مصطفى الكعاك

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مصطفى الكعاك

[ 1893 - 1984م]

ولد مصطفى الكعّاك في تونس العاصمة يوم 17 أفريل 1893. والده هو الشيخ محمّد بن العربي الكعّاك رئيس إدارة الخزينة بالوزارة الكبرى وأحد عدول تونس وموثّقيها. كان أديبا لبقا راوية يحفظ الشعر ويحذق روايته ويحسن نطقه ويتمثّل به في أحاديثه. وللعميد الكعّاك ثلاثة أخوة من الذكور أوّلهم محمّد الكعّاك وهو أمين فلاحة، وثانيهم هو الأستاذ عبد الرّحمان الكعّاك أوّل رئيس لجمعيّة الوكلاء التي أسّست سنة 1934، أمّا الأخ الثالث فهو المؤرخ عثمان الكعّاك الذي كان مثالا للنّشاط العلمي الأدبي والمحرّك الأوّل للنّهضة الأدبيّة الفكرية في عصره خاصّة في نادي قدماء الصادقيّة. في هذه العائلة الأندلسيّة الأصل، وفي هذه البيئة العلميّة الثقافيّة نشأ مصطفى الكعّاك ونهل من ينابيع المعرفة. والتحق بالمدرسة الصادقيّة وانخرط في سلك تلاميذ مدرستها الابتدائية. كان يحدّثنا عن هذه الفترة ويذكر بعض زملائه فيها ومنهم الشيخ سيدي علي ابن الخوجة. وتخرّج الأستاذ الكعّاك في مدرسة الصادقيّة محرزا شهادة الديبلوم في اللغة والآداب بدرجة حسن جدّا، فاشتغل مترجما بالقسم الأوّل وتابع الدراسة حتى أحرز شهادة الباكالوريا فتخلى عن الوظيف والتحق بكليّة الحقوق بآكس آن بروفونس بفرنسا وهو يقصّ علينا العذاب الذي ناله ولحقه من جراء اجتياز الامتحان والالتحاق بالكليّة لنيل الاجازة. فقد كانت الحرب العالميّة الأولى قائمة سنة 1917 عندما التحق بمرسيليا عن طريق البحر بعد جهد جهيد وخوف شديد. وكان على متن باخرة مخفورة محروسة ودامت الرّحلة ساعات ووصل إلى السّاحل ودخل مرسيليا لكنّ بعد أن ابتدأ زملاؤه بآكس في تحرير النصّ الكتابي للموضوع. وكان النجاح حليفه إذ أنجده عميد الكليّة وسمح له بالمشاركة.

وانتصب للمحاماة بعدما قضى فترة تدرّب في مكتب المحامي باتري. واشتهر بين أقرانه بعمق المعرفة والصّبر على الدّرس وسلامة أسلوبه في التّحرير بالعربيّة ولا عجب في ذلك وهو خرّيج الصادقيّة. وصدر أمر مؤرّخ في 26 نوفمبر 1917 يخوّل له المرافعة أمام المحاكم الأهليّة التونسيّة. وخاض المعارك واقتحم قاعات المحاكم ورفع كلمة الدّفاع وصانها وحافظ عليها. وكان مكتبه مدرسة تخرّج منها محامون بارزون منهم الأساتذة عبد القادر ابن الخوجة والبشير ابن أبي الضياف وعبد الرحمان المبزّع وفتحي زهير وسمير العنّابي وإسماعيل الكوكي.

مرشّح الأمة وعضو المجلس الكبير[عدّل]

وفي أوائل 1934 كان النّاس على موعد مع انتخابات جزئية لتسديد شغور مقعدين بالمجلس الكبير. وتكوّنت لجنة تضمّ أفرادا من مختلف الاتّجاهات الفكريّة لتنظيم الدعاية وجلب الأصوات لمن يرشّحه الشعب. واجتمعت هذه اللجنة بدار الشيخ محمد الشاذلي بن القاضي بنهج الباشا بتونس. وحضر الاجتماع الأوّل عدّة أعلام منهم الزعيم الحبيب بورقيبة والمنصف المستيري ومحمّد المالقي وجماعة من مشايخ ومدرّسي الزّيتونة. وكان الاتّفاق على ترشيح المحامي مصطفى الكعّاك والصّحفي سليمان الجادوي والدّعاية لهما ليشغلا المقعدين الشاغرين.

وقد كان الكعّاك محلّ عناية وثقة واعتراف بالمقدرة من قبل كلّ فئات الأمّة السياسيّة والثقافية والعلمية. وهكذا رأينا في هذه الفترة المبكّرة من حياة العميد الكعّاك أنّ الشّعب كان يحبّه ويحترمه ويرشّحه لتمثيله وأنّ النّخبة الوطنيّة رشّحته ودعت إلى التصويت له وقد نال الرضى بصرف النظر عن النّجاح والفوز بالمقعد.

جمعية قدماء تلاميذ الصّادقيّة[عدّل]

في سنة 1924 انتخب على رأس جمعيّة قدماء الصادقيّة مصطفى الكعّاك فأعاد لها نشاطها وحيويّتها وأوجد لها مقرا ثابتا ومناسبا يقع بنهج السيّدة عجولة. وتكوّن مجلس الجمعيّة من الكعّاك رئيسا والأعضاء: محمّد المالقي ومحمّد قاسم ومحمّد بن الحسين والشاذلي الخلاّدي والطّيب رضوان وعثمان الكعّاك والمحامي محمّد المقدّم والمختار المملوك وعلي بن عبد اللّه والقاضي أحمد العتكي. وفتح نادي الجمعيّة في وجه الطلبة زيادة على أعضاء الجمعيّة ومنخرطيها من الزوال حتى اللّيل. وعشايا الجمعة كانت تنظّم المحاضرات الاعتراضيّة التي يلقيها أعضاء النادي أو بعض الأدباء والعلماء. وفي أثناء المناقشة والمحاورة يُختار موضوع المحاضرة المقبلة ومن يلقيها. وكان من المحاضرين محمّد العربي الكبادي ومحمّد الشاذلي خزنه دار وقريبه وزميله مصطفى آغة وعثمان الكعّاك ومحمّد بن الحسين وزين العابدين السنوسي، ويوسف المحجوب وأحمد الضحّاك. وبلغت المحاضرات في فترة رئاسة الكعّاك ما يربو عن المائتين. وعمّر النادي بالشباب وأقبل عليه المثقّفون من خيرة أدباء تونس وشعرائها ومفكّريها وعلمائها، وذلك بفضل النشاط الذي كان يبديه العميد الكعّاك ويحرّك به سير هذا النادي ويبعث فيه الحيويّة. ودامت رئاسة العميد الكعّاك لجمعيّة قدماء الصادقيّة من سنة 1924 إلى سنة 1931.

الوزارة[عدّل]

كان النّصف الثاني من عام 1947 ساخنا وقد اشتدّ الضغط من الأحرار الوطنيين المكافحين على الحكومة الاستعماريّة الحاكمة المستبدّة بشؤون البلاد، فشعرت بأنه من الواجب سلوك سياسة التفاهم بوساطة أشخاص لهم مركز في المجتمع، لكن لا ينتمون إلى الحزب الحرّ الدستوري الذي كان يعرب عن إرادة الشعب وهي لا تريد أن تمدّ له يدها. واختارت فرنسا المراهنة على الكعّاك في هذه الفترة ولو بالتنازل بإعطاء بعض الاصلاحات المطلوبة نظير الهدوء السّياسي. ولمّا خوطب الكعّاك في شأن تولّيه الوزارة الكبرى كان جانبه قويا فهو يتمتّع بسمعة حسنة جدا وكانت مواقفه مميّزة بالمجلس الكبير، فانتهز الفرصة لاشتراط بعض الشّروط أوّلها إبطال هذه المهزلة التي كانت تضر ّ بسمعة المحاماة وهي أنّ العميد لا يكون إلاّ فرنسيا طبق الأمر المؤرخ في 27 جوان سنة 1924، كما ينصّ على أنّ العمادة لا يتولاّها التونسي وهو في وطنه وبلاده، وقال الكعّاك إنّه لا يقبل الوزارة ولا تشكيل الحكومة إلاّ إذا أصبح الوزير الأكبر يرأس المجلس الوزاري المضيّق المتركّب من الوزراء التونسيين والمديرين الفرنسيين ويعيّن الوزراء بعد إجراء استشارات ويعرضهم على الباي. وطلب أن تطلق يده لتطهير الإدارة من الموظّفين المتّهمين بالارتشاء وأن يسعى إلى إصلاح الحالة تدريجيا طبق برامج يعدّها ويعرضها على المجالس الوزاريّة الموسّعة. وقبلت شروطه وقبل ترشّحه إلاّ أنّه طلب إمهاله حتى يخوض انتخابات عميد المحامين بعد تنقيح أمر المحاماة.

وجاء يوم 18 جويلية 1947 واجتمع المحامون وانتخب الأستاذ مصطفى الكعّاك لأول مرة من التونسيين عميدا لجميع المحامين بالاجماع. وحقّق بذلك أوّل انتصار له وأوّل إصلاح يجري على يديه. ومن الغد سمّي وزيرا أكبر مكلّفا بتشكيل الوزارة، وتكوّنت هذه الوزارة التي بقيت في الحكم بضع سنوات (1950 - 1947)، إلاّ أن ّ حكومة الاستعمار لم تف بجميع عهودها فتخلّى الكعّاك عن مهامّ الوزارة الكبرى إثر ضغوط من الحركة الوطنية ضده.

الرّشيديّة[عدّل]

تأسّست الجمعيّة الرّشيديّة سنة 1934 بسعي حثيث من شيخ مدينة تونس مصطفى صفر. وكان مصطفى الكعّاك أحد المؤسّسين بل هو الذي وضع القانون الأساسي لهذه الجمعيّة الفنيّة التي أنشئت لحماية التّراث الموسيقي التّونسي وصونه. ولمّا انتخب أوّل مجلس لهذه الجمعيّة كان الكعّاك نائب الرّئيس. وتكوّنت اللجنة الأدبية بعناية مصطفى الكعّاك من فطاحل الأدباء والشعراء منهم محمّد العربي الكبادي ومحمّد الشّاذلي خزنه دار ومصطفى آغة وبلحسن بن شعبان وجلال الدّين النقّاش ومحمود بورقيبة والطّاهر القصّار والصّادق الرّزقي ومحمود أسطا مراد ومحمود بن عثمان وعثمان الكعّاك والمكّي المعاوي والحاج عثمان الغربي والشّيخ محمّد بن سليمان. وعيّن على رأس لجنة الدّعاية أحمد بن مامي رجل المشاركات الأدبيّة والوطنيّة المعروف بحماسته واندفاعه في سبيل الخير.

وفي أول مارس سنة 1941 إثر وفاة رئيس الرّشيديّة الأوّل مصطفى صفر انتخب العميد الكعّاك خلفا له واستمرّ على رأس الجمعيّة إلى سنة 1965. وقد كان الأب الحنون يحنو على المؤسّسة ويرعاها ويساعدها على الوصول إلى تحقيق هدفها الأوّل وهو إحياء التّراث الفنّي الموسيقي والمحافظة عليه. يقول صالح المهدي ومحمّد المرزوقي في كتابهما عن المعهد الرّشيدي للموسيقى: "وتولّى الأستاذ مصطفى الكعّاك رئاسة الجمعيّة الرّشيديّة واعتنى بها عناية كبرى فلم يتخلّ عن مواعيد تمارينها حتى حفّظته المجموعة كامل نوبة الأصبهان ولم يتخلّف عن جلسة واحدة من جلسات الجمعيّة واجتماعات لجانها، وتحمّل في فترة الحرب العالميّة الثانية جميع نفقات الجمعيّة من ماله الخاص". وهذه شهادة صادقة من ابن الرّشيديّة صالح المهدي الذي عاش في تلك الفترة وهو يعرف تاريخ الرّشيديّة ودور العميد في بعثها وإنشائها والمحافظة عليها ماديّا وأدبيّا، وما قدّمه في سبيل ذلك من تضحيات. ويبدو أنّ الكعّاك الذي كان شغوفا بالأدب وبتنشيط نواديه ورعاية المنتمين إليه شعر بفراغ عندما تخلّى عن رئاسة نادي قدماء الصادقيّة فسعى إلى إنشاء ناد آخر بمؤسّسة أخرى هي الرّشيديّة. وفعلا قد كان يسهر على جمع الأدباء في نادي الرّشيديّة وكان حريصا على أن يحضر هذه الاجتماعات كل ّ من له صلة بالأدب والفن.ّ وقد ضمّ إلى النادي عدّة رجال ساعدوه على الاضطلاع بمهامّه على أحسن وجه، من بينهم محمود الباجي ومحمّد الصّالح المهيدي والبشير العريبي والهادي العبيدي، وغيرهم. وآخر عمل قام به في فترة رئاسته للرّشيديّة هو إقامة مهرجان كبير لسماع مراثي الأدباء والشّعراء في فقيد الأدب، عضو الرّشيديّة ومؤلّف بعض أغانيها، بلحسن بن شعبان. وكان يستدعي الوفود الأدبيّة من مختلف الأصقاع وذلك للاحتكاك بهم والاستفادة من خبرتهم وتجاربهم، وهكذا يسجّل التّاريخ بأحرف ذهبيّة مآثر الكعّاك ثاني المصطفين بهذا المعهد الفنّي، والنّادي الأدبي أقدم النّوادي وأكثرها إشعاعا.

مصطفى الكعّاك الأديب المثقّف[عدّل]

كان الكعّاك أديبا قبل أنّ يكون من رجال القانون، شاعرا مرهف الاحساس عالي الذوق، يحبّ الأدب ويحفظ عيون الشّعر، ويروي روائع المتنبّي، يقول الشّعر أحيانا ويضمّن خطابه بعض ما حفظ من شعر. وكان له نشاط آخر وهو التّسيير في الميدان الرياضي فقد ترأس أكبر النوادي وأعرقها وهو جمعيّة الترجّي الرّياضي التّونسي. وتوفّي مصطفى الكعّاك يوم 6 جويلية سنة 1984 ودفن بمقبرة الزلاّج وأبّنه الأستاذ الحبيب شلبي بكلمة مؤثّرة والشاعر الأستاذ الهاشمي زين العابدين بقصيد رائع طالعه (كامل) :

قف بالضّريح ولا وقوف الباكي
واذكر فضائل مصطفى الكعّاك