محمد الحبيب بوقطفة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الحبيب بوقطفة

[1906 - 1943م]

ولد المناضل محمد الحبيب بوقطفة في أوائل جانفي 1906 ببنزرت. ينحدر من بيت اشتهر بالتقوى والصلاح. وكان والده الحاج محمد بوقطفة من مؤسّسي الجمعية الخيرية الاسلامية (فرع بنزرت) التي هبّت إلى مساعدة الفقراء والعجّز. زاول دراسته الابتدائيّة بالمدرسة القرآنية ("الأهلية") التي تأسّست سنة 2191. ثم التحق بدروس جامع الزيتونة وانكبّ على الدراسة والمطالعة. وكان المناضل يوسف الرويسي من رفاقه المقرّبين فسرعان ما توطّدت العلاقة بينهما باعتناقهما المبادئ نفسها الاصلاحية التي نادى بها الشّيخ محمد عبده.

ولم يمكث الشّاب محمد الحبيب طويلا بجامع الزيتونة بسبب الارهاق الذي اعترى جسمه إذ أشار عليه الأطبّاء بمقاطعة الدروس فرجع مؤقتا إلى مسقط رأسه. ولكن وفاة والده من جهة وكثرة الشواغل العائلية من جهة أخرى حالتا دون مواصلة دراسته. ولم تلبث ميوله الاصلاحية أن وجدت غايتها. فبادر سنة 1931 بإدخال تحويرات مهمّة صائبة على نشاط فرع الجمعية الخيرية الاسلامية.

وكانت مواقفه الانسانية دالة على إحساسه المرهف وإلمامه بواقع الأرامل واليتامى والمساكين الأليم الذي سيزداد تردّيا مع بداية انعكاسات أزمة الثلاثينات. فتولّى الكتابة العامة لمجلس الجمعية وفي ظرف سنتين تمكّنت من تسليم الرعيل الأوّل من مكفوليها إلى المدرسة القرآنية ومكتب ستيفان بيشون Stephen Pichon بقسم الصناعات بعد أن مدّت يد الاسعاف إلى جميع المحتاجين.

وتجلّت شخصية الحبيب بوقطفة في حوادث التّجنيس سنة 1932 إثر وفاة المتجنّس المدعو شعبان فقد عارضت جموع الأهالي دفنه بمقبرة إسلامية. وتحسّبا لمكيدة استعمارية، طلب الحبيب بوقطفة من مفتي بنزرت الشيخ إدريس بن محفوظ الشّريف الاجابة عن السؤال التالي: هل يُغسل ويُصلّى على المتجنّس إذا مات وهل يُدفن في مقابر المسلمين؟ فكانت الاجابة: "إنّ المتجنّس لم يقصد خصوص التجنّس من أنّه عربي أو إفرنجي وإنّما مراده أنه تجرى عليه أحكام الجنس الذي دخل فيه ونبذه لجنسيته ودينه وعدم إجراء الأحكام الشرعية عليه التي كان متمسّكا بها وتجرّ عليه غيرها رضى منه فحينئذ لا دين له". وكانت لحوادث التجنيس التي استفزّت الشعور الديني للتونسيين في الإيالة بأسرها الأثر في احتداد الشعور الوطني والنقمة على المستعمر. فقد كانت هذه الحوادث أشدّ وقعا من الحملة التي قادها الحزب الحرّ الدستوري التونسي (اللجنة التنفيذية) سنة 1923 إثر صدور قانون التجنيس (20 ديسمبر) ، إذ كثر عدد الوفيات بين المتجنسين المسلمين في مطلع الثلاثينات، وهو ما أدّى إلى مصادمات بين الأهالي والقوات الاستعمارية واكبتها جلّ الصحف الوطنية وخاصّة "العمل التونسي" (L'Action tunisienne) و"صوت التونسي" (La Voix du Tunisien). ولم تُبح الفتوى التي أصدرها المجلس الشرعي - وبالأحرى الدائرة المالكية - دفن المتجنّس في مقابر المسلمين إلاّ إذا تاب وجدّد إسلامه أمام القاضي الشرعي. وأضافت الفتوى أن تلك التوبة لا تكون مقبولة إلاّ بشرط "الاقلاع" أي التخلّي عن جميع الامتيازات. في تلك الظروف خطا المناضل الحبيب بوقطفة خطواته السياسية الأولى فقد انتخبته شعبة بنزرت الدستورية لتمثيلها في المؤتمر التحضيري لمؤتمر نهج الجبل الذي انعقد يومي 12 و13 ماي 1933 بمدينة تونس. ودارت المناقشات حسب شهادة المناضل يوسف الرويسي حول تغيير بنود الحزب التسعة. ومن جملة هذه البنود تكوين مجلس تشريعي بالاقتراع العام، ومع تساوي العدد. وكان بوقطفة من المتحمّسين لجماعة "العمل التونسي" والمدافعين عن أفكارها وتوجهاتها الشعبية.

وتجلّى ذلك في أشغال مؤتمر قصر هلال المنعقد يوم 2 مارس 1934. فقد فضح بصفته نائب شعبة بنزرت تصرّفات اللجنة التنفيذية التي "سخرت من أعمال الشعبة" واقترح حلّها داعما ذلك بحجج مقنعة. فكانت الموافقة عليه بالاجماع. وانتخب أعضاء الديوان السياسي وكان بوقطفة من الأعضاء الذين انتخبهم نوّاب المؤتمر لعضوية المجلس الملّي. وقد بذل جهودا مضنية في الدعوة إلى هيئة الديوان السياسي وأفكارها الجديدة. وقد رافق الزعيم الحبيب بورقيبة في تنقلاته داخل البلاد للتعريف ببرنامج الحزب الدستوري الجديد. وواصل هذا المجهود إثر اعتقال أعضاء الديوان السياسي في سبتمبر 4391 فقرّرت السلط الاستعمارية إبعاده إلى أقصى الجنوب التونسي (إلى بن قردان ثم إلى برج القصيرة) في 3 جانفي 1935, ولم يطلق سراحه إلاّ في أفريل 1936. وإثر رجوعه إلى بنزرت أعيد انتخابه رئيسا لشعبتها ورئيس جامعة الشمال الدستورية. وما انفكّ يعمل بحماس حتّى جعل من هذه المدينة معقلا من معاقل الحزب الدستوري الجديد. وفي أثناء مؤتمر الحزب الثاني المنعقد بنهج التريبونال بتونس في نوفمبر 1937، انتخب كاتبا عاما مساعدا للمجلس الملّي ثم عيّن رئيس تحرير لجريدة "العمل" لسان حال الحزب الحرّ الدستوري الجديد خلفا لرفيقه المناضل يوسف الرويسي.

وكانت مقالاته تشحذ العزائم وتوقظ الهمم، ملؤها الايمان بالقضية الوطنية التي حظيت في صائفة 1937 حملات دعائية مكثفة إشعارًا بسحب الثقة من حكومة الجبهة الشعبية الفرنسية. فإضافة إلى متابعته لأعمال الجمعية الخيرية الاسلامية ببنزرت وتولّيه رئاسة تحرير جريدة "العمل"، كان الحبيب بوقطفة أكبر داعية صحبة رفيقه المناضل حسن النوري في حثّ العمّال على الانضمام إلى جامعة عموم العملة التونسيين التي بعثها من جديد النقابي الوطني بلقاسم الڨناوي وذلك عند تأسيسها سنة 1937. وإثر الخلاف الذي حصل بينه والديوان السياسي وتعيين الهادي نويرة على رأس الجامعة النقابية، كان اتحاد النقابات بجهة بنزرت أكبر نصير للخط الذي رسمه الحزب. عند ذلك شدّدت القوات الاستعمارية الخناق على الحركة النقابية الدستورية وقرّرت إبعاد محرّكها الأوّل المناضل حسن النوري إلى الجزائر. فنظمت الجامعة الدستورية ببنزرت مظاهرة احتجاجية قادها الحبيب بوقطفة يوم 8 جانفي 1938. وعند اقترابها من الميناء العسكري، أطلقت قوات الأمن الاستعمارية النار على المتظاهرين فاستشهد منهم ستّة وجُرح ثلاثون. وألقي القبض على الحبيب بوقطفة وزجّ به في السجن، وحُوكم في 3 ماي 1938 وأصدرت ضدّه المحكمة العسكرية حكما ب8 أشهر سجنا و6 سنوات إبعادًا، كما حكمت بانتزاع كل ممتلكاته، كما اتّهم بالمشاركة في قضية التآمر على أمن الدولة (فرنسا) بوصفه عضوا بالمجلس الملّي للحزب أثناء أحداث 9 أفريل 1938 وهو في السجن. ونقل من السجن العسكري إلى سجن تبرسق (18 نوفمبر 1939) ثم إلى سجن فور سان نيكولا Fort Saint Nicolas(26 ماي 1940) ثم نفي بقرية Tretz(28 أكتوبر 1940). ولم يُفرج عنه إلاّ في أوائل 1943 فرجع إلى أرض الوطن.

وفي بداية ماي 1943 غداة "حملة تونس" (La campagne de Tunisie) وجلاء قوّات المحور، قرّر جماعة من المناضلين منهم الحبيب بوقطفة التوجّه إلى إيطاليا، لكن الباخرة التي أقلّتهم تعرّضت إلى غارة جويّة قامت بها طائرات الحلفاء وأودت بحياته في 5 ماي 1943 فدفن في مدينة "تراباني" Trapani جنوب إيطاليا. وفي سنة 1962 جُلبت رفاته إلى أرض الوطن. وكما ورد في نصّ التأبين الذي ألقاه رفيقه في الدراسة والنضال يوسف الرويسي: "مات بوقطفة وهو يمخر عباب البحر وكذلك مات ثامر وهو يمخر عباب الجوّ فما أشبه مماتهما بحياتهما روعة وجلالا وعظمة في الحياة وفي الممات".