مصطفى الفارسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مصطفى الفارسي

[1931 - 2008م]

ولد الأديب مصطفى الفارسي في 26 / 10 / 1931 بصفاقس. زاول دراسته الابتدائيّة والثّانويّة بها. وحصل على البكالوريا سنة 1952. سافر إلى فرنسا. ودرس بباريس بجامعة الصّربون. وأحرز منها الإجازة في الاداب (1955). وشهادة الدّراسات الإسلاميّة العليا ببحث عن ثورة القرامطة (1956). وتأثّر في أثناء الدّراسة بالفكر الوجوديّ. عاد إلى تونس. فعمل بوزارة الأخبار ملحقا بديوان كاتب الدّولة للأخبار والإرشاد آنذاك (1956)، ثمّ بالإذاعة التّونسيّة مديرا لدائرة العلاقات الخارجيّة (1959) ثمّ عيّن مديرا عامّا للشركة التّونسيّة للانتاج والتّنمية السّينمائيّة (1962 - 1968) والتحق بوزارة الشّؤون الثّقافيّة (1969) وشغل خطّة كاهية مدير دائرة الآداب بها، ثمّ مدير دائرة المسرح بالوزارة نفسها. ثمّ سمّي مديرا لدائرة الآداب بها. (1971). وظلّ يعمل مستشارا بالوزارة إلى أن أحيل على المعاش المبكّر سنة 1986. وعيّن سنة عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (1990). وهو يتقن إلى جانب العربيّة اللّغة الفرنسيّة.

انتسب مصطفى الفارسي في الأثناء إلى جمعيّات ثقافيّة عدّة. وتقلّد فيها مسؤوليّاتمنها نادي القصّة بالورديّة والاتّحادّ الوطنيّ للكتّاب التّونسيّين منذ تأسيسه في بداية السّبعينات 1970 (وتولّى خطّة كاتب عامّ في الهيئة المديرة عدّة دورات من 1973 إلى 1987) وجمعيّة حقوق المؤلّفين والملحّنين (وكان خبيرا في هذا المجال لدى المحاكم التّونسيّة) واتّحاد كتّاب إفريقيا وآسيا ومجلّته لوتس النّاطقة بلسانها عندما كان مقرّها بتونس (وكان المؤلّف نائب رئيس تحرير بها). ورابطة التّضامن والسّلام بالمغرب العربيّ. وكان خبيرا لدى منظّمة اليونسكو.

وربطته صداقات بكتّاب ومثقّفين من تونس خاصّة منهم التّيجاني زلّيلة والمغرب العربيّ والبلدان العربيّة والإفريقيّة والآسيويّة والبلدان الاشتراكيّة. وله مواقف ساند فيها الاشتراكيّة والقضيّة الفلسطينيّة. نظم الفارسي الشّعر. وكتب القصّة القصيرة والرّواية والمسرحيّة وأدب الرّحلة والمقالة الصّحفيّة والنّقد الأدبيّ. وترجم الأدب من الفرنسيّة إلى العربيّة. وألّف بالفرنسيّة الدّراسة الحضاريّة. وأعدّ برامج إذاعيّة ثقافيّة عن المسرح وعن الاداب العالميّة. وقدّمها بنفسه أو مع التّيجاني زلّيلة.

وأسهم في إخراج شريط عنوانه جحا (1958) أوّل شريط سينمائيّ مشترك تونسيّ - فرنسيّ مثّل فيه عمر الشّريف وكلوديا كاردينال وكان المؤلّف مساعدا للمخرج جاك براي. وقد اقتبست أربعة أفلام قصيرة من أقاصيص له. وصودر كتابه حركات إثر نشره سنة 1979. ومنع من التّوزيع. ثمّ طبع مرّة ثانية سنة 1996 بعد مضيّ حوالي 18 سنة من مصادرته ووزّع.

وقد درّس الأستاذ محمود طرشونة كتاب حركات في الجامعة التّونسيّة ضمن مناظرة التّبريز في نهاية القرن العشرين في إطار "استعمال التّراث في الرّواية العربيّة". ونشرت الدّراسة في كتابه مباحث في الأدب التّونسيّ المعاصر (1998). وحلّل الباحث نفسه عددا من أقاصيص المؤلّف وروايتيه في كتابه من أعلام الرّواية في تونس (2002). ودرّس الأستاذ محمّد رشيد ثابت حركات في مادّة الأدب الحديث للسّنة الرّابعة في كلّيّة الاداب بسوسة في بداية الألفيّة الثّالثة. وأنجز رسالة دكتوراه دولة أشرف عليها الأستاذ حسين الواد عن "التّجريب وفنّ القصّ" في الرّوايات العربيّة الجديدة منها حركات للفارسي والانسان الصّفر للمدني.

وقد أدرجت طيلة عقود عدّة مقاطع من أقصوصاته في كتب التّعليم الأساسيّ والتّعليم الثّانوي. وبرمجت مجموعتاه القصصيّتان في حصص المطالعة الرّسميّة بالمعاهد الثّانويّة وأنجزت في الجامعة التّونسيّة عن أدبه عدّة رسائل.

مؤلّفاته[عدّل]

سرديّة ومسرحيّة وحضاريّة، نذكر منها:

  • المنعرج: (رواية)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1966 - ط2، تونس 1972 - ط3، تونس 1972. ثمّ دار شوقي، ط4، تونس 1999 - ثمّ ط5، تونس 2001.
  • حركات: (رواية تجريبيّة)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1979. ثمّ دار سحر للنّشر، ط2، تونس 1996, تقديم جلّول عزّونة: (ص. 3 - 14) ودراسة محمود طرشونة في آخر الكتاب (ص 119 - 109 ).
  • القنطرة هي الحياة (قصص)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1968. ثمّ ط2، دار شوقي، تونس 2002.
  • "سرقت القمر" (قصص)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1971. ثمّ دار شوقي، ط 2،تونس 1999.

وله مسرحيّات بالفصحى منشورة في كتب ألّف عددا منها بمفرده وألّف عددا آخر بالاشتراك مع التّيجاني زلّيلة ومثّل عدد منها على الرّكح:

  • الفتنة: (دار الكتب الشّرقيّة، تونس 1971)
  • رستم بن زال: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979) *
  • الأخيار: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979)
  • السّنابل: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979)
  • والفلّين يحترق أيضا، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس1981، تقديم أبو زيّان السّعدي ثمّ ط4، دار شوقي، تونس 2002.
  • سور الصّين: مسرحيّة الصّيني ماكس فريش، نقلها المؤلّف إلى العربيّة بتصرّف. نشرت في مجلّة "فضاءات مسرحيّة"، العدد المزدوج 5 / 6، السّنة 2، تونس ,1986(119 - 72). ثمّ في كتاب عن دار شوقي للنّشر، تونس 1999(142.ص).

وللمؤلّف[عدّل]

  • من الشّرق تبزغ الشّمس: تاريخ كوريا الشّماليّة، تونس 1982 (بالفرنسيّة).
  • من أجل نظام اقتصاديّ عالميّ جديد، دراسة عن السّياسة الخارجيّة برومانيا، تونس 1983 (بالفرنسيّة).

وله أشعار منها ما نشره عمر بن سالم: في مختارات لشعراء تونسيّين، الدّار العربيّة للكتاب، تونس 1992. أن تحيا وقسمات ممزّقة (508 - 512).

قال المؤلّف ضمن شهادة ألقاها سنة 1960 "أنا من بين قلّة تؤمن بمستقبل القصّة في بلادنا إيمانا لا يخالطه الشّكّ. ومن لم يؤمن بفنّه لا يمكن أن يصل به إلى الكمال وأن يخرج به من طور المحاولة الأدبيّة إلى طور الأدب الفكريّ الخالد". (.). ويضيف في نفس الشهادة قوله: "يجب أن يكون إدراكنا للقضيّة واضحا وشعورنا بوجوب النّهوض بالقصّة في بلادنا كاملا شاملا. فإذا حصل لدينا هذا الادراك وهذا الشّعور هان الأمر. وكان ذلك منّا أوّل عمل في سبيل النّهوض بالقصّة، وكنّا أدّينا ولو جانبا من الرّسالة الأدبيّة المناطة بعهدتنا. أفليس هكذا تبدأ النّهضة؟... أعتقد أنّ القصّة التّونسيّة لا تنتظر إلاّ من يأخذ برقبتها وينزّلها من عالم الأفكار إلى ميدان الحبر والورق... نعم أعتقد هذا وأومن به إيماني بنهضتنا الحاليّة، وإيماني بمستقبل هذه النّهضة. نحن ماضون في سبيل خلق الرّواية القصصيّة التّونسيّة ذات الموضوع التّونسيّ والشّخصيّات التّونسيّة لأنّنا نعيش أوان خلق القصّة، ولأنّ القصّة الكامنة فينا هي التي تستحثّنا على الأخذ بيدها وإخراجها إلى الوجود". وقال الفارسي متحدّثا عن مسيرته الأدبيّة وعن الكتابة في سنة 1971: "الحياة عندي في صراعنا الدائم مع الحياة، في قلبنا للواقع المعيش وفي خلق واقع جديد يعتمد، أساسا، فعل الانسان في سبيل استكمال الذّات. وإذ لا كمال للذّات فيكفي أن نقضي العيش في المحاولات، إذ المحاولة في نظري بداية كلّ فعل. وقد قلت في المنعرج: "يقيّدونك بأصفاد من حديد ويقولون لك هلُمّ إلى السّباق فأنت حرّ". وأعتقد - يقينا - أنّ الحياة في علمكَ أنّكَ مقيّد بأصفاد من حديد وفي إقدامك رغم ذلك على خوض غمار السّباق، هذه نظرتي إلى الحرّيّة". (...) "وقد عقدت العزم على الصّمود وعلى الكفاح المستمرّ إذ لا مناص من المسؤوليّة بأيّة حال لأنّها في صميم المأساة، ولأنّي شخصيّة من شخصيّات المأساة أعيش محنة دائمة وأقضي العمر في المعاناة، لقد اخترت، ولا مناص من تبعة هذا الاختيار إن خيرا وإن شرّا". وبيّن أيضا: "ربّما حشرني بعضهم في زمرة المحافظين، من هذه النّاحية على الأقلّ، وهي تعلّقي بسلامة اللّغة التي يكتب بها كتّاب العربيّة أو الدّارجة. وإنّي لمُمْعن في هذه المحافظة لاعتقادي أن لا سبيل إلى وجود لغة ثالثة معلّقة بين سماء الفصحى وأرض الدّارجة، فإمّا أن نكتب في العربيّة ما لا يقضّ مضجع سيبويه، وإمّا أن نكتب في الدّارجة ما لا يستنكفه العروي أو المرحوم الدّوعاجي من قبره. هذا رأيي في اللّغة ويعزّزه اعتقادي أن لا سلامة للمعاني إذا لم تسلم اللّغة التي تكسوها أو تلبسها، فالاتّصال بين هذه وتلك عضويّ في نظري، والفصاحة إفصاح". وقال المؤلّف متحدّثا عن موقفه من الأدب والكتابة الأدبيّة: (1973) "ومن البديهي أنّ الكاتب إذا كان أديبا مفكّرا بحقّ سيكتب أكثر فأكثر رغم العراقيل التي تعرقل سيره ورغم التّنكّر له. وهذا الوضع الحرج الذي يجعله بين بين منبوذا من العامّة الجاهلة ومقهورا من قبل السّلط الرّجعيّة الحاكمة. من البديهي أنّ الكاتب سيكتب لايمانه بأنّ تحمّل الرّسالة أيسر عليه من غيره. وهي رسالة تاريخيّة تجعله مسؤولا عن مصير مجتمعه، مجنّدا لخدمة القضايا العادلة في وطنه ووراء حدود بلاده، وفي نفس الوقت شوكة في حلق الطّغاة، وصوتا صادحا يبشّر وينذر ويترنّم ويتوعّد. وهي مسؤوليّة لا يمكن في نظرنا أن يتحمّلها مذهب دينيّ أو ملّة أو نحلة أو نقابة أو حزب سياسيّ".

من أقوال النّقّاد والدّارسين[عدّل]

قال توفيق بكّار وصالح القرمادي في تعريفهما الموجز بالمؤلّف: "هو كاتب أديب وكاتب مسرحيّ تكشف أعماله حساسيّة اجتماعيّة كبيرة وميلا واضحا إلى تأمّل وجوديّ في آن معا. ويجدر أن نلاحظ أنّ من أعماله الأكثر شهرة: المنعرج (1963)، والقنطرة هي الحياة، قصص 1968، والطّوفان وهي مسرحيّة كتبها المؤلّف مع التّيجاني زلّيلة" (انظر:توفيق بكّار وصالح القرمادي: ضمن كتّاب من تونس، سندباد للنّشر، باريس1981، صفحات: 32، 35، و224، 225) وقال الروائي والناقد محمود طرشونة في سياق قراءته رواية حركات: "هو أثر قصصيّ للكاتب التّونسيّ مصطفى الفارسي بعنوان حركات تضمّن لوحات فنّيّة طريفة مثقلة بالمعاني الهادفة إلى تحرير الانسان العربيّ من كلّ القيود التي تكبّل فكره وحرّيّته وتضغط على طاقاته الخلاّقة بدعوى مقاومة الفوضويّة والتّصدّي للتّمرّد". وأضاف: "هذا الكتاب يمتاز بتنويع في الأشكال الفنّيّة وصهر للأنواع الأدبيّة دالّ على موقف واضح من التّراث والحداثة ولما تضمّنه من شحنات فكريّة تتعلّق بقضايا العروبة والوحدة والنّضال المشترك وبمشاكل اجتماعيّة تهمّ علاقة الفرد بالجماعة ووظيفة المثقّف في المجتمعات النّامية. وبصفة عامّة كلّ ما يتعلّق بقضايا العدل والحرّيّة في العالم الثّالث. يضاف إلى كلّ ذلك حضور الكاتب بين السّطور، وبالخصوص في المساحات السّرديّة التي نستشفّ منها تمزّق المؤلّف بين الاصداع بمواقفه الشّخصيّة والضّغوط المختلفة التي تدفعه إلى الاقتصار على الايحاء والرّمز لكنّها رمزيّة شفّافة لا تكاد تخفي مقاصده مهما حاول الايغال في الزّمان والمكان والخيال". (ص 71). وأضاف أيضا: "ويتّضح من التّحليل الشّموليّ لهذا الأثر أنّ الخيط الرّابط بين مختلف عناصره هو الجمع بين المتناقضات، فإنّه تتعايش فيه دون تنافر أركان القصّة والمسرحيّة والخاطرة (ص 71) والأسلوب الايحائيّ والأسلوب التّقريريّ والأسلوب الرّمزيّ في نفس الوقت. وتجد فيه مستويات لغويّة متفاوتة بين الفصحى والدّارجة وما يسمّى باللّغة الثّالثة. وقد تضمّن صورًا من التّاريخ العربيّ القديم والتّراث الصّينيّ والتّاريخ المعاصر، كما احتوى مشاكل فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة. والثّورات فيه ناجحة وفاشلة. وقد تكون مجرّد عدوان لا يراعي حسن الجوار، إلى غير ذلك من المتناقضات الدّالّة على تمزّق المثقّف العربيّ بين ثقافات وحضارات وأوضاع هي بدورها متناقضة. ولعلّ أزمته ليست سوى تعبير عن أزمة المجتمع الذي أفرزه فأفرز بدوره بنية أدبيّة متميّزة تشير إلى ما سمّاه مصطفى الفارسي في عنوان لاحدى رواياته ب المنعرج. وهذا المزج بين المتناقضات ليس إلاّ صورة لمختلف أوضاع البلاد العربيّة..." (ص 72). (كتاب مباحث في الأدب التّونسيّ المعاصر، تونس 1989 دراسة "مقوّمات قراءة شموليّة للأدب العربيّ مع تطبيق على حركات للفارسي"، ص. 83 - 63.ثمّ في آخر رواية حركات ط. 2. دار سحر للنّشر، تونس 1996. ص 109).

ونقول ختاما في شأن تجربة الفارسي القصصيّة: الأديب مصطفى الفارسي من الكتّاب المؤصّلين والمجدّدين في القصّة والرّواية في تونس منذ الاستقلال إلى نهاية السّبعينات. له أعمال متنوّعة المضامين والأساليب متأصّلة في البيئة التّونسيّة ومنفتحة على قضايا إنسانيّة نحا في عدد منها منحى وجوديّا. وهي ذات بناء متين واضح ولغة فصيحة وخواتم محكمة. ولعلّ من الأقاصيص التّونسيّة الجيّدة أقصوصات المؤلّف ("سلسلة من ذهب" و"القنطرة هي الحياة" و"سرقت القمر"). وقد تدرّجت كتاباته من الواقعيّة الاجتماعيّة النّقديّة إلى الواقعيّة الجديدة وانتهت إلى التّجريبيّة. ولقد توفي الأديب مصطفى الفارسي بتونس يوم الخميس في 07 / 02 / 2008 عن سن تناهز 77 عاما وذلك بعد معاناته من مرض عضال ألزمه الفراش سنوات طويلة.