شجرة الزيتون

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

المقدمة[عدّل]

حقول الزيتون.jpg

انبنت الحضارة الزراعية للبلاد المتوسطية على الزراعات البعلية منها زراعة القمح الذي كانت إفريقية من أهم المنتجين له وكذلك غراسات الزيتون والتين والكروم. على أنّ تونس كانت فلاحتها ولا تزال تعتمد أساسا على مياه الأمطار. لكنّ الموقع الجغرافي لتونس ومناخها المتوسطي المعتدل في الشمال والصحراوي الجاف في الجنوب عاملان أساسيّان ينجم عنهما اختلاف كميات الأمطار حسب الجهات. علاوة على قلّة الأمطار بالجنوب وعدم انتظام نزولها عامة، وهو ما جعل ازدهار فلاحة هذه البلاد عبر التاريخ رهين حسن التصرف في الموارد المائية، فعرف التونسيون منذ عهد بعيد ترويض المياه وحسن التصرف فيها باستعمال طرق شتى ضمانا للنمو السليم لمزروعاتهم وتحقيقا لمردودية أفضل للفلاحة.

وبذلك امتدت المزروعات، وانتشرت الزيتونة، تلك الشجرة التي يمكنها التأقلم مع الظروف المناخية المحلية فوفّرت، علاوة على إنتاج الزيت، منتوجات ثانوية متعددة. وعرفت تونس عبر تاريخها الطويل بازدهار الزراعة التي تولّدت عنها وفرة في الانتاج ونتج عن هذا الازدهار الفلاحي نمو في اقتصاد البلاد. وقد برز هذا الازدهار على نحو أوضح في عهد قرطاج والرومان ودام قرونا طويلة وهو ما جعل تونس تشعّ على البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا حتى إنّها لقبت بمطمور روما. وتواصل هذا الازدهار إلى عهد الأغالبة والفاطميين وفترة الحماية الفرنسية وما بعد الاستقلال، فعرفت بلادنا وفرة في الانتاج الزراعي وخاصة من الزيتون والزيت.

الزيتونة بتونس عبر العصور[عدّل]

اعتقد الكثيرون أنّ الزيتونة شجرة دخيلة على البلاد التونسية لم تصلها إلا في عهد الرومان (تورنييرو، 1929) إلا أنّ الأبحاث التاريخية دلت على أنّ شجرة الزيتون دخلتها في العهد القرطاجيّ (فنطر،1987) 1987 وعلى وجه التحديد، كان بنو كنعان هم الذين أدخلوا هذه الشجرة إلى تونس. وقام الفنيقيون والقرطاجيّون بدور مهمّ في انتشارها بالبلاد إذ غرست أشجار الزيتون في مساحات شاسعة من الأراضي. والملاحظ أنّ الوثائق، رغم قلتها، تشير بوضوح على نحو لا يحتمل الرّيب إلى وجود غابات الزيتون الكثيفة في الربوع القرطاجية البونية.

وممّا يؤكد اهتمام القرطاجيين بالفلاحة وبزارعة الزيتون خاصة:

  • بروز علماء في هذا القطاع الحيوي مثل ماغون الذي ألّف كتابا في العلوم الفلاحية يشتمل على 28 جزءا يعتبر مرجعا علميا مهمّا في علم الاقتصاد الزراعي. ولقد استعرض فيه طرق غراسة أشجار الزيتون والعناية بها.
  • حديث هيرودوتس اليوناني الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد عن أشجار الزيتون بالشمال الشرقي وبجزيرة قرقنة المشهورة بالكروم وبالزيتون.
  • وجود معالم أثريّة تحمل زخارف نباتيّة تمثّل أشجار الزيتون وأغصانها وأدوات فلاحية للعناية بها. وقد وجدت تلك الزخارف منقوشة على الأنصاب بقرطاج. وجاءت بقايا الآثار المعمارية بضاحية المرسى مدعومة لما عرفت به مروج ماجرة الغنّاء.

ولم تكن غابة الزيتون مقصورة على ضواحي قرطاج بل كانت منتشرة في مختلف الجهات ولا أدلّ على ذلك من أنّ الضرائب الموظفة كانت تستخلص زيتا، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الزيتونة. ولقد ذكر تيودورس الصقلي أنّ جنود ملك سرقوسة اندهشوا من كثافة غابات الزيتون التي مرّوا بها في القرن الرابع قبل الميلاد، عند دخولهم تونس عبر ليبيا والوطن القبلي. أمّا فيما يخصّ طرق انتشارها، فقد حرص حنبعل في العهد البوني على أن يسهم جنوده في غراسة أشجار الزيتون خاصة بالساحل وذلك في أثناء الحرب البونيّة الثانية. وممّا أورده ماغون في رسالته أنّ أشجار الزيتون المنتشرة في تونس البونية قد حظيت بعناية فائقة من قبل القرطاجيين الذين كانوا يتقنون إكثار الأشجار سواء بغراسة الأصول المكثّرة أو بتطعيم الأشجار البرّية أو "الزبوس".

وجاء الاسلام ليرفع من شأن الزيتونة ولا أدلّ على ذلك من الآية الممجّدة لهذه الشجرة المباركة (سورة النور، 24 - 35). وبعد الفتح العربي الاسلامي، أدخلت عدة تقنيات فلاحية وأصبحت إفريقية مخبرا لتجربة الزراعات والتقنيات التي انتشرت فيما بعد على نطاق المغرب الكبير وصولا إلى إسبانيا. وكان الأغالبة لا يقلون حنكة ودراية عن القرطاجيين والرومان بالفلاحة لذلك تمكنوا من إحياء أراض قاحلة تقع جنوب الظهرية التونسية بإحكامهم طرق استغلال مياه الأمطار والتصرّف فيها، ولقد تولّد عن ذلك ازدهار القطاع الفلاحي، فكثر الانتاج وتوسعت الغراسات وهو ما ساعد على نمو الاقتصاد وازدهار الحركة التجارية فتحولت القيروان إلى مركز تجاري هام. ولمّا آل الحكم إلى الفاطميين والصنهاجيين، حافظوا على المكاسب الأغلبية وخاصّة الفلاحية منها وحرصوا على نشرها وبذلك أصبحت عدّة مدن ساحلية إلى جانب القيروان مراكز تجارية مهمّة وبرز ذلك بوجه أخص في العهد الصنهاجي بفضل وفرة الانتاج الفلاحي.

وفي القرن الثالث عشر للميلاد، أدخل على القطاع الفلاحي وغراسة الزيتون خاصّة نفَس جديد بوصول مهاجري الأندلس الذين جلبوا معهم أصنافا جديدة من أشجار الزيتون وأدخلوا، عند استقرارهم بشمال البلاد، أساليب فلاحية مستحدثة، نخصّ بالذكر منها تكثيف غراسات الزيتون. وبعد ركود نسبي استمرّ إلى غاية القرن 19م، شجّع البايات المستصلحين على إحياء الأراضي بالغراسة وخاصة أشجار الزيتون. وحرص المستعمرون الفرنسيون في فترة الحماية على استغلال الأراضي الفلاحية الخصبة وسهروا على تهيئتها واستصلاحها للزراعة بالاعتماد على اليد العاملة التونسية والتقنيات التقليدية المتداولة مع محاولة تعصيرها قصد الوصول إلى استغلال أنجع، وهو ما ولد نموّا فلاحيا وازدهارا اقتصاديا رغم قلّة الأراضي التي يتصرّف فيها المستعمرون إذ لا تمثل إلاّ 10% من جملة الأراضي الصالحة للزراعة.

ولقد اضطلع الفلاحون التونسيون طيلة هذه الفترات وحتّى يومنا هذا بدور مهمّ في استصلاح الأراضي الفلاحية وإحكام الصلة بين الأرض ومن يخدمها، فبرزت طرق شتى أهمّها المغارسة والمساقاة. وأخيرا، في فترة الاستقلال، ساعدت تشجيعات النظام الجمهوري على الانتشار السريع لغراسات الزيتون بجلّ الجهات وهو ما مكن من استصلاح الأراضي الفلاحية وامتداد غابات الزيتون على النحو الذي نعرفه اليوم.

غابات الزيتون بتونس: تطورها وأهميتها[عدّل]

تطور عدد الأشجار في القرن الحالي[عدّل]

كانت تونس تعدّ في نهاية القرن التاسع عشر حوالي 11 مليون شجرة زيتون. وعند الاستقلال سنة 1956، كانت غابة الزيتون تحتوي على 27 مليون شجرة. ولقد أمكن مضاعفة هذا العدد في ظرف عشرين سنة بفضل تشجيع الدولة التونسية على غراسة الزيتون وبذلك أصبحت غابات الزيتون تعدّ اليوم ما يناهز 55 مليون شجرة.

أهمية المساحات المزروعة[عدّل]

يحتلّ قطاع الزيتون اليوم مكانة مرموقة في توزيع المساحات الفلاحية بالبلاد، علما بأنّ نسبة الأراضي الصالحة للفلاحة تقدّر ب 59% من مساحة تونس (16.4 مليون هكتار) أي ما يعادل 9.7 مليون هكتار موزعة كالاتي:

  • 1.3 مليون هكتار مساحات غابية
  • 3.7 مليون هكتار مخصصة للمراعي
  • 4.7 مليون هكتار أراض موزعة، منها: 9.1 لزراعة الحبوب و1.05 لزراعة العلف والخضر والبقول و0.35 أشجارا مثمرة و1.4 مليون هكتار مغروسة زيتونا أي بنسبة 30% من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة وهي تعتبر أرفع نسبة يبلغها بلد منتج للزيت.

التوزيع الجغرافي للمغروسات وللمنتجين[عدّل]

على الرغم من اختلاف مناخ البلاد التونسية من الشمال إلى الجنوب ومن الساحل إلى أقصى غرب البلاد، فإنّ غابات الزيتون توجد وتنتج في مناطق ذات معدّلات من الأمطار تتراوح بين أكثر من 1000 مم سنويا (مناطق خمير) و150 مم (أقصى الجنوب) ، وتتراوح بذلك الكثافات بين 17 شجرة زيتون في الهكتار الواحد (بصفاقس) وأكثر من 200 (بأقصى الشمال) وبمعدل متداول ل 20 شجرة بالجنوب و40 بالوسط و100 بالشمال. ولقد أتت هذه الكثافات المختلفة نتيجة تجارب عدّة وخبرة طويلة للفلاحين التونسيين معتمدين في ذلك الظروف المناخية مقياسا أساسيا لتحديدها. أمّا المنتجون، فقد أحصيّ حوالي 200 ألف فلاّح (من مجموع 375 الف أخيرا بتونس) يتعاطون فلاحة الزيتون باعتبارها نشاطا ثانويا على حين تعدّ الزيتونة عند باقي فلاحي الزيتون (ويقدرون ب 113 الف مزارع) مورد رزقهم الرئيسي. أمّا المزروعات (أو وحدات الانتاج بمعناها الواسع) ، فإنّ أكثرها صغيرة الحجم إذ أنّ 60% منها لا تتعدى مساحتها 10 هك بينما لا تمثل الضيعات الكبيرة (ذات 60 هك فما أكثر) إلا نسبة 2% من المجموع. ولقد انجرّ عن الظروف الاجتماعية خاصّة منها الارث وتشبث المواطنين بالزيتونة تشتت الملكية وانتشار ظاهرتي الاهمال ونقص الانتاج.

الأصناف[عدّل]

تعتبر غابات الزيتون بتونس من أغنى المغروسات من حيث أصناف الزيتون الموجودة بها المحلية ومنها الدخيلة ولا يزال بعضها مجهولا أو قيد الدراسة (خليف والطريقي، 1986) . والملاحظ أن ّ كثرة هذه الأصناف نتجت عن الدور الطلائعي الذي أدّته تونس باعتبارها نقطة اتصال بين الشرق والغرب في شتّى الميادين وخاصة في الميدان الفلاحي. ولئن طغى على توزيع الأصناف انتشار واسع لصنفين رئيسيّين من الزيتون هما "الشتوي" بالشمال و"الشملالي" بالوسط والجنوب، فإنّ الغابة تحتوي على عدة أصناف تقسم، حسب الاستعمال، إلى أصناف لانتاج الزيت وأخرى للتخليل (المائدة) ومن أهمّها:

  • أصناف لانتاج الزيت: تمّ انتقاؤها واختيارها نظرا إلى وفرة نسبة الزيت الموجودة بثمارها نذكر منها: الشتوي والزياتي (بالشمال) والشملالي والسمني (بالوسط الشرقي) والوسلاتي وناب الجمل (بالوسط الغربي) والشملالي والزلماطي (بالجنوب) ، علما بأنّ ثمار هذه الأصناف تمتاز بصغر حجمها.
  • أصناف التخليل ذات الثمار الكبيرة الحجم نخصّ منها بالذكر: المسكي والبسباسي والليموني (بالشمال) والجربوع وبيض الحمام (بالوسط) والشمشالي والزراني (بالجنوب) ، إلاّ أنّ بعض هذه الأصناف تستعمل، حسب نسب الزيت الموجودة بها، أّصنافا مزودجة الهدف، وأن ّ أغلب مزروعاتها يحتاج إلى ري ّ تكميلي.

وهو ما حد ّ من انتشارها، علما بأن ّ العائلات التونسية تحبّذ استهلاك ثمار معيّنة من أصناف الزيت (مثل الشملالي) باعتباره زيتون تخليل.

الانتاج[عدّل]

لقد عرفت تونس منذ القدم بإنتاجها لزيت الزيتون البكْر المعدّ للاستهلاك المحلّي والتصدير. ولئن كان معدّل الانتاج في بعض الحالات حوالي 110 آلاف طن من زيت الزيتون، فإنّ تطوّره لم يواكب النمو الديمغرافي للبلاد ولا تطور عدد الأشجار الذي تضاعف منذ الاستقلال. ويعود ذلك إلى أسباب عدّة (الطريقي، 1987) من أهمّها:

  • وجود الكثير من مغروسات الزيتون الحديثة العهد على أراض هامشيّة غير صالحة لغراسة الزيتون.
  • تقدّم سنّ أشجار الزيتون في الغابات التقليدية التي عرفت بإنتاجها الوافر.
  • تشتّت الملكية وما ينتج عنها من إهمال وقلّة إنتاج.

ونتيجة لهذه العوامل تراجع إنتاج بلادنا لزيت الزيتون إلى حوالي 100 ألف طن في حين أنّ الاستهلاك الجملي للزيوت بجميع أنواعها ارتفع إلى 140 ألف طن.

دور الزيتونة الاقتصادي عبر العصور[عدّل]

لقد أدّت شجرة الزيتون دورا مهمّا وأسهمت إلى حدّ بعيد في الحركة الاقتصادية للبلاد بفضل وجودها في جلّ المناطق ونظرا إلى الارتباط العضوي بين الفلاحة والصناعة والتجارة ولتأثيرها في الحياة الاجتماعية وذلك طيلة العصور الماضية. وتشير الوثائق القديمة إلى قيمة الزيتونة في الاقتصاد البوني القرطاجيّ وازدهار الحياة الاقتصادية آنذاك وهو ما مكن قرطاج من وفرة إنتاج فلاحي دفعها إلى ترويج فائضها الغذائي من قموح وزيوت في بلدان أخرى من البحر الأبيض المتوسط. وفي العهد نفسه، اعتبر زيت الزيتون رمزا وكنزا وأداة تعامل متداولة أشبه ما يكون بالعملة، ناهيك أنّ الضرائب الموظفة على السكان كانت تستخلص زيتا في هذه الربوع المنتجة له. وكان من نتائج ازدهار الاقتصاد الفلاحي بقرطاج منافستها لروما اقتصاديا وفلاحيّا وهو ما زاد في أطماع الرومان لغزو قرطاج. وفي العصور الموالية، نتج عن التوسّع في غراسات الزيتون ازدهار القطاع الفلاحي وكثرة الانتاج وهو ما ساعد على نموّ الاقتصاد وازدهار الحركة التجارية في عدّة مدن ساحلية كانت مراكز تجارية مهمّة.

ومنذ الاستقلال، عرفت تونس بأنّها منتجة لزيت الزيتون وتبوأت المرتبة الثانية من حيث هي بلد مصدر والمرتبة الخامسة باعتبارها منتجا بين البلدان المنتجة لزيت الزيتون، وبلغ معدل الانتاج في بعض الأحيان 110 آلاف طن. وتقدّر نسبة صادرات تونس اليوم من زيت الزيتون ب8% من مجموع الصادرات الوطنية و40% إلى 60% من قيمة الصادرات الفلاحية الجملية. ولا ننسى مزايا فلاحة الزيتون على الصناعات التحويلية خاصة لاستخراج الزيت، فقد تطوّرت هي أيضا عبر العصور، ولا أدلّ على ذلك من وجود بقايا معاصر زيتون يرجع تاريخ بعضها إلى العهد القرطاجي. ولقد ظلّ العتيق من هذه المعاصر الموجودة بغابات الزيتون التقليدية يسهم إلى حدود الستينات في تحويل ثمار الزيتون إلى زيت وذلك رغم قلّة نجاعتها الاقتصادية ورداءة نوعية الزيوت المستخرجة بها. وانجرّ عن الانتشار لصناعة تحويل الزيتون ازدهار صناعة استخراج زيت الجفت (أو "الفيتورة" أي الجزء الصلب لثمار الزيتون المتحصل عليه بعد العصر وهو يتكوّن من القشرة واللبّ والنواة) واستعماله في صناعة الصابون التي ازدهرت هي أيضا تباعا. والمعلوم أنّ قطاع الصناعات التحويلية يضمّ اليوم أكثر من 1100 وحدة لتحويل الزيتون إلى زيت، و12 وحدة لاستخراج زيت الجفت تحوي كل ّ منها عادة وحدة إضافية لصناعة الصابون.

دور الزيتونة الاجتماعي[عدّل]

لقد بوّأ التونسيّون شجرة الزيتون منذ القدم مكانة لم تزل تتعزّز عبر العصور حتى وصلت إلى حد القداسة وفي ذلك تجسيم لما يربط بين فلاحي الزيتون وهذه الشجرة من لحمة متينة كان من نتائجها إرساء نظام زراعي متكامل وتقنيات حقّقت التوازن اللازم بين الشجرة والمحيط ومكنت من بلوغ الامتداد الجغرافي للغابات على النحو الذي نعرفه اليوم. ولقد أسهم ذلك الانتشار في استقرار البَدْو الرّحّل بعدّة جهات وفي الحدّ من ظاهرة النزوح وكذلك في تحسين دخل مالكي الزياتين والجهات الاقتصادية المعنية. ولئن كان "الاقتصاد الزيتوني" في الماضي اقتصادا معيشيا يعتمد، في العناية الموسمية بالأشجار، على اليد العاملة العائلية أساسا في حدود 50% ويوفر بذلك حاجات العائلة من الزيت وزيادة، فقد تطور على نحو ملحوظ أصبح بمقتضاه الاقتصاد "الزيتوني" تجاريا يوفّر اليوم سنويا من 20 إلى 25 الف يوم عمل أي ما يعادل 20% من حجم التشغيل في الميدان الفلاحي، منها 64% لخدمة الأرض والعناية بالأشجار و36% لجني الثمار.

ونظرا إلى الطبيعة الموسمية لعملية الجني (في حدود 100 يوم سنويا) ، فإنّ اللّجوء إلى اليد العاملة الكثيرة العدد يسبب نزوحا موسميّا مهمّا من المناطق المجاورة لغابات الزيتون. وعلاوة على ذلك، فإنّ موسم جني الزيتون يبعث حركية اقتصاديّة شاملة تهم خاصة الحرف الصغرى (لصناعة الأدوات الفلاحية المختصّة) والنّقل (للمحاصيل) والصناعات التحويلية. ولا ننسى أنّ زيت الزيتون يؤلّف قسطا مهمّا من تغذية الانسان التونسي إذ يبلغ استهلاك الفرد سنويّا 6 كيلوغرام، جلّها من زيت الزيتون بحكم ميل التونسي الفطري إلى استهلاك هذه المادة دون سواها، خاصّة للطبخ. وخلاصة القول، أنّ التونسي بسعيه الجدي الدائم للادخار قصد امتلاك "حيازة زيتون" (أي قطعة أرض مغروسة زيتونا) ومحافظته عليها، يعبر عن عمق محبته للزيتونة وتجذّره بواسطتها في حضارته وأرضه وعنصر استقرار له ومظهرا مميّزا من مظاهر النعمة والثراء ومعيارا أساسا لهما.

إن الوضعية الحالية لانتاج زيت الزيتون، الذي لا يمكن مستقبلا إلاّ أن يواكب نسق النمو الديمغرافي للبلاد ومتطلّباته المقبلة، تحتّم تحوير النظام الزراعي وإعادة هيكلته واعتماد إستراتيجية إنمائية تضمن الاكتفاء الذاتي الغذائي من المواد الأساسية التي يعتبر زيت الزيتونة من أهمّها.