الشاذلي الخلادي

من الموسوعة التونسية
(بالتحويل من الشاذلي الخلاّدي)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1901 - 1990م]

يعد الشاذلي الخلادي من خريجي الصادقية القلائل الذين لم ينفصلوا عن الحزب الدستوري القديم بعد انبعاث الحزب الدّستوري الجديد في 2 مارس 1934، ذلك أنّ عددهم كان لا يتجاوز الخمسة أعضاء، وهم: أحمد الصافي والطيّب الجميّل والشاذلي الخلاّدي وعزالدين الشريف والحبيب جاوحده، في حين كان معظم خريجي المدرسة الصّادقية من أعضاء الحزب الدستوري الجديد وأنصاره. ولد الشاذلي الخلاّدي بتونس في 10 ماي 1901، وكان والده مصطفى الخلاّدي يشغل خطّة أمين بناء. وبعد أن أنهى دراسته الابتدائيّة، التحق بالمدرسة الصّادقية حيث زاول دراسته الثانوية من أكتوبر 1914 إلى جوان 1920، وكان من زملائه في الدّراسة الحبيب بورقيبة والطاهر صفر ومصطفى الزمرلي والبشير المتهنّي. وإثر وفاة والده اضطرّ إلى الانقطاع عن الدّراسة للبحث عن مورد رزق، فتمّ له ذلك لما انتدب في آخر سنة 1920 مترجما بالمصالح العدلية، وكان عمره لا يتجاوز عهدئذ العشرين سنة، مع السّماح له بمتابعة دروس الحقوق التونسيّة ليتمكّن في حال نجاحه من الالتحاق بسلك القضاء، كما كان يرغب في ذلك. لكن هذه الرّغبة لم تتحقّق لأنّ مدير العدلية الفرنسي المتحكّم الحقيقي في وزارة العدلية التونسيّة، التي تأسّست في سنة 1921، قرّر في سنة 1926 إعفاء الشاذلي الخلاّدي من مهامّه بسبب نشاطه السياسي. ولاحظ مدير العدليّة في تقريره بصريح العبارة أنّ المعني بالأمر موظّف من ذوي الكفاءة المهنية والسّلوك الأخلاقي الذي لا مأخذ عليه، لكنّه معروف لدى الخاصّ والعامّ بمناهضته لنظام "الحماية". ذلك أنّ الشّاب الخلاّدي قد انضمّ إلى الحزب الدستوري التّونسي منذ تأسيسه سنة 1920، واقتحم ميدان الصّحافة الوطنية سنة 1924، بالاسهام في تحرير صحف الحزب الناطقة باللّغة الفرنسية. وقد كان يمضي فصوله بالاسم المستعار الذي اشتهر به منذ ذلك التاريخ وهو "عبد الحقّ". وإلى جانب نشاطه السّياسي كان الشّاذلي الخلاّدي يقوم بنشاط ثقافي ملحوظ في جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصّادقية. وقد انتخب عضوا في هيئتها المديرة التي كان على رأسها الأستاذ مصطفى الكعاك في الموسم الثقافي 1924 - 1925، نظرا إلى "ما أبداه من إخلاص للجمعيّة وتفان في خدمتها". وبعد فصله عن وظيفته في وزارة العدليّة، وجد نفسه عاطلا عن العمل، فانتدبه المحامي أحمد الصافي، الكاتب العامّ للحزب الدّستوري، للعمل في مكتبه بصفة كاتب. وسرعان ما تعلّقت همّته بالتحوّل إلى باريس لمزاولة دراسته العليا في الحقوق، إلا أنّ عدم حصوله على الباكالوريا لم يكن يسمح له بتحقيق رغبته. ففكّر مثل صديقه عثمان الكعّاك في الالتحاق بالمدرسة الوطنية للغات الشرقيّة بباريس التي كانت شهادتها معادلة لشهادة الباكالوريا.

وقبل ذلك أخذ في البحث عن موطن شغل في باريس يسمح له بالحصول على مورد رزق ومواصلة دراسته العليا. فانتدب قيّما في مبيت تابع لمعهد ثانوي في باريس. وفي الأثناء تمكّن من الحصول على منحة دراسيّة من جمعيّة أحبّاء الطلبة بتونس، بفضل عناية أمين مالها الشيخ الطيّب رضوان، وهو ملاك عقاري تونسي ثريّ مشهور بأعمال البرّ والاحسان وكان في الوقت نفسه عضوا في اللجنة التنفيذيّة للحزب الدستوري، وفي هيئة جمعيّة قدماء الصادقية، وفي هيئة الجمعيّة الخيريّة الاسلاميّة. وبفضل هذه المساعدات التحق الشّاذلي الخلاّدي بمدرسة اللّغات الشرقية التي تستغرق الدراسة بها ثلاث سنوات، لكن يسمح لمن نجح في امتحان اختباري بالانخراط مباشرة في سلك تلامذة السّنة الثالثة. فاجتاز الخلادي هذا الامتحان، وتمكّن من الالتحاق بكلية الحقوق بباريس والحصول على الإجازة في هذه المادة، بعد قضاء ثلاث سنوات في الدّراسة، وإثر ذلك عاد إلى تونس في آخر سنة 1935 وانخرط في سلك المحاماة.

وإلى جانب دراسته قام الشاذلي الخلاّدي بنشاط سياسي مكثّف في باريس. فشارك في أعمال جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، ومثّل الحزب الحرّ الدستوري التونسي في باريس خلفا للمناضل الشاذلي خير اللّه الذي أبعدته الحكومة الفرنسيّة في ديسمبر 1927 وعاد إلى تونس في سنة 1928. كما أصدر الشاذلي الخلاّدي في سنة 1932 كتابا باللغة الفرنسيّة في باريس، عنوانه: تونس للموظّفين. وقد كان لهذا الكتاب صدى واسع لدى الأوساط السياسية المهتمّة بالقضيّة التونسيّة سواء في تونس أو في باريس، إذ شهّر فيه المؤلف بسياسة حكومة الحماية في تونس في مجال الوظيفة العموميّة، القائمة على الاكثار من عدد الموظفين الفرنسيين، على حساب أبناء البلاد، وتمتيعهم، بالإضافة إلى الثّلث الاستعماري، بعدد لا يحصى من الامتيازات والمنح منها "منحة القمل".

ولما عاد الخلاّدي إلى أرض الوطن، وجد تونس ترزح تحت استبداد المقيم العام بيروطون، ولم يستأنف نشاطه في الحزب الدّستوري القديم إلاّ سنة 1936، بعد إنهاء مهامّ ذلك المقيم، وتعويضه بالاشتراكي أرمان غيّون، والافراج عن قادة الحركة الوطنيّة الذين كانوا معتقلين في محتشد برج البوف (برج بورقيبة حاليا). وقد عيّن الخلاّدي عضوا في اللّجنة التنفيذية واشتهر بالحملة الصّحفية التي شنّها عهدئذ على قادة الحزب الدّستوري الجديد وفي مقدمتهم الكاتب العام الحبيب بورقيبة، وهو ما زاد في حدّة الخلاف بين الرّجلين منذ أن كانا تلميذين بالمدرسة الصّادقيّة. ولمّا عاد الشيخ عبد العزيز الثعالبي من المهجر في شهر جويلية 1937 سعى إلى وضع حدّ للخلاف بين الوطنيّين والعمل على إعادة وحدة الحزب الحرّ الدستوري التّونسي. وبعد الاتّصال بقادة اللّجنة التنفيذيّة والدّيوان السّياسي، اتفق على تأليف لجنة سياسيّة عليا برئاسة الثّعالبي تضمّ 4 أعضاء من الحزب الدّستوري القديم و4 أعضاء من الحزب الدستوري الجديد، إلاّ أنّ الدّيوان السّياسي اشترط إقصاء عدد من قادة الحزب الدّستوري القديم من هذه اللّجنة وفي مقدّمتهم محمد محيى الدين القليبي والشاذلي الخلاّدي اللّذان يعتبران من ألدّ خصوم الحبيب بورقيبة. وبطبيعة الحال رفض الشّيخ الثّعالبي هذا الشرط، وتبعا لذلك باءت مساعي توحيد الحركة الوطنيّة بالفشل. فاستأنف الشّاذلي الخلاّدي حملته على زعماء الحزب الدّستوري الجديد في المقالات التي كان ينشرها على صفحات جرائد الحزب الدّستوري القديم النّاطقة بالفرنسيّة بإمضاء "عبد الحقّ". ومن هذه المقالات المقال الذي نشره في جريدة (الميثاق) بتاريخ 12 فيفري 1938 بعنوان «Le bateau ivre» (المركب التائه).وقد شهّر فيه بلهجة حادّة بأتباع الحزب الدستوري الجديد لأنّهم عمدوا إلى اقتحام القاعة التي كان من المقرّر أن تعقد فيها "جامعة عموم العملة التّونسية" الثّانية مؤتمرها الوطني وأزاحوا عنوة كاتبها العامّ بلقاسم القناوي وعوّضوه بأحد قادة الحزب الدّستوري الجديد المحامي الهادي نويرة. وختم الشاذلي الخلاّدي مقاله الشّهير، مندّدا بسياسة الحزب الدستوري الجديد "العدوانية" ضدّ "جامعة عموم العملة" قائلا: "لا سبيل إلى إقامة الدّليل بأكثر من هذه الحدّة على طموح الحزب الدستوري الجديد إلى الاستحواذ على منظمة تأبى العيش تحت سلطة حزب سياسي.إنّ حياة المنظّمات ومصالحها ومستقبلها ليس لها شأن كبير تجاه مطامح قادة الحزب الدستوري الجديد ومطالباته الماديّة. فإلى أين يسير مركب الحزب الدّستوري الجديد التائه؟ لقد تجاوز الأمر حدود الطّموح وأصبح من قبيل الجنون".

نشاطه الصحفي[عدّل]

ارتكز نشاط الشّاذلي الخلاّدي في الميدان السّياسي منذ شبابه الباكر على المشاركة في تحرير الصّحف الوطنيّة النّاطقة بالفرنسيّة على اختلاف نزعاتها. وقد كان في عصره من أبرع الكتّاب التّونسيّين باللّغة الفرنسيّة وقليلا ما كان يحرّر في الصّحف النّاطقة باللّغة العربيّة. وقد بدأ بالتحرير في جريدة الحزب الدستوري القديم "اللّيبرالي" التي صدرت من 29 نوفمبر 1924 إلى 16 جانفي 1926 بإدارة المناضل الدستوري الشّاذلي خير اللّه. وتوقّفت الجريدة إثر صدور فصل بقلم مديرها، بعنوان "دمشق المدينة الشهيدة"، في العدد المؤرّخ في 25 نوفمبر 1925. ومنذ ذلك التاريخ استمرّ الشاذلي الخلاّدي في التّحرير بالصّحف النّاطقة باسم الحزب الدستوري القديم أو المتعاطفة معه، وكان يمضي فصوله دائما باسم "عبد الحقّ". وهكذا فقد أسهم في تحرير جريدة "اللّواء التّونسي" النّاطقة بالفرنسيّة والصادرة من 4 جانفي 1929 إلى 10 فيفري 1930 بإدارة الشاذلي خير اللّه. ثمّ حرّر بعض المقالات في جريدة "صوت التونسي" النّاطقة بالفرنسيّة والتي أصدرها الصّحافي نفسه في 26 مارس 1930، وتحوّلت في السّنة الموالية من جريدة أسبوعيّة إلى جريدة يوميّة، كما أسهم في جريدة "صوت الشعب" التي صدرت من 11 مارس إلى 27 ماي 1933. وفي أثناء إقامته بباريس نشر أيضا بعض الفصول والمقالات في عدد من الصّحف الفرنسيّة ذات النّزعة اليساريّة. ولما عاد الخلاّدي إلى تونس انضمّ إلى أسرة تحرير جريدة "الميثاق التّونسي" التي صدرت في 25 جويلية 1936 بإدارة الصيدلي الدّستوري علي بوحاجب ثمّ أصبحت الناطقة باسم الحزب الدستوري القديم في 8 جانفي 1937 وعطّلت في 4 أفريل 1938. ولم يتردّد في الكتابة ببعض الصّحف المستقلّة الناطقة بالفرنسيّة مثل "تونس الجديدة" التي أصدرها بصفاقس في 25 أوت 1927 كل من أحمد حسين المهيري صاحب جريدة "العصر الجديد" وزهير العيّادي، ومثل جريدة "تونس الفتاة" التي أصدرها محمّد بن عبا من 15 جوان 1947 إلى 15 مارس 1949. وأخيرا انضمّ الشاذلي الخلاّدي إلى هيئة تحرير جريدة "الأمّة التونسيّة" التي ظهرت في 23 جانفي 1949 بإدارة صلاح الدين التلاتلي عضو اللجنة التنفيذيّة، ولم يصدر منها سوى 12 عددا وتوقّفت في 19 جوان 1949.

نشاطه السّياسي في عهد الحماية[عدّل]

ألقي القبض على الشّاذلي الخلاّدي للمرّة الأولى والأخيرة في عهد الحماية، إثر دخول الحلفاء إلى تونس في 7 ماي 1943 بتهمة التّعاون مع قوّات المحور. وسرعان ما أفرجت عنه السّلطة العسكريّة الفرنسيّة، إثر تدخّل الاقامة العامّة، حسبما أشار إلى ذلك رئيس مصلحة المخابرات الفرنسيّة بتونس روجي كازماجور في تقريره الشهير : "العمل الوطني في البلاد التّونسية". كما أسهم في مؤتمر ليلة القدر المنعقد بتونس في 23 أوت 1946, وحرّر باللّغة الفرنسيّة نصّ اللائحة التي صادق عليها المؤتمر، بالاشتراك مع ممثل الحزب الدستوري الجديد الهادي نويرة، ولم يلق عليه القبض مع المسهمين السّتة والأربعين الذين أودعوا السّجن. ويستفاد من بعض المصادر أنّ الشّاذلي الخلاّدي قد استقال من اللّجنة التنفيذيّة سنة 1949 بسبب الخلاف الذي نشب بينه وبين بعض قادة الحزب الدستوري القديم ولا سيما مدير الحزب محيي الدين القليبي، ولكنّه لم يعلن عن تلك الاستقالة للعموم، لذلك لم يسهم لأوّل مرة في الجريدة الناطقة باللّغة الفرنسيّة "الاستقلال" التي أصدرها الحزب الدستوري القديم من أوّل فيفري إلى 12 جويلية 1951 بإدارة عضو اللجنة التنفيذيّة الدكتور أحمد بن ميلاد. وكان آخر نشاط سياسي قام به الأستاذ الخلاّدي قبل الاستقلال، تعيينه عضوا في لجنة الأربعين التي عيّنها محمد الأمين باي في آخر سنة 1952 لابداء الرأي حول إصلاحات المقيم العام دي هوتكلوك، المزعومة التي رفضتها اللّجنة بالاجماع جملة وتفصيلا.

نشاطه السّياسي بعد الاستقلال[عدّل]

لم يقم الشاذلي الخلاّدي بأيّ نشاط سياسي يستحقّ الذكر بعد الاستقلال، إذ اختار التفرّغ لنشاطه المهني، لا سيما بعد أن انتخبه زملاؤه عميدا لهيئة المحامين، بمقتضى القانون المؤرخ في 15 مارس 1958, والمتعلّق بتنظيم مهنة المحاماة في تونس. وقد اضطلع بمهامّه على أحسن وجه ممكن وحقّق كثيرا من الانجازات لفائدة زملائه، لا سيما منها القانون الأساسي للمحامين. واستمرّ على رأس الهيئة إلى حدود سنة 1961. ففي هذه السّنة بالذات، اتهّمته السّلطة بثلب القضاء ضمن مرافعته في قضية ضدّ أحد الفرنسيّين المقيمين بتونس إثر حوادث بنزرت، والواقع أنّه طلب من المحكمة في أثناء دفاعه عن حريفه الفرنسي عدم الخلط بين السياسة والأمور الشّخصيّة. فألقي عليه القبض وأحيل على المحكمة التي أصدرت ضدّه حكما بالسجن لمدّة ستّة أشهر. كما حلّت هيئة المحامين المنتخبة وعوّضت بلجنة معيّنة لإدارة مصالح المحامين برئاسة المحامي عبد الرحمان عبد النبي من 1961 إلى 1965. ولكن حتّى بعد إطلاق سراح الشاذلي الخلاّدي واستئناف نشاطه المهني، استمرّ الرئيس بورقيبة في انتقاده في مناسبات مختلفة. من ذلك أنّه لم يتردّد في المحاضرة التي ألقاها يوم 19 أكتوبر 1973، على منبر معهد الصّحافة، في اتّهامه بكونه لم يتمكن من الانخراط في سلك المحامين إلاّ بفضل قرار أصدره المقيم العام بيروطون لفائدته. لقد صدر قرار بتمكين المحامي الشاذلي الخلاّدي المتخرّج في كلية الحقوق بباريس من المرافعة لدى المحاكم التّونسيّة، كما هو الشأن بالنسبة إلى سائر المحامين التّونسيين المتخرّجين من الجامعات الفرنسيّة، بمن في ذلك المحامي الحبيب بورقيبة ذاته.

ويبدو أن الخلاّدي قد تصالح قبيل وفاته مع الرئيس بورقيبة الذي زاره في بيته واقترح عليه أن يسلّمه نسخة من كتاب تونس للموظّفين ليأمر بإعادة طبعه "حتى يطّلع الشبّان التونسيّون على ما قام به أسلافهم من عمل في عهد الاستعمار"، على حدّ قوله. فأجاب الخلاّدي مخاطبه قائلا:"إن ذلك الكتاب المنشور منذ 1932 كان مفيدا في وقته، أمّا الآن فمن المتوقّع أن لا يثير اهتمام الأجيال الصّاعدة". ومن هنا جاءته فكرة جمع ما كتبه في حياته من مقالات وفصول وإعادة نشرها في كتاب مستقلّ بذاته. وفي الحين شرع في تطبيق هذه الفكرة، وجمع فصوله في كتاب عامّ بعنوان: في زمان الاستعمار، وقسّمه إلى ثلاثة أجزاء: الرجال والأفكار والوقائع. وقد صدر الجزء الأوّل في آخر سنة 1989 مصدّرا بتوطئة بقلم كمال العريف، وتوفّي صاحب الكتاب في 9 فيفري 1990 قبل ظهور الجزأين الثاني والثالث.