حنبعل

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[264 - 183 ق م]

تمثال حنبعل

ما انفكت شخصية حنبعل البرقيّ تثير الدهشة والإعجاب في كلّ أصقاع المعمورة وقد كتب عنه الكثير في مختلف اللغات حتى إنّك تجد من يحدّثك عنه وعن مآثره من مؤرخين وأدباء وسياسيين وعسكريين ينتمون إلى ثقافات شتّى وإلى مدارس عدّة مختلفة. فهذا يقدّمه لك باللّغة الفرنسيّة وهذا باللّغة الإيطالية أو الاسبانية أو الانڤليزيّة وآخر يحاول التعريف به بالروسية أو اليابانية. إنّ الكتب والدراسات التي صنّفت حول شخصيّة حنّبعل البرقيّ لا تحصى عددا. وإن سئل المؤرخ عن مصادره رأيته يشير إلى المؤرخين القدامى من يونان ورومان، نذكر منهم بولوبيوس (Polybe) وهو من الذين كانت لهم دراية بقرطاج وعظمائها، وقد عاش في القرن الثاني قبل ميلاد عيسى عليه السلام ولعلّه أدرك حنّبعل وتعرف إليه من قريب. هذا وقد وردت أخبار عدّة متنوعة في كتب المؤرخ اللاتيني تيتوس ليوس (Titus Livius) الذي وصف الحرب الرومانية القرطاجية الثانية، تلك التي أبرزت عبقرية حنبعل البرقي. ومن المصادر التي لابدّ من الرجوع إليها في شأن حنّبعل تجدر الاشارة إلى ترجمة وضعها مؤرخ لاتيني عاش في القرن الأول قبل الميلاد يدعى قرنليوس نيبوس (Cornelius Nepos). وإلى جانب هؤلاء المؤرخين يمكن التقاط معلومات جيّدة مبثوثة في الكتب القديمة، منها ما يخصّ طفولته أو تربيته أو ثقافته وميوله الفنية، ومنها ما يخصّ حياته العائلية وحياته الروحية. وتضاف إلى هذه المصادر الأدبية شهادات أثرية من تماثيل ونقوش ونقود قد يفيد منها المؤرخ للتعرف إلى ملامح الرجل أو على صورته.

ومن هذه الوثائق نشير إلى تمثال نصفي برنزي عُثر عليه في مدينة وليلَى بالمغرب الأقصى في أثناء حفريات أشرف عليها عالم الآثار الفرنسي روبار توفينو (Robert Thouvenot) سنة 1944, مع العلم أنّ المؤرخ الفرنسي جيلبار بيكار (Gilbert Picard) استشف فيه صورة حنّبعل البرقيّ. ومن التماثيل التي نسبت إلى القائد القرطاجي رأسان من رخام أحدهما في متحف كوبنهاق والاخر بمتحف البرادو بمدريد، ويبدو أن صورة حنّبعل توجد في نقود ضربت بأمر منه في إسبانيا زمن سلطانه ابتداء من سنة 221 ق. م لمّا بايعه الجيش قائدا أعلى خلفا لعزربعل الذي سقط بطعنة خنجر سدّدها له قلتيّ الذي كان يريد الانتقام لأبيه.

تمثال نصفي من الرخام لحنبعل، وجد في مدينة كاپوا الإيطالية.

فلقد تعرّف بعض المختصّين في علم النميات إلى صورة حنّبعل في نقود فضية عثر عليها بإسبانيا. ومن الذين أثبتوا ذلك نكتفي بذكر متخصّصين هما الاسباني أ. بلتران A.Beltran. والبريطاني روبنسون، ولكن لم تحظ هذه القراءة بمساندة الجميع بل عارضها بعضهم قائلا إنّ الصورة التي تحملها تلك النقود الاسبانية لا علاقة لها بحنبعل بل هي تجسيد لملقَرْت إله فنيقي قرطاجي كان الأبارقة يتقربون إليه ويعبدونه. وما دمنا نقدم الوثائق التي قد تساعدنا على التعرّف إلى صورة حنّبعل، لعلّه من المفيد الاشارة إلى نصب من حجر الكلس حفرت عليه صورة شاب نسبها جيلبار بيكار إلى قائد قرطاجيّ علّه من أبناء عبد ملقرت. لقد عُثر على هذا النصب في قدس بعل حمّون وهو المعبد الذي عرف باسم توفات صلامبو. ومهما يكن من صحة هذا التشخيص فثابت أنّ لحنّبعل صورا وتماثيل كالتي كانت في مدينة روما في القرن الأول بعد الميلاد وقد أشارت إليها بعض النصوص القديمة. تلك مصادر أدبية ووثائق أثرية يمكن للمؤرخ الرجوع إليها واستلهامها إذا أراد التعرف إلى سيرة حنّبعل.

نشأته وحياته العائلية[عدّل]

ينتسب حنّبعل إلى الأبارقة وهي أسرة عريقة في المجد ومن المرجّح أنه ولد في قرطاج سنة 246 ق. م، وكان أبوه عبد ملقرت إذّاك على رأس جيش قرطاجيّ بجزيرة صقلية مازال يتصدّى للجيوش الرومانية وأبى النزول من جبله ما لم يتمكّن وجنوده من العودة إلى قرطاج محترما مصون الكرامة فكان له ما أراد وعاد إلى أسرته وسعد بابنه الصغير ذاك الذي سمّاه حنّبعل. لم يترك لنا التاريخ شيئا عن الطفل حتى إنّنا نجهل كلّ شيء عن حياته بقرطاج في السنوات التسع الأولى من عمره فلا شكّ في أنّه فتح عينيه في مدينة جليلة تزخر بالعمران تتردّد عليها السفن مثقلة بعجائب الدنيا وملذّاتها وفي شوارعها وأسواقها جلبة: هذان يتخاطبان بلغة اليونان وهذا مصريّ يتجاذب أطراف الحديث مع نوميديّ ولكليهما نبرته ورطانته فضلا عن خصوصيته في الزيّ وأشكاله وألوانه، وكأنّ المدينة في ثراء ورخاء ولا شيء فيها ينبئ باندلاع الحرب ولا بتقلّص الامبراطورية القرطاجية بسقوط جزيرتي صقلية وسردانيا في قبضة الرومان. ولا شيء ينمّ عن عجز الخزينة القرطاجية. فلم يشعر الطفل بشيء من ذلك بل علّه كان فخورا بأبيه وهو يلاحق المتمردين الذين كانوا يتربّصون شرا بالمدينة مترصدين إيّاها للانقضاض عليها واستباحة ثرواتها. وانتصر عبد ملقرت البرقيّ على المتمردين وسقاهم كأس الهزيمة وعاد الأمن إلى قرطاج واطمأنت النفوس وامتلأت الرحاب والشوارع وفتحت المتاجر والمصانع وبانت أشرعة السفن شامخة لتغادر الميناء أو لتلقي مراسيها حذو الرصيف. هكذا كانت تبدو قرطاج غداة انتصار عبد ملقرت البرقيّ على المرتزقة وعلى زعيم المتمردين ماطُو سنة 237 قبل الميلاد، وقد بلغ حنّبعل إذّاك السنة التاسعة من عمره. فلئن كانت هدية الطفل لأبيه ابتسامة بريئة عند عودته من صقلية سنة 241 فقد كانت هديته سنة 237 ابتسامة أخرى ملؤها الفخر والاعتزاز بأب عاد مظفرا تحيّيه جماهير قرطاج وتخلع عليه أجمل الألقاب فهو لابنه الصغير إسوة ومثل أعلى.

ولمّا تحوّل عبد ملْقرْتَ إلى إسبانيا رافقه ابنه حنّبعل وقد اهتمّ القدماء والمعاصرون بهذا الحدث الخطير: ومن خطورته أنّه في رأي بعضهم حدّد مصير الطفل وخطّ منهجه وألقى في طينته الخصبة بذور المستقبل، ذلك أنّ المصادر القديمة تشير إلى حفل دينيّ أقامه عبد ملقرت قبيل الرحيل في قدْس بَعْل حمّون وكان الطفل من الحاضرين، ولمّا سأله أبوه رأيه في شأن التحول إلى إسبانيا أبدى رغبة ملحّة واستعدادا كبيرا فتقدّم به أبوه إلى المذبح وطلب منه أن يضع يده على المائدة المقدّسة ويقسم ألا يتحالف أبدا مع الرومان وفعل الطفل وأضاف المؤرخ اللاتيني قرنليوس نيبوس أنّه بقي على العهد وفيّا لروح أبيه إلى آخر رمق من حياته. وتمرّ السّنون وهو في إسبانيا صحبة أبيه ينتقل من معسكر إلى آخر. على أنّ أباه لم يزهد في تربيته: فإلى جانب ما قد يجده في الميدان ويستفيده من حياة الخيمة صحبة الجنود والضباط وإلى جانب ركوب الخيل والرماية ومصارعة الحيوانات الضارية كان ينهل من ينابيع العلم والمعرفة والفنّ مستفيدا من دروس معلّميه. وقد عيّن له أبوه مدرّسين اعتنوا بتربيته وتلقينه أجود الكتب اليونانية والبونية وغيرها. فممّنْ قدّموا له رحيق الحضارة اليونانية تجدر الإشارة إلى سوسولوس الإسبرطي فهو الذي عرّفه بإسكندر المقدوني وشرح له مآثره الحربية وأطلعه على غزواته وعلى مسيرته الكبرى من بلاد اليونان حتى ربوع الهند والسند مرورا بمصر والسواحل السورية الفلسطينية والمدن الفينيقية. هكذا تغذّى حنّبعل منذ نعومة أظفاره بما يزيد التربة خصبا والأفق عمقا واتساعا. فلقد صاحب الاسكندر المقدوني وهو على جواده والسيف مسلول فتسْجُد أمامه الجبال وتفتح له الحصون أبوابها فيدخلها فاتحا ينشر الحضارة اليونانية لغة وعمارة وفنا. فلا شكّ في أنّها ملحمة مثيرة مغرية شدّت حنّبعل إليها. فكم كان يطرب للخيل وهي تصهل وتقرع الأرض بحوافرها كراًّ متواصلا لا يعرف الفرّ. ولماّ تعلّم اللغة اليونانية توفّرت له مفاتيح دنيا اليونان بما كانت تزخر به من نفائس الأدب والفنون التشكيلية، فقيل إنه كان يجمع التحف من تماثيل وغيرها وكان يأخذها معه في حلّه وترحاله. ولقد أشار الشاعر اللاتيني سطاتيوس (Statius) إلى أنّ القائد القرطاجيّ كان يملك تمثالا صغيرا يصوّر هيرقلاس وهو من إنجاز النحات اليوناني الشهير لوزفّوس (Lysippos). لقد شاع هذا الخبر في عهد الامبراطور دومتيانوس الذي تولّى الحكم من سنة 81 إلى سنة 96 بعد الميلاد وأورده شاعر لاتينيّ آخر يدعى مرتياليس (Martialis). ومن ممتلكات حنبعل الفنية تماثيل كانت معه أيام إقامته في المهجر لكن لم يضبط قرنليوس نيبوس هويّتها. فهل كانت من إنجاز مبدعين يونانيين أم هل كانت تنتمي إلى الفن اليوناني أو إلى إحدى المدارس الفنية الأخرى؟ وهل كانت تماثيل إلهية أو آدمية؟ الثابت أنّها كانت ضمن أمتعة القائد القرطاجي المطارد من السلطات الرومانية. فثقافة الرجل كانت فسيحة الأرجاء عميقة الأفق. فهل كان يحسن لغة الرومان؟ لا نستبعد ذلك وهو الذي كان يتطلّع إلى معرفة ما في عقولهم وصدورهم ليستفيد وينتصر. أمّا حياته العائلية فلم يحتفظ التاريخ منها بذكريات تخصّ أمه ولا ندري شيئا عن مدى تمتّعه بحنان الأمومة فلا جدوى من افتراضات خاوية بل يكتفي المؤرخ بتسجيل صمت المصادر في هذا الشأن ويمرّ إلى جانب آخر من حياة الرجل. لقد ورد في كتب القدماء أنّه تزوّج بفتاة تنتسب إلى عائلة إسبانية عريقة من مدينة قستولو Castulo التي تقع في صعيد الوادي الكبير وكانت النصوص القديمة تسميه بايتيس. أمّا مدينة قستولو فقيل إنّها ذات حضارة وقد تسرّبت إليها ألوان شتى من تأثير منها ما هو يوناني ومنها ما هو بوني أو إفريقي.

تزوّج حنّبعل غداة تسلّمه القيادة على رأس الجيش القرطاجي بإسبانيا، فقد يكون زواجه إذن فيما بين سنتي 221 - 220 قبل الميلاد، ذلك أنّه كان يحاصر مدينة سَاغُنْتا سنة 219 وقد ولد له ابن ولعلّه تيمّن بالحدث. ويدّعي الشاعر اللاتيني سيليوس إطاليقوس - وهو من أدباء القرن الأول بعد الميلاد - أنّ زوجة حنبعل القستولية كانت تسمى "إيملكا" ولعلّه تحريف لخيملكا وهو اسم متداول عند القرطاجيين، فهل كان للفتاة اسم إسباني قستوليّ قبل زواجها أم هل كانت تحمل الاسم نفسه الذي احتفظ به الشاعراللاتيني؟ تعسر اإاجابة القطعيّة عن هذا السؤال، على أنّه ليس من الغريب أن تتسرّب الأسماء الفينيقية القرطاجية إلى المجتمعات الايبيرية لا سيما في مدينة قستولو.

كيف كانت الحياة الزوجية في بيت حنّبعل؟ إنّ الباحث في هذه النقطة تعترضه طبقات سميكة من الصّمت. فلا شكّ في أنّ الزوج كان منهمكا في شؤون سياسية وأخرى عسكرية الهدف منها دعم الحضور القرطاجي في شبه الجزيرة الايبيرية بالسيف والدبلوماسية حتى كأنّ زواجه بأبعاده السياسية والعسكرية جاء لتقوية الحلف القرطاجي الإيبيري. الثابت أنّه كان يقضي غالب أيّامه بعيدا عن البيت والزوجة ومعلوم أنّ ابنه ولد وهو يحاصر مدينة ساغُنتَا.

وبعد سقوط المدينة عاد القائد إلى بيته في قرطاجنة. ولما كان يتهيأ لمغادرة العائلة مرة أخرى ولزمن قد يكون طويلا تحوّل صحبة زوجته وابنه إلى مدينة جديرا وهي التي تسمى اليوم قادس لتوديعهما وزيارة معبد ملقرْت نشدانا للبركة والتوفيق وهو مقدم على مشروع خطير فكانت القرابين والنذور والصلوات أملا في استدرار العناية الالهية. وفي ميناء جديرا ودّع حنّبعل خيملكا وابنها وقد ركبا سفينة حملتهما إلى قرطاج. إنّها لوحة رائعة مثيرة قد تكون ثمرة منّ بها الخيال الشعري عن طريق سيليوس إطاليقوس مرورا بورجليوس وهوميروس، على أنّه ليس من حقّ المؤرخ تركها جانبا ولا نرى في اعتمادها مجازفة ما لم نجد في المصادر عنصرا ولو ضئيلا يدحضها. ويعود الشاعر اللاّتيني إلى ابن حنّبعل ثانية زمن معركة ترازمانا سنة 217 قبل الميلاد مدّعيا أن شيوخ قرطاج أمروا بتقديمه قربانا لبعل حمون وهو ما رفضت خيملكا وتحوّل وفد إلى معسكر حنّبعل يشاوره في الأمر فامتنع وقد تغلّب العطف الأبوي على واجب ديني تمليه تقاليد وطقوس يتعلّق بها المجتمع القرطاجي إذّاك. وفي الرواية عوّض حنبعل ابنه بضحايا كثيرين من الأسرى على أنّ غالب المؤرخين المعاصرين يعتبرون هذا الحدث أسطورة من وضع الشاعر اللاتيني دون أدنى مرجع تاريخي ثابت.

حياة حنّبعل العسكرية[عدّل]

بايع الجيش القرطاجيّ حنّبعل قائدا أعلى تنويها بخصاله وتصفيقا ولم يبق لسلطات قرطاج إلاّ التزكية ففعلت رغم مناهضة أقلّية كانت لا ترتاح لسياسة الأبارقة الذين ما انفكّوا يتمتّعون بعطف الجماهير ولا ينسجمون مع مطامح الأثرياء، وقد تجلّى ذلك غداة الحرب القرطاجية الرومانية الأولى (264 - 241) وفي أثناء تمرد المرتزقة (240 - 237). تسلّم حنّبعل إذن عصا القيادة خلفا لصهره عزربعل الذي لقي حتفه إثر طعنة خنجر سددها له قلتيّ ثأرا لأبيه وذويه، كان ذلك سنة 221 قبل الميلاد. وتابع الخلف سياسة السلف فبادر بمواصلة توسيع رقعة النفوذ القرطاجي في إسبانيا مستخدما السيف تارة والحوار تارة أخرى لاخماد ثورة من لا يعترف بقرطاج أو يرفض حضورها، على أنّ السلط الرومانية غدت توجس خيفة من تلك السياسة التوسعية ومما أصبح لقرطاج من قوة في تلك الربوع، وبها قد يشتد عودها من جديد فلا بدّ من التصدي لها وتحديد مناطق نفوذها استنادا إلى معاهدة تجعل من نهر الايبر حدًّا لتوسّع القرطاجيين في إسبانيا. كان مجلس الشيوخ في روما يبحث عن ذريعة للتدخّل في الشؤون البونية الايبيرية فتوفّرت لمّا حاصر حنّبعل مدينة ساغنتا وحطّم جدرانها انتقاما لأتباعه الذين قُضي عليهم بمساعدة الرومان فاعتبر ذلك عدوانًا وتجاوزًا للمعاهدة التي تحدّد مناطق توسّع القرطاجيين في إسبانيا. هذا ولم تجد السلط الرومانية أذنا صاغية في قرطاج.

تلك هي الظروف التي حفت باندلاع الحرب ثانية بين الدولتين. وكانت كلتاهما تحمّل نظيرتها مسؤولية الحرب. وتناول المؤرخون المعاصرون القضية ولم يخل النقاش من حرارة العاطفة وخطر الانتساب والالتزام. وترى غالبهم يقف مساندا لروما لا لشيء سوى أنّهم يعتبرونها أماًّ لهم منها ينحدرون وإلى حضارتها ينتسبون بل منهم من يرى أنّ للحرب البونية الثانية بذورا زرعها عبد ملقرت البرقيّ في طينة حنّبعل منذ التاسعة من عمره لما اختلى به قرب مذبح بعل حمّون وطلب منه أن يتعهّد بمعاداة روما طيلة حياته. لقد أشار المؤرخون القدامى إلى هذا القسم الخطير معتقدين أنّ له أثرا عميقا في نفس الطفل ما انفك يلاحقه وينحت شخصيته.

فثابت أنّه فطر على حبّ الوطن وعلى حبّ التضحية في سبيله ولهما من المشاعر والمواقف المتوارثة في أسرة الأبارقة وفي أسر أخرى قرطاجية عدّة، ولكن ذلك لا يكفي لاندلاع حرب كالتي أقبل عليها حنّبعل وأقبلت عليها قرطاج. الواقع أنّ روما كانت تريد الوقوف في وجه عدوّتها وكسر شوكتها وفرض هيمنتها عليها ولا تتردّد في إهانتها فرفض حنّبعل الإهانة وتحدّى خصومه. فلمّا كانت السلط الرومانية مقبلة على الحرب بنية القضاء على الجيش القرطاجيّ افتكّ القائد البوني المبادرة وكانت مسيرة عبر جبال البيريني وجبال الألب بهرت الجميع، دولا وأقواما وقتئذ، ومازالت تثير دهشة المعاصرين وإعجابهم. فقد تحدث عنها القدماء بإطناب واحتفظت بمكانتها ضمن شواغل المؤرخين والأدباء. فقد انطلق حنّبعل من قرطاجنة سنة 218 ق م. على رأس جيش رهيب يعدّ تسعين ألف راجل واثني عشر ألف فارس وهي أرقام أوردها بولوبيوس استنادا إلى نقيشة سطّرت بأمر من حنّبعل على مذبح الالهة اليونانية هيرا عند زيارته لمعبدها الكائن على مقربة من المدينة الايطالية قروطونا (Crotona) سنة 205 قبل الميلاد. وإلى جانب المشاة والفرسان كان الجيش البونيّ معزّزا بقطيع من الفيلة عددها سبعة وثلاثون فيلا عند عبور نهر الرون ويبدو أنّها شاركت في المعارك الأولى بإيطاليا لكنّها لم تتحمّل البرد القارس والثلوج ولم يصمد منها إلا واحد كان يمتطيه القائد لعبور المستنقعات.

وعلى اختلاف عناصره من حيث الأصل واللّغة والتقاليد كان الجيش أداة طيّعة في يد حنّبعل يتعلّق به ويرتاح لأوامره فلم يعرف له التاريخ تمردا ولم تجد القيادة صعوبة في تنفيذ خططها، ذلك أنّ الرجل كان يحسن مخاطبة الجندي مهما كانت درجته وكلّ فرد كان يشعر أنّه حلقة من سلسلة متكاملة لا يفوته أحد في وظيفته ولا يعوّضه أحد في القيام بها. فتراه منضبطا متحمّسا فخورا بانتمائه إلى جيش يقوده حنّبعل من نصر إلى نصر ومن غنيمة إلى غنيمة. ومن عبقرية القائد وتواضعه وحسن مواقفه أن أصبح الجندي عاشقا له سعيدا بتنفيذ أوامره وتذليل الصعوبات وتقديم التضحيات، ومن عبقرية القائد أيضا أنّه كان يفتح البلدان وترفع أعلامه في المدن والقلاع وفيها يجد المدد لتعويض الخسائر من رجال وعتاد مستندا في ذلك إلى الكلمة الطيّبة والموقف المشرّف مع قوة إغراء وإقناع أخّاذة. لقد وجد في إيطاليا في أثناء المسيرة الكبرى من بادر بالانضمام إلى وحداته وشارك في المعارك التي خاضها الجيش القرطاجي حتّى النّصر ومنها معركة تيشينو ومعركة تريبيا وكانت كلتاهما في سنة 218 قبل الميلاد. ومن المعارك الشهيرة التي برزت فيها عبقرية حنّبعل تلك التي ألقت بالجيش الروماني في مياه بحيرة ترازمانا سنة 217 وأخرى كتبت الخلود لمدينة قانا وقد تجلّت قدرات حنّبعل وأدركت مستوى لم يدركه أحد ولن يدركه أحد فكان يكيّف حركات جيشه كالمبدع الذي يطوّع المادة فتتولد الأشكال والأحجام حتى كأنّه ذلك الذي يرتجل الابداع مستندا في الواقع إلى عبقرية ذات أبعاد وخصوبة لا نهاية لها. ففي قانا سنة 216 قبل الميلاد كانت صفوف الجيش الحنّبعلي تتقوّر وتتجوّف لتبتلع العدو.لقد كتب الكثيرون حول معركة قانا ومازالت المدارس الحربية تشير إليها معتبرة إياها درسا نموذجيا في الجمالية الحربية وفي الانسجام والتراشح بين قائد عبقري وجيش طيّع منضبط.

ولحنّبعل مواهب شتى بعضها موروث وبعضها مكتسب فثابت أنّه كان يمتاز بثقافة واسعة معمّقة ما انفكّ يستند إليها ويكرع من معينها. فكان يهيئ لكل معركة يقبل عليها بجمع المعلومات الطبيعية والبشرية وله من المخبرين عدد كثير يمدّونه بالتقارير حول المحيط الجغرافي التوبغرافي والظروف المناخية. وكان يسعى إلى الحصول على أخبار تخصّ الشعوب وعاداتهاوتقاليدها ومختلف حساسياتها ويجمع بين تلك التقارير، وعلى ضوئها يضع المشروعات الخطط الحربية التي قد يطوّرها عند الاقتضاء ويدخل عليها ما تستوجبه من تحويرات عند التنفيذ، وهو ما كان يحيّر قادة الجيوش الرومانية أمثال سقيبيون وفلامينيوس وغيرهما.وكم من ضابط روماني وقع في فخّ نصبه حنّبعل بكلّ حنكة وإتقان، فكثيرا ما كان يعتمد الحيل الحربية وكانت حيله تمتاز بالبساطة والنّجاعة. ولقد استرعت اهتمام القدماء فجمعوها وعرّفوا بها ومازالت تحظى بإعجاب مؤرّخين معاصرين تراهم لا يتردّدون في توشيح كتبهم ودراساتهم بها، منها حيلة "الثيران الملتهبة الشاردة": كان الجيش الروماني يراقب ممرّا جبليّا ضيقا من أعلى قمم تمكّن من السيطرة عليه، وكان حنّبعل يريد عبور ذلك الممرّ. كيف العمل؟ جمع القائد القرطاجيّ قطيعا من الثيران يعدّ ألفي رأس وأمر أن يشدّ على قرونها تبن وأغْصَانَ أشجار يابسة تضرم فيها النار ثم تدفع الثيران الملتهبة نحو المعسكر الروماني ليلا. ولمّا كان ذلك ظنّ الرومان أنّ العدوّ يهاجمهم فتركوا مواقعهم وقد تفشّى فيهم الخوف والهلع. وبينما هم كذلك إذ تمكّن الجيش البوني من عبور الممرّ بسلام وفكّ الحصار المضروب عليه وقتئذ.

ولحنبعل حيل حربية أخرى عدّة متنوّعة تثبت أنّ الرجل كان طيلة حياته يجمع بين سلطان العقل وخصوبة الخيال، ويبدو أنّه في سبكها كان يجد متعة الطفولة العابثة. على أنّ الخطط الحربية وتصاميم المعارك كان يضعها بالتّعاون مع الضبّاط والمساعدين مهما كانت درجتهم. فمن مميزات عبقريّته أنّه كان يحسن طرح السؤال والاستماع والاستفادة من آراء غيره. وكان يقبل على التعاون والتحالف، من ذلك إنجازه لحلف مع فيليبّوس الخامس ملك مقدونيا سنة 215 قبل الميلاد. ولئن لم يدخل حيّز التنفيذ فقد احتفظ المؤرخ اليوناني بولوبيوس بترجمة يونانية لنصّ المعاهدة وهي التي تعرف باسم "قسم حنّبعل". هكذا كان سلوك القائد القرطاجيّ وتلك مواقفه وفيها يكمن سرّ الانتصارات التي سجّلها في أثناء إقامته بإيطاليا من سنة 218 إلى سنة 203 قبل الميلاد.

عودة حنّبعل إلى إفريقيا[عدّل]

غادر حنّبعل أرض الوطن طفلا في التاسعة من عمره وعاد إليها كهلا حنّكته التجارب وهو في الثالثة والأربعين وشاء القدر أن يكون في إفريقيا وقتئذ جيش روماني بقيادة سقيبيون ابن سقيبيون الذي انتصر عليه حنّبعل لمّا كان نجمه ساطعا في سماء إيطاليا غداة عبوره جبال الآلب سنة 218 قبل الميلاد. عاد القائد القرطاجيّ إلى إفريقيا ليحرّرها وألقت سفينته مراسيها في ميناء لبدا الصغرى وهي التي نعرفها اليوم باسم لمطة جنوب المنستير، ومنها تحوّل إلى مدينة سوسة التي كانت إذاك تحمل اسم هدريم ثمّ سمّاها الرومان هدريميتوم. ولئن فضّل حنّبعل النزول في ربوع المزاق وهو الاسم العتيق لربوع الساحل التونسي فمردّ ذلك إلى أسباب شخصية وأخرى إستراتيجية: الأولى تتمحور حول حضور الأبارقة في تلك الربوع وفي النصوص القديمة إشارات إلى ممتلكاتهم العقارية في ما بين مدينتي تفاشا وأخولا أي فيما بين بقالطة وهنشير بُطرية. وممّا قد يشير إلى ممتلكات حنّبعل فيها برج مراقبة يحمل اسمه. فهل كان للقائد القرطاجي أنصار في المزاق؟ ذاك ما ذهب إليه بعض المؤرخين المعاصرين. ويرجّح أنّه كان لا يرتاح لقرطاج ولا يطمئن إلى شيوخها ولا إلى أسباطها ثم لا ننسى أنّ سقيبيون كان يعسكر بالقرب من العاصمة وكأنّه يحاصرها من مدينة توناس ومن هضاب أوتيكا. فمن مصلحة القيادة البونية أن تتوارى عن العيون الرومانية وتتمركز في مواقع أمينة مخلصة تتوفّر فيها المؤونة فضلا عن الرجال والعتاد. فلا شكّ في أن هذه العوامل كانت ضمن الخيار الذي اعتمده حنّبعل لتتوجه سفينته نحو سواحل المزاق وتلقي مراسيها في ميناء لبدا الصغرى ليتحول بعد ذلك إلى سوسة حيث كان يشرف على تهيئة الجيش ماديّا ومعنويا.

معركة زاما بريشة رسام إيطالي 1567م

ومن الأخبار الطريفة ما ورد عن اهتمام حنّبعل بغراسة الزياتين في الريف المزاقيّ وهو مشروع خطير مكّن القائد من توظيف طاقات الجيش واتّقاء شرّ البطالة وأسهم في ازدهار الفلاحة بربوع المزاق وهو ما جعل السكان لا ينفرون من وجود المعسكر في ديارهم بل يرتاحون له ويتعاونون معه. ويبدو أنّ القائد القرطاجيّ كان حريصا على ربط وجود الجيش بمنافع محسوسة تستفيد منها المنطقة التي يعسكر فيها. ولا شكّ في أنّ ذلك كان يدخل ضمن سياسة الترغيب والاغراء التي كان يعتمدها طيلة حياته العسكرية. ولقد أحسن ممارستها وثبتت جدواها. وفي سنة 201 قبل الميلاد كانت معركة جاما Zama فانهزم حنّبعل.

ولمّا كانت الغلبة لجيوش القائد سقيبيون والأمير النوميدي مسّنيسا، نادى حنّبعل بعقد صلح مع السلط الرومانية رغم قساوة الشروط وثقل جزية قدّرت بعشرة آلاف طالنْت أوبيّ من فضّة تسدّد في ظرف خمسين سنة مقسّمة أقساطا سنوية يساوي القسط الواحد منها مائتي طالنت. وإن صحّ أنّ الطالنت الأوبّي يساوي ما يقارب الخمس والعشرين كلغ، أمكن تقدير الضريبة المفروضة على قرطاج إثر هزيمتها في جاما بما يفوق مائتين وخمسين طنّا من الفضة إلى جانب تعهّدات أخرى كان الهدف منها كسر شوكة القرطاجيين. ومن حكمة حنّبعل أن أبرم الاتفاق بين الخصمين وتفرّغت قرطاج لاسترجاع قواها.

وانتخب حنّبعل سبطا سنة 196 قبل الميلاد فتعرّف إلى حقائق مرّة كانت تدفع البلاد إلى الهاوية. ولما أراد إصلاح الدستور من ذلك المنطلق والضرب على أيدي العابثين تصدت له قوى لا رادع لها تواطأت مع العدوّ وكانت مستعدّة للقضاء عليه بتسليمه إلى من كانوا يريدون به شرّا. لكنّه تفطّن للمكيدة وغادر العاصمة البونية ليلا ومنها إلى مدينة تفاشا وهي التي كانت تشرف على البحر في منطقة رأس الديماس بالقرب من بقالطة بالساحل التونسي بين المنستير والمهدية. وكانت في عهد الرومان تحمل اسم تفسوس وفي مينائها امتطى القائد القرطاجيّ سفينة حملته إلى جزيرة قرقنة ومنها تحول إلى المشرق.

حنّبعل في المهجر[عدّل]

لمّا وصل إلى مدينة صور قوبل بالتّرحاب والحفاوة وقد حلّ سهلا ووجد أهلا وفيها من تقدّم لمساعدته متطوّعا وفيها من أقبل على القيام بدور الوسيط السرّي يربط الصّلة بين القائد وأتباعه في قرطاج. ومن صور تحول حنّبعل إلى مدينة إيفيسوسا على ساحل آسيا الصغرى وكانت إذاك عاصمة لأنطيوخوس الثالث وهو ملك من الأسرة السلوقية طموح كان يريد التوسّع على حساب مصر البطلميّة وعلى حساب دويلتي برجاما ورودس. ولمّا كانت روما تعارض تلك السياسة التوسّعية تطوّع حنّبعل لخدمته بتسخير ما لديه من طاقة وتجربة عسكرية لكنّها لم تقدّر حقّ قدرها. ويرى بعض المؤرخين أنّ الملك لم يهتد إلى سبل الإفادة من رجل عبقري لا طموح له سوى مساعدة كلّ من قد يقف في وجه الامبريالية الرومانية التي ما انفكت تلاحق قرطاج للقضاء عليها وكأنه يبحث عمّن يمكّنه من ثأر للوطن. وقد تساءل بعضهم عن مدى فشل حنّبعل في إقناع الملك أنطيوخوس الثالث بجدوى نصائحه وتصاميمه. ولمّا أصبح التأثير الروماني في العواصم السلوقية خطرا عليه غداة صلح أفاميا سنة 188 قبل الميلاد توجّه إلى أرمينيا وقد كان أميرها أرطشياس في حاجة إلى من يساعده على تحديث إمارته وتحضيرها.

ومن خدمات حنّبعل وقتئذ اختيار موقع مناسب لعاصمة الامارة ووضع مخطّطها. ولكنّ حرصه على التعاون مع كل من يتصدّى لروما ولجبروتها دفعه نحو ملك بيثينيا، وقد عرفه التاريخ جبانا لئيما حتى إنّه لم يتردّد في غدر ضيفه حنّبعل الذي لولا يقظته وحنكته ومعرفته لما في البشر من شرّ لوقع في قبضة أعدائه صبيحة يوم حاصروا مسكنه. فلمّا علم بذلك شرب سمّا كان مخزونا في فصّ خاتمه. هكذا كانت نهاية عبقرية قرطاجيّة أدهشت معاصريها ومازالت تثير إعجاب النّاس جميعهم وتحظى باهتمام المؤرخين. انطفأت تلك الشعلة القرطاجية سنة 183 قبل الميلاد ودفن حنّبعل على ضفاف بحر مرمر. ولقد أشار القدماء إلى ضريح متواضع له يرى اليوم على هيئة نصب أقيم في ذلك المكان إجلالا لقائد شبّ على حبّ الوطن ومات وهو على العهد لا مطمح له سوى السموّ به نحو العُلوّ.

أخلاق حنبعل وورعه[عدّل]

فضلا عن تفاني حنّبعل في سبيل قرطاج وإشعاعها فقد كان على خلق كريم يتحلّى بالنبل والطهر. ولقد أبدى المؤرخون القدامى إعجابهم بعفّته وإخلاصه لزوجته إخلاصا لم ينل منه جمال النساء الأسيرات. ويقال إنه لم يقترب من امرأة طيلة ستّ عشرة سنة قضّاها على أرض العدوّ باستثناء مجازفة طفيفة لا وزن لها في حياته أوردها المؤرخ اللاّتيني تيتوس ليوس في السفر الرابع والعشرين من تاريخه ومفادها أن القائد تعرّف إلى إحدى فتيات الهوى في مدينة سلابيا سنة 214 قبل الميلاد. ولمّح بلينوس الأكبر إلى ذلك الحدث منوّها باعتزاز مواطني تلك المدينة بحبّ عاشه حنبعل البرقيّ في ديارهم. والأرجح أنّ ذلك حدث بعد وفاة زوجته خيملكا بقرطاج.

ومن الأكاذيب التي وضعها مغرضون تعريضا بالقائد رواية أوردها أفيانوس تركّز الاهتمام على حياة الترف والخلاعة التي غرق فيها حنبعل مدة إقامته بمدينة قبّوا حتّى قيل إنّه أنجب طفلا. تلك شائعة لا نصيب لها من الصحّة بل ترى مؤرخين معاصرين لا يتوقفون عندها البتّة وإن أشاروا إليها أحيانا فغالبا للتحذير والتنديد بالذين يُشوهون الحقائق التاريخية. لقد كتب الكثير عن مدينة قبوا وعلاقتها بحنبعل وجيشه الذي انغمس في الملذّات حتّى أدرك التهلكة، لكنّها روايات من نسج الخيال موجهة إلى القارئ المولع بالحكايات المثيرة ولعلها كانت تنال إعجاب المتمسكين بالأخلاق الفاضلة. ومن شيم حنبعل أنّه كان يحترم الآخر ويوصي خيرا بالأسرى وبسكّان المدن التي قد يغزوها جيشه وكان يحجّر أعمال النهب والتخريب. ولا شكّ في أنّ لسلوكه ومواقفه هذه أبعادا أخلاقية وأخرى سياسية عسكرية وهو يريد بالنبل والتسامح وحسن المعاملة كسب الذين قد يمرّ بأوطانهم أو يدخل مدنهم. وإلى جانب أخلاقه الحميدة كان القائد القرطاجيّ ورعا يعترف بقوّة الالهة ولا يتعدّى حدودها بل يرفع ذكرها في خطبه ويتوجّه إلى المعابد للصلاة والدعاء وتقديم القرابين. فقبيل الشروع في المسيرة الكبرى أدّى زيارة لمعبد ملقرت بجديرا صحبة زوجته وابنه الصغير ولا شكّ في أنّه صلّى ونحر وسأل الاله النّصر والتّوفيق. وكان يوصي بالمعابد والفضاءات المقدّسة حتى لا تدنّس ولا تنهب كنوزها. وفي وقت كان في حاجة ملحّة إلى الذهب لضرب عملة أبى الاستيلاء على عمود من ذهب خالص كان يوجد في معبد الالهة ميرا قرب مدينة قروطونا احتراما منه للالهة ومكاسب معابدها.

كان حنّبعل يجمع بين العبقرية والبطولة والخلق الكريم وهو ما جعل منه شخصيّة ساطعة مضيئة على مرّ العصور وتعاقب الأجيال واختلاف ثقافاتها. فلقد نال إعجاب الأعداء والأصدقاء، ومن المعجبين به الامبراطور الفرنسي نابليون، فمن الكتب المحبوبة لديه تلك التي كانت تروي له ملحمة القائد القرطاجي حنّبعل ذلك الذي تجاوز التاريخ ليستوي على عرش في عالم الأدب والفن.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • Slim H,Fauque N,La Tunisie Antique de Hannibal à Saint Augustin,Editons Mengès,Paris,2001