جيولوجيا البلاد التونسية

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تتميز البلاد التونسية بتاريخ طبيعي يقوم بالأساس على الترسب والتكون ثم التطوّر بحسب ظروف التكشف أو الخضوع للتحرّكات التكتونية. ويتضح أن كلّ الصخور المكوّنة للتكشفات وتحت الأديم ذات أصل ترسّبي وتنتمي إلى طبقات الغشاء. فالصخور الاندفاعية ذات الأصل العميق أو الصخور المتحوّلة أو تلك المتأتية من ثوران البراكين محدودة الأهمية لا تسهم إلاّ موضعيا في فهم التركيبة الصخرية وظروف نشأتها وتحوّلها. وتعدّ البلاد التونسيّة الامتداد الشرقي للوحدات الجيولوجية المغاربية. ففي الجنوب يمتدّ المجال الصحراوي من منخفضات الشطوط إلى أقصى الجنوب التونسي حيث المسطبة الصحراوية. وهي منطقة تتصف بالامتداد والانبساط وتحدّها مشارف سهبية كالظاهر على السهل الساحلي للجفارة. أمّا شمالي منطقة الشطوط، فإنّ سلسلة التل الجزائرية تقترب أكثر من الشمال لتكوّن "التلّ الشمالي" الواقع شمال حوض مجردة في حين تتفرّع سلسلة الأطلس إلى الظهرية التونسية والأطلس الصحراوي.

محتويات

المراحل الجيولوجية وسحناتها الليثولوجيّة[عدّل]

تنحصر الطبقات الصخريّة الراجعة إلى ما قبل الحقب الجيولوجي الثاني في منطقة وحيدة بالبلاد التونسية وهي منطقة الطبقات البارمية الواقعة شمالي مدنين بين الظاهر وتاجرة. أمّا بقيّة الصخور الراجعة إلى ما قبل البارميان فهي غير معروفة على السطح وقد أمكن التعرف إلى خصائصها من تركيبة ليثولوجية وعمق وسمك، عن طريق التنقيبات البترولية والمائية، كما تيسّر تحديد الطبقات الراجعة إلى القاعدة الصخرية لما قبل الكمبري تحت طبقات الحقب الباليوزويكي على أعماق تتراوح بين 1200 و4000 متر وهي صخور الغرانيت مع الديوريت وصخور أخرى شبه متحوّلة متكوّنة من الشيست والكوارتزي والكوارتزيت. وقد حدّد عمر هذه الصخور لما قبل الكمبري بفترة "الفاروزي" وهو ما يماثل الصخور نفسها التي بالهقار.وقد مكّنت التنقيبات العميقة بالجنوب التونسي من تحديد خصائص الطبقات الراجعة إلى مرحلة البليوزويك التي تنقسم إلى فترات: الكمبري والأوردوفيسي والسيلوري والديفوني والكربوني والبارمي.

العصر الترياسي (triasique)[عدّل]

طبقات هذا العصر ذات تنضّد طبيعي في السياق الجيولوجي العام، وقد مكّنت مراجعة الدّراسات الأولية من تبيّن مجالين للبيئة القديمة لترسبات الترياس بالجنوب التونسي، هما:

  • المقاطعة الشمالية، وهي المنطقة الواقعة حوالي مدنين حيث تتكشف طبقات الترياس والجوراسي في شكل تكوينات محدودة السمك وغير متصلة بعضها ببعض. وهذه المنطقة كانت في تلك الفترة بيئة ترسيبية رضيفية الخصائص وتعرف باسم "مرتفع طباقة".
  • المقاطعة الجنوبية، وهي امتداد للسابقة في اتجاه الجنوب الشرقي تصل حتى الجفارة الليبية، وفيها تأخذ تكشّفات الترياس امتدادًا واسعا والطبقات الجيولوجية بها متواصلة التركيبة.

في ما عدا الجنوب التونسي، تلوح تكشّفات الطبقات الترياسية غير متنضدة في السياق الجيولوجي العام وتأخذ شكل انبثاقات تخترق مختلف الطبقات الراجعة إلى مراحل جيولوجية أحدث من الترياس. والطبقات الراجعة إلى هذه السحنة التكتونية متكوّنة من خليط من البخريات والطفليات المجعّدة والسجيل والدلومايت إضافة إلى بعض الكلسيات المتبلورة، وقد خضعت كلها للتهشيم والتفتيت وإعادة الترسيب. وتتميّز هذه الطبقات الترياسية بافتقارها إلى الحثّيات الأحفورية وهو ما يجعل ربطها بمرحلة زمنية من التاريخ الطبيعي صعبا، ولم يتسنّ تدقيق عمر هذه الطبقات إلاّ ببعض الانبثاقات الترياسية. وأفضل موقع لتكشفات الترياس الانبثاقي هو "جبل رويس" الواقع شرقي سيدي بوزيد على امتداد المحور شمال - جنوب (جبال سيدي خليف وبودينار) حيث تأخذ طبقات الترياسي شكل مركّب ليثولوجي يخترق غشاء الجوراسي الأعلى.

العصر الجوراسي (Jurassique)[عدّل]

تتميز الطبقات الجوراسية في البلاد التونسية بترسّبها وتكوّنها في بيئة هادئة قليلة التحرّكات التكتونية إضافة إلى ثراء البقايا الأحفورية وتواصلها مع وضوح المرور من فترة إلى أخرى، كما أن هذه الطبقات متعددة التكشفات بشمال البلاد ووسطها وجنوبها. لذلك يمكن تبيّن خصائصها بدراسة تكشفاتها في المواقع الثلاثة التالية: سلسلة الظهريّة والمحور شمال - جنوب والجنوب التونسي. إنّ المرتفعات الممتدة جنوب تونس بين جبلي بوقرنين والجرس ومرورا بالرصاص وزغوان تشكّل نهاية الظهرية التونسية حيث تبرز تكشفات الجوراسي. وهذه المرتفعات يحدّها فالق زغوان الذي يضع طبقات الجوراسي في مواجهة عدّة تركيبات جيولوجية مغايرة ولأحدث منها. ويعدّ جبل زغوان أهمّ هذه التكشفات، حيث يمكن تبيّن خصائصها الليثولوجية والتصدعات التكتونية التي خضعت لها وهي تتوافق وبيئات ترسبيّة مختلفة تتراوح بين البيئة البحرية ذات المياه العميقة والبيئة البحرية ذات الرصيف المرجاني مع ما بينهما من وضعيات تداخل. أمّا محور الشمال - جنوب فهو سلسلة جبلية تمتد من جبل زغوان شمالا إلى مرتفعات الظاهر جنوبا وتفصل هذه السلسلة بين مسطبة الساحل الشرقية ومنطقة السهول الداخلية للقيروان و سيدي بوزيد. هذه السلسلة الجبلية هي وحدة أساسية في البنية الجيولوجية للبلاد التونسية تشتمل على الكثير من تكشفات الجوراسي.

ونتبيّن في هذه التكشفات وحدتين متميزتين هما:

  • الوحدة الدلومايتيّة القاعدية
  • الوحدة المارلية والطفلية.

وتتميّز فترة الجوراسي بالجنوب التونسي كما هو الشأن في العصر الترياسي بوجود مقاطعتين بحريتين، إحداهما جنوبية كان الترسب بها متواصلا طيلة كامل الفترة الجوراسية والأخرى شمالية ذات تكشفات محدودة وطبقات غير متصلة. وباستثناء الطبقات الجوراسية للجنوب التونسي، فإن الترسبات الراجعة إلى هذا العصر ببقية البلاد تغلب عليها السحنة الكربوناتية مع تموضعها في بيئة بحرية واضحة. أمّا بالجنوب التونسي فإن البيئة الترسيبية المميزة للمستنقعات والبحيرات القريبة من البحر خلال الترياسي الأعلى تتواصل حتى نهاية الجوراسي الأوسط لكي يصبح الوسط الترسيبي بحريا صرفا ولكن البحر سرعان ما ينحسر مع الجوراسي الأعلى لكي يصبح الوسط الترسيي قاريّا نهريّا.

العصر الكريطاسي (Crétacé)[عدّل]

تختلف سحنات الطبقات الجيولوجية الراجعة إلى الكريطاسي الأسفل بالبلاد التونسية بحسب المناطق الثلاث للشمال والوسط والجنوب. ففي الشمال التونسي سيطرت ظروف ترسبية مميزة لبيئة بحيرة ذات مياه عميقة وهو ما أعطى "ركاميات الجرف التونسي" التي يبلغ سمكها عدّة آلاف من الأمتار. وهي ذات تركيبة حتاتية وطينية شملت المنطقة الممتدة شمال سلسلة الظهرية. أمّا بتونس الوسطى الممتدة بين الجرف التونسي ومنطقة الشطوط فإن الطبقات الراجعة إلى الكريطاسي الأسفل تغلب عليها خصائص الرسوبيات القارية أو المتجمعة في مياه بحرية قليلة العمق. وقد أمكن تبيّن التكوينات الليثولوجية التالية:

  • تكوين سيدي خليف: وهي طبقات طينية وسجيلية مع بعض الاندساسات الكلسية أو الحتية. وهذه الطبقات قد ترسبت في بيئة بحرية ذات مياه عميقة.
  • تكوين المالوسي: وهي طبقات رملية قليلة التماسك مع اشتمالها على الكلس والجبس وتدل على ترسبها في بيئة بحرية ذات مياه قليلة العمق.
  • تكون بودينار: وهي طبقات رملية ترسّبت في بيئة قارية نتيجة تيّارات مائية نهرية.
  • تكوين قفصة: وهي طبقات تغلب عليها السحنة الكلسية وقد ترسبت في بيئة بحرية ممّا يدل على اجتياح بحري لكامل منطقة تونس الوسطى مع نهاية الكريطاسي الأسفل.

أمّا بالجنوب التونسي، فإن طبقات الكريطاسي الأسفل تغلب عليها خصائص الترسبات الواقعة في بيئة قارية وهي في مجملها تراكمات نهرية في شكل رمال قليلة التماسك مع اندساسات كربوناتية عند قاعدتها. أمّا بالقرب من مرتفعات الظاهر فإن الصفة القارية لهذه الترسبات غالبة منذ نهاية الطبقات الجوراسية. وتصبح طبقات الكريطاسي الأدنى أكبر سمكا في منطقة الشطوط (حوضي الجريد والفجاج) حيث يصل هذا السمك إلى حوالي 2500 متر. وتتميّز طبقات الكريطاسي الأعلى بتنوع سحناتها الليثولوجية وتعدد التضاريس الناتجة عنها. وكانت هذه الفترة شاهدة على مراحل انحسار البحر نهائيا من الجنوب التونسي.

ويمكن أن نتبيّن خلالها المجالات الترسيبية التالية:

  • الجرف التونسي الواقع شمال سلسلة الظهرية بترسبات بحريّة في مياه عميقة تغلب عليها الحتاتيات والطين.
  • جزيرة القصرين، وهي منطقة قارية عرفت تذبذب البحر وترسّبت بها طبقات كربوناتية (كلس أو دلومايت) ذات سمك مختزل وأحيانا تكون الترسّبات غائبة تماما. وتتميّز هذه المنطقة بتداخل الترسبات البحرية والرسوبيات البحرية قليلة العمق.
  • مسطبة تونس الشرقية، وهي منطقة هادئة ذات ترسبات بحرية قليلة العمق.
  • الأرصفة المرجانية على المحور شمال - جنوب وهي منطقة عبور بين المجال القاري لتونس الوسطى والمسطبة البحرية لتونس الشرقية، وتتميّز بتداخل الترسبات البحرية والرسوبيات البحرية القليلة العمق.
  • جرف قفصة وهي منطقة ذات مياه بحرية عميقة متصلة بالجرف التونسي عن طريق الغرب.
  • المسطبة الصحراوية وهي بيئة بحرية بمياه قليلة العمق تركت ترسبات كربوناتية متذبذبة بين الكلسيات والبحريات المندسة في بعض مراحلها.

الحقب الجيولوجي الثالث[عدّل]

تتميّز البلاد التونسية عند مستهل الحقب الجيولوجي الثالث ببيئتين مختلفتين، إحداهما قارية وتشمل المسطبة الصحراوية في الجنوب وجزيرة القصرين في الوسط وأقصى الشمال الغربي. أمّا الأخرى فهي بيئة بحرية يختلف فيها عمق المياه باختلاف الترسبات الناتجة عنها، وهي مجال ترسب الفسفاط والكلسيات على مشارف جزيرة القصرين في بيئة رصيف بحري ذي مياه قليلة العمق، وكذلك مجال ترسب الكلس النومليتي والكلس القلوبجيري في بيئة بحريّة ذات مياه بأعماق كبيرة. مع الحقب الجيولوجي الثالث يأخذ التاريخ الجيولوجي للبلاد التونسية منحى جديدا، إذ بعد أن سيطرت عليه ظروف الترسب بين طغيان البحر وانحساره في مناطق على درجة ما من الهدوء التكتوني، تصبح الحركية التكتونية من أهمّ سمات التكون الجيولوجي للأحواض الترسيبية ولتشكل البنية التحتية والبارزة للمناطق مع تميّز مناطق انحسر عنها البحر وأصبحت خاضعة لعوامل التكوّن (الالتواء والانكسار والحتّ) ومناطق أخرى خاضعة لاجتياح البحر نتيجة الحركية التكتونية (أحواض انهدامية وترسبات ارتصاصية). ويمكن في الحقب الجيولوجي الثالث تبيّن مرحلة ترسيبيّة في البيئة البحرية ذات المياه العميقة (الجرف التونسي وجرف قفصة ومسطبة تونس الشرقية والساحل وأطراف جزيرة القصرين) مع هدوء تكتوني. وقد امتدت هذه المرحلة حتى نهاية الأيوسين، ثمّ مرحلة التحركات التكتونية ذات الملامح الألبية التي بدأت مع الأوليقوسين والتي نتج عنها ركاميات سميكة من المواد الحتاتية، وقد تواصلت هذه الحركية التكتونية حتى الميوسين. أمّا البلويوسين فقد كان مرحلة التفاعلات الأخيرة التي شذبت التضاريس وأعطت التحركات الأخيرة. وتتميّز الطبقات الجيولوجية التي تمثّل فترة المرور من الحقب الجيولوجي الثاني إلى الثالث بأهمية خاصة نظرا إلى أنها تجسّد مرحلة التحول في المناخ والبيئة الترسبية والحركية التكتونيّة للبنية الجيولوجية. وهي طبقات طينية مارنية ذات لون داكن يبلغ سمكها حوالي 700 متر، وهي طبقات قليلة الصلابة تعطي تضاريس غير حادة قابلة للانجراف. وتمّ ترسّب هذه الطبقات في الشمال في بيئة بحرية ذات مياه عميقة (الجرف التونسي وجرف قفصة الداخلي) وذات طبيعة طينية وأصبحت جبسية في الجنوب مع اشتمالها على الفسفاط.وليست هذه الترسّبات متواصلة دون انقطاع إلاّ في منطقة الجرف التونسي، أمّا في بقية المناطق فكثيرا ما تبدو مختزلة التركيب. وهو ما يثبت وجود حركية تكتونية كما هو الحال في وسط البلاد وشرقيها. أمّا الطبقات الفوسفاتيّة فهي طبقات متكونة من صخور فوسفاتية بنسبة اقتصادية مرضية (60 إلى 70% من ثلاثي الفوسفاط) والفوسفاط التونسي حبيبي متماسك عن طريق طين وحبيبات رملية. ويفترض أن تكوّن هذه الطبقات الفوسفاتية قد تكوّنت في بيئة بحرية في أعماق لا تتجاوز 200 متر مع وجود بقايا لحيوانات بحرية تظهر بوضوح في مختلف الطبقات الفوسفاتية. وتنتمي هذه الطبقات إلى نفس البيئة التي ترسبت فيها الطبقات الفوسفاتية ببقية القارة الافريقية (تونس، المغرب، السنيغال، الطوغو، ومملكة الداهومي القديمة أو البينين حاليا) في فترة الكريطاسي - الايوسين. وهي تعكس مواصفات بيئية ومناخية قديمة متشابهة، ذلك أنها ترسّبت على أطراف القارة عند الرصيف القاري تحت أعماق من المياه البحرية الضعيفة نسبيا وفي ظروف مناخ حار.

الملامح الأساسيّة لجيولوجيا البلاد التونسيّة[عدّل]

من أهمّ خصائص جيولوجيا البلاد التونسية استمرارية الوحدات الجيولوجية الكبرى نفسها في فترات طويلة كما هو شأن ثلاث مناطق على الأقلّ وهي: الجرف التونسي بالشمال والمنطقة القارية بتونس الوسطى والمسطبة الصحراوية بالجنوب التونسي. ومثل هذه الوحدات الجيولوجية ذات امتداد شرق - غرب على المستوى المغاربي، وهو ما يجعل الالتواءات التي تحدّها ذات امتداد وتواصل زمني كبيرين. ويعتقد أن هذه الوحدات البنيوية ذات صلة بتركيبة القاعدة الصلبة لما تحت القشرة الرسوبية المكونة لمختلف هذه الوحدات. ولقد كان للتحركات التكتونية الأطلسية (الحقب الجيولوجي الثالث) دور مهمّ في توضيح ملامح المرحلة الحديثة التي تواصلت أصداؤها إلى مطلع الحقب الجيولوجي الرابع. ساعد وجود العتبات الجيولوجية القديمة في شكل تحدبات أقلّ عمقا في بيئة بحرية ذات مياه عميقة (الأرصفة المرجانية البارمية بطباقة مدنين أو الجوراسية بالمحور شمال - جنوب) على تموضع بيئات ترسيبية تدرجية بين البيئة البحرية العميقة والمجال الترسبي القاري، وهو ما جعل الوحدات الترسيبية المميزة للبيئة البحرية العميقة (الجرف القاري) على مسافة ما من هذه المناطق القليلة العمق وساعد على خلق فروق واضحة في المجال الترسبي بين جانب وآخر من هذه العتبات البحرية.

المعروف أن الوحدات الترسيبية الجيولوجية تؤثر إلى حدّ ما في التحركات التكتونية التي تتسبب في رسم الخطوط الأساسية للبنية التكتونية. وفي هذا السياق تلوح الالتواءات الأطلسية ذات امتداد مغاير بالنسبة إلى الوحدات الترسيبية القديمة خاصة في الحقبتين الجيولوجيّتين الثانية والثالثة. فالالتواءات ذات الامتداد شرق - غرب التي سيطرت طيلة الكريطاسي قد توقفت عند الكريطاسي الأعلى (الكمبانيان) لكي تشتغل من جديد في الحقبة الجيولوجية الثالثة العليا (الأوليقوسين ((digocène), ثم أخذت مع التحركات الأطلسية لمطلع الميوسين (miocène)، امتدادا مغايرا "ش غ - ش ش". وبذلك كانت البنية التكتونية النهائية للبلاد حصيلة هذين الصنفين الأساسين من الالتواءات التكتونية. وما التحركات والالتواءات الموضعية الخاصة ببعض المناطق إلاّ صدى لهذه التركيبة التكتونيّة.

يتضح من الالتواءات والفوالق الأساسية التي تميّز التركيبة الجيولوجية بالبلاد التونسية أن مجمل الحركات التكتونية التي شكلت البنية الحالية للتضاريس بالبلاد هي تصدّعات في مستوى الغشاء وليست نابعة من القاعدة. ذلك أن المرتفعات الأطلسية تؤكّد وجود تحرّكات انفصالية تؤدّي فيها الطبقات الترياسية دورا أساسيا نظرا إلى طبيعتها اللينة، كما أن هذه الطبقات الترياسية قد ساعدت كثيرا على حدوث الحركات الانزلاقية للكتل الصلبة (الطبقات الكلسية التي يأتي في مقدمتها الكلس اللّياسي). وهذه الحركات الانفصالية قد حدثت في الطبقات القاعدية وكذلك في الطبقات النهائية كما يتضح ذلك من تركيبة جبل نارة التي تنقصها الطبقات اللياسية المنزلقة فوق الترياسي العلوي الجبسي.

الحفريات المائية خصائصها[عدّل]

الحفريات المائية هي ثقوب يحدثها الإنسان في الطبقات الأرضية لبلوغ مستوى المياه الجوفية والتوغل فيها قصد التمكّن من استخراج هذه المياه واستعمالها في مختلف الأغراض. وتختلف الحفريات المائية عن الأصناف الأخرى من الحفريات الخاصة بالنفط أو التعدين أو الجيوتقنية بأنها تهدف إلى التعرف على خصائص المياه الجوفية أو التمكن من استخراحها، لذلك يكون الحرص شديدا على حماية تلك المياه من التلوث وتهيئة البئر على النحو الملائم لذلك الاستغلال. ومنذ مطلع الثمانينات توسع مجال الحفر المائي لكي يشمل أعماقا أكبر ومناطق استغلال غير تلك المتعاهدة في نطاق الطبقات المعروفة جيدا. وقد تزامن ذلك وتزايد التشجيعات على استغلال المياه الجوفية في مجال الاحياء الفلاحي وكذلك نتيجة السعي إلى توفير مياه الشرب للمناطق الريفية المعطشة. ولقد أبرز هذا الوضع الحاجة إلى تجاوز إمكانات وكالة التنقيب عن المياه باعتبارها الجهاز الإداري الذي كان يغطي الطلب، فكان التشجيع على بعث الشركات الخاصة نتيجة الطلب المتزايد على إحداث الحفريات المائية. ولقد أصبح قطاع التنقيب عن المياه على درجة جيدة من التنظيم المؤسساتي وتنوع التقنيات، تعمل فيه المؤسسة الحكومية (وكالة التنقيب عن المياه) على الاستجابة لحاجات الإدارة في مجال الاستكشاف وآبار المراقبة، وهو ما يساعد على التحكم في استقرار الأسعار ودعم التوجهات التقنية الجديدة، وتقوم فيه الشركات الخاصة بتغطية الطلب.

تطور تقنيات التنقيبات المائية[عدّل]

توازيا مع تزايد عدد التنقيب المائي حدث تطور في تقنيات الحفر المستعملة وذلك بالمرور من "الحفر بالدق" إلى "الحفر الرحوي" ثم الحفر باستعمال "الرأس الدوّار".

  • الحفر بالدق: استعمل للقيام بالحفريات المائية الأولى بالبلاد التونسية. إنّها طريقة تعمل على تفتيت الصخور بالدق وتستخرج فتات الحفر باستعمال مجارف شافطة، وهذه الطريقة اقتصادية فضلا عن كونها تمكن من الحفر بقطر يصل إلى المتر. وهي لا تتطلب الكثير من الماء للحفر ولكنها بطيئة ولا تمكن من التعمق أكثر من 200 متر. وتستعمل الحفارات التي تشتغل بالدق الكثير من الكوابل لتعليق الفأس وكذلك المواسير الحديدية في الحفر. وهذه الطريقة هي التي كانت مستعملة في البلاد التونسية منذ نهاية القرن التاسع عشر واستمرّ العمل بها حتى أواسط الستينات من القرن 20. وكان من جملة الاشكالات الفنية المطروحة في مجال الحفر المائي كيفية تجاوز التباين بين الطبقات المخترقة ووضعيات التكهف والتحكم في الدفق النّابع بتوفير التغليف الداخلي المناسب للبئر.

وكان قياس الدفق النابع والضغط الارتوازي من الجوانب الفنية التي أسهمت الخبرة التونسية في صياغتها صياغة عمليّة.

  • الحفر الرحوي أو بالتدوير: وهو يحتاج إلى استعمال سائل للحفر يتركب في الغالب من الطين المخلوط بالماء، وذلك لاخراج فتات الحفر من قاع البئر إلى سطح الأرض. يجري العمل بتثبيت فأس الحفر إلى مجموعة من المواسير الجوفاء التي تضخ فيها سائل الحفر إلى قاع البئر ليسهم في تبريد الفأس وتفتيت الصخور، ويسند كذلك جدران البئر كي لا تنهار. ولقد أدخلت الكثير من التنويعات على هذه الطريقة خاصة باستعمال "الرأس الدوّار" للتمكن من التغلب على مشكلات الحفر في الطبقات المتماسكة ذات التكهفات مثل الطبقات الكلسية. وهي طريقة تمكن من الحفر إلى أعماق عدة آلاف من الأمتار بحسب طاقة الحفارة وتجهيزاتها التكميلية.

وساعد التطور الحاصل في مجال تقنيات الحفر على توسيع مجال الحفريات المائية إلى مختلف التركيبات الجيولوجية بالبلاد وبلوغ أعماق تقارب ثلاثة آلاف متر والتحكم في الطبقات النابعة ذات الضغط الارتوازي المرتفع.

ولقد تطوّرت أيضا عمليات إكساء البئر داخليا بالأنابيب الصفيحية والمصافي تطورا جذريّا إذ أنّ أغلب الحفريات التي لا يتجاوز عمقها المائيّ مترا كانت تحدث بقطر موحد إلى القاع وتغلف داخليا بمصفاة وأنابيب عازلة ذات قطر موحد من السطح إلى القاع. ومع تزايد عمق الابار وتغير خصائص الطبقات المحفورة، اقتضت ملابسات الحفر تغليف البئر مرحليا لضمان تواصل الأشغال دون أن تنهار جدران البئر، وهو ما استوجب تغليف البئر بأنابيب ذات أقطار متغايرة تضيق مع مراحل الحفر. وكذلك شأن الطبقات النابعة التي تتطلب عزل الطبقات غير الحاملة للمياه بأنابيب عازلة وتثبيت المصفاة في مواجهة الطبقة المائية ولكن باستعمال قطر مختلف للأنابيب والمصفاة. وفي حالة الآبار التي يتجاوز عمقها بضع مئات من الأمتار تبين ضرورة تثبيت المصفاة في مستوى العمق المطلوب وذلك باستعمال تقنية خاصة أسهم التطور التكنولوجي في مجال النفط في توفيرها، كما أن عمليات الكشف الكهربائي التي تُجرى في البئر قبل تغليفها قد سمحت بالتعرف على نحو أفضل إلى خصائص الطبقات المحفورة وتبين الطبقات الأفضل للانتاج. وهكذا أصبحت عمليات تهيئة البئر بوضع مستويات مختلفة من المصافي قبالة تلك الطبقات، تمكّن من التحكم في إنتاجية البئر على نحو أفضل.

تطوّر نسق الحفر المائي[عدّل]

مع تطور الحاجة إلى استغلال مياه الطبقات الجوفية اتضحت بالبلاد التونسية ثلاثة أصناف من الحفريات المائية هي:

  • الحفريات الاستكشافية التي تمكّن من التعرف على الخصائص الهيدروجيولوجية للطبقات الجوفية،
  • حفريات الاستغلال وهي التي تمكّن من تهيئة الابار المحفورة لاستخراج المياه الجوفية سواء كانت نابعة أو مشتغلة بالضخ.
  • حفريات المراقبة وهي ذات مواصفات خاصة تمكن من التعرف دوريا إلى خصائص الطبقات الجوفية: ولقد قطع الحفر المائي بالبلاد التونسية مراحل متعددة مرتبطة بتطور عدد الحفريات أو نوعيتها والنتائج التي توصلت إليها. ومن أهم هذه المراحل مرحلة الاستكشاف الأولى في مطلع القرن 20 ثم مرحلة توسع مجالي الاستكشاف وتطور الاستغلال منذ منتصف السبعينات من القرن 20.
  • مرحلة الاستكشاف الأولى (1885 - 1930) وهي المرحلة التي سعت إلى التعرف إلى خصائص أهم الطبقات الجوفية ووضعها في خدمة الاقتصاد لتوفير مياه الشرب أو مياه الري على حدّ السّواء. وقد وضع في مقدمة الأهداف الاستراتيجية لهذه المرحلة الاستكشافية توفير نقاط المياه بالمناطق التي تتمركز بها حاميات عسكرية، وخاصة بوسط البلاد وجنوبها، لدعم الري في المجال الفلاحي ولتمكين المعمرين من استغلال أفضل الأراضي الزراعية كما هو الشأن بمناطق الواحات بالجنوب التونسي (قبلي، توزر، قابس، مدنين) والوسط (صفاقس، القيروان، سبيطلة، القصرين) والشمال (الوطن القبلي، مرناق، بنزرت). ونظرا إلى أنّ تقنيات الحفر لم تكن متطورة بما فيه الكفاية فإن إحداث الحفريات المائية بقي في حدود الأعماق التي يمكن بلوغها بالحفارات المتوفرة، كما أن الطبقات المائية النابعة كانت تضع عدة إشكالات أثناء الحفر أو التغليف. وهو ما تطلب خبرة في التحكم فيها لتهيئة الآبار التي تبلغها للاستغلال.

وقد كان الانتقال في هذه المرحلة تدريجيّا من الحفر بالدقّ إلى الحفر بالتدوير، وهو ما مكن من تضييق قطر الآبار وبلوغ أعماق أكبر. ذلك أن الحفر بالدق لم يكن يمكّن من تجاوز 100 إلى 150م نظرا إلى أنّ استخراج فتات الحفر كان يمثل إشكالا تقنيا، كما أنّ التحكّم في الطبقات النابعة لم يكن ممكنا إلا عند المرور إلى الحفر الرحوي الذي يستعمل سائل الحفر لملء البئر أثناء الأشغال وقبل تغليفها. وهو ما يجعل ثقل السائل الطيني المستعمل يقاوم الطبقة المائية النابعة. وفي أثناء هذه المرحلة أمكن التعرف على أهم الخصائص المائية للطبقات الجوفية الأساسية بالبلاد التونسية في المناطق التي لا يتطلب فيها الحفر أعماقا تتجاوز 500م واستُغلّت مياه أغلب هذه الطبقات. وفي هذه المرحلة حُسّنت طريقة تغليف الابار المحدثة لغرض الاستغلال باختيار أفضل لأنابيب التغليف الداخلي. وهو ما مكّن من تحسين انتاجية هذه الابار والتمديد في مدّة نشاطها.

وفي هذه الفترة التي تزيد على نصف قرن كان عدد الحفريات المنجزة لا يتجاوز 12% من جملة الحفريات المائية المحدثة إلى اليوم، كما أن الأمتار المحفورة لا تزيد على نسبة 9% مما أمكن حفره. وهذه النسبة المتواضعة راجعة إلى أنّ التقنيات المستعملة في الحفر والتغليف لم تكن متطورة بحيث تسمح بالتقدم السريع في الأشغال وفي بلوغ أعماق تتجاوز بضع مئات من الأمتار، بحيث اقتصر الحفر في الواقع على الطبقات متوسطة العمق التي لم تكن تشكّل كثيرا من الصعوبات التقنية عند الشروع في التغليف الداخلي للابار. ولقد كان لهذه الفترة دورها الواضح في توفير مياه الشرب عن طريق الحفريات المائية لبعض المناطق العمرانية الكبرى التي لا يتوفر لها إمكان إحداث السدود التخزينية كما هو الشأن في تونس وصفاقس.

  • مرحلة توسيع الاستكشاف وتطوير استغلال الطبقات الجوفية (منذ منتصف السبعينات) :

تعتبر هذه المرحلة غنية بالحفريات الاستكشافية إذ كانت من أهم مقومات الدراسات الهيدروجيولوجية التي مكنت من التعرف على نحو أفضل إلى خصائص الطبقات الجوفية بالبلاد التونسية وسهلت توسع مجال استغلال المياه الجوفية. ونظرا إلى ما حدث بالبلاد من تحولات اجتماعية واقتصادية وخاصة منذ الاستقلال تزايد الاقبال على إحداث الحفريات المائية. ولقد كان لاعتماد تقنية الحفر الرحوي بالبلاد التونسية بعد الحرب العالمية الثانية دور كبير في توسيع مجال الحفريات المائية لكي يبلغ العمق مئات الأمتار وكذلك للتحكم في الطبقات التي تظهر الكثير من الصعوبات التقنية في حفرها (التكهف، ضياع سائل الحفر) أو في أثناء التغليف الداخلي للبئر (الآبار النابعة والمياه ذات الحرارة المرتفعة)، كما أن اعتماد منهجية التخطيط المرحلي لتنمية البلاد انعكس أيضا على قطاع إحداث الحفريات المائية بتزايد الحاجة إلى المياه الجوفية. ويظهر ذلك على وجه الخصوص في وسط البلاد وجنوبها حيث تركزت المخططات المديرية للتنمية الاقتصادية على تكثيف استغلال المياه الجوفية بما يفسر إلى حدّ ما تكثف الحفريات المائية منذ منتصف السبعينات وتزايد الأمتار المحفورة سنويا. وفي هذه المرحلة كان لتعزيز الجانب المؤسساتي ببعث "وكالة التنقيب عن المياه" (1969) ثم التشجيع على بعث شركات الحفر الخاصة بداية من منتصف السبعينات، أثر بالغ في تطوير عدد الحفريات المنجزة وكذلك الزيادة في الكميات المائية المتوفرة. فعدد الحفريات ما انفكّ في تصاعد منذ السبعينات وكذلك الأمتار المحفورة. وتعتبر عشرية التسعينات متميزة في هذا النطاق إذ تزامنت هذه الفترة وإنجاز الخطة العشرية لتعبئة الموارد المائية (1991 - 2000) والتي قامت في مجال المياه الجوفية على المقومات التالية:

  • إعطاء أهمية خاصة لحفريات الاستكشاف والمراقبة وكذلك ببرمجة إحداث 1150 حفرية استكشافية وحفرية مراقبة.
  • تكثيف استغلال الطبقات الجوفية بإحداث 1100 حفرية استغلال وتعويض 500 حفرية استغلال متقادمة.

وقد أمكن تحقيق هذه البرمجة بنسبة متقدمة. وصاحب تكثيف إنجاز الحفريات المائية واستغلال الطبقات الجوفية العميقة الترفيع في عدد الشركات الخاصة العاملة في مجال الحفر وتجديد أسطول الحفارات للمصالح الحكومية وإكساب هذا القطاع الجانب التشريعي الذي يحفظ حقوق المتعاملين فيه.

وقد شهد قطاع الحفر المائي منذ مطلع الثمانينات توجّهين مهمّين على مستوى الحفريات المنجزة وهما:

  • الحفر إلى أعماق تتجاوز 1000 متر لاستكشاف واستغلال طبقة "القاري الوسطي بجنوب البلاد" وهو ما مكن المناطق الواحية ومناطق أقصى الجنوب من موارد مائية إضافية أسهمت في توفير حاجات الريّ وتوسيع مجال الامداد بمياه الشرب.
  • الحفر في المناطق الريفية المحتاجة إلى توفير مياه الشرب للتجمعات السكنية الريفية بمناطق لا تتوفر فيها إلا خزانات مائية جوفية ثانوية الأهمية، ولذلك أمكن تغطية نسبة عالية من حاجات الريف من مياه الشرب.

أما على مستوى تقنيات الحفر فقد تطوّرت في الفترة الأخيرة تقنية الحفر في الطبقات الكلسية المتكهفة وذلك باستعمال طريقة "الرأس الدقاق" والاستغناء عن سائل الحفر أو تعويضه بالرغوة وهو ما مكن من تجاوز الصعوبات التقنية لا سيّما ضياع سائل الحفر أو تكسر الأنابيب الحاملة للفأس.

الدور الاقتصادي للحفريات المائية[عدّل]

تعتبر الحفريات المائية أفضل طريقة للتعرف على الطبقات الجوفية وتعبئة مواردها المائية للاستغلال. ونظرا إلى وقوع البلاد التونسية في نطاق المنطقة الجافة وشبه الجافة وإلى أنّ الموارد المائية السطحية محدودة الأهمية أو غير مضمونة بالتواتر نفسه في مختلف الفصول والسنوات، فإن الالتجاء إلى المياه الجوفية من أهم مقومات الاستغلال وذلك ما يكيف إلى حد بعيد كلّ خطط التنمية. ونظرا إلى الطبيعة الجيولوجية للبلاد التونسية التي وفرت مخزونا جوفيا من المياه على أعماق مختلفة، فإن استغلال مياه الطبقات العميقة لا يمكن أن يتحقّق في أغلب الحالات إلا بالحفريات التي يمكنها أن تبلغ بضع مئات من الأمتار. وقد ساعد تطور تقنيات على ضخ المياه الجوفية من أعماق بضع عشرات من الأمتار على تكثيف البنية الأساسية من الحفريات المائية وجعلها في الكثير من المناطق تسهم إلى حدّ بعيد في تكثيف استغلال الطبقات الجوفية. فقبل بداية القرن العشرين كان استغلال الطبقات المائية العميقة يعتمد أساسا على الينابيع التي توفر كميات محدودة من تلك المياه. وقد ساعدت الحفريات المائية في مرحلة أولى على الزيادة في الكميات المستخرجة من هذه الطبقات بالطرق الارتوازية وبذلك أمكن توسيع مجال المناطق المروية والزيادة فيها بتوفير مناطق جديدة بعيدا عن مواقع الينابيع الطبيعية. وفي مرحلة تابعة لتناقص الدفق النابع أمكن الزيادة في الكميات المستخرجة بالضخّ وهو ما مكن أيضا من إحداث مناطق سقوية جديدة في مواقع لم تكن مهيأة لذلك من قبل. ففي مجال توفير مياه الشرب تحسّن في العشريّات الثلاث على نحو ملحوظ توفير المياه بالمناطق الحضرية والريفية، إذ تبلغ نسبة المياه المتأتية من الطبقات الجوفية بالحفريات حوالي 46%، أما في مجال الري فإن هذه النسبة تبلغ حوالي 20%.

لقد كانت الحفريات المائية من مقوّمات البنية الأساسية التي مكّنت البلاد من التطور الاقتصادي والعمراني نتيجة ما وفّرته من موارد مائية للشرب والصناعة والري الفلاحي. ونظرا إلى ما تتطلبه الاستكشافات المائية وبرامج الاحياء الفلاحي وشبكات المراقبة من إحداث لنقاط المياه أو تجديدها فإن آفاق هذا القطاع تتطلب تطوير التقنيات المستعملة وتكثيف عدد الحفريات. وإن ما عرفه هذا القطاع من تنظيم هيكلي (وضع كراس الشروط وتصنيف مؤسسات الحفر وضبط مواصفات ممارسة المهنة) يساعد على إكسابه مزيد النجاعة والفاعلية. كما أن تعايش المؤسسة الحكومية مع شركات الحفر الخاصة، يساعد على التحكم في استقرار الأسعار الجاري بها العمل والاستجابة للطلب في مختلف القطاعات.

الموارد المائيّة[عدّل]

تقع البلاد التونسيّة في بيئة مناخية شبه جافّة إذ يتدرّج مناخها من المتوسّطي الرطب إلى الصحراوي الجاف، مع تأثير واضح للبحر وللتضاريس في توزّع التساقطات. وتتميّز شبكة الأودية بكثافتها النسبيّة بالشمال والوسط وخاصّة في نطاق سلسلتي الأطلس ومناطق السباسب العليا، في حين تصبح أقلّ كثافة بالسّهول الساحلية وجنوبيّ الأطلس الصحراوي، كما تتّصف الأحواض التجميعية للمياه السطحيّة بالاتّساع على جانبي سلسلة الظهرية (أحواض مجردة وزرود ومرق الليل) وتصبح أصغر حجما بأقصى الشّمال رغم أن طاقتها التجميعية أكبر بهذه المنطقة نتيجة مواجهة الأمطار الأطلسية وضعف نفاذية التكشّفات الجيولوجية.

الموارد المائية السطحيّة[عدّل]

تتحدّد الموارد المائية السطحية في ما يسيل من مياه الأمطار في شبكة الأودية. وتنقسم إلى مياه الضحل (étiage) ومياه الفيضانات. وتتصف مياه الضحل عادة بنوعيتها المائية المتدنية نتيجة تجمعها من مياه الينابيع التي تصب في مجاري الأودية. أمّا مياه الفيضانات فهي متأتية من الأمطار وأحيانا من الثّلوج، لذلك فهي تتصف بنوعية مائية جيّدة. وتقوّم الموارد المائية السطحية على أساس معطيات محطات القيس والمراقبة التي تمكّن من حساب الوارد السنوي، كما أن خزّانات السّدود الكبرى والسّدود التّلية والبحيرات الجبلية تسمح بتقدير كميّات المياه المعبّأة بها والموارد القابلة للاستغلال. وتقدّر هذه الموارد بما قيمته 2700 مليون م3/سنة، تتوزّع بين مختلف الجهات الطبيعية للبلاد وخاصّة بالشمال منها. ونظرًا إلى تذبذب الوارد السنوي من المياه السطحية بين قيمة دنيا قدرها 780 مليون م3/سنتي (1993 - 1994) وقيمة قصوى قد تصل إلى 000 11 مليون م3/سنة (أمطار 1969)، فإن مجال التذبذب بين هاتين القيمتين قد يصل إلى 9 في الشمال في حين يبلغ 180 مرة في الجنوب. واعتبارا لهذه الوضعية فإن وارد أودية الشمال يمثل 81% من المجموع في حين أن وارد أودية الوسط يكون في حدود 11% ووارد أودية الجنوب 8%. أمّا على مستوى نوعية المياه فإنّ 72% من الموارد المائية السطحية لها ملوحة تقلّ عن 5،1 غ/ل منها 82% من مياه الشمال و48% من مياه الوسط و8% من مياه الجنوب.

الموارد المائية الجوفية[عدّل]

تتوزع الموارد المائية الجوفية بحسب البنية الجيولوجية على الطبقات الحاملة للمياه التي تنقسم، تبعا لتركيبتها الليثولوجية، إلى طبقات ذات نفاذية أولية من قبيل الرمل والحصى والحثّ وطبقات نضدية متماسكة ذات نفاذية ثانوية من قبيل الكلس والدلومايت. وهي طبقات قليلة العمق أو "عميقة".

  • موارد الطبقات المائية القليلة العمق:قُوّمت موارد هذه الطبقات للمرّة الأولى سنة 1967 بما قدره 120 مليون م3/س. ثمّ لما روجع هذا التقييم سنة 1980، أصبحت هذه الموارد نتيجة تكثف الدراسات في حدود 489 مليون م3/س، وآخر التقويمات (1995) تغطي 720 مليون م3/س.
  • موارد الطبقات المائية العميقة: تتميّز الموارد المائية العميقة بوجودها في الطبقات الكلسية بالشمال التونسي والحثّ الرّملي في أحواض الوسط والساحل. وهي تنقسم إلى موارد متجددة وأخرى غير متجددة. أمّا في جنوب البلاد فهذه الموارد توجد في أحواض رسوبية متعددة الطباق، وتتراوح أعماق خزاناتها بين 100 و600 متر. وبعضها وخاصة في الجنوب الغربي للبلاد يوجد في أعماق قد تفوق أحيانا الألف متر (طبقتي القاري الوسطى والمركب النهائي).

وقد قدرت الموارد المائية القابلة للاستغلال من الطبقات العميقة بالبلاد التونسية في آخر تقويم لها سنة 1995، بحوالي 1240 مليون م3/سنة.

إنّ تلك الموارد الكائنة في الطبقات الجوفية القليلة العمق تعتبر متجدّدة، وتجددها إمّا سنوي أو يمتدّ على عدّة سنوات بحسب المخزون الجيولوجي الّذي وراءها، وهي تتأثر بالتغذية المتأتية من مياه الأمطار. أمّا الموارد الجوفية غير المتجدّدة فهي توجد في الطبقات العميقة وترتبط نسبة تجدد هذه الموارد بمدى تكشّف خزّاناتها وقابليتها للتغذية. وتقدّر نسبة الموارد غير المتجددة في حدود 25% من مجمل المياه الجوفية وبحوالي 40% من موارد الطبقات العميقة. وتوجد هذه الموارد غير المتجددة في الطبقات العميقة للخزّانات الرسوبية المتعدّدة الطبقات والكائنة بأغلب سهول الجنوب (الطبقات المائية الصحراوية) والوسط التونسي (صفاقس والقيروان وسيدي بوزيد). أمّا فيما يخصّ نوعية المياه الجوفية فإنّ 16% منها ذات ملوحة تقلّ عن 5،1 غ/ل في حين تتراوح ملوحة 75% منها بين 5،1 و0،3 غ/ل. وترتفع نسبة المياه المالحة وشبه المالحة في الطبقات القليلة العمق أكثر منها في الطبقات العميقة وذلك نتيجة تكثّف الاستغلال وتسرّب المياه المالحة إليها من السباخ والبحر.

تعبئة الموارد المائية[عدّل]

* المياه السطحيّة

تعبّأ المياه السّطحية عن طريق منشآت التخزين السّطحي. وترتبط كفاية التعبئة بقدرة هذه المنشآت على التحكّم في مياه السيول. فالسدود التخزينية، إضافة إلى دورها في تخزين المياه السّطحية، تتحكّم في سرعة مياه الفيضانات للحدّ من تأثيرها التدميري، محولة جزءًا من المياه الزائدة عن طاقتها التخزينية القصوى إلى المناطق السفلى عن طريق المصرف. ومن ناحية أخرى فإنّ الكميّات المجمعة وراء السّدود التخزينية غير قابلة بتمامها للاستغلال نظرا إلى عدّة اعتبارات، من بينها "فاقد البخر" و"السمك الميت" و"فواقد الطمي" و"الاحتياطي الأدنى". وتمكّن البنية المائية الماثلة في السدود الكبرى والسدود التّلية والبحيرات الجبلية من تعبئة 1825 مليون م3/سنة من جملة موارد قابلة للتعبئة مقدّرة في حدود 2100 مليون م3/سنة. فالسدود الكبرى بلغ عددها، في سنة 2001, 22 سدّا تخزينيّا، وتبلغ طاقة تعبئتها 1715 مليون م3/سنة وهو ما يقدّر ب80% من جملة الموارد القابلة للتعبئة. ويبلغ عدد السّدود التلّية المنجزة حاليا 70 سدّا بطاقة تعبئة قدرها 85 مليون م3/سنة. ومن المؤمّل الانتهاء من أشغال 203 سدّا حبليا آخر خلال العشرية 1991 - 2000 وذلك بطاقة تعبئة قدرها 110 مليون م3/س. وتبلغ طاقة تعبئة البحيرات الجبلية ما قدره 50 مليون م3/سنة. ومن المزمع في نطاق خطّة تنمية الموارد المائية إنجاز 1000 بحيرة جبلية.وقد أنجزت إلى موفّى 1997، 543 بحيرة جبلية بطاقة تعبئة قدرها 37 مليون م3/س.

المياه الجوفيّة[عدّل]

ترتبط تعبئة المياه الجوفية بقدرة التجهيزات المتوفرة من آبار وتنقيبات وعيون وينابيع على إعطاء كميّات معيّنة من المياه وفق دفق نوعي خاص بكلّ صنف منها وكذلك بقدرة تجهيزات الضخ أو التصريف (مصافٍ، أنابيب، عتبات مائية على توفير كميّات مائيّة معيّنة مهيّأة للاستغلال). ويبلغ الاستغلال الحالي للمياه الجوفية بالبلاد التونسية ما قدره 1920 مليون م3/سنة، وهو يتوزع على الطبقات القليلة العمق بما قدره 750 مليون م3/سنة والطبقات العميقة 1005 مليون م3/سنة وهو ما يقابل 79% من الموارد المتوفرة. ولقد تطوّر استغلال هذه الطبقات تطورا مشهودا خلال العشرية الأخيرة بحيث تضاعف بين 1985 و1995. ويتحقّق هذا الاستغلال عن طريق 000 150 بئر سطحية منها ما يقارب 000 70 بئر مجهزة بمحرك كهربائي أو حراري. وقد نتج عن تكثف استغلال هذه الطبقات ظهور استغلال جائر بالكثير من هذه الطبقات المائية كما هو الشأن في ولايات سيدي بوزيد وبنزرت والكاف وصفاقس ومدنين. وللموارد المائية القليلة العمق أهمية خاصة في الشّمال التّونسي حيث تبلغ نسبة هذه الموارد بهذه المنطقة 55% من جملة موارد هذه الطبقات المائية في حين أن عدد الابار بها لا يتعدّى نسبة 46% وتبلغ نسبة الابار المجهزة بمحركات 61%. أما في الوسط التونسي فإن موارد الطبقات القليلة العمق هي في حدود 30% من جملة موارد هذه الطبقات وتبلغ نسبة الاستغلال 32% من جملة الاستغلال العام لهذه الطبقات وتكون نسبة الابار السطحية بالوسط التونسي في حدود 40% من العدد الجملي للابار في حين أن نسبة الابار المجهزة هي 56%.

أمّا الجنوب التّونسي فلا يشتمل إلاّ على 15% من جملة الموارد المائية للطبقات القليلة العمق و12% من جملة الآبار المجهزة في حين أنّ استغلالها في حدود 13% من جملة استغلال هذه الطبقات. ونظرا إلى تكثف استغلال بعض هذه الطبقات إلى حد الاستنزاف فإن ظهور مشكلات مرتبطة بتدني النّوعية المائية بها قد استوجب وضع تشريعات لحماية هذه المناطق، وكذلك تعويض الكثير من هذه الآبار وإحداث أخرى في مناطق لا تشكو تكثف الاستغلال وتزايد الملوحة. ويبلغ معدّل الآبار المنجزة سنويا لمجموع ولايات الجمهورية ما قدره 2000 بئر في حين أنّ معدّل الابار الاضافية المجهزة يصل إلى حدود 3000 بئر أخرى.

ويقدّر تطوّر استغلال الطبقات العميقة سنويا ب5% بحيث بلغ هذا الاستغلال سنة 2000 الموارد القابلة للاستغلال. ويبلغ عدد الابار العميقة التي تستغلّ الطبقات المائية الجوفية 2750 تنقيبا يستخرج بواسطتها 1005 مليون م3/سنة، منها حوالي 562 مليون م3/سنة بالضخ، والبقية عن طريق الارتوازية. ولتعبئة بقية موارد الطبقات الجوفية التي لم تستغلّ بعد (235 مليون م3/سنة)، أنجزت في نطاق خطّة تنمية الموارد المائية (2000 - 1991)500 ، حفرية تعويضية بعمق جملي قدره 48174 متر و610 حفرية استغلال بعمق جملي قدره 59194 متر.

الطّبقات المائية[عدّل]

تتميّز البلاد التونسية بتقلّبات مناخية متواصلة نتج عنها عدم الانتظام في توزّع الأمطار. ونظرا إلى وجودها في المنطقة الجافة وشبه الجافة فإن الكميّات المسجلّة سنويّا تنقص من الشمال إلى الجنوب ومن الساحل إلى داخل البلاد. ويبلغ المعدّل السنوي الأقصى للأمطار أكثر من 1500 مم بأقصى الشمال الغربي للبلاد في حين أن المعدّل الأدنى لا يتعدى 50 مم بأقصى المناطق الجنوبية الصحراوية. يقدّر المعدّل السنوي من الهاطل المطري على البلاد التونسية ب 34 مليار م3/س وتمكّن هذه الكميّات في نصيب كبير منها من الاستجابة لحاجات الفلاحة البعلية إضافة إلى ما يسيل في شكل جريان دائم في شبكة الأودية وما يتسرّب إلى باطن الأرض لتغذية الطبقات الجوفية. ويؤلّف مخزون الطبقات الجوفية من المياه جزءًا مهمّا من الموارد المائية التي تستجيب لحاجات مختلف القطاعات، لذلك فهي موضوع دراسات ومتابعة للتعرف إلى خصائصها وضبط ملابسات استغلالها.

الخصائص الأساسيّة للطبقات المائيّة التونسيّة[عدّل]

تخضع الطبقات المائية الجوفية بالبلاد التونسية للبنية الجيولوجية للمناطق التي توجد بها، إذ أن المياه الجوفية كائنة في الطبقات الجيولوجيّة القريبة من سطح الأرض وهي في أغلبها رسوبيّة التّكوين. وهو ما يجعلها ملائمة جدا لاحتواء هذه المياه. وتنقسم هذه الطبقات بحسب تركيبتها الليثولوجية إلى طبقات حبيبية ذات نفاذية أولية من قبيل الرمل والحصى والحث، وطبقات نضدية متماسكة ذات نفاذية ثانوية من قبيل الكلس والدلومايت. وتنقسم الطبقات المائية بالبلاد التونسية إلى "طبقات ضحلة" وأخرى "عميقة" منها ما هو سائب سريع يجدد الموارد ومنها ما هو حبيس ذو طاقة ارتوازية عالية أحيانا وذو موارد غير متجددة يغلب عليها المخزون الجيولوجي.

تقويم الموارد المائيّة الجوفيّة[عدّل]

تقوم الموارد المائيّة الجوفيّة على أساس ما يتجمّع من معطيات خاصة بالتركيبة الجيولوجية للطبقات الكائنة تحت سطح الأرض وخصائصها من حيث ناقليتها للمياه وتفاعلاتها معها.

وتتأتى هذه المعطيات أساسًا من الدراسات الاستكشافية (المسوح الجيوفيزيائية والحفريات المائية) ومتابعة خصائص نقاط المياه المستغلة للمياه الجوفية (ينابيع، آبار، تنقيبات).

ويخضع تقويم الموارد المائية الجوفية إلى مراجعة دورية كلّ خمس سنوات. وقد أنجز التقويم الأوّل للمواد الجوفية بالبلاد التونسية سنة 1967 ثم أصبحت مراجعته دورية منذ سنة 1980.

* الطبقات المائيّة الضحلة أو قليلة العمق

لقد قوّمت الموارد المائية للطبقات الجوفية القليلة العمق للمرّة الأولى سنة 1967 بما قدره 120 مليون م3/س. ثمّ لمّا روجع هذا التقويم سنة 1980، أصبحت هذه الموارد نتيجة تكثّف الدراسات في حدود 489 مليون م3/س، وآخر التقييمات (1995) تعطي 719 مليون م3/س.

ومن ناحية أخرى قد تطوّر استغلال هذه الطبقات منذ مطلع الثمانينات بحيث تضاعف بين 1980 و1990. ويجري هذا الاستغلال عن طريق 000 110 بئر سطحية منها ما يقارب 000 70 بئر مجهزة بمحرك كهربائي أو حراري. وقد نتج عن تكثّف استغلال هذه الطبقات استغلال جائر بالكثير من هذه الطبقات المائية كما هو الشأن في ولايات سيدي بوزيد وبنزرت والكاف وصفاقس ومدنين. وللموارد المائية القليلة العمق أهمية خاصة في الشمال التونسي حيث تبلغ نسبة هذه الموارد بهذه المنطقة 55% من جملة موارد هذه الطبقات المائية في حين أنّ عدد الآبار بها يمثل نسبة 46%. وتبلغ نسبة الآبار المجهزة بمحركات 61% أمّا بالوسط التونسي فإنّ موارد الطبقات قليلة العمق في حدود 30% من جملة موارد هذه الطبقات. وتبلغ نسبة الاستغلال 32% من جملة الاستغلال العام لهذه الطبقات وتكون نسبة الآبار السطحية بالوسط التونسي في حدود 40% من العدد الجملي للآبار في حين أنّ نسبة الابار المجهزة هي 56%. أمّا الجنوب التونسي فلا يشتمل إلا على 15% من جملة الموارد المائية للطبقات القليلة العمق و12% من جملة الابار المجهزة في حين أن استغلالها يبقى في حدود 13% من جملة استغلال هذه الطبقات.

* الطبقات المائيّة العميقة

تتوزع موارد الطبقات المائية العميقة إلى موارد متجددة وأخرى غير متجددة، وتقع هذه الموارد في أعماق تتراوح في معظمها بين 100 و600 متر. ويوجد بعضها، وخاصة في الجنوب الغربي للبلاد، في أعماق قد تفوق أحيانا الألف متر. (طبقة القاري الوسط والمركب النهائي). وتقدّر الموارد المائية القابلة للاستغلال من الطبقات العميقة بالبلاد التونسية بحوالي 1240 مليون م3/س. أما الاستغلال الحالي للطبقات المائية العميقة فهو 1115 مليون م3/س وهو ما يقابل 90% من الموارد المتوفرة وتنقسم موارد الطبقات المائية العميقة واستغلالها على مختلف مناطق البلاد على النحو التالي: يتطوّر استغلال الطبقات العميقة سنويا ب5% بحيث بلغ هذا الاستغلال في سنة 2010 الحد الأقصى للموارد القابلة للاستغلال. واعتبارًا لنوعية الموارد المتوفرة في الطبقات الجوفية العميقة فإنّ حوالي 600 مليون م3/س من هذه الموارد غير متجددة و571 مليون م3/س منها يتم تجدد مخزونها عن طريق مياه الأمطار. ويبلغ عدد الآبار العميقة التي تستغل الطبقات المائية الجوفية حوالي 2600 بئر يستخرج بواسطتها 1115 مليون م3/س. ولقد تضاعف عدد التنقيبات المحدثة خلال العشرية الأخيرة إذ تم إنجاز 820 بئر استكشافية حوّل منها إلى مجال الاستغلال 537 بئر. كما أحدثت 580 بئر استغلال لتعويض الابار المتقادمة وإيجاد مناطق استغلال جديدة. ويبلغ العمق الجملي للتنقيبات المحدثة 574367 مترا. وقد مكنت هذه الآبار من تعبئة ما يقارب 800 مليون م3/س قابلة للاستغلال.

انعكاسات تعبئة الموارد المائية[عدّل]

أمّا تعبئة الموارد المائية فهي عملية تحويل المياه من الوسط الطبيعي إلى وسط مغاير قد تستعمل فيه هذه الموارد مباشرة أو بعد تخزينها. وعملية التعبئة هذه قد تتسبب في تغيير النوعية الطبيعية لهذه المياه كما أنه في أثناء عمليتي التحويل والتخزين يمكن أن تتغيّر النوعية الطبيعية للموارد المائية. ويكون هذا التغيير في تبدل المواصفات التالية:

  • حرارة المياه: يتضح ذلك بوجه خاص في تعبئة مياه الطبقات الجوفية العميقة عندما تستخرج بالتنقيبات فإنّ حرارتها تنقص عمّا كانت عليه داخل الطبقة المائية.
  • حموضة المياه والغازات الذائبة فيها:

يتضح ذلك خصوصا في حالة المياه السطحية المخزنة في البحيرات الطبيعية أو الاصطناعية (السدود والبحيرات الجبلية) وذلك من تعرضها إلى التبخر والتكاثر البيولوجي للكائنات المجهرية (Eutrophisation) وتزايد أو تناقص كمية الغاز الكربوني والأوكسجين بها.

  • الأملاح الذائبة: تزايد الأملاح الذائبة في المياه المعبأة يخضع لطول فترة التخزين وللعوامل الخارجية المناخية كالتبخر أو التحلية ولحركة هذه المياه داخل الخزان المؤقت الذي تجمع فيه قبل الاستعمال كما يخضع للتفاعل مع وسط التعبئة وظروف الاستعمال.

وفي جميع الحالات يجب أن يُقرأ لعملية التعبئة حسابها من جهة التأثير في نوعية المياه وهي في مصدرها الطبيعي بعد استخراج أو تحويل كمية منها وكذلك في المياه المعبأة في أثناء التخزين الوقتي في انتظار استعمالها أو عند تحويلها إلى مجال الاستعمال. ولهذا التأثير أهمية خاصة حين تكون المياه صالحة للشرب وكذلك المياه المستعملة في الصناعات الغذائية أو الصناعات الكيميائية التي تتطلب شروطا خاصة لحموضة المياه ودرجة حرارتها وكمية الأملاح الذائبة بها.

تدهور نوعيّة المياه الجوفية[عدّل]

ينعكس تدهور نوعية المياه على مياه الشرب والري والاستعمالات الصناعية. وأمّا انعكاس تدهور المصدر المائي فخهر في شكل تزايد الملوحة بمختلف مناطق الطبقة المائية نتيجة الافراط في الاستغلال.

مياه الشرب

يؤثر تدهور نوعية مياه الشرب المتأتية من الطبقات الجوفية في كمية المياه المستعملة لتزويد التجمعات السكنية أو لشرب قطعان الماشية وكذلك في المنشآت التي تستعمل في تعبئتها ونقلها واستغلالها.

مياه الريّ

يؤدّي تدهور نوعية مياه الري الجوفي إلى تسبيخ التربة والحد من إنتاجية الأرض كما يظهر أيضا في مستوى الطبقة المائية في شكل تزايد للملوحة وكذلك في مستوى تجهيزات التعبئة والاستعمال من مواسير ومضخات وقنوات.

مياه الصناعة

يظهر تدهور نوعية المياه الجوفيّة على وجه الخصوص في المجالات الصّناعية التي تتطلب نوعية جيدة من المياه الخالية من الأملاح وذات الخصائص الفيزيائية والكيميائية المتوازنة، كما هو شأن الصّناعات الكيميائية والغذائية وصناعة الأدوية وبعض المعادن والخزف...

الانعكاسات على المصدر المائي:

يتضح انعكاس التدهور لنوعية المياه الجوفية على المصدر المائي الذي هو الطبقة المائية في شكل تغيير خصائص مياهها وعلى وجه الخصوص تركيبتها الكيميائية. ويبقى مظهر التسرب الملحي من البحر أو من المنخفضات المغلقة مثل السباخ والشطوط المالحة من أهم مظاهر هذا التدهور. فتدهور نوعية المياه الجوفية ظاهرة تزداد استفحالا نتيجة تكثيف تعبئة الموارد المائية واستغلالها ولذلك فإن البلدان الواقعة في المناطق الجافة وشبه الجافة التي تعاني من محدودية الموارد وتدني نوعيتها الطبيعية بسبب التأثير المناخيّ كما هو شأن البلاد التونسية - مضطرة إلى مواجهة مشكلات تدهور نوعية مياهها كلما كانت تعبئة هذه الموارد أشمل والاستعمال مكثفا ومجحفا في حق الخزانات الجوفية.

إجراءات حماية المياه الجوفيّة[عدّل]

للحد من تدهور نوعية المياه ومجابهة الانعكاسات التي تنجر عنه، يلتجأ إلى بعض الاجراءات الوقائية خاصة مراقبة إلقاء الفواضل والمياه المستعملة في مجاري الأودية وكذلك مراقبة تكثيف إحداث الابار كي لا ينجر عنها استنزاف الموارد الجوفية، كما يلتجأ إلى الاجراءات العلاجية المتمثلة في قرارات تشريعية غايتها تنظيم ظروف الاستغلال للمصادر المائية والقيام بأشغال تقنية تهدف إلى تكثيف تغذية الطبقات الجوفية بالمياه السطحية والاستفادة منها في تحسين مخزون هذه الطبقات ونوعية مياهها.

القرارات التشريعيّة[عدّل]

إنّ القرارات التشريعية الخاصّة بحماية الموارد المائية هي الأوامر القانونية التي تضبط حدود الملك العمومي المائي من مسطحات مائية ومجاري أودية وطبقات مائية جوفية ونقاط مياه عمومية وكذلك حدود "مناطق الحماية" التي تصنّف بمقتضاها بعض الطبقات المائية "مناطق صيانة" أو "مناطق تحجير".

الاجراءات العلاجية[عدّل]

إنّ الاجراءات العلاجية لحماية نوعية المياه الجوفية هي صنفان من العمليات تهدف إمّا إلى الاقتصار على الحدّ من تدهور هذه النوعية أو إلى العمل على تحسينها.

آفاق تطوّر موارد الطبقات المائية[عدّل]

تؤلّف المياه الجوفية الرصيد الاستراتيجي من الموارد المائية نظرا إلى صمودها أمام توالي السنوات الجفاف وصعوبة التسبب في تلويثها في آجال قصيرة على نطاق واسع. وتبقى عملية تعبئتها وتكثيف استغلالها المؤشر الرئيس لما يمكن أن ينالها من تدهور نوعي أو تراجع للكميات القابلة للاستغلال. واعتبارا لصنفي الطبقات المائية الجوفية بالبلاد التونسية (الطبقات القليلة العمق والطبقات العميقة) فإنّ نسبة 37% من هذه الموارد المائية غير متجددة والنسبة نفسها تقريبا من الموارد المتجددة الكائنة في الطبقات القليلة العمق القابلة جدا للتلوث نتيجة تكثيف الاستغلال واجتياح المياه المالحة، كما أنّ درجة التعبئة المتقدمة لموارد الطبقات المائية القليلة العمق تجعلها في حاجة متزايدة لعمليات إحكام الادارة والصيانة من التلوث، في حين أن مياه الطبقات الجوفية العميقة التي تسهم بقرابة النصف من حاجات مياه الشرب، هي حاليا بصدد تزايد التعبئة وهو ما يجعلها في القريب العاجل في وضع استغلال أقصى. واعتمادا على ما بلغته معرفة التركيبة الجيولوجية للبلاد التونسية من دقة بفضل التنقيبات والمسوح الجيوفيزيائية والجيولوجية لا ينتظر أن تكتشف موارد مائية جوفية جديدة بنسبة تغير التقويمات الحالية لمخزون هذه الطبقات، لذلك لا ينتظر أن تتطور هذه التقويمات بأكثر من 10% في السنوات القادمة، وسيكون هذا التغيير بالأساس في مستوى الطبقات العميقة. يتطور الطلب على المياه الجوفية سنويا بنسبة 5% من الموارد المعروفة في مستوى الطبقات العميقة، في حين يقارب هذا الطلب الاستقرار بالنسبة إلى الطبقات القليلة العمق وذلك نتيجة تزايد الملوحة بالكثير من المواقع. وتعدّ الاجراءات المتخذة حاليا لإحكام إدارة موارد الطبقات الجوفية ومتابعة تطورها خير ضمان لحماية هذا المورد الاستراتيجي من التدهور، ولكنّ ذلك لا يمكّن من الاستجابة لحاجات الطلب المتزايد في مختلف قطاعات مياه الشرب والصناعة والري. وفي هذا الصدد فإن تكثيف عمليات التغذية الصناعية للطبقات الجوفية هو الحل الأمثل لتنمية الموارد والمحافظة عليها من التدهور.

الأودية[عدّل]

الخصائص الطبيعية لشبكة الأودية[عدّل]

تتّصف شبكة الأودية في البلاد التونسية بالتنوع والتكامل، وهي غالبا ما تعكس الكثير من مراحل التطور بين المجرى المائي المستحدث والوادي الذي قد بدأ يحفر من جديد مجراه وسط ترسبات مدارج (terrasses) سابقة، كما أن الطبقات الجيولوجية للحقب الماضية تعكس بالبلاد التونسية وجود الكثير من الفترات التي كان فيها للترسبات النهرية دور مهمّ في تموضع عدّة طبقات قد تعكس أحيانا، من جهتي سمكها ومجال امتدادها، أهمية الجريان السطحي وغلبة المناخ الرطب على هذه المناطق. وتتوزع شبكة المجاري المائية بالبلاد التونسية على المناطق الطبيعية التالية:

أودية الشمال التونسي[عدّل]

تتركز شبكة الأودية بالشمال التونسي حول مجرى وادي مجردة وروافده ضمن حوض يمتدّ على مساحة 23700 كلم2 منها 16100 كم2 بالبلاد التونسية وكذلك حوض إشكل وأودية أقصى الشمال (1950كم2) بمناطق نفزة وطبرقة إضافة إلى أودية الشمال الشرقي والوطن القبلي (7400 كم2).

* حوض وادي مجردة: يمتاز حوض وادي مجردة بطول المجرى الرئيس (484 كم) وكذلك باتساع الحوض (23700 كم2 منها 16100 كم2 بالبلاد التونسية والبقية بالجزائر). وشبكة الأودية بهذا الحوض تستقطب أهم السدود المحدثة بالبلاد (سيدي سالم، بوهرثمة، كساب، بني مطير، ملاق...). ويقدر معدل كمية المياه التي تجمعها شبكة أودية هذا الحوض سنويا بما يقارب 1 مليار م3. وتمكن التهيئة المائية المتوفرة حاليا في أودية هذا الحوض من التحكم في حوالي 80% من وارده السنوي.

* حوض إشكل: تعدّ بحيرة إشكل المتصلة ببحيرة بنزرت المنفس الطبيعي لشبكة الأودية الواقعة في أقصى الشمال التونسي (جومين، الطين، غزالة، سجنان، دويميس، مرازيق...)وذات الاتجاه الشرقي. وتبلغ مساحة هذا الحوض حوالي 2200 كم2 ويبلغ واردها السنوي حوالي 300 مليون م3. وعلى هذا الحوض تتركز مجموعة من أهم السدود التونسية (جومين، سجنان، الطين...).

* حوض نفزة وطبرقة: تبلغ مساحة هذا الحوض حوالي 1950 كم2. ومن أهم الأودية التي تشقه وادي الكبير (260 كم2) وواد زوارع (900 كم2) الذي يتفرع إلى أودية المالح ومعدن وبليف. ويقدر الوارد السنوي لهذا الحوض بحوالي 260 مليون م3.

* حوض الشمال الشرقي: ويغطي هذا الحوض مساحة 7400 كم2. ومن أهم أجزائه حوض وادي مليان وأودية الوطن القبلي (العبيد، شيبة، مصري، بزيرغ، الرمل، الخيرات). وقد أقيمت سدود على الكثير من هذه الأودية (سدّي الكبير ومشارقة على مليان وسدود شيبة وبزيرغ والرمل ومصري والعبيد)، ولكنها في أغلبها ذات سعة متوسطة في حدود بضع ملايين من الأمتار المكعبة.

أودية الوسط التونسي[عدّل]

تتأثر أودية الوسط التونسي في تضاريسها ونظام جريانها بوجود سلسلة الظهرية وكذلك بالتدرج من منطقة السباسب العليا إلى السهل الساحلي. وهي تشتمل على عدد مهمّ من السباخ التي تنتهي إليها (الكلبية، سيدي الهاني، الشريطة، بوجمل...). ونتيجة للتدرج الطبوغرافي فإن أغلب هذه الأودية لا تكون لها أهمية تذكر إلا في المناطق الداخلية حيث لانحدار المجرى أهمية بالغة في تحديد ملامح المجرى وتعميقه. أما على امتداد السهل الساحلي فإنّ أغلب الأودية ذات أهمية ثانوية في الجريان الطبيعي. وهنا تزداد أهمية السباخ باعتبارها المنافس الطبيعية للأودية وللمياه الجوفية. ويمكن أن نتبين في الوسط التونسي الأحواض المائية السطحية التالية:

* حوض سبخة الكلبية: وهو أهم الأحواض المائية السطحية بهذه المنطقة (14400 كم2) وتتخلله أودية زرود (9100 كم2) ومرق الليل (1620 كم2) ونبهانة (3230 كم2). ويقدر الوارد السنوي لحوض سبخة الكلبية من مياه الأمطار بما يعادل 150 مليون م3.

* ساحل سوسة وصفاقس: تمتد هذه المنطقة على حوالي 14000 كم2 وهي في شكل سهول قليلة التضاريس وشبكة الأودية بها ضعيفة لا يتجاوز واردها السنوي 70 مليون م3.وغالبا ما يكون المجرى المائي غير عميق أو غير واضح الملامح. وتتركز أهم الأودية بهذه المنطقة شمالي سوسة (لاية، حمدون، الشريطة) وقرب صفاقس (سيدي صالح، الشفّار، ودران).

أودية الجنوب التونسي[عدّل]

يتأثّر توزع أودية الجنوب التونسي بوجود سلسلة جبال قفصة ومرتفعات الظاهر ووجود الشريط الساحلي والمنخفضات الطبيعية المغلقة التي تتجسّد في الشطوط (الفجيج والجريد والغرسة) كما أن لوجود كثبان الرمال الصحراوية بالعرق الشرقي دورا في الحد من الامتداد لمجاري أودية السفح الغربي لجبال الظاهر وأقصى الجنوب التونسي. وتتوزع هذه الأودية على أحواض المناطق الطبيعية التالية:

* حوض منطقة الشطوط: يمتدّ على مساحة 20.000 كم2. ومن أهم الأودية بيّاش الذي ينتهي إلى شط الغرسة ويمتد حوضه إلى الشمال من قفصة (وادي سيدي يعيش والكبير) وبقية أودية هذه المنطقة متأثرة بوجود مرتفعات سلسلة جبال قفصة - المتلوي (الخنقة، الثالجة) وجبال الشارب والسقي وطباقة، ومن أبرزها أودية السقي والنخلة والأصنام وهي أودية ذات مجرى طولي محدود الامتداد لكن بانحدار شديد قبل الانفتاح في سهول السقي والشارب والبحاير.

* حوض سهل الجفارة (6700 كم2) يجمع كل الأودية المنتهية إلى البحر في خليج قابس والمنحدرة في أغلبها من هضاب مطماطة (جير، بني زلطن، زقزاو، الزاس، أم التمر) والظاهر وكذلك الأودية الداخلية المنحدرة من الظاهر التي تنتهي في السهول الداخلية للواعرة والحمادة (دكوك، فسي). وتمتاز هذه الأودية بشدة الانحدار وسرعة الجريان عقب سقوط الأمطار وانفتاحها على السهل الساحلي.

* حوض السفح الغربي للظاهر (15000 كم2) ويمتدّ على أقصى الجنوب التونسي وكل أوديته تنتهي إلى شط الجريد (الحلوف، زمرتن) أو إلى حدود كثبان رمال العرق الشرقي (الطويلة، القصيرة، النخلة، تيارت). وهي في أغلبها أودية كانت ذات نظام جريان أكثف في الفترات المطيرة السابقة قبل بضع آلاف من السنين. واليوم ونظرا إلى جفاف المناخ فإنّ جريانها الحالي لا يحدث على نطاق واسع إلا في مناسبات معدودة كلّ عشر سنوات أو أكثر.

وقد ورثت شبكة الأودية بالبلاد التونسية نتائج تغيرات المناخ في مراحل الحقبة الجيولوجية الرباعية. وفيما عدا أودية أقصى الجنوب التونسي التي تعتبر شبه ثابتة في تضاريسها وامتدادها فإنّ بقية الشبكة في مراحل تطور متوالية، ويظهر ذلك على وجه الخصوص في أثناء الأمطار الفيضانية التي تحدث بتواتر يفوق في الغالب عشرين سنة.

نظام جريان الأودية[عدّل]

يرتبط نظام جريان الأودية بنظام الأمطار والطبيعة الليثولوجية للطبقات السطحية حيث مجاري الأودية والتضاريس المكونة لها، كما يرتبط بتعقد هذه الشبكة وتفرعاتها في نطاق الحوض المائي الواحد. ويتعرّف إلى خصائص الجريان السطحي لأودية البلاد التونسية عن طريق شبكة لقياس الأمطار وأخرى لقياس الجريان تختلف كثافتها من منطقة إلى أخرى بحسب أهمية المنطقة والحاجة إلى المعطيات المتعلقة بعوامل الجريان السطحي. ونظرا إلى تباين توزع تساقط الأمطار بين مختلف مناطق البلاد فإن الجريان السطحي بها يتغير من منطقة إلى أخرى، وهو ما يفسّر إلى حد ما تغير كثافة السدود وشبكة القيس.

نظام الأمطار[عدّل]

يتأثر جريان الأودية بنظام الأمطار من حيث الموقع والشدة والتوزع على مختلف مناطق الحوض المائي. فالأمطار المسجلة عند عالية الحوض يمكن أن تتسبب بحسب كمياتها وامتداد فترات تساقطها وشدتها في جريان سطحي يمتد إلى مناطق أخرى واقعة أسفلها وقد تحدث فيضانات بتلك المناطق التي لا تنزل فيها الكمية نفسها من الأمطار. وكلما كانت العاصفة المطرية أفضل توزيعا وتجانسا على الحوض المائي، كان إمكان حدوث فيضانات عليه أكبر. ولقد أثارت دراسة الأمطار بالبلاد التونسية اهتماما متزايدا مع تكاثر المعلومات المجمعة على شبكة القيس المتابعة نظرا إلى ما في تغيراتها من تأثير في البنية الأساسية، والاقتصاد. وقد اتضح أن أهم ظاهرتين مناخيتين بالبلاد التونسية هما الجفاف الذي قد يتواصل سنتين أو أكثر والأمطار الفيضانية التي تتصف بتواتر محدود مرة كلّ عشرين سنة أو أكثر. وغالبا ما يكون للأمطار ذات الصبغة الفيضانية تأثير بالغ في جريان الأودية وتضاريسها. وتعتبر الفيضانات التي حدثت في سنوات 1969 و1979 و1990 من أهم الظواهر المطرية التي أثرت في تضاريس شبكة الأودية التونسية وغيرت ملامحها.

ولقد عرفت شبكة القياس لكميات الأمطار بالبلاد التونسية تطورا مطردا منذ تركيز محطاتها الأولى سنة 1873 بحيث بلغ عدد محطات قيس الأمطار 1157 محطة وهو ما يعدّ كثافة في حدود محطة لكلّ 130 كم2. وعن طريق هذه الشبكة أمكن تقسيم البلاد إلى سبع مناطق طبيعية أساسية ممثلة في أهم الأحواض المائية. وهذه الأحواض تنقسم إلى 43 حوضا مائيا فرعيا تقوم بها التجهيزات الضرورية لقياس كمية الأمطار وشدتها. وقد أمكن بفضل المعلومات المجمعة من محطات هذه الشبكة، وضع خرائط لتساوي التساقط المطري على كامل البلاد أو في نطاق حوض مائي بعينه. كما استعملت هذه القياسات في ضبط مواصفات التجهيزات المائية من سدود وسدود تلّية وبحيرات جبلية. ونظرا إلى أن الجريان السطحي في شبكة الأودية ينتج أساسا عن حسن توزع الأمطار بالحوض وشدتها النوعية، فغالبا ما يعتبر "معامل التوزيع" وكذلك اتجاه العاصفة المطرية في حدوث الجريان بالشبكة الهيدروغرافية. فالأمطار التي تبدأ بسافلة الحوض في اتجاه أعلاه تكون أقلّ تأثيرا في الكمية المنسكبة من الحوض. أما الأمطار التي تمتد من الأعلى إلى سافلة الحوض وتتراكم عند السيلان، فإنهّ ينتج عنها انسكاب مهمّ، خاصة إذا كانت تكشفات الصخور طينية وانحدار التضاريس كبيرا. وهذه العوامل المساعدة على الترفيع من كفاية الانسكاب أكثر توفرا في أودية الشمال التونسي منه بالمناطق الطبيعية الأخرى، وذلك لارتفاع نسبة الكميات المتساقطة وغلبة التكشفات الطينية أو الكلسية ذات النفاذية المحدودة وتوفر التضاريس التي تساعد على سرعة الانحدار.

طبيعة الصخور وانحدار الحوض المائي[عدّل]

تزداد قيمة الجريان السطحي وكميته عند توفر صخور طفلية أو كتيمة على السطح وكلما كان انحدار التضاريس أكبر، إذ أنّ مثل هذا الوضع يوفّر مجالا أفضل للجريان السطحي ولتجميع النصيب الأكبر من الأمطار في شبكة مجاري الأودية، كما أن كمية الجريان السطحي تقل كلما تكثف الغشاء النباتي وكثر الاستخدام الفلاحيّ للتربة إذ أن ما يحدث بها من أشغال سطحية من شأنه أن يساعد على تقوية التسرب الباطني أو الحدّ من الجريان السطحي بالتنقيص من سرعة الجريان. وفي هذا النطاق يكون لشكل الحوض المائي أهمية خاصة إذ أنّ الأحواض الممتدّة في اتجاه تضاريس المجرى المائي تكون ذات كفاية تجميعية أعلى وسرعة استجابة للجريان أكبر من الأحواض ذات الامتداد العرضي. أما التباين في الارتفاع بين مختلف أجزاء الحوض المائي وغلبة الانحدار في المجرى المائي فمن شأنهما أن يزيدا في كفايته التجميعية وسرعة استجابة الشبكة المائية به لتأثير الأمطار بالجريان السريع وتجميع أكبر قدر من الأمطار المتساقطة.

خصائص الجريان بالأدوية التونسية[عدّل]

يتأثر جريان الأودية بالبلاد التونسية بعدة عوامل موضعية، ولكن ذلك لا ينفي وجود مواصفات خاصة بكل منطقة طبيعية. وفي جميع هذه المناطق تظلّ الصفة الغالبة هي التذبذب من فصل إلى آخر ومن سنة إلى أخرى. ويبلغ هذا التفاوت في الكميات الواردة عند توالي سنة جفاف مع أخرى مطيرة وعند الاقتراب من وسط البلاد أو جنوبها. وتمتاز أودية أقصى الشمال التونسي بوقوعها في مناطق تغلب عليها الطبيعة الكتيمة للتكشفات السطحية وتباين التضاريس بحيث يتوفر بها في أغلب فصول السنة جريان وقتي يعقب فترات نزول الأمطار وتتواصل بها وضعية ترشيح المجرى عقب الأمطار عدة أيام وأحيانا فترات أطول. لذلك فهي من أفضل مناطق البلاد لتوفير كميات أكبر من الجريان السطحي في شبكة الأودية. وتبدو أودية الشمال التونسي عادة أكثر تأثرا بتوالي سنوات الجفاف سواء بالنسبة إلى واردها السنوي أو الفصلي أو للدفق الأدنى في فترات جريانه الضحل.

أمّا أودية وسط البلاد فإن تناقص كميات التساقط وغلبة طبيعة الصخور الكلسية والرملية عليها يجعلان الجريان السطحي بها مرتبطا بفترات حدوث العواصف والزخات المطرية، ولا تتواصل عملية ترشيح المجرى إلا في فترات محدودة بعد حدوث الأمطار. ونظرا إلى اتساع الأحواض المائية بهذه المنطقة فإن الجريان السطحي بها لا يتأثر فقط بالأمطار المتساقطة على المنطقة بل قد يحدث نتيجة وقوع الأمطار بعالية الحوض.

أما أودية الجنوب فهي قليلة الجريان ولا يتواصل ذلك بها إلاّ فترات قصيرة عقب نزول الأمطار ويكون الترشيح بها عادة ضعيفا ومقتصرا على الجزء القريب من المجرى الأدنى للوادي. وتكون الحملات فجئية في الغالب وأحيانا على درجة كبيرة من العنف، ويبلغ الوارد عدة أضعاف جريان الضحل، أما فترة الترشيح فلا تتجاوز بضع ساعات عقب الفيضان.

ويعتمد في قياس كميات الجريان السطحي بالبلاد التونسية على شبكة متكونة من 52 محطة أساسية للقيس قائمة على مجاري أهمّ الأودية، وهو ما يعطي كثافة وسطية في حدود محطة لكل 3000 كم2 تتراوح فترات تشغيلها بين 15 و80 سنة. وتتركز كثافة هذه الشبكة أساسا في مناطق أقصى الشمال وأحواض مجردة والشمال الشرقي والوسط حيث توجد أهم المنشآت المائية للتحكم في المياه السطحية. وبفضل القياسات الميدانية التي تعدّ بهذه المحطات أمكن ضبط خصائص الجريان السطحي بالأودية التونسية من فترات تجميع الجريان وترشيح وكفاية تجميع وكميات واردة ودفق أقصى. واعتمادا على هذه المعطيات أمكن التوصل إلى وضع معادلات رياضية خاصّة بمختلف أحواض البلاد لتقدير الجريان السطحي والدفق الأقصى الناتج عنه بحسب كمية الأمطار المتساقطة وشدتها وفترات تواصل سقوطها. وتعطي هذه المعادلات الميدانية مؤشرات إقليمية (paramètres régionaux) لتقدير الجريان السطحي السنوي وهو ما ساعد إلى حدّ بعيد على ضبط مقومات التهيئة المائية السطحية لمختلف الأودية بمناطق البلاد، وتدقيق تقويم الوارد السنوي من المياه بها وكذلك تواتر تغيرات الوارد السنوي بحسب ما يعرفه تغير التساقط المطري بمختلف المناطق الطبيعية.

تقويم الموارد المائية السطحية[عدّل]

تتحدّد الموارد المائية السطحية في ما يسيل من مياه الأمطار في شبكة الأودية وهي تنقسم إلى مياه الضحل ومياه الفيضانات. وتتّصف مياه الضحل عادة بنوعيتها المائية المتدنية نتيجة تجمعها من مياه الينابيع التي تصب في مجاري الأودية. أما مياه الفيضانات فهي متأتية من الأمطار وأحيانا من الثلوج، لذلك فهي تتصف بنوعية مائية جيدة. وتقوّم الموارد المائية السطحية على أساس معطيات محطات القيس والمراقبة التي تسجّل على مجاري الأودية في أثناء فترات الضحل أو الحملات، وكذلك تقوّم الكميات المائية الواردة إلى خزانات السدود الكبرى والسدود التلية والبحيرات الجبلية. ويعتمد تقويم الموارد المائية السطحية المتاحة على معرفة تصاريف الأودية والأنهار وضبط موازناتها العامة في الدورة الطبيعية، وهو ما يتطلب ضبط علاقات التغيرات الموسمية والسنوية وعلى المدى الأبعد لكميات الجريان ونوعيته ودرجة ارتباطه بأشغال التهيئة. وعلى هذا الأساس فإنّ عمليات قيس المتغيرات للوحدات الهيدرولوجية تمكن من وضع معادلات التغير بحسب الخصائص الطبيعية لكل حوض مائي وكثافة شبكة المجاري الطبيعية به ونظام الأمطار المتساقطة عليه. ويميّز بين وارد الضحل ووارد فترة حملات الأودية لما يصاحب كلّ صنف منها من خصائص في الجريان السطحي وكذلك في نوعية المياه وما يصحبه من حمولة صلبة تتسبب في ترسبات في الخزانات السطحية.وتتأتى أغلب الموارد المائية السطحية من وارد فترات حملات الأودية. وتعتبر مياه الضحل رغم كميتها المحدودة نسبيا (415 مليون م3/سنة) ذات تأثير واضح في نوعية المياه السطحية، وهي متوفرة خاصة في أودية الشمال والوسط، وتتركز أساسا في أودية حوض مجردة وتتأثر كثيرا بتذبذب الأمطار سواء في كمياتها أو نوعيتها. أما مياه الفيضانات، فتتركز بنسبة 80% بأودية الشمال وهي ذات نوعية شبه ثابتة.

السدود[عدّل]

مفاهيم عامّة[عدّل]

السدود منشآت يقيمها الإنسان على المجاري المائية للتحكم في جريان المياه إما بالتخزين أو بترفيع المنسوب أو بالحد من سرعة التدفق. والسدود بوجه عام تمكن من التحكم في الدفق خاصة في فترات الجفاف أو عند حدوث الفيضانات، وبذلك يمكن حماية المنشآت الاقتصادية والتجمعات السكنية الواقعة سافلة السد من خطر الفيضانات، وكذلك تأمين تزويد تلك المناطق بالمياه. وعن طريق البحيرات المائية المتجمعة وراء السدود، يمكن إقامة الكثير من مناشط صيد الأسماك والتسلية. وغالبا ما يستجيب السد الواحد للكثير من هذه الوظائف.

تطوّر تقنيات السدود بالبلاد التونسيةوإنجازها[عدّل]

تراعى عند إقامة السدود المعطيات الهيدرولوجية والطبغرافية والجيولوجية للموضع. حديثا أصبح يقرأ حساب للزلازل في التقنيات المعتمدة نظرا إلى الكميات المائية الكبيرة التي أصبحت تخزن وراء السدود. فأي خلل ينتج عنه تسرب للمياه من جسم السدّ من شأنه أن يهدد المناطق الواقعة أسفل هذا الموقع بخطر الفيضانات. ويؤخذ في اعتبار تقنيات إقامة السدود أن تكون قادرة على مقاومة كلّ الضغط المسلط عليها بما في ذلك ثقل جسم السد نفسه وثقل المياه وراءه وكذلك القوى الداخلية. ولقد أصبح ارتفاع السد من العوامل التي يتحكم فيها بحسب مقتضيات الموقع الطبيعي والمواد الطبيعية المستعملة في إقامة جسم السدّ، وهو ما يمكن إلى حدّ ما من تنويع استعمالات السد بما في ذلك إنتاج الطاقة الكهربائية باستحداث مساقط ملائمة. وقد أصبحت السدود مجهّزة بمنشآت تكميلية داخل جسم السد بما في ذلك مصرف الفيضانات والدهاليز الداخلية التي تنطلق منها قنوات تؤمن الامداد بالمياه وكذلك منافذ تصريف الطمي. ونظرا إلى طبيعة المناخ بالبلاد التونسية وغلبة الجفاف على أغلب المناطق الواقعة جنوب سلسلة الظهرية التونسية فإن السدود الممكن إحداثها بمختلف المناطق هي التالية:

  • السدود التخزينيّة: وهي السدود التي تكون وراءها مسطحات مائية يمكن التصرف فيها سواء بفتح المغالق أو بالضخ. وفي هذا الصنف تندرج السدود الكبرى والسدود التلية والبحيرات الجبلية. وهي وإن كانت تجمع مياه السيلان فإنّها ذات طاقة تخزينية محدودة لا تمكن من التحكم في كميات مياه السيول كلها التي تنتهي إليها وخاصة في السنوات المطيرة.

لذلك كانت هذه المنشآت مجهزة بمصارف لتصريف الكمية الزائدة عن الطاقة التخزينية للسد إلى المناطق الواقعة سافلته. وهذا الصنف من السدود هو المعهود أكثر من غيره نظرا إلى ما يوفره من تحكم في المياه السطحية سواء بالتخزين أو بالتحويل عن طريق القنوات أو المجاري المكشوفة إلى مناطق أخرى، ونظرا إلى ما يوفره من طاقة كهربائية مائية.

  • السدود التحويلية: هي السدود التي تقام على المجاري الطبيعية والقنوات المائية المفتوحة لتحويل جريان المياه السطحية إلى مناطق جانبية ذات منسوب قد يكون أعلى من المنسوب الطبيعي الذي تنتهي إليه.
  • السدود التعويقيّة: هي حواجز ترابية أو صخرية أو إسمنتية تقام على المجاري الطبيعية للأودية للحد من سرعة جريان المياه بها وتمكين نصيب منها من التسرب إلى باطن الأرض سواء للزيادة في رطوبة المنطقة غير المشبعة أو لتغذية الطبقة الجوفية.

ويقتصر في تعريف السدود عادة على الصنف التخزيني منها وتصنف في نطاقه السدود التالية:

  • السدود الخرسانيّة: وتعرف في نطاق هذا الصنف أنواع ثلاثة هي:
  • سدود الثقل: وهي منشآت خرسانية عريضة القاعدة وحادة القمة مستقيمة الامتداد أو ذات تجويف خفيف. ويكون الوجه العلوي منها قائما في استواء. ويعتمد في جعل هذا الصنف من السدود مقاوما للضغط على الثقل الذي يتصف به جسم السد وهو ما يمنعه من الانزلاق إلى السافلة أو الانهيار. ويمتاز هذا النوع من السدود بالتركيز الجيد وكذلك بمحدودية عمليات الصيانة. واعتبارا للثقل الذي يكون لهذا الصنف من السدود فإن ارتفاعه يتناسب ونوعية الأساس الذي يركز عليه. فسدود الثقل التي يتجاوز ارتفاعها 20 مترا تركز على أساس صخري ثابت، ولا يكفي في هذه الحالة توفر طبقة من الركاميات تحت الأساس.
  • سدود التقويس: يُقوّس جسم السد في اتجاه مجرى التيار. وهو ما يسمح بتوزيع ثقل الماء على كامل امتداد السد وخاصة على الجانبين عندما يكون المجرى ضيقا وعميقا.

وزيادة على التقويس العرضي غالبا ما يكون هناك تقويس مع ارتفاع جسم السد.

  • السدود ذات الدعائم: يتكون هذا الصنف من السدود من طبقة عازلة مركزة على دعائم متناسقة الاتساع. ويكون الوجه العلوي للسد جدارا أو مسطبة يطلق عليها اسم "القناع العلوي". وهو مستوى يعمل على تحمل ثقل الماء ويدعم الجدار بمجموعة من الركائز الخلفية أعرض قاعدة تسند الوجه العلوي. وغالبا ما تكون الطبقة العازلة ذات ميل واضح نحو السافلة لزيادة تركيز قاعدة السد بالأساس الذي ترتكز عليه، وبذلك يعمل ثقل الماء على الزيادة في ثقل جسم السد.
  • السدود الركامية: تنتمي إلى صنف سدود الثقل التي لا تدخل الخرسانة في تركيبتها لتأمين الالتحام الجانبي وتوفير الطلبية العازلة. وهي أفضل السدود لامتصاص الارتجاجات الزلزالية، وكثيرا ما تدخل في تركيبتها عدّة موادّ ترابية ومنها:
  • السدود الترابيّة: يتكون جسم السد عادة من جسم ترابي مرصوص، وتدخل في تركيبتها المواد الركامية المتوفّرة من تراب وحجارة وصخور. وبحسب تنوع هذه المواد وتجانسها يختلف شكل جسم السد، ويعتمد أساسا في رص هذه المواد لضمان توفير الطبقة العازلة، وذلك ما لم يكن متوفرا قبل تصنيع الجرارات الثقيلة. وبذلك أمكن التخفيض من تكلفة هذه السدود مقارنة بسدود الثقل.
  • السدود الصخرّية: تتكون هذه السدود من صخور ويمكن أن تشتمل على نواة كتيمة من الطفل كائنة بين طبقتين للتدعيم، إحداهما من الوجه الأمامي والأخرى من الوجه الخلفي متكونان من مواد أكثر نفاذية كالرمل أو الحصى.

وقد يغطى الوجه الأمامي بطبقة كتيمة مكونة من مواد عازلة كالزفت متلائمة مع حركة ارتصاص السد، كما يمكن أن تعمق النواة الكتيمة تحت مستوى أساس السد وذلك للتقليل من التسربات الجوفية.

الوضع الراهن للسدود بالبلاد التونسية[عدّل]

ترجع إقامة أول سد حديث بالبلاد التونسية إلى الفترة 1922 - 25 وهو سد وادي الكبير على واد مليان عند سفوح جبل برقو من ولاية سليانة. وفيما بعد أقيمت السدود التخزينية الكبرى وأهمّها في الشمال: سدّ سيدي سالم (762م3) وسدّ بوهرثمة (109م3) وسدّ جومين (124م3) وسدّ سجنان (113م3)، وفي الوسط: سدّ سيدي سعد (131م3) وسدّ نبهانة (66م3) وسدّ سيدي عيش (88م3)، وفي الوطن القبلي : سدّ لبنى (25م3).

دور السدود في تنمية الموارد المائية[عدّل]

تعرف الموارد المائية بكونها الكميات المائية القابلة للتعبئة والاستعمال في ظروف معينة بحسب النوعية المرغوب فيها. والموارد من المياه السطحية هي جملة المياه العذبة التي تسيل على سطح الأرض في الشبكة الهيدروغرافية والمسطحات المائية المتصلة بها من سدود وبحيرات طبيعية أو اصطناعية. أمّا الموارد المتاحة ضمن هذا الصنف من المياه فهي جملة المياه المتوفرة طبيعيا. وفي نطاق المناطق الجافة وشبه الجافة يصعب تعبئة كلّ المتاح من المياه السطحية نظرا إلى اختلاف نظام الجريان الطبيعي بين فترات الضحل وفترات الفيضان. وبذلك يكون نصيب من الموارد المتاحة السطحية غير قابل للتعبئة إذ يصعب التحكم في كامل مياه الجريان السطحي بالتهيئة المائية الملائمة (التخزين أو التحويل أو إعاقة الجريان). ومن ثمّة فإن ذلك الجزء من المياه السطحية ينتهي دائما إلى المنافس الطبيعية مثل البحر والسباخ. وهكذا فإن الموارد المائية السطحية القابلة للتعبئة ستظلّ محدّدة بطاقة استيعاب المنشآت المخصّصة لها. ويرتبط مفهوم الموارد المائية السطحية القابلة للاستغلال بكفاية تجهيزات الاستغلال وتكاليف تشغيلها وصيانتها. ففي مجال السدود التخزينية مثلا تكون لهذه التجهيزات زيادة على وظيفتها التخزينية وظيفة أخرى هي التحكم في الفيضانات للحد من تأثيرها التدميري. لذلك تُحول جزءًا من المياه الزائدة عن طاقتها التخزينية القصوى إلى المناطق السفلى عن طريق المصرف. ثم إنّ الكميات المجمعة وراء السدود التخزينية غير قابلة للاستغلال بتمامها نظرا إلى عدة اعتبارات، منها "فاقد البخر" و"السمْك الميت" و"فواقد الطمي" و"الاحتياطي الأدنى". ونظرا إلى مختلف هذه الاعتبارات المتعلقة بالتعبئة والاستغلال فإن تقييمات الموارد تقدر عادة كميات الموارد المتاحة النظرية، وهو ما يتوفر من كميات مائية عند المصدر المائي. أما الموارد المتاحة الحقيقية فهي الموارد المتاحة النظرية بعد خصم الفواقد منها، مثل التبخر والنضح والصرف السطحي، بحيث لا يبقى في نطاق الموارد القابلة للاستغلال إلاّ المتجدد أو المخزون من الموارد المعبأة والقابلة للاستغلال.

وفي مجال المياه السطحية يكون الاحتياطي المتجدد مقابلا لجملة الوارد السنوي الذي قد يتغير في نطاق المناطق الجافة وشبه الجافة من الواحد إلى عدة أضعاف. وأما الاحتياطي غير المتجدد فلا يكون عادة إلا في حالة السدود التخزينية (أو البحيرات ذات المياه العذبة) ذات الطاقة التخزينية الكبيرة. وتقل هذه الطاقة كلما زادت كميات الطمي أو تباعدت الفترات المطيرة. تتحدّد الموارد المائية السطحية في ما يسيل من مياه الأمطار في شبكة الأودية. وهي تنقسم إلى مياه الضحل ومياه الفيضانات. وتتصف مياه الضحل عادة بنوعيتها المائية المتدنية نتيجة تجمعها من مياه الينابيع التي تصب في مجاري الأودية. أما مياه الفيضانات فهي متأتية من الأمطار ومختلف أصناف التساقطات (الثلوج والبرد وغيرهما) لذلك تتصف بنوعية مائية جيدة. وتقسّم الموارد المائية السطحية على أساس معطيات محطات القيس والمراقبة التي تشمل مختلف أودية البلاد بحيث يراقب الوارد السنوي بها. ثمّ إن خزانات السدود الكبرى والسدود التلية والبحيرات الجبلية تسمح بتقويم الموارد المعبأة بها وكذلك الموارد القابلة للاستغلال. وتقدر الكميات المائية الواردة على شبكة الأودية التونسية من الأمطار بحوالي 2120 مليون م3/سنة تنقسم على الأحواض التالية:

  • حوض مجردة: 1000 مليون م3/سنة.
  • أحواض الشمال الغربي (جندوبة وباجة) :550 مليون م3/سنة.
  • أحواض إشكل وبنزرت: 360 مليون م3/سنة
  • أحواض الوطن القبلي: 210 مليون م3/سنة.

ويخضع هذا الوارد السنوي لتذبذب كبير نتيجة عدم انتظام الأمطار في كمياتها ومواعيد تساقطها. فقد بلغ النقص في الموارد في فترة الجفاف 1987 - 90 ما قدره 55% بحوض مجردة. ولتفادي وضعيات النقص في عرض الموارد المائية السطحية، يستوجب الأمر تكثيف البنية الأساسية للسدود التخزينية وخاصة بمنطقة الشمال التي تستقطب 80% من الكميات القابلة للاستغلال. وتعتبر الكميات المائية المتوفرة بشبكة الأودية التونسية في فترات الضحل محدودة إذ لا تتجاوز 405 مليون م3/سنة (أي 15%) وهي أساسا متوفرة بأودية الشمال التونسي (350 مليون م3/سنة أي 88%). وتعتبر السدود من مقوّمات التهيئة المائية بالبلاد. وعلى أساسها تقوم الخطة الوطنية لتعبئة الموارد المائية، وذلك لدورها في تعديل تأثير الجفاف الذي قد يجتاح البلاد أو بعض المناطق لسنوات متتالية، وفي حماية البنية الأساسية والمناطق العمرانية من خطر الفيضانات ومن انجراف التربة الفلاحية إضافة إلى ما توفره من إمكانية التخزين الظرفي ونقل المياه من منطقة إلى أخرى (قناة مياه الشمال إلى الوطن القبلي أو قناة مياه الوسط من نبهانة إلى ساحل سوسة). وبربط السدود الكبرى فيما بينها بقنوات تحويل أصبح من الممكن التحكم في التخزين وتعديل نوعية المياه عن طريق المزج.

وأصبحت إدارة الموارد المائية لمختلف الاستعمالات أكثر طواعية، كما أن النسيج المتوفر من شبكة السدود التلية والبحيرات الجبلية قد سمح بالحد من تأثير الأمطار على انجراف التربة وتوفير موارد محلية يمكن استعمالها في تغذية الطبقات المائية والتخزين الجوفي. نظرا إلى ما يتصف به مناخ البلاد التونسية من تغيّرات موسمية وتذبذب في كميات الأمطار المتساقطة من فصل إلى آخر ومن سنة إلى أخرى فإن إقامة السدود لتخزين المياه وتعويق جريانها في أثناء الحملات وفرشها على الأراضي الزراعية في السهول يعتبر من مقومات التهيئة المائية المتكاملة التي تمكّن من الاستفادة من كلّ الموارد المائية المتوفرة. ولقد كان للسدود المائية في مختلف مراحل تاريخ البلاد دور في توفير حاجات التجمعات السكنية الكبرى من المياه ومستلزمات الري. واليوم تبدو البلاد أحوج ما يكون إلى مثل هذه التهيئة المائية في فترة تتسم بضرورة تلبية حاجات الطلب المتصاعدة نظرا إلى مقتضيات التنمية المتكاملة. ومع بداية القرن الحادي والعشرين أستوفت البلاد إقامة أهمّ مشروعات السدود الكبرى التي تمكّن من التخزين السطحي بعد أن دخلت في مرحلة إقامة السدود المتوسطة والصغيرة ذات السعة التخزينية المحدودة. لذلك فإن نسق الدراسات الخاصة بهذا الصنف من التهيئة المائية يتطلب معلومات أدق حول خصائص الجريان للأحواض المائية الصغرى وتدقيق المواقع التي تقام فيها هذه السدود. وهو ما سيزيد في تكلفة هذه المنشآت مقارنة بما توفره من موارد، كما أن التذبذب الموسمي للأمطار وإمكاني إصابة الجفاف المتواصل بعض مناطق البلاد أكثر من موسم من شأنهما أن يجعلا تغيرات ملوحة المياه المخزونة وراء السدود أكثر تأثيرا في نوعية الموارد المتوفرة. لذا يتعيّن الربط بين شبكة السدود المقامة لتعديل الملوحة خاصة بالنسبة إلى الموارد المعدة لتوفير مياه الشرب.

ونظرًا إلى ما تشكوه البلاد من محدودية الغطاء النباتي، فإن انجراف التربة يبقى من أهم المشكلات التي تتسبّب في تقليص فترة نشاط السدود وتتطلب المعالجة في شكل تهيئة تحمي جوانب الأودية ومنحدراتها من الانجراف. ولقد عملت البرامج الوطنية الخاصة بحماية المياه وأديم الأرض على الاستفادة بمزيد من الفاعلية من مياه الأمطار وتنويع منشآت التحكم في المياه السطحية، ولكن تكلفة الموارد المائية المجمعة بهذه الأشغال تبقى مرتفعة، كما أن الصيانة المتواصلة لمثل هذه المنشآت تجعل منها عبءا اقتصاديا ملازما لطبيعة التهيئة المعتمدة.

حقول النّفط[عدّل]

الخصائص[عدّل]

تمتاز البلاد التونسية من جهة تاريخها الجيولوجي بوجودها على حافة القارة الإفريقية وهو ما ساعد كثيرا على توفّر الطبقات الرسوبيّة بها بسمك يبلغ في بعض المواقع (الشمال والجرف القاري) بضع الالاف من الأمتار. وقد أسهمت التغيرات المناخية القديمة في تنويع هذه الطبقات بين ترسبات بحرية المنشإ وطبقات قارية ترسبت على اليابسة كما أسهمت الفترات التي تميز مناخها بارتفاع الحرارة وكثرة الأمطار في توفير غشاء نباتي غابي كثيف تحوّلت بقاياه إلى ترسبات غنية بالمواد العضوية، ساعدت وضعيات الترسيب على تحويلها إلى مواد أولية للمشتقّات النفطيّة. وقد عملت الحركات التكتونية بعد ذلك على تطوير التركيبة الجيولوجية لهذه الطبقات بالالتواءات والتصدعات لكي تصبح مكامن نفطية سواء الواقع منها على اليابسة أو تلك الكائنة على امتداد الجرف القاري. ولقد كان لفهم التطور الجيولوجي بالبلاد التونسية دور كبير في توجيه سياسة الاستكشاف النفطي وتعديل المناهج المعتمدة، إذ على أساس تحليل التركيبة الجيولوجية والعوامل الأساسية العاملة فيها يمكن فهم التطور الحاصل والتركيبة الناتجة ومن ثمّة مدى تلاؤمها مع إمكان توفر المكامن النفطية. فالاستكشاف النفطي بالبلاد التونسية قد مرّ بمراحل تكيّف تقنيات هذا الاستكشاف وتطوّرها وتوسع مجالاته، واتّضاح الفرضيّات المعتمدة لتفسير التطوّر الجيولوجي للمناطق القاريّة والبحريّة المتّصلة بالحوض الغربي للبحر المتوسّط.

الاستكشاف النفطي في البلاد التونسيّة[عدّل]

يرجع الاهتمام بالحقول النفطية بالبلاد التونسية إلى مطلع الثلاثينات من القرن العشرين فقد شرع في الاستكشاف النفطي بالبلاد التونسية منذ سنة 1932 وذلك بحفر البئر النفطيّة الأولى بالسلوقية وقد كانت نتائجها دون المؤمّل. ولكن العثور على المؤشّرات الأولية لوجود الغاز الطبيعي بالبلاد التونسية لم يتحقّق إلاّ سنة 1949 وذلك بعد حفر بئر جبل سيدي عبد الرحمان بالوطن القبلي. ولم يستغلّ هذا الغاز في حينه لعدم توفّر الجدوى الاقتصادية. وفي كلّ الفترة الممتدّة بين 1932و1951، قامت شركة التنقيب واستغلال النفط التونسية بوضع سياسة للاستكشاف البترولي ترتكز على المسح الجيولوجي للتكشفات السطحية، كما قامت بالكثير من المسوح الجيوفيزيائية للطّبقات الجوفية وتوفير بنك معلومات يعتمد على نتائج المسوح الجيولوجية والتنقيبات النفطية في أهم المناطق التي تستجيب تركيبتها الجيولوجية لوجود مكامن نفطية. ولقد كانت هذه المؤسّسة من أهمّ الشركات العاملة في مجال التنقيب النفطي وأصبح موضوع الاستكشاف النفطي محور اهتمام متزايد نظرا إلى موقع تونس الجغرافي المتميّز وإمكان ربطها بحريّا بأوروبا.

ورغم العثور على بعض المؤشّرات الأوّلية لوجود النفط بالكثير من المواقع، فإنّ الشروع في استغلالها على نحو تجريبي لم يتحقّق إلاّ سنة 1964 عندما اكتشف حقل البرمة بأقصى الجنوب التونسي. وذلك ما جعل موضوع النفط يأخذ أبعادا مغايرة في النظرة إلى الاقتصاد التونسي. وتزامن ذلك والشروع في تصدير النفط الجزائري عن طريق الأنبوب الذي يشقّ الصحراء الجزائريّة إلى ميناء الصخيرة حيث يُشحن بحريا، وساعد هذا الوضع على ربط حقل البرمة بالأنبوب الصحراوي. تواصلت الاستكشافات النفطية بالبلاد التونسية على اليابسة بالكثير من المواقع بالوسط وأقصى الجنوب، وكان لتطور تقنيات الحفر في البحر دوره في توسيع مجال الاستكشاف النفطي إلى الرصيف القاري بخليج قابس وأُحدث أوّل بئر (قابس1) بهذه المنطقة سنة 1967. وعرف الاستكشاف النفطي في تونس تصاعدا مطّردا في عدد آبار الاستكشاف المحفورة سنويا بحيث بلغ أقصاه في سنة 1981 بحفر 25 بئر استكشاف. وبعد فترة استقرار أخذ عدد الابار في التراجع إلى حدود 15 - 17 بئرا سنويا. وهذا الجهد المبذول على مستوى الاستكشاف لم يصاحبه التوصل إلى نتائج إيجابية مشجعة على الانتاج كما كان مؤملا إذ أن الحقول المكتشفة كانت دائما من الحجم الصغير وضعيفة المدخرات.

خصائص المكامن النفطية[عدّل]

تستجيب جيولوجيا البلاد التونسية إلى حدّ بعيد لتوفير تركيبة مناسبة للمكامن النفطية إذ أن أغلب الطبقات المعروفة على السطح رسوبية بالأساس وغالبا ما تكون ذات امتداد أفقي وسمك مناسبين لتكوين مثل هذه المصائد. ولقد امتازت البيئات القديمة بهذه المنطقة بتوفير ظروف ترسيب مميزة للمناطق القريبة من الساحل مع امتداد الرصيف القارّي بأعماق بحرية محدودة على مساحات شاسعة، وهو ما يوفر كثرة الأحياء العضوية وتجمع رسوبيات المراوح النهرية التي تجلب معها من اليابسة الكثير من البقايا العضوية النباتية القابلة للتحول إلى طبقات نفطية. ولقد ساعدت الظروف المناخية للبلاد التونسية المتصفة، في الفترات المتلاحقة من تاريخها الجيولوجي، بكثرة الأمطار وارتفاع الحرارة، كثيرا على تراكم عدّة طبقات عضوية في الرسوبيات التي كانت قابلة للتحول إلى طبقات نفطية. وكان لوجود البلاد التونسية على حافة القارة الافريقية دور كبير في توفير مثل هذه الوضعية المناسبة التي أفادت أيضا من امتداد الرصيف القارّي في فترات طويلة من التاريخ الجيولوجي على مساحات كبيرة مكنت من تنامي الشعاب المرجانية على سمك كبير تحول البعض منها، في مراحل موالية، إلى مكامن نفطية ممتازة، كما أن التطوّر التكتوني الذي يميّز وسط وجنوب البلاد بقلة الالتواءات العنيفة وعدم حدوث الانزلاقات والتصدعات الكبيرة أو ظهور الانبثاقات الملحية، قد ساعد على توفير بيئة ملائمة لوجود المكامن النفطية. والمناطق التي تبدو ذات حظوظ أكبر لتوفر المكامن النفطية بها هي الرصيف القاري والشريط الساحلي وكذلك المسطبة الصحراوية وبعض التقببات بالوسط التونسي التي تكثر بها الترسبات المرجانية. فالبلاد التونسية بتنوع تركيبتها الجيولوجية وامتداد رصيفها القاري تبدو ذات حظوظ كبيرة للاشتمال على الكثير من المكامن النفطية، كما أن إنتاجية بعض الحقول النفطية المعروفة بها تؤكد حسن نوعية هذا النفط وإمكان وجود مكامن للغاز الطبيعي أكثر امتدادا على كامل الجرف القاري.

تصنيف المكامن النفطية[عدّل]

تشتمل التركيبة الجيولوجية للبلاد التونسية على أربعة أصناف من المكامن النفطية هي:

  • المكامن التركيبيّة: هي التي أعطت أهم الكشوفات النفطية بالبلاد وهي تركيبات ناتجة عن الالتواءات الجيولوجية والتصدعات المصاحبة لها كالتقببات والأحواض المقعرة التي تحدها تصدعات جانبية، مثل تقبّب حقل البرمة (الحتّ الترياسي) وتركيبة حقل عشترت (الكلس الايوسيني). وقد ساعد على توفر هذه المكامن تواصل الترسبات خلال أحقاب جيولوجية متوالية وتطور بنيتها التركيبية وفق نظام الأحواض الكائنة قرب المسطبة القارية.

وتعتبر الأحداث المصاحبة للالتواءات الهرسينية ثمّ الأطلسية أهم المراحل التي أعطت البنية الجيولوجية الحالية.

  • المكامن الرسوبيّة: وهي طبقات جيولوجية تقع ضمن طبقات أخرى ذات امتداد جانبي أكبر تتّخذ شكل عدسات، كما هو شأن الاندساسات الرملية وسط الطين أو الأرصفة المرجانية القديمة الكائنة ضمن الترسبات الطينية. ويتسرب إلى هذه الطبقات، التي تمتاز بنفاذيتها الجيدة، ما ينتقل إليها من الطبقات الأخرى من زيوت نفطية أو غاز طبيعي بحيث تصبح هي الخزان الأفضل لذلك.
  • المكامن المختلطة: هي مشتركة الخصائص بين المكامن التركيبيّة والمكامن الرسوبية. وغالبا ما تكون متركبة من أرصفة مرجانية ذات امتداد رأسي يتواصل في عدة طبقات وذلك نتيجة توفر قاعدة ارتصاصية ناشئة عن التحوّلات التكتونيّة. ويتجسّد هذا الصنف من الأرصفة المرجانية لحقل إيزيس (Isis) في طبقات السينومانيان وكذلك طبقات الكريتاسي العلوي لحقل أكودة الشرقي.
  • المكامن التكتونيّة: هي أكثر أصناف المكامن النفطية تعقيدا، ذلك أن تكوّنها يخضع لمراحل جيولوجية منتظمة. وتتحدّد هذه المراحل في تسرب النفط من الصخور الأم إلى الصخور الحاملة بعد تكوّن المكمن عن طريق التصدّع التكتوني. ومن هذا الصنف مكامن قرمدة (على اليابسة) وتازركة وبيرصة (في البحر).

وتقسم البلاد التونسية اعتبارا لطبيعة المكامن النفطية بها إلى المناطق الطبيعية التالية:

  • الرصيف القارّي: يمتدّ على الواجهة الشرقية للشواطئ التونسية بين الهوّاريّة شمالا وبن قردان جنوبا. وقد عرفت هذه المناطق حفر الكثير من الابار الاستكشافية النفطية نظرا إلى امتيازها بوجود مكامن في الصخور الكلسية المرجانية. وتمتاز هذه الشعب المرجانية بوضعية تؤهلها لكي تصبح مكامن ممتازة نظرا إلى وجودها ضمن مسطبة كلسية، وهي ذات مسامية عالية إذا ما توفرت بقربها الصخور الأم القابلة للتحول إلى نفط. ولقد تبين أن أغلب الشعب المرجانية الكائنة بالرصيف القاري الشرقي للبلاد التونسية خاوية لا تشتمل على النفط. وفُسّر ذلك بعدم توفر الصخور الأصلية القابلة للتحول إلى نفط، على مسافة قريبة منها، إذ أن أقرب هذه الصخور الأم المعروفة كائنة على حوالي 200 كم إلى الشمال الشرقي منها، كما فسر خلوّ هذه المكامن من النفط أيضا بأنه ناجم عن تفاوت بين مرحلة تكون النفط التي جاءت سابقة لمرحلة تشكل تركيبة المكمن، وهو جعل النفط المتكون لا يجد المكمن المناسب فينتقل إلى مسافات أبعد.

ويلاحظ في هذا الشأن أن أغلب هذه التشكيلات المرجانية (قصر هناء، وزير...) حديث نسبيا ومتأخر عن مرحلة تحول النفط من الصخور الأم كما تؤكد ذلك البقايا الأسفلتية والزيت المتحجر داخل الطبقات الكلسية التي اخترقت بالحفريات.

  • الشمال التونسي: تعتبر منطقة الفليش النوميدي الممتدّة من طبرقة إلى بجاوة أفضل تركيبة جيولوجية بالشمال التونسي يمكن أن تشتمل على مكامن نفطية. ونظرًا إلى تعقّد التركيبة الجيولوجية للشمال التونسي نتيجة ما عرفه من التواءات أطلسية وانزلاقات مصاحبة وكذلك كثرة الانبثاقات الملحية به، فإن الاستكشاف النفطي لهذه المنطقة لم يجر وفق منهجية تعتمد المسح الجيوفيزيائي والتنقيب على مستوى الوحدات الجيولوجية، بل في شكل آبار اعتمدت دراسات أولية سطحية. ولم تتوصل الآبار المحفورة إلى توفير نظرة تحليلية إلى التركيبة الجيولوجية للمنطقة. ولقد بات معروفا أن المناطق الكائنة على واجهة جبهات الانزلاقات الجيولوجية، كما هو شأن الفليش النوميدي، ذات أهمية ثابتة في مجال الاستكشاف النفطي (حقل نيدل بصقلية) نظرًا إلى توفّرها على تركيبة عدسيّة تساعد على وجود مكامن رسوبية.
  • تونس الوسطى: اقتصر في استكشاف المكامن النفطية بتونس الوسطى على التركيبات المقببة المتكشفة على السطح دون التوسع في القيام بالكشوف الجيوفيزيائية. وهذه المقاربة الاستكشافية لا تمكن من القيام بمسوح دقيقة لمجمل المكامن غير المتكشفة. ولقد تراجع الاستكشاف النفطي الدقيق بمنطقة تونس الوسطى بعد أن اتّضح أن الابار المحدثة لم تعط في أغلبها نتائج مشجّعة، كما أن بعضها الاخر (آبار ماسرنة، واد بهلول، سليانة) لم تعط إلا مؤشرات أولية لوجود الغاز الطبيعي نظرا إلى العمق الكبير الذي توجد به بحيث تقع خارج "النافذة البترولية".

مع مطلع الثمانينات، روجعت المقاربة التفسيرية لجيولوجيا البلاد التونسية المتعلقة بمجال توفر المكامن النفطية بتونس الوسطى على إثر ظهور دراسة اهتمّت خاصة بالفوالق الاقليمية ذات الامتداد شرق - غرب. وترى هذه الدراسة أن الفوالق الاقليمية توفر قاعدة تكتونيّة متحركة نشيطة في مراحل عدّة من التاريخ الجيولوجي في مجال نمت فيه الشعاب المرجانية التي تبين أنها أفضل المكامن النفطية المحتملة بهذه المنطقة. وتتطلب هذه المقاربة الجديدة مراجعة الخرائط الخاصة بالبيئات القديمة مع اعتبار تأثير التحرّكات التكتونيّة القديمة في ظروف الترسب وتشكل البنية الجيولوجية بالمناطق القريبة من الرصيف القاري لتلك الفترات. ولقد اتضحت جدوى اعتماد هذه المقاربة في متابعة مجال المكامن التكتونيّة في الاستكشافات التي جرت بمنطقتي الروحية وفوسانة إلى الجنوب من جبل السراقية، كما أن مراجعة اختبارات الانتاجيّة التي أعدّت على الكثير من الابار الاستكشافية المنجزة في العقود الثلاثة الماضية، بينت ضرورة إعادة التحليل لنتائج التسجيلات الجيوفيزيائية في ضوء المعطيات التكتونيّة. وقد ثبتت جدوى ذلك بالمناطق المشابهة من الشرق الجزائري حيث أمكن بإجراء الكثير من عمليات استرجاع الابار القديمة (التي تُخلّي عنها لضعف إنتاجيتها الأولية) التوصل إلى تطوير انتاجية تلك الابار والحصول على انتاجية ذات جدوى اقتصادية مضمونة.

  • الجنوب التونسي: رُكّز الاهتمام عند الاستكشاف النفطي للجنوب التونسي على طبقتين مستهدفتين أساسيّتين هما "الترياسي" و"الأردوفسي"، وذلك اعتمادا على تركيبتهما التقببية ذات السطح الضعيف الميل. واتضح أن هذه المقاربة الاستكشافية غير كافية وغير دقيقة بما فيه الكفاية وتتطلب التعرف على نحو أفضل إلى التطور التكتوني للمنطقة في الفترات المتتالية مع اعتبار التوزع الجغرافي لأصناف التركيبات الجيولوجية من فوالق وتقببات وأحواض مقعرة، أحد المؤشرات الأساسية في تطور البنية التركيبية للحقل. وعلى هذا الأساس انتقل إلى أهداف استكشافية أخرى يتطلب تدقيق المعرفة بها فهما أفضل للظروف البيئية القديمة وخاصة دور الحركات التكتونيّة في تشكيل مكامن ذات تركيبة معقدة (تركيبية وتكتونيّة) غير التقليدية. ويتضح ذلك خاصة في تركيبة "للفرضات الرسوبية" للطبقات الترياسية بمنطقة الشطوط التونسية. والفرضات الرسوبية هي المناطق التي تعرف بها بعض الطبقات الجيولوجية تراجع السمك إلى حد الاختفاء نهائيا. ففي هذه المناطق يصبح المرور من الطبقة الأم إلى الطبقة المكمن ممتدا على مساحة أفضل وغالبا حسب ميل مناسب للطبقات الجيولوجية.

الانتاج النفطي[عدّل]

يُجرى إنتاج النفط بالبلاد التونسيّة بجملة من الحقول أهمها: البرمة وعشترت وتازركة وسيدي اليتيّم والمخروقة والعريش والدبش والدولاب وسمامة وتامصميدا والشوش والصيادة والحاجب. وقد انطلق هذا الانتاج النفطي عمليّا، سنة 1966 باكتشاف مدخرات حقل البرمة ثم تلاه سنة 1968 حقل الدولاب وسمامة. ولقد مرّ الانتاج النفطي من 19،3 مليون طن سنة 1968 إلى 48،5 مليون طن سنة 1984 بعد أن بلغ حدًا أقصى قدره 57،5 مليون طن سنة 1983. وبذلك تكون الكمية المنتجة إلى حدّ نهاية 1984 في حدود 26,80 مليون طن. وهذه الوضعية لا تبرز بوضوح التذبذب السنوي للانتاج وتناقص الكميات المنتجة من حقل إلى آخر. وهي وضعية ما انفكّت تتأكّد في الحقول المكتشفة أخيرا وخاصة بأقصى الجنوب التونسي والمنطقة الساحلية. وتجدر الاشارة إلى أنّ الانتاج النفطي بالبلاد التونسية يعتمد اليوم على الزيت الطبيعي من ناحية والغاز الطبيعي من ناحية أخرى. ولقد اتضح بعد عدّة عمليات تقويم للمدخرات النفطية على أساس تجارب الاستغلال ومتابعة الآبار طيلة سنوات الاستثمار، أن حقول انتاج الزيت النفطي ذات مدخرات محدودة نسبيا ومدة تشغيلها لا تتجاوز في الغالب خمسين سنة. أما المدخرات الغازية فهي ذات حجم أكبر ومازال الكثير منها في حاجة إلى التقويم على نحو أدقّ.

أهمّ حقول إنتاج النفط

  • حقل البرمة: اكتشف سنة 1964 بأقصى الجنوب التونسي، ورخّص في إنتاجه بداية من سنة 1968. وتوجد الطبقات المنتجة الست (ع ظ ط ض ص ش) على عمق يقارب 2400 متر (الحث الترياسي أو تكوين كرشاو). تبلغ مسامية الطبقة حوالي 25% أما النفاذية فتتراوح بين 500 و2000 ملليدارصي وتبلغ نسبة المياه 20%. وينتج هذا الحقل 12000 م3/اليوم من الزيت الخفيف قياس 42ب.

ويتراوح السمك الفعال المسهم في إنتاج الحقل من المستوى الأول (A) بين 15 و100 متر. أما درجة حرارة هذا المستوى فهي في حدود 75ب مائوية. ويقع المستوى الأعلى من الخزان في طبقات من الحث الترياسي (A) وهو يشتمل على أكثر من نصف المخزون الكلي من الزيت الذي بلغ 208 مليون م3. أما الخزانات الثلاثة (ط ض ص) فيشتمل كلّ منها على حوالي خمس المخزون. وشغّل حقل البرمة في مرحلة أولى امتدت عشر سنوات دون أي مشكلات في الانتاجية، ثمّ لوحظ تناقص الضغط وأقرّ مبدإ الترفيع في ضغط الخزان عن طريق ضخ المياه إليه من السطح. ولقد خضع الخزان الأول منذ بداية سنة 1975 إلى عملية الغسل بالمياه وهو ما سمح بالترفيع في إنتاجيته من 30 إلى 50%. وقد بلغ أدنى إنتاج لهذا الحقل 87،1 مليون م3 من الزيت سنة 1976 ثم تصاعدت إنتاجيّته إلى أن بلغت في مطلع سنة 1981 حوالي 4 مليون م3 من الزيت وتواصلت هذه الانتاجية إلى نهاية الثمانينات.

  • حقل عشترت : اكتشفت سنة 1971 بخليج قابس مع عمق لمياه البحر في حدود 70 مترا. ويبلغ سمك الخزان حوالي 75 مترا، وهو يمتد على مساحة 380 كم2. ورخصّ في استغلاله سنة 1973 وشرع في استغلاله سنة 1974. وينتج هذا الحقل حوالي 4000 م3/اليوم من الزيت الخفيف بقياس 30ب. ويبلغ عمق الخزان (الطبقات الكلسية للإيوسين، تركيبة المتلوي)2720 متر. أما نسبة المياه الأولية فقد كانت 25%. وقد لوحظ تناقص الضغط بالخزان بعد سنة من بداية الاستغلال والتجئ إلى ترفيع الضغط للزيادة في إنتاجية الخزان بشحن المياه وأمكن بذلك الترفيع في نسبة إنتاج النفط السائل من 15 إلى 35%.
  • حقل سيدي اليتيّم : اكتشف سنة 1971 بمنطقة صفاقس وشرع في استغلاله سنة 1972 على مساحة 180 كم2. ويتكون الخزان النفطي من الطبقات الكلسية للايوسين الكائنة على عمق 2500 متر. وتبلغ مسامية هذه الطبقة 13% أما نفاذيتها فهي تتراوح بين 3 و230 ملليدارصي. يتراوح سمك الخزان الفعال بهذا الحقل بين 15 و85 مترا، وتبلغ نسبة التشبع الأولية بالمياه 25% ودرجة حرارة الخزان في حدود 120ب مائوية. وقد شرع في استغلال هذا الحقل سنة 1972 وسرعان ما ظهر به تغلب المياه المالحة على الزيت وهو ما قلص من إنتاجيته التي لم يمكن الترفيع فيها من جديد إلى أكثر من 12%.
  • حقل تازركة : اكتشف هذا الحقل الكائن بالبحر قبالة الوطن القبلي سنة 1979 بموقع به 140 متر من مياه البحر. وشرع في استغلاله سنة 1981 على مساحة 208 كم2. ويوجد الخزان في الحث الميوسيني على عمق 1256 متر. وهو ينتج 1200م3/اليوم من الزيت بقياس 30ب. وتبلغ مسامية الطبقة 27% في حين تتراوح نفاذيتها بين 100 و1700 ملليدارصي، أما نسبة المياه الأولية فهي في حدود 37%.
  • حقول المخروقة والعريش والدبش : وهي ثلاثة حقول كائنة بأقصى الجنوب التونسي واكتشفت بين 1979 و1981 ورُخّص في استغلالها سنة 1981 على مساحة 576 كم2 بالنسبة إلى المخروقة و388 كم2 للعريش و316 كم2 للدبش. ويوجد الخزان النفطي في مستوى الحث الترياسي على عمق يقارب 2400 متر، وهو في شكل عدسات ضعيفة السمك في حقلي الدبش والعريش، في حين يأخذ شكل مقبب في حقل المخروقة. ويتركز الانتاج في حقل المخروقة بالأساس. وتبلغ مسامية الطبقات النفطية 20% وتستقرّ نفاذيتها في حدود 700 ملليدارصي ونسبة المياه الأولية في حدود 27%.

وتنتج هذه الحقول الزيت الخفيف بقياس 42ب. وإنتاجية هذه الحقول ضعيفة لا تتجاوز 5% من مجموع الانتاج الوطني.

  • حقول الدولاب وسمامة وتامصميدا : هذه الحقول النفطية تقع بمنطقة القصرين وقد اكتشف حقل الدولاب سنة 1966 أما سمامة وتامصميدا فسنة 1967. ورُخّص في استغلال حقلي الدولاب وسمامة سنة 1968 على مساحة 112 كم2 أما تامصميدا فسنة 1969 وبمساحة 76 كم2. ويقع خزان حقلي الدولاب وسمامة في مستويين كلسيين (عصر الأبسيان) على عمق وسطي في حدود 100 متر. أما حقل تامصميدا فيستغل طبقة كلسية من السينومانيان (تركيبة السرج) على عمق 800 متر. ويبلغ الانتاج 165 م3 اليوم من الزيت الخفيف بقياس 40ب. وتبلغ مسامية الطبقة 5% أما نفاذيتها فهي في حدود 2 ملليدارصي، ونسبة المياه الأولية 30%.
  • حقل الشوش والصيادة (أقصى الجنوب التونسي) : هذا الحقل واقع داخل كثبان العرق الشرقي بمنطقة صعبة المسالك منقطعة عن بقية الحقول الأخرى. وقد جرى استكشاف هذا الحقل عن طريق بئر واحدة تمّ إحداثها سنة 1971 وهو ما يجعل المعطيات المتعلقة بامتداد الحقل وخصائصه الطبيعية غير مدروسة بما فيه الكفاية. ورُخّص في استغلاله سنة 1977 على مساحة 212 كم2. ويوجد الخزان النفطي في الحث الترياسي الكائن على عمق 2410 متر وينتج منه 50 م3/اليوم من الزيت الخفيف قياس 42ب. وتبلغ مسامية الطبقة 17% في حين أن نفاذيتها في حدود 170 ملليدارصي.
  • حقل الحاجب والقبيبة: يقعان في ساحل صفاقس. وقد اكتشف الأوّل سنة 1981 أما الثاني فسنة 1982. ورُخّص في استغلاله سنة 1982 على مساحة جملية تبلغ 52 كم2. ويوجد الخزان النفطي بالنسبة إلى القبيبة (التيرونيان) على عمق 2890 متر وهو بمسامية 13% وتبلغ نسبة المياه الأولية 35%. أما خزان موقع الحاجب فهو في طبقة الكلس الايوسيني (تركيبة المتلوي) على عمق 2140 متر وتبلغ مسامية الخزان 18% ونسبة المياه الأولية 35%. وقد أبرزت التجارب التي أجريت على هذا الحقل أن المخزون الزيتي على قدر عالٍ من الأهمية ولكن إمكان الاختلاط بين الزيت والماء كبيرة. ولقد شرع في استغلال هذا الحقل بداية من سنة 1985 في حدود 230 م3/اليوم من الزيت الخفيف قياس 31ب.

أهمّ حقول إنتاج الغاز

ترجع الاكتشافات الأولى للغاز الطبيعي بالبلاد التونسية إلى سنة 1948 بجبل سيدي عبد الرحمان من الوطن القبلي وقد قدرت الكميات القابلة للاستغلال في هذا الحقل ب150 مليون م3.

ونظرا إلى عدّة اعتبارات فنية واقتصادية، اقتصر الاهتمام على إنتاج الزيت السائل واعتبر الغاز الطبيعي بهذا الموقع غير ذي جدوى اقتصادية، إلى أن حدثت أزمة الطاقة في السبعينات وأصبحت تقنيات الاستخراج والطلب على الغاز الطبيعي أكثر ملاءمة لاستغلال ما يتوفر منه،وعندها كان الرجوع إلى منطقة الوطن القبلي لتوسيع مجال الاستكشاف النفطي إلى سهل قرمبالية (منطقة بلي) والمناطق البحرية التابعة للجرف القاري (تازركة). تتوزّع حقول الغاز الطبيعي بالبلاد التونسية على اليابسة والرصيف القاري وهي تنقسم إلى حقول منها ما قدّرت مدخراتها وضبطت مؤشرات على وجود كميات قابلة للاستغلال بها وأخرى لم تقدر مدخراتها بعد بالدقة الكافية لحساب جدواها الاقتصادية. أمّا حقول الغاز الطبيعي التي أكّدت التحرّيات وجود مؤشّرات على مدّخرات قابلة للاستغلال بها وتقدير كمياتها الانتاجية فتتوزع على وجه الخصوص على مواقع متعددة كائنة ضمن الجرف القاري بخليج قابس، ويعتبر حقل مسقرط من أهم هذه الحقول. وعلى ضوء المعلومات المتحصل عليها من الآبار الخمس المحفورة بهذا الحقل، تبين أن خزان الغاز الطبيعي متكون من طبقات كلسية راجعة إلى الكريطاسي الأعلى (تيرونيان - كونياسيان). ويتراوح سمك هذا الخزان بين 23 و88 مترا وهو بمسامية في حدود 8 إلى 16% ونفاذية بين 22 و865 ملليدارصي. والغاز المتوفّر بهذا الخزان جاف مع نسبة 33% من الغاز الراكد. ويقدر مجمل المخزون القابل للاستغلال من الغاز الطبيعي بهذه الحقول ب35 مليار م3 و4 مليون م3 من التكثفات. أما التقديرات الأولية لمخزون الحقول التي لم تدقق دراستها بما فيه الكفاية، فتعطي كمية إضافية تتراوح بين 58 و69 مليار م3 من الغاز الطبيعي. والحقول التي تبين بها وجود مؤشرات للغاز الطبيعي هي:

حقول الجرف القارّي لخليج قابس[عدّل]
  • حقل الأبيض بمسقرط وهو كائن في طبقة طباشيرية قليلة النفاذية وتبلغ كمية الغاز به 28% من الغاز الراكد. وتقدر الكميات القابلة للاستغلال بحوالي 22 مليار م3.
  • حقل عليسة وخزان الغاز الطبيعي به طبقة الكلس الكريطاسي الأعلى (كونياسيان) بسمك 76 مترا والمسامية بهذا الحقل في حدود 20% أما المخزون من الغاز فيقدّر بين 5،3 و20 مليار م3 إضافة إلى 3 مليون م3 من التكثفات.
  • حقل صدربعل والطبقة الحاملة للغاز الطبيعي وهي كلس الايوسين بسمك 65 مترا وعلى مساحة 17 كم2. وتقدر مسامية هذا الكلس في حدود 11% أما الكميّات المخزّنة فهي في حدود 56،6 مليار م3 إضافة إلى 74،1 مليون م3 من التكثفات.
  • حقل يوغرطة وهو على غرار حقل مسقرط يشتمل على عدّة خزانات غازية أهمها: خزان تركيبة الأبيض (سينونيان أعلى) بسمك 101 متر من الكلس الطباشيري الذي تبلغ مساميته 10 إلى 12% ونفاذيته 1,0 ملليدارصي. وخزان التيرونيان بسمك 71م من الكلس الذي تتراوح مساميته بين 7 و13% ونفاذيته بين 2 و30 ملليدارصي. وهذا الحقل بمساحة تتراوح بين 21 و74 كم2. وهو ما يوفر مخزونا يقدر بحوالي 2،2 إلى 12 مليار م3. أما المواقع التي بها مؤشرات على وجود الغاز الطبيعي بخليج قابس والتي لم تدرس تركيبتها نهائيّا، فهي على وجه الخصوص:
  • حقل صلامبو وبه خزانان في طبقات كلسية أحدهما في تركيبة شراحيل (اللوتيسيان) والاخر في تركيبة المتلوي (إيبريزيان). وقد أعطى هذان الخزانان نسبة 4،9% من الغاز الراكد. ونظرا إلى أنّ مساحة هذا الحقل تقدّر بحوالي 5،7 كم2، فإن المخزون من الغاز الطبيعي به في حدود 9 مليار م3 إضافة إلى 7,2 مليون م3 من التكثفات.
  • حقل المعمورة وهو في شكل تركيبة ذات مساحة قدرها 8 كم2. والخزان الغازي متكون من رمل الميوسين الأوسط الذي تبلغ مساميته 31%.
حقول الغاز على اليابسة[عدّل]

هي حقول لم يقدّر بعد مخزونها على نحو دقيق رغم وجود المؤشّرات الدالّة على توفّر الغاز الطبيعي بها، وهي بحسب أهمّيتها:

  • حقل بئر زار (أقصى الجنوب) وقد اكتشف سنة 1980 في طبقة الحث الوردوفيسي.

وتبلغ مسامية الخزان 6% ونفاذيته 15,0 ملليدارصي. أما المخزون فيقدر بحوالي 6،0 مليار م3 من الغاز و04،1 مليون م3 من التكثفات.

  • حقل العريش (أقصى الجنوب التونسي) وهو أيضا بخزان كائن في الحث الأردوفيسي الذي يقدر مخزونه بحوالي 5،4 مليار م3 من الغاز و9,5 مليون م3 من التكثفات.
  • حقل جبل القروز (أقصى الجنوب التونسي) ويتحدّد خزان الغاز في الطبقات الحثية للترياسي. وتتراوح مساحة هذا الحقل بين 6 و11كم2. ويقدر المخزون بحوالي 3،3 مليار م3.
  • حقل الباقل (أقصى الجنوب التونسي) وتمتد مساحة هذا الحقل على مساحة 5،11 كم2. والخزان كائن بالطبقات الحثية الترياسية التي تبلغ مساميتها 5،16% أما نفاذيتها فهي في حدود 30 ملليدارصي. ويقدر المخزون بحوالي مليار م3 من الغاز.
  • حقل الفرانيق (ولاية قبلي) ويقع الخزان في الطبقات الحثية للأردوفيسي على مساحة 9,2كم2. وتبلغ مسامية الطبقات الحاملة للغاز 7% أما نفاذيتها فهي في حدود 15 ملليدارصي.

ويقدر المخزون بحوالي 4 مليار م3 من الغاز الطبيعي و6 مليون م3 من التكثفات.

وهكذا تبلغ المدخرات من الغاز الطبيعي حوالي 35 مليار م3 ويمكن أن تصل حسب المؤشرات الأولية إلى 58 - 69 مليار م3، وهي تعدّ نسبة مهمّة في مخزون المحروقات. وتوضع حاليا خطة لاستغلالها على نحو متكامل وذلك بالربط بين الحقول القريبة من بعضها.

آفاق استغلال الحقول النفطيّة[عدّل]

تُقدّر المدّخرات النفطيّة للبلاد التونسيّة بحوالي 64 مليون طن ويبلغ إنتاجها السنوي حوالي 5 مليون طن. ونظرا إلى الحاجات المتزايدة لقطاعات التنمية فإن البلاد التونسية في حاجة إلى توفير المزيد من إمكانات الانتاج النفطي. فبعد ذروة للانتاج بلغت 5،5 مليون طن خلال سنة 1983، بدأ الانتاج النفطي في التراجع لكي يبلغ 7,4 مليون طن سنة 1989, وما انفكّ في التناقص منذ ذلك الحين. ويجري هذا الانتاج أساسا بحقلي البرمة وعشترت حيث ينتج 87% من الانتاج الوطني للنفط. ولقد قُلّص الانتاج بهذين الحقلين بداية من سنة 1991, إلى حدود 6,3 مليون طن. وفي الأثناء اكتشفت حقول أخرى بكلّ من قرمدة والزاوية والمحرس ولكن إسهامها في الانتاج الوطني بقي ضعيفا نظرا إلى محدودية إنتاجها، كما أن مدّخرات حقل البوري (المشترك مع ليبيا) دخلت طور الانتاج، لكنّها لم تؤثر إلى الحدّ الكافي في زيادة الانتاج الوطني.

أما المدّخرات من الغاز الطبيعي فتُقدّر بحوالي 93 مليار م3، ويعدّ حقل مسقرط بخليج قابس أهم مواقع استغلالها. ولقد مرّ الاستهلاك من المحروقات النفطية (زيت وغاز) من 4،3 مليون طن سنة 1986 إلى 6،4 مليون طن سنة 1991 و6 مليون طن سنة 1997. وقد ساعدت الاكتشافات الأخيرة بالجرف القاري والشريط الساحلي على مجابهة الطلب المتزايد، كما أن منح الكثير من رخص الاستكشاف والتشجيع على بعث شركات وطنية للتنقيب قد ساعد على تلبية حاجات مختلف القطاعات المستهلكة للطاقة. ولقد أسهمت المعاليم الموظفة على أنابيب النفط العابرة للتراب التونسي وخاصة الأنبوب الجزائري الإيطالي في الحصول على كميات إضافية من النفط أو الغاز الطبيعي وفي مجابهة الطلب في هذا المجال. ولئن كانت البلاد التونسيّة قد توصّلت عن طريق الحقول المنتجة ومعاليم العبور إلى مجابهة الطلب على المحروقات على نحو شبه كلي، إذ لا تلتجئ إلى شراء المحروقات إلاّ لبعض القطاعات الخاصة، فإن ذلك يبرز حاجة متزايدة لتكثيف الاستكشاف النفطي بالكثير من المناطق الطبيعية الأخرى سواء كان ذلك في منطقة الجرف القاري أو على اليابسة. إنّ الاكتفاء الذاتي في هذا المجال غير ممكن في السنوات القادمة نظرا إلى تزايد الحاجيات وخاصة في مجال استهلاك الطاقة. واعتمادا على ما غطته الدراسات الاستكشافية النفطية الدقيقة من مناطق وما أمكن التوصل إليه من تقويم أولي للمدخرات النفطية فإن التقويم النهائي للموارد النفطية مازال يتطلّب المزيد من المسوح والابار الاستكشافية. ولقد التجأت البلاد التونسية إلى توسيع مجال البحث العلمي في مجال الطاقات المتجدّدة للتمكّن من تخفيف فاتورة المحروقات، وفي هذا الصدد تسهم الطاقة الكهربائية المنتجة من السدود في تغطية الحاجات بنسبة تتراوح بين 3 و5%.

لقد كان لقطاع المحروقات منذ مطلع الستينات أهمية متزايدة في الاقتصاد الوطني من جهة إسهامه في الناتج الداخلي الخام وفي المبادلات التجارية وتمويل ميزانية المصاريف العمومية. وفي السبعينات، بلغ إسهامه حوالي 50% من جملة الصادرات. وانطلاقا من الثمانينات، توقف نمو هذا القطاع بسبب ركود الانتاج في حدود 5 مليون طن وتزايد الطلب وهو ما أوجد وضعية عجز في القطاع مع بداية التسعينات. ولمزيد دفع القطاع، أُصْدرَتْ مجلّة جديدة للمحروقات (قانون 93 لسنة 1999) تهدف إلى توفير تشجيعات إضافية للتنقيب والاستكشاف. وفي الفترة 1987 - 1998 ارتفعت الاستثمارات في مجال التنقيب عن النفط وهو ما مكن من منح الكثير من الامتيازات (من 23 امتيازا لفائدة 14 باعثا سنة 1987 إلى 42 امتيازا لفائدة 30 باعثا سنة 1998). وتحقّق في هذه الفترة حفر 165 بئرا (من جملة 465 بئرا منذ الحرب العالمية الثانية) يتراوح متوسط عمقها بين 2000 و4000 متر. ولقد كان الانتاج السنوي للمحروقات يتراوح بين 5،5 و6،5 مليون طن معادل نفط في الفترة 1980 - 1999 ومرّ هذا الانتاج من 5 إلى 5,5 مليون طنّ في العقد الأول ومن 4،5 إلى 3,8 مليون طن في العقد الأخير، وبعد عدّة سنوات من تراجع الانتاج النفطي الذي يؤمنه حوالي 20 حقلا بصدد الاستغلال، شهد القطاع في سنة 1998 انتعاشة ضعيفة نتيجة دخول الحقول الصغيرة (ديدون، الفرانيق، الباقل، الصابرية، البيبان) مجال الانتاج. وخلال العقد 1990 - 1999 اتسم الانتاج النفطي بالتراجع بين 4،5 و3،5 مليون طنّ في حين كان الانتاج من الغاز الطبيعي في تزايد، ولكن ذلك لم يمكّن من تغطية العجز المتزايد في مجال الطاقة. وبفضل احتياطيّها الحالي من المحروقات الذي يناهز 1،8 مليار برميل زيت (286 مليون م3) و127 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، تحتلّ تونس المرتبة العاشرة في إفريقيا. وتوجد الاحتياطات النفطية في ثلاثة مواقع أساسيّة هي:

  • المسطبة الصحراوية الواقعة على حافة القارة الافريقية.
  • المجال الأطلسي المشتمل على ترسبات الحقب الجيولوجي الثاني.
  • عرض السواحل المتوسطية في الرصيف القاري ذات التركيبة الراجعة إلى الحقبين الثاني والثالث.

ويتوفّر نصف إنتاج الغاز حاليا بالمسطبة الصحراوية والنصف الثاني بالرصيف القارّي. واعتبارا لنسبة نمو سنوي في حدود 5%، من المتوقع أن يبلغ الطلب على الطاقة 11 مليون طنّ معادل نفط سنة 2010 و22 مليون طن سنة 2025 في حين أن الانتاج لن يتجاوز 3 مليون طن سنة 2010 و2 مليون طن سنة 2025. وهذا الوضع يتطلب وضع سياسة متكاملة للمحروقات تقوم على توسيع مجال التنقيب والاستكشاف وترشيد الاستهلاك وتوسيع مجال الانتاج إلى القطاعات المكمّلة للطاقات المتجدّدة.