عمر بن الشيخ

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1823 - 1911م]

هو عمر بن أحمد بن الشيخ، ولد في سنة 1239هـ/1823م. كان والده أحمد بن الشيخ من أهل قرية الماتلين القريبة من بنزرت، انتقل إلى قرية رأس الجبل الشهيرة بطيب المناخ واشتغل بالأعمال الفلاحيّة والتجاريّة فأثرى. ولمّا رزق ولده عمر عزم على توجيهه في طلب العلم، فانتقل بعائلته إلى سكنى الحاضرة وبقي هو متردّدا بينها وبين رأس الجبل. وعلّم ابنه تعليما راقيا. وقد لفتت إليه نجابته الفائقة أنظار مشائخه محمّد الخضّار وحَمْدَة ابن عاشور و محمد النّيفر، و محمد معاوية و محمد بن الخوجة و محمد بن حمزة الشاهد و محمد الشاذلي بن صالح. فرسخت شهرته العلميّة في أوساط الطلبة وانتصب للتّدريس متطوّعا بالاذن من شيوخه وإلحاحهم سنة 1266هـ/1849م. وباقتراح من الشيخ محمد بيرم الرابع عيّن مدرّسا مالكيّا من الطبقة الثانية سنة 1851م، وبقي على تدريس الطبقة الثانيّة خمس عشرة سنة، فارتقى إلى الطبقة الأولى سنة 1283هـ/1867م، واستمرّ في التّدريس نحوا من ستّين عاما. ودرس عليه عدد كبير من أهل العلم وشيوخ جامع الزّيتونة.

وقد أعجب بقيمة الشيخ عمر بن الشّيخ، محمّد عبده (في العلوم الحكميّة) ، وذلك لمّا زار تونس، لأوّل مرّة، وأقام بها من 10 ديسمبر 1884م إلى 4 جانفي 1885م. علما بأنّ عمر بن الشيخ هو من الأعضاء العشرة في الفرع التّونسي للعروة الوثقى، وهي جمعيّة أسسها الشّيخ جمال الدّين الأفغاني في حيدر آباد. ومن الذين درسوا عليه صالح الشّريف الذي اتّصل به اتّصالا وثيقا ولازمه دروسا ومجالس وقد أخذ عنه، كما ذكر في ترجمته الذّاتيّة، علمي "التّفسير والفلك". وقد وصفه الشيخ محمد الخضر حسين الذي تتلمذ له بعد صالح الشّريف بسنوات عدّة ب"أنّه من أعاظم" أساتذته بجامع الزّيتونة، لأنّه كان "نافذ الفكر في المباحث الغامضة، قادرا على حلّ المسائل العويصة، ولكنّه لا يكثر من مناقشة المؤلّفين وذوي الاراء".

وكان عمر بن الشيخ في طليعة الأساتذة الزّيتونيّين الذين اعتمد عليهم خير الدين في برنامجه الاصلاحي، فانتخب أوّلا عضوا في المجلس الأكبر للمملكة المؤسّس بقانون عهد الأمان لمّا أسندت رئاسة ذلك المجلس إلى خير الدّين نفسه سنة 1278هـ/1862م، فأظهر براعة في فهم حقائق الأمور وإفهامها. ومن ثمّ اصطفاه خير الدّين في إنجاز التّراتيب اللاّزمة الّتي نجمت عن عهد وزارته، وفي مقدّمتها تنظيم التّعليم بجامع الزّيتونة. فقد كان من أعضاء اللّجنة التي سنّت ما عرف بقانون خير الدين. وصار إماما بجامع النّفافتة سنة 1870م وفي السّنة نفسها عيّن نائب متفقّد للتّعليم بجامع الزّيتونة.

وعندما انتصبت الحماية كانت للشيخ عمر علاقة إداريّة وثيقة بمدير التّعليم العمومي لويس ماشويال (Louis Machuel) وهو من العلماء الزّيتونيّين الذين يرون أن خلاص البلاد التّونسيّة معلّق، إلى حدّ ما، على تعاونهم مع الفرنسيّين، وأنّ ذلك الهدف يبرّر لهم هذا الموقف. وإلى جانب نيابته عن الدّولة بجامع الزّيتونة، سمّي قاضيا بالمجلس العقاري المختلط الذي بعثته إدارة الحماية بتاريخ 1 جويلية 1885م. وكان عمر بن الشيخ رئيسا للقسم التّونسي في ذلك المجلس الذي اهتمّ بوجوب ضبط الأراضي الواقعة تحت ملكيّة الأوروبيّين وتسجيلها وبقيت هذه الاجراءات اختياريّة فيما يخص الأراضي التّي يمكلها التّونسيّون. وشارك عمر بن الشيخ في لجنة النّظر في لائحة مجلّة العقود والالتزامات التّونسية. وفي سنة 1308هـ/1890م، عيّن مفتيا مالكيّا إلى أن كانت سنة 1325هـ/1907م وقد بلغ ما ينيف على الخمس والثمانين سنة فمالت نفسه إلى الرّاحة فاستعفى عن وظائفه جميعا إلاّ من التّدريس الذي كان أشرف شواغله، فسميّ مفتيا ونائبا شرفيّا عن الدّولة لدى النظارة العلميّة، وبقي على خطّة التّدريس لكنّه لم يباشرها لشيخوخته. وقد أبت له همّته أن يقبل مرتّب التّدريس عن غير مباشرة فكان متخليّا عن مرتبه ليصرف على المباشرين للتّعليم بجامع الزيتونة تطوّعا، كما حبّس أملاكا ذات بال على متطوّعي الجامع نفسه. وكان آخر كتاب درّسه بالجامع هو تفسير البيضاوي. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء ثالث محرّم سنة 1329هـ/جانفي1911م.