البشير المتهني

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1901 - 1972م]

ولد البشير بن عثمان المتهني بتونس في 15 سبتمبر 1901 وزاول دراسته الابتدائية والثانويّة بالمدرسة الصادقيّة. وفي 6 جوان 1919 أحرز شهادة ختم الدروس بالمدرسة المذكورة ثمّ في 12 أكتوبر الموالي حصل على الجزء الأوّل من شهادة الباكالوريا وشارك في مناظرة فانتدب على إثرها مترجما بوزارة العدلية في7 جانفي 1920 واستمرّ يعمل بها إلى أنّ بلغ رتبة متصرف من الرتبة الاستثنائيّة.

وفي سنة 1912 قدمت إلى تونس فرقة "الكوميدي فرنساز" ومثّلت بعض مسرحياتها وخصّصت لتلامذة المدارس حفلة نهارية كان معلوم الدخول إليها يتراوح بين فرنكين وخمسة وسبعين صانتيما، فشاهد البشير المتهنّي مع تلامذة الصادقية مسرحية "بوليوكت" فأعجب بما شاهده من براعة في التمثيل أيّما إعجاب وقرّر منذ ذلك الوقت أن يسخّر حياته كلّها لخدمة المسرح. عمل مساعد مخرج مع علي الخازمي في جمعية الاداب سنة 1919 ثمّ مدير مسرح مع جورج أبيض سنة 1922. وأسّس سنة 1926 فرقة "المستقبل التمثيلي" التي قدمت جميع أنواع المسرحيات من فاجعة ودراما وكوميديا وفودفيل وحتى الأوبرا والأوبرا كوميك، وأعانه على أداء رسالته الفنّية نخبة من رجالات المسرح والموسيقى، منهم محمد الحبيب والهادي العبيدي ومحمد العقربي وسيد شطا ومحمد التريكي والهادي الجويني. وهكذا تمكّن من تقديم مسرحيات "كيلوباترة" و"العشرة الطيّبة" و"صلامبو" و"عبد الرحمان الناصر" و"شمشون ودليلة". وقد التفّ حوله ثلّة من الممثّلين منهم أحمد بوليمان وصالح الزواوي والبشير الرحّال وحمدة بن التيجاني وحمودة معالي وتوفيق العبدلي وغيرهم.

ثمّ عمل مدّة في "الاتّحاد المسرحي" وأسّس بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1947 جمعيّة "تونس المسرحية" فأعاد بها النشاط إلى الوسط المسرحي الذي أصابه الركود. وقد واجه في أداء رسالته الفنية عدّة عراقيل وبذل في شأنها كلّ غال ونفيس من مال وصحّة وجاه وقاسى من المزاحمة غير الشريفة ألوانا لكنّه صمد وواصل عمله أكثر من أربعين سنة. وقد ألّف وترجم واقتبس عدّة مسرحيات إمّا بمفرده أو بمشاركة عدد من الكتاب، منها: "السّفاح" (ترجمها مع محمد الحبيب)، "سوفونيسب" (ترجمها مع أحمد خير الدين)، "حلاق اشبيلية" (ترجمها مع شاعر الشباب محمود بورقيبة) كما ترجم معه مسرحية "الطاغية"، "سالومي" (بالاشتراك مع الهادي العبيدي) واقتبس مع أحمد بوليمان عدّة مسرحيات منها "معروف الاسكافي" وألّف وحده مسرحية عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان كما ألّف بالاشتراك مع أحمد خير الدين مسرحية عن الخليفة عمر بن عبد العزيز وألّف مسرحية بعنوان "قوّة الايمان" صوّر فيها صبر الصحابي عروة بن الزبير. وكان قد قدّم للإذاعة عدّة مسرحيّات مثّلت كلّها منها: "إدريس الأوّل" و"المهدي العباسي" و"ليالي الرشيد". ومن خصاله التي لا تنسى جلبه لعميد الممثّلين العرب جورج أبيض وعميدة الممثّلات في الشرق فاطمة رشدي للعمل معهما متكبّدا في ذلك خسائر جسيمة. وهكذا قضّى البشير المتهنّي حياته منصرفا بكلّ جوارحه إلى خدمة المسرح تهون من أجله التضحيات والأتعاب وينفق عليه أكثر ممّا ينفق على خبز عياله. وقد توفي في 8 جانفي 1972.

وكان الفقيد تحدث ذات يوم عن الصعوبات التي اعترضته فقال: "حياتي الفنيّة كلّها أشواك وعراقيل ومتاعب لا سيما في العهد الاستعماري. فقد كنت في كثير من الأحيان لا أستطيع الجزم بأن المسرحيّة التي أقضي في إعدادها أسابيع قد تمثّل في التاريخ المحدّد لها. ففي إحدى المرّات أحضرت مسرحيّة "شهداء الوطنيّة" لأقدّمها في تاريخ معيّن أعلنت عنه واستأجرت المسرح وقد جلبت ملابس من إحدى دور الملابس بمرسيليا.وفي الساعة الخامسة من مساء يوم عرضها أعلمتني السلطة بمنع تمثيلها وبوجوب عرض مسرحية أخرى عوضا عنها في اللّيلة نفسها مع إنذاري بعدم إعلام الجمهور بمنع مسرحية "شهداء الوطنية" بل عليّ أنّ أعتذر بموانع فنيّة وقد فعلت ذلك مكرها وكنت أقابل ثورة الجمهور وشتائمه بالصبر. وفي مرّة أخرى أعددت مسرحية الأحدب واستجلبت ملابسها من الجزائر وصادف يوم التمثيل يوم عطلة رأس السنة الميلادية، فتسبّب ذلك في تعطل أعمال المصالح العموميّة ومنها مصالح الڨمارق، فبقيت الملابس في مستودع قمرق غار الدماء. وكان لا بدّ لي من استقدام الملابس مهما كان الثمن فوجّهت الفنان علاّلة الصفايحي وهو الذي يقوم بدور البطولة في المسرحية على متن سيّارة أجرة إلى غار الدماء وبقيت أنتظر على أحرّ من الجمر عودته. وقد عادت السيّارة من غار الدماء تحمل الملابس في الساعة التاسعة والنصف ليلا وعندما وصلت إلى مقهى عمارة الناسيونال انفلقت عجلاتها فاضطررنا إلى حمل صناديق الملابس على كواهلنا إلى المسرح البلدي ومثّلنا المسرحية التي انتهى تمثيلها في الثانية بعد منتصف الليل. وإثر الانتهاء عمد الهادي العبيدي إلى تمزيقها من شدّة الانفعال إزاء ما اعترضتنا من متاعب وعراقيل في تلك الليلة". وأضاف قائلا: "ولا قيمة للنجاح المادّي في نظري بل إني أفضّل أن أرى في قاعة المسرح جمهورا قليل العدد ولكنّه ذوّاق ومقدّر للجهود فأحرز النجاح الأدبي، على أنّ تكتظّ قاعة المسرح بالجمهور ويكون العمل الفنّي الذي يقدّم تافها غير مستكمل شروط الفنّ. وقد قضّيت طيلة حياتي الفنيّة أبذل من جيبي غير مكترث بالكسب المادي، وهذا ما يشهد به زملائي الكثيرون الذين عملوا معي في المسرح".