة داخل المدينة قرب الأبواب لتلبية الطلبات، مثل الحدّادين قرب الباب الجديد والصباغين قرب باب الجزيرة والسراجين قرب باب المنارة وسوق سيدي عبد السلام المعروفة قرب باب سويقة. ومنذ بداية القرن السادس عشر بدأ الصراع الاسباني العثماني على تونس، فقد طلب الأخوان برباروس، وهما من القراصنة الأتراك، من الحسن الحفصي أن يسلمهما جزيرة جربة ليتحصنا بها، فرفض واستنجد بالاسبان الذين ركزوا حامية في قلعة حلق الوادي إلى أن أطردهم سنان باشا سنة 1574م. وجعل من تونس إيالة عثمانية يحكمها باشا ثم داي وباي. وقد شهدت بداية العهد التركي - العثماني ازدهارا ثقافيا واقتصاديا بتكاثر المساجد والمدارس الحنفية وإمضاء اتفاقيات تجارية مع فرنسا وإنجلترا وهولاندا وغيرها. وقد استقبلت تونس في عهد عثمان داي الجالية الأندلسية الأخيرة فوظفت مهاراتها في شتى المجالات وخاصة في صناعة الشاشية والحرير والجليز والنقش على الرخام. وهو ما يشهد به جامع حمودة باشا المرادي وجامع يوسف داي ودار الباي وغيرها، وخاصة إنجازات حمودة باشا المرادي الكثيرة ومارستان أو مستشفى عزيزة عثمانة.

وبعد قيام الدولة الحسينية سنة 1705م دخلت البلاد في ما يعرف بالفتنة الحسينية الباشية طيلة نصف قرن آلت بعده الأمور سنة 1756م إلى أبناء حسين بن علي إلى يوم إعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957م. وقد نفّذت بتونس في عهد الوزير الأكبر خير الدين التونسي إصلاحات ترمي إلى تقييد الحكم المطلق بالقانون ونشر مبادئ العدل والحرية وتعصير التعليم. ولكن تمركز "الحماية الفرنسية" في 12 ماي 1881م بأسبابه ونتائجه حال دون استثمار تلك الاصلاحات.

وتزخر مدينة تونس بالمعالم التاريخية التي عُني بدراستها وترميمها، وأهمها على الاطلاق جامع الزيتونة الذي أسسه الوالي عبيد الله بن الحبحاب سنة 116هـ/734م، ثمّ جدّده الأمير الأغلبي زيادة الله الثاني سنة 250هـ/864م، وقد أضاف إليه بنو زيري قبّة البهو والرواق القبلي وجهّز بنو خراسان أبوابه الخارجية وخاصة الباب الضخم المفتوح على سوق القماش، وأعاد الحفصيون جلّ أبوابه وأضافوا إليه مكتبة في الركن القبلي الشرقي تنسب إلى أبي عمرو عثمان 1435 - 1488م. وأسهم الأتراك العثمانيون في تحلية المحراب بالجص المنقوش، وفي سنة 1312هـ/1894م أبدلت الصومعة التركية بالصومعة الحالية ورُمّم بعد الاستقلال. وفي حي باب منارة يوجد جامع القصر الذي بناه الأمير أحمد بن خراسان في العشرين سنة الأولى من القرن السادس الهجري/12م. وقرب جامع التوفيق أو جامع الهواء قبة سيدي قاسم الجليزي الذي نزح إلى تونس بعد سقوط غرناطة، فلا غرابة في أن يبنيها بالأشكال والجليز الأندلسي. وبجواره دفن آخر ملوك الحفصيين واسمه أحمد (ت 973هـ/1569م). ومن أبواب تونس باب المنارة قريبا من حي القصبة، بناه الأمير الحفصي أبو زكرياء الأكبر، ثم أصلحه الأمير أبو محمد أبو عصيدة سنة 719هـ/1320م حسب النقيشة المثبتة فوقه من داخل السور. وقد هدم هذا الباب في ستّينات القرن الماضي، وبقي اسمه دالا على مكانه، في حين تدل الصور على شكله الموحّدي المراكشي، وكذلك الباب الجديد الذي فتح في القرن الثامن، ومازال شاهدا على تأثير الموحدين في العمارة التونسية. ومازالت بقايا الحنايا الحفصية، وهي جزء من الحنايا الرومانية التي كانت تجلب مياه زغوان إلى قرطاج ثم إلى باردو، حيث قصور الحفصيين في راس الطابية وبساتين أبي فهر بين أريانة وسكرة، حيث اكتشفت سنة 1994م فسقية عظيمة. ومن أشهر الدّور دار بن عبد الله في تربة الباي، وهي قصر لأسرة كاهية بُنيت في القرن الثاني عشر الهجري/18م. وكذلك دار حسين بباب المنارة التي كانت ملكا للأسرة نفسها، ثم صارت مقرا لبلدية تونس قبل الحماية، ثم مركزا لقيادة جيش الاحتلال، ثم مقرا للمعهد الوطني للتراث منذ الاستقلال. وفي تونس عدّة تُربات رائعة الفن، أُولاها تربة يوسف داي (ت 1047هـ/1637م) داخل الجامع الذي يحمل اسمه، وتبدو في صورة قبة هرمية مغطاة بالقرميد الأخضر الأندلسي. وبالقرب منها وفي جامع حمودة باشا المرادي (ت 1076هـ/1666م) تُربة أخرى في شكل الأولى مع زيادة عناصر فنية إيطالية في مدخلها. أما تربة البايات فقد احتوت على قبور أمراء الدولة الحسينية، مَنْ حكم منهم ومن لم يحكم، وقد كانت أيام تأسيسها في القرن الثاني عشر/18م في صورة منزل تونسي الطراز. وتنتشر في تونس عدّة مدارس، منها المدرسة السليمانية في سوق القشاشين، أسسها علي باشا الأول سنة 1168هـ/1754 - 1755م وأتمّها ابنه سليمان فعرفت باسمه، والمدرسة الباشية أو مدرسة بئر الأحجار في نهج الباشا نسبة إلى علي باشا الثاني الذي أنشأها سنة 1170هـ/1756 - 1757م وتنسب أيضا إلى الباشا علي الأول، ولعله شرع في بنائها فأتمّها علي الثاني، وهذا الأخير هو الذي أنشأ أيضا مدرسة حوانيت عاشور قرب نهج سيدي إبراهيم الرياحي.

وتعود أقدم الزوايا في تونس إلى الدولة الحفصية، وأشهرها زاوية سيدي محرز بن خلف "سلطان المدينة" (ت 413هـ/1022م) التي فقدت قيمتها الأثرية نظرا إلى التحويرات التي تعاقبت عليها، والبناء الحالي يرجع إلى مُدة حسين بن علي باي مؤسس الدولة الحسينية، ثم جدّد محمد الصادق باي سنة 1279هـ/1862م قبابها وواجهاتها الخارجية. وهي تنقسم إلى قسمين: قسم خارجي متكوّن من الدريبة المستطيلة الشكل وغرف الزوار، ويتبعه صحن محاذ للمقبرة القديمة، وهو يتقدم القسم الثاني حيث تابوت الولي. وبنهج سيدي إبراهيم الرياحي زاويته التي بناها أحمد باي الأول سنة 1266هـ/1850م وجدّد قبتها الصادق باي سنة 1295هـ/1878م، وزاوية سيدي عبد القادر بنهج الديوان أنشأها الحاج محمد الميزوني سنة 1267هـ/1851م. ومن أبراج تونس برج علي الرايس أو برج سيدي بلحسن، وهو من إنشاء أبي الحسن علي ثابت وزير يوسف داي في بداية القرن الحادي عشر الهجري/17م، وقد جدّده علي باشا الأول في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي، وبرج الأندلس أو برج طاحونة الريح أو برج زوارة وهو من إنشاء المراديين في القرن الحادي عشر/17م، وقد جَدّدَهُ علي باشا الأوّل. ومن قشلات تونس قشلة العطارين، مقرّ المكتبة الوطنية سابقا، وهي من إنشاء حمودة باشا الحسيني في أوّل القرن التاسع عشر الميلادي، وهو الذي أنشأ سوق الباي. أما أسواق النحاس والعطارين والكتبيين فهي تعود إلى بداية العهد الحفصي.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • التجاني أبو محمد عبد الله بن محمد، رحلة التجاني، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، نشر كتابة الدولة للتربية القومية،المطبعة الرسمية، تونس،1958 .
  • الحمروني أحمد، معجم المدائن التونسية،ميدياكوم، تونس،1998 .
  • الدولاتلي عبد العزيز، مدينة تونس في العهد الحفصي، تعريب محمد الشابي وعبد العزيز الدولاتلي، سراس للنشر،1981.
  • ابن أبي دينار، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس،تحقيق محمد شمام، المكتبة العتيقة، تونس،1967 .
  • زبيس سليمان مصطفى، معالم مدينة تونس،الشركة التونسية للتوزيع،تونس، 1971.
  • النيفر علي،"تونس في القرن السابع كما يصفها العبدري في رحلته"، 'مجلة الزيتونة'2،1937-1938.
  • Berardi ,"La medina de Tunis", Architecture d’Aujourd’hui,no 153,1971.
  • Corbier P,Grieshmier M, L’Afrique romaine 146 av J.,Paris,2005
  • Frank Louis et Marcel JJ,Historie de tunis,Edition Bouslama,Tunis,2e édition,1985
  • Guérin V,Voyage archéologique dans la régence de Tunis,Paris,1862
  • Hopkins J.F.P,"The medieval toponomy of Tunsia:Some identification",C.T,no53-56,t14,1er-4éme trim,1966,pp31-39
  • pellissier E,Description de la Régence de Tunis,1ere éd,Paris,1853,rééd Bouslama,Tunis,1980
  • Revault Jacques,Palais et demeures de Tunis,XVIe et XVIIe,Paris,1967
  • Saadaoui Ahmed,Tunis ville ottomane:trois siècle d’urbanisme et d’architecture,C.P.U,Tunis,2001
  • sabag Paul,Tunis au XVIIe siècle:une cité Barbaresque au temps de la course,Ed,L'Harmattan,1989
  • Tunis ,Histoire d'une ville,éd L'Harmattan,Paris,1998
  • Zbiss SM,Les inscription de Gorjani,Tunis,1970