عليسة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
علّيسة

هي أميرة فينيقية أسطورية أسّست مدينة قرطاج. ورد ذكرها في الكثير من المصادر التاريخية والأدبية القديمة من يونانية ورومانية، ولكن لم يصل إلينا في شأنها أي مصدر فينيقي أو قرطاجي. وأقدم تلك المصادر المؤرخ اليوناني تيمي التورميني (Timée de Taormina) الذي يذكر حوالي سنة 300 ق م أنه رجع إلى كتاب الروايات الملكية لمدينة صور، والمؤرخ فلافيوس جوزيف (ق 1 ب م)، إلا أن أكمل رواية في شأنها هي تلك التي جاءت في كتاب المؤرخ الروماني يوستينوس (ق 2 م). ولكن كل ما جاء عنها من أخبار يجعل وجودها بين الحقيقة والخيال. عليسة هي ابنة ماتان (Matan) أو موتو (Mutto) ملك مدينة صور الفينيقية، وقد ذكر تيمي أنّ الأفارقة لقبوها فيما بعد بديدون وهو الاسم الذي خلّده الشاعر فرجيليوس (ق 1 ق م). تزوجت هذه الأميرة من أشرباس (Acherbas) كاهن الاله الفينيقي ملقرط. وقد يكون والدها أورثها ملكه من بعده رفقة أخيها الشاب بيجماليون (Pygmalion). غير أنّ هذا تمكّن من احتكار الملك وطمع في ثروة زوجها فقتله.

وتقول الرواية إن عليسة تحايلت من أجل الفرار بكنوزها مصطحبة معها عددا من سادة قومها وخاصة من أرستقراطية صور، واتجهت بحرا نحو الغرب وتوقفت في محطة أولى بجزيرة قبرص حيث استقبلها الكاهن الأكبر للالهة الفينيقية عشترت، ويقال إنها اختطفت ثمانين فتاة من شاطئ الجزيرة لتزويجهن من مرافقيها ثمّ واصلت رحلتها باتجاه الغرب إلى أن أرست أخيرا بخليج تونس. اشترت من سكان البلد قطعة أرض صغيرة بمساحة جلد ثور، ثم تحايلت من أجل توسيعها، أسست فوقها مدينة أطلق عليها اسم قرط حدشت (قرطاج) أي المدينة الجديدة، وكان ذلك حسب الروايات التاريخية سنة 814 ق م غير أنّ أقدم الشواهد الأثرية المكتشفة حتى اليوم لا تعود لأكثر من القرن السابع ق م. ولا شكّ في أنّ موقع هذه المدينة كان إستراتيجيا وقد تضاعفت أهميته باتّخاذه مستوطنة للقادمين الجدد على خلاف المرافئ التي سبق أن أسسها الفينيقيون على السواحل المتوسطية ومنها أوتيكا القريبة من قرطاج. أمّا فيما يخصّ مصير عليسة فإنّ الروايات تذكر أنّها انتحرت بإلقاء نفسها في النار وفاء منها لذكرى زوجها بعد أن كان الملك البربري إيارباس (Iarbas) قد طلب الزواج منها.

ومهما تكن درجة الشكّ في هذه الروايات فإنّه لا يمكن دحضها جملة وتفصيلا، ويذهب المؤرخ محمد حسين فنطر إلى أنّ تاريخيّة عليسة لا تنبني على أدلّة ملموسة، ولكن أيضا من غير الممكن أن تكون مجرّد أسطورة. وما يمكن الخروج به منها هو أنّ عليسة تبدو شجاعة ومغامرة وذكية وحكيمة ووفية، وهي بالفعل شخصية تقع بين الحقيقة والخيال، خاصة أنّها كانت مصدر إلهام للكثير من الشعراء والموسيقيين، بدءا من فرجيليوس في العصور القديمة وصولا إلى العصور الحديثة في العمل التراجيدي لجودال (Jodelle)(1555) وأوبرا كافلي (Cavalli)(1641) وأوبرا برسال (Purcell)(1689) وغيرهم.