لباس أعيان تونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لباس مشايخ جامع الزيتونة

ينقسم اللباس إلى عدّة أصناف: لباس الحضر ولباس البدو من جهة، ولباس الرجال ولباس النساء من جهة أخرى، واللباس اليومي ولباس المناسبات من جهة ثالثة. وسنبحث أولا في موضوع لباس الرجال المناسباتي الذي ينقسم إلى لباس أهل العلم والأعيان ورجال الدولة (أي المخازنية) ولباس التجار... لقد تميّز أهل العلم في تونس بلباس خاصّ بهم وكأنّهم اتخذوا منه شعارا للخطة. ونظرا إلى وجود مذهبين سنّيين بالبلاد هما المذهب المالكي الذي ينتسب إليه السواد الأعظم من أهل البلاد والمذهب الحنفي الذي تنتسب إليه الطبقة الحاكمة، فقد وجد اختلاف طفيف بين لباس الفريقين يجعل الناظر يفرق بين كلّ من المذهبين من أوّل نظرة. وقطع هذا اللباس على النحو التالي :

القميص[عدّل]

كلمة دخيلة معرّبة من الفارسيّة وهو يدعى في العرف التونسي "السوريّة" نسبة إلى سوريا ويقال إنّ السبب في ذلك هو أنّ أهل تونس عرفوا أوّل ما عرفوا القميص الافرنجي عن طريق أهل الشام. و"القميص" لباس من القماش الأبيض غالبا ذو أكمام مفتوح الصدر، ويُفضّل ذو الرقبة المدورة.

السروال[عدّل]

كلمة دخيلة معرّبة من الفارسيّة ويعرف ب"السروال بالقندليسة" وهو سروال فضفاض جدا، قد يستهلك السروال الواحد قرابة المترين من القماش. وتصنع السراويل في تونس من قماش تختلف نوعيّته بحسب ثراء صاحبه، فمن "العمبرقيز "وهو قماش قطني رقيق ورخيص إلى "القمراية" وهو قماش ثمين وكلاهما يستعمل صيفا. أمّا في فصل الشتاء فتستعمل في صنع السراويل الأقمشة المتينة مثل "الملف" وهو قماش صوفي أو "الفلانيلة" و"الڨابردين" وهي أقمشة مستوردة. وتشد هذه السراويل إلى الخصر بحزام طويل يدعى التكة وهو مصنوع من خيط مشبّك تتعدّد ألوانه ويستوي في استعماله النساء والرجال.وبتطور الزمان تخلّى الناس عن هذا اللباس وعوّض في فترة متأخّرة بما يعرف بالسراول "غولف بالفلسة" وهو نوع السراويل نفسه الذي يرتديه ممارسو لعبة الغولف الشهيرة وهو لباس مستورد، قد انقرض اليوم أو يكاد.

الشملة[عدّل]

هي حزام يعرف في اللغة العربيّة بالنّطاق اشتهرت به الصحابية الجليلة السيدة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين وفي ذلك دليل واضح على أنّ الشملة لباس عربي قديم ولعل اسمها التونسي أي الشملة متأت من كونها تلف خصر لابسها فتشمله اشتمالا.والشملة في العرف التونسي قطعة من القماش المنسوج عادة من خيوط "الحرير" أو من خيوط "حرير اللوح" وهو أرخص، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار تقريبا في عرض نصف متر، وهي ذات ألوان زاهية وقد تتركّب من لونين فقط وتكون تركيبتها على شكل مربعات صغيرة يزيد لابسها جمالا.

الصدرية[عدّل]

هي لباس يوضع مباشرة فوق القميص واسمها مستمدّ من الصدر وأصل كلمة الصدرية في اللغة العربيّة الصدرة.وهي من قماش ذي حواش قطنية أو حريريّة لا أكمام لها وبها فتحة من أعلى الكتف تسهيلا لارتدائها ولها جيب صغير من جانبها الأيمن يُحلّى عادة بتطريز على شكل هلال، وفيه توضع ساعة الجيب المدعوة في العرف التونسي "بالمنڨالة". ويمكن لبس هذه الصدرية من وجهيها نظرا إلى تماثلهما.

الفرملة[عدّل]

هي من قماش لا أكمام لها مفتوحة الصدر وموشّاة بخيوط الحرير أو القطن. من جانبها الأيمن توجد "العقد" وهي عبارة عن عقد من الخيط تقوم مقام الأزرار ومن جانبها الأيسر توجد "الحلق" الخيطية التي قد يظن بعضهم أنّها مجعولة لغلق الفرملة وهو أمر غير صحيح إذ أنّ الفرملة لا تغلق أبدا إنّما جعلت تلك "العقد" و"الحلق" على سبيل الزينة لا غير.

المنتان[عدّل]

هو ما يلبس فوق الصدرية والفرملة ويتميّز بكمّين طويلين يصلان إلى الكوعين ويكون مُوَشّى الأطراف بخيوط الحرير أو القطن. وتختلف زينة الكمّين بحسب إرادة لابسه فمنها ذات الأكمام المدورة ومنها ذات الأكمام المذنبة وتدعى في العرف التونسي "فم حوتة" وغالبا ما يصل التطريز في الكمين إلى مستوى المرفق وهي غاية في الرقة والأناقة. يعرف هذا اللباس في لسان أهل تونس ب"المحصور" وهو في شكله المعروف يرجع إلى الفترة العثمانية ونجده منتشرا في جميع البلاد التي كانت خاضعة للاستانة. أمّا ما يميّز البلاد التونسيّة دون سواها فهو ذلك الجلباب الفضفاض الذي يرتديه الرجال فوق هذا الهندام كلّه والمعروف لدينا باسم الجبّة.

الجبّة[عدّل]

محمد الطاهر بن عاشور وعن يمينه الشيخ المختار بن محمود يرتديان الجبة

هي ذات فتحة طويلة للرأس وكمّين لليدين وتكون في قطعة قماش واحدة مع العلم أنّ الجبّة معروفة عند العرب إذ جاء في لسان العرب ما نصه: "والجبّة: ضرب من مقتطعات الثياب تلبس وجمعها جبب وجباب ". على أنّ شكلها عند العرب القدامى قد يكون مختلفا عمّا هو عندنا ذلك أنّ اسم الجبّة يطلق أيضا على نوع من الدروع. فقد جاء في لسان العرب: "والجبّة من أسماء الدرع وجمعها جبب". وتكون الجبّة من أقمشة عدة مثل "القمراية" و"الستكرودة" و"الڨرماسود" صيفا ومن "التوزري" أو "الجريدي" و"الملف" و"الصوف" و"الڨابردين" شتاء. وعادة ما تكون مُوَشّاة الأطراف بخيوط الحرير أو القطن (شريط أو قيطن). ومن أنواع زينة الصدر أنّها تكون إمّا "سلتين" و"بونتة" وهو أبسط أنواع الوشي في الجبّة أو يحلّى صدرها عند فتحة الرأس بأنواع التطريز مثل "المشامم" و"النوارة المربوطة" و"النقش" وهو الذي يعرف اليوم "بالجليزات". ويغلب على الجبة الألوان الزاهية صيفا من أبيض ووردي "غبرة" و"خمري" وسماوي "جوهري" وأخضر فاتح "فستقي" وأصفر فاتح "كرهبان". أمّا زمن الشتاء فتكون الألوان الداكنة هي المحبذة من بني "قسطلي" وأحمر "شرابي" وأحمر داكن "سواكي" ورمادي داكن "رصاصي"...

أمّا السّادة الأشراف فقد اختصّوا بلبس الجبة الخضراء علامة لهم وتميّزا عن سائر الناس لما اختصّوا به من قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيما يتعرّف إليهم الناس ويحفظوا قدرهم. وقد كانت الجبّة مستهجنة زمن الحفصيين على ما يذهب إليه المؤرخ برونشفيك لا يلبسها غير الرّعاع، ولمّا صارت من لباس الخواص والعلماء صارت لها مكانة عالية. وقد تميّز أهل العلم بتونس بوشي خاص لطوق الجبة يدعى الأشمس وهي عبارة عن أقراص حريريّة جميلة يختصّ بلبسها اليوم فضيلة مفتي الديار التونسيّة بينما كانت في القديم لباس عموم المدرسين بالجامع الأعظم. وفوق ذلك كلّه يضع العلماء على أكتافهم:

البرنس[عدّل]

هو عبارة عن رداء كبير له طربوش يدعى "القب". فقد جاء في لسان العرب تعريفا لهذه الكلمة ما نصه: "البرنس كلّ ثوب رأسه ملتزق به دراعة كان أو ممطرا أو جبة. وفي حديث عمر رضي الله عنه: سقط البرنس عن رأسي وهو من ذلك..." ويكون البرنس عادة من صوف أو وبر الجمل أو "ملف" زمن الشتاء ويكون من قماش "السوستي" زمن الصيف. والسوستي هو قماش مَحلّي على غاية من الرقة وإتقان النسج ومادته الأولية صوف بيضاء دقيقة، كما يفضّل العلماء اللون الأبيض في البرنس ونادرا ما يستعملون ألوانا أخرى شتاء وصيفا وهو مُوشّى الحواشي بضفيرة من الحرير. ويختصّ أهل المجلس الشرعي بقسميه المالكي والحنفي بزي خاصّ يمكن اعتباره من شعار الخطة ذلك أنّ شيخ الاسلام المالكي أو ما كان يعرف بكبير أهل الشورى المالكيّة أو الباش مفتي يرتدي فوق اللباس المحصور:

البدن[عدّل]

هو عبارة عن قميص طويل يصل إلى الكعبين من قماش فاخر ذي أكمام طويلة تصل إلى الكوعين واسعة موشى الأطراف بالحرير وله جيب كبير من الجانب الأيمن من الصدر ويستعمله إمّام جامع الزيتونة المعمور عند إلقاء الخطبة الجمعية. وقد كان أهل المجلس الشرعي من المالكية يستعيضون عن البرنس بالكابة.

الكابة[عدّل]

هي عبارة عن برنس يكون عادة من قماش السوستي الفاخر الأبيض المائل إلى الصفرة يوضع على الكتفين وهو مُحلّى الظهر بأشكال بديعة من التطريز الحريري.وأمّا رجال الشرع الأحناف فإنّهم يستعيضون عن ذلك ب:

الجوخة[عدّل]

هي لباس طويل فضفاض مفتوح تماما من الأمام لا أكمام له وهو قليل التوشية. وتكون الجوخة خاصة من أقمشة فاخرة.

القفطان[عدّل]

يشبه في شكله العام اللباس السابق غير أنّه يتميّز عنه بكمّين طويلين، وهو موشّى الأطراف بخيوط الحرير ويشبه هذا القفطان إلى حدّ بعيد سمّيه الذي يرتديه أهل العلم في القطر المصري الشقيق. ويكون مع ذلك حامل هذا اللباس ظاهر السراويل والصدرية وجملة اللباس الداخلي.

غطاء الرأس[عدّل]

لا مجال لترك الرؤوس عارية إذ كان ينظر إلى الرجل العاري الرأس نظرة سلبيّة. ذلك أنّ غطاء الرأس هو آخر ما ينزع عن رأس الرجل قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام، حتى قيل في الأمثال الشعبية "فلان تعرى راسو". وقد كان أهل العلم من سكّان الحاضرة يلبسون الشاشية الحمراء الأندلسية الأصل، التونسيّة الصناعة، بعد أن كانت مستهجنة أيام الحفصيين. ويلفّ علماء تونس حول هذه الشاشية العمامة وهي مكونة من القماش الأبيض الناصع البياض يصل حجمها إلى سبعة أذرع أي ما يقارب ثلاثة أمتار ونصف وهو حجم ما تستغرقه الأكفان. فالرجل كان يحمل كفنه فوق رأسه حتى إذا ما مات فجأة أو معدما وجد الناس ما يسترونه به لحمله إلى مثواه الأخير ويدعى غطاء الرأس هذا في عرف أهل تونس بالكشطة.

وتكون هذه العمامة ضخمة الحجم وبسبب حجمها ذلك أشفق الناس على أنفسهم من حملها فأخذت العمامة في الضمور إلى أنّ أصبحت عبارة عن شريط لا يتجاوز عرضه بضع سنتمترات وطوله مترين أو ثلاثة. أمّا أهل المجلس الشرعي فقد استعاضوا عن لبس العمائم بلباس "الملوسة" التي يختلف شكلها بين المسطح عند المالكية إلى المقبب عند الحنفية وهي لباس عظيم الشكل تركي الأصل.

الطيلسان[عدّل]

معروف عند أهل تونس "بالشان" وهو يعتبر من شعار خطة أهل المجلس الشرعي لا يشاركهم في ذلك غير أئمة جامع الزيتونة المعمور. والطيلسان يوضع على الأكتاف أو فوق العمامة ويسدل من الجانبين مع اختلاف بسيط بين أهل المذهبين. ذلك أنّ السادة الأحناف يرجعون الطرف الأيمن على الكتف الأيسر فيصير بذلك محيطا بالصدر. وقد تعود أهل العلم استعمال الطيلسان المستورد من بلاد الكشمير الهندية الذي يدعى ب"الكاشميري" وقد كان الأمير حمودة باشا الحسيني (1782 - 1814) ينتقد أهل العلم لاسرافهم في اقتناء ولبس "ثان" الكشميري الباهظ الثمن واستعاض عنه في لباسه الخاص بشان من صنع جزيرة جربة وكان يتباهى به بمحضر الأعيان والعلماء ولا يستقبل الوفود الأجنبيّة إلا به. وطيلسان الكشمير مصنوع من صوف وخيوط حريرية، جميل منظره متعددة ألوانه يزيد لابسه جمالا وفخامة.

الأحذية[عدّل]

كان أهل العلم في القديم ينتعلون البلغة وهي حذاء جلدي من صنع البلاد وله سوق نافقة في العاصمة يدعى سوق البلاغجية وقد تطور هذا اللباس إلى شكل محدث يدعى "الكنترة" ثم استعيض عنها جميعا بلبس الحذاء الافرنجي المغلق.وقد كان أهل العلم يلبسون الرواحي (جمع ريحية) وهي حذاء من جلد لين أصفر فاقع لونه كانوا يستعملونه مكان الجوارب ويسمح بالدخول بها إلى بيت الصلاة ويرتقي بها الامام المنبر وهذا الحذاء كان معروفا في تونس منذ العهد الحفصي.

هذا ما كان يميّز لباس أهل العلم بمدينة تونس. أمّا رجال الدولة أو المخازنية حسب عرف التسمية الشمال إفريقية فإن لباسهم يختلف عن هذا الذي وصفنا. فبالرغم من أنّ "خدمة المخزن محزن" على رأي أهل البصيرة لما ينجر عن الخطط الرسمية في كثير من الأحيان من سلب للأموال و"تتريك" وإزهاق للأرواح فإنّ هذا الموقف المنفر من خدمة الدولة لم يؤثر في جمال لباس هذه الفئة من الناس.

لباس أهل المخزن[عدّل]

يتميّز لباس أهل المخزن في الفترة المتأخرة بكون طابعه العام مستمدّا من اللباس الغربي الدخيل على تونس. وتشمل فئة المخازنية رجال الدولة من الملك فمن دونه من الأمراء والوزراء والعمّال وأصحاب المقامات العسكرية وغيرهم. ولمّا كان الناس على دين ملوكهم فسنبدأ بوصف لباس الملك.

لباس الملك[عدّل]

كان ملك تونس يلبس "السروال بالقندليسة" والصدرية والفرملة والمنتان والشملة مسدلا البرنس التونسي على كتفيه رافعا الشاشية التونسيّة الحمراء على رأسه محيطا إياها بالعمامة "الكشطة المطرّزة" منتعلا البشمق والريحية وهذا اللباس كما عرفناه آنفا يدعى بالمحصور ويظهر به الباشا حسين بن محمود في رسم زيتي معروف موجود اليوم بقصر الجمهورية بقرطاج. وكان يلبس ملابس سلاطين آل عثمان التابع لهم بالولاء باعتبارهم خلفاء المسلمين والقفطان بما يشبه لباس أهل العلم من السادة الأحناف من قماش فاخر مُوشّى الأطراف بخيوط الحرير وأسلاك الفضة المموهة بالذهب، وقد يرصع ببعض الحجارة الكريمة يضاف إليه الفرو زمن الشتاء ويضع على رأسه الملوسة المقببة التركية التي عادة ما يحلّى وسطها بقطع من حلي إضافة إلى بعض الرياش زيادة في التأنّق وهي الصورة التي يظهر عليها الأمير حسين باي بن علي في بعض الرسوم المنسوبة إليه.

حسين بن علي باي
علي باشا باي

فلمّا جاء على الدولة طور من التجديد غيّر السلطان محمود (1808 - 1839) الزيّ القديم بعد أنّ قضى على الجيش الانكشاري في إرادة لادخال الاصلاحات على نظام الدولة وتعصيرها فخلع ذلك اللباس القديم وغيّره بثوب طابعه مستمدّ من الزي الأوروبي مماثلا لباس ملوك وأباطرة الفرنجة المدعو "بالرودنڨوت" كما أنّه تحوّل عن لبس الملوسة إلى الشاشية التونسيّة ذات الكبيتة وانتعل الحذاء المغلق عوضا عن البشمق. وفي عهد المشير الأوّل أحمد باشا باي (1837 - 1855) دخل هذا اللباس البلاد التونسيّة وانتشر بها واتخذه الملك لباسا رسميا له وألبسه رجال حاشيته وقد لبسه من قبله عمّه حسين باشا الثاني (1824 - 1835) عن مضض وكذلك والده مصطفى باشا باي (1835 - 1837). ويتركّب هذا اللباس من:

  • سروال طويل يصل إلى الكعبتين يمتد من على جانبيه الأيمن والأيسر شريط يقرب سُمْكُه من ثلاثة سنتمترات ولونه أحمر.
  • الجمازة، تصل هذه البدلة إلى حدّ الركبتين تقريبا بأكمام طويلة تصل إلى الكوعين ورقبة مستقيمة، وتكون من قماش فاخر أسود اللون، ويوشّى صدر الجمازة وطرفي كمّيها ورقبتها بأسلاك الفضّة المموّهة بالذهب بشكل بديع يلفت النظر إلاّ أنّها تثقل كاهل العامل.

وقد كانت هذه الجمازة تعدّ وتطرّز بسوق السرّاجين بالحاضرة التونسيّة إلا أنّه إثْر سنوات قليلة من الاحتلال الفرنسي انتزع هذا التخصّص من أيدي مهرة الصناع التونسيين وصار هذا اللباس يستورد من فرنسا.

ويدعى هذا اللباس عرفا "الكسبات" وهي كلمة تركية اللفظ عربية الأصل ويعرف أيضا بكسوة المشير (Le Maréchal) كما يطلق عليها أهل تونس اسم القيافة الكبيرة يلبسها الملك في المواكب الرسميّة والأعياد الدينيّة.

ويبدو أنّ هذا الترتيب الدخيل ترك أهل البلاد بين قابل له ورافض. فمن الشقّ الأوّل نجد الشيخ محمد الثالث شيخ الاسلام الذي أشاد بهذا اللباس وأسماه نظاما فقال (وافر) :

نظامك أيها الملك الهمام
به للدين قد ظهر ابتسام.

أمّا الشقّ الرافض فقد تزعمه كبير أهل الشورى الشيخ إبراهيم الرياحي (1767 - 1850) الذي قال في قصيدة يخاطب به تلميذه الشيخ باش كاتب محمد الأصرم حين ألبسه مخدومه المشير أحمد باشا باي وسام الافتخار فاضطرّ هذا الوزير إلى تغيير لباسه التونسي الأصيل بلباس أهل الدولة مستنكرا عليه ذلك، يقول في مطلعه (طويل) :

بقلبي على زيّ الصليب قروح
فما حاله إن كنت فيه تلوح؟

يضع الملك على رأسه الشاشيّة الحمراء البهيّة التي قد يصل ارتفاعها إلى ثلاثين سنتمترا وتدعى "الشاشيّة الكالبوش" تتدلّى من وسطها "الكبيتة" وهي عبارة عن خصلات من الحرير الأسود تثبت في الشاشيّة وتتدلّى على الكتف. ومن شعار الملك في تونس وضع الخبشات بواجهة الشاشيّة وأصل هذه الخبشات أوسمة المشيريّة الثالثة التي أنعم بها سلاطين آل عثمان على ثلاثة من ملوك تونس وهم المشير الأوّل أحمد باشا باي (1837 - 1855) والمشير الثاني محمد باشا باي (1855 - 1859) والمشير الثالث محمد الصادق باشا باي (1859 - 1882) مع العلم أنّ الملك الصادق باي هو أوّل من جمع بين هذه الأوسمة الثلاثة وصارت منذ ذلك الحين عبارة عن تاج الملك.

لباس البايات

ويتّخذ الملك تتمة لزينته حلية تتألّف من نياشين وأوسمة يحلّي بها صدره وهي متعدّدة ومختلفة الأشكال منها نيشان الافتخار ونيشان العهد المرصّع ونيشان الدم. وهذا الأخير خاصّ بأمراء البيت الحسيني لا يشاركهم فيه غير قلة من ذوي الحظوة وأوّل من لبسه من غير آل البيت المالك الوزير مصطفى خزنه دار.

وإلى جانب كلّ ذلك يضع الملك "الفاشة" وهي عبارة عن شريط طويل من قماش معروف عندنا بالڨرماسود ويلبس فوق الكتف الأيمن متدلّيا نحو الخاصرة اليسرى. هذا وقد يضيف الملك حسب إرادته بعض الأوسمة الأجنبية الواردة عليه وقد استقر الأمر إثر انتصاب الحماية الفرنسيّة على البلاد التونسيّة سنة 1881 على أنّ يلبس الملك وسام الليجيون دونور الفرنسي. ويتمنطق الملك على جمازته بحزام من الفضة الخالصة المموّهة بالذهب يدعى المحزمة تتوسّط قفله حجارة ثمينة، أمّا نعله فحذاء الفرنيز الأسود. والعادة أن يمسك الملك سيفا يكون مقبضه مرصّعا بالنادر من الحجارة الكريمة وتجدر الاشارة إلى أنّ الملك محمد الحبيب باشا باي (1922 - 1929) أحدث لباسا جديدا يعرف بكسبات يوم الاثنين. ومن أوجه الاختلاف بين هذا اللباس المحدث والكسبات الأصلية اللون أنّ الكسبات الجديدة لونها أبيض ناصع البياض كما أنّها لا تشتمل على تطريز بأسلاك الفضة وتقتصر زينتها على شريطين قصيرين مطرزين يوضعان على الأكتاف.

لباس الأمراء[عدّل]

لا يختلف لباس أمراء البيت الحسيني المالك في شكله العام عن لباس الملك ويستوي في حمله وليّ العهد فمن دونه غير أنّ جمازته تكون خالية من التطريز وتقتصر التوشية فيه على الرقبة والكمّين، هذا إلى جانب الأزرار الذهبية.ويغطّي الأمراء رؤوسهم بالشاشيّة الحمراء ذات الكبيتة الحريريّة ويتمنطقون بالمحزمة المذهبة نفسها وتحلّي صدورهم النياشين التي أنعم الملك بها عليهم وأولها نيشان الدم وهو الوسام الذي يحمله كلّ واحد منهم استحقاقا كما يضعون الفاشة على الكتف الأيمن.

لباس الوزراء[عدّل]

لم يكن للوزراء لباس مميّز بحكم خطتهم زمن الدولة الحسينيّة إنّما يميّزهم اللباس العسكري. ذلك أنّ العادة اقتضت أنّ يحمل الوزراء ألقابا عسكريّة تكون تشريفيّة غير حقيقيّة وذلك منذ إحداث المشير الأوّل أحمد باشا باي جيشا نظاميا في البلاد التونسيّة سنة 1838. وقد صار الوزراء منذ ذلك التاريخ يحملون ألقابا عسكريّة مثل أمير لواء وأمير أمراء إلى غير ذلك من الألقاب التي يترتّب عليها حمل بدلة خاصة صارت من متعلقات الوزارة تجاوزا. ولا يختلف لباس الوزراء أو أصحاب الحيثيات العسكريّة كثيرا عن لباس الملك والأمراء، إلا من حيث طرق تطريزه إذ أنه، بعكس لباس الأمراء، تكون جمازة أمراء الألوية مطرزة الصدر بأسلاك الفضة المموهة، أمّا أمراء الأمراء فإن جمازتهم تكون مطرزة الصدر والظهر، كما أنّ هذه الكسبات تشتمل على ما يعرف بالكتافيات وهي إضافات توضع على الأكتاف وتثبت في الجمازة عن طريق زرّ مذهّب وتكون بها خصلات حريرية مذهّبة تزيد لابسها هيبة.

لباس الأعيان[عدّل]

المقصود بالأعيان هنا كبار التجار والفلاحين الذين كانوا يتميّزون في لباسهم عن بقية أهل المدينة، ذلك أنّ أفراد هذه الفئة الاجتماعيّة يشتركون مع العلماء في لبس ما يعرف بالمحصور الموصوف آنفا. كما يلبسون الجبة ذات الألوان والزينة المختلفة ويشترك أمناء الأسواق - وهم عادة كبار التجار - في لبس الجبة التي تحلّيها الأشمس الحريريّة غير أنّ الاختلاف يكون في عدد هذه الأشمس: فعلى حين تشتمل جبة العلماء والمدرّسين على أربعة أشمس من كلّ جانب من جوانب فتحة الرقبة يكتفي التجار بثلاثة أشمس من كلّ جانب. وتظهر علامات الاختلاف أيضا في اختيار لون العمامة المحيطة بالشاشيّة وقماشها، ففي حين يغلب البياض على لون العمامة عند أهل العلوم كما أسلفنا تكون عمامة كبار التجار والفلاحين صفراء فاقعة تسرّ الناظرين وقماشها من نسيج الحرير وتعرف في العرف التونسي ب"الكشطة المطروزة". ومن علامات الاختلاف بين التجار والفلاحين أنّ الصنف الثاني عادة ما يتميّز بإخراج الكبيتة السوداء الحريرّية خارج الكشطة المطروزة على حين يحافظ التجار على هذه الكبيتة تحت العمامة. بقي أنّ نشير إلى أنّ بعض الأعيان من سكان الحاضرة استنبطوا في الأزمنة المتأخرة عمامة تعرف ب"الكشطة الزبتّه" وهي عمامة تخلط في قماشها بين الخيط الأبيض العادي وخيوط الحرير تنسج بطريقة خاصة جدا يكون معها خيط الحرير مشكلا على حسب مربعات جميلة. وآخر من برع في صناعتها الشيخ الطاهر الڨماطي إمام الخمس بجامع صاحب الطابع.