سمير العيادي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سمير العيادي

[1947 - 2008م]

هو من مواليد المطوية سنة 1947. تلقى دراسته الثانوية بمعهد خزندار بالعاصمة. ومنه نال شهادة البكالوريا سنة 1966. التحق بكلية الآداب والعلوم الانسانية. ولم يكمل بها دراسته. انصرف إلى الكتابة الإبداعية قصة وشعرا ومسرحا ومقالة، محاولا البحث عن أشكال تجريبية جديدة تخرج عن مألوف القول والسائد من الخطاب منتميا إلى حركة الطليعة التي ظهرت بتونس بين 1968 و1972. وقد ضمت جماعة من كتّاب الشعر والقصة والمسرح والمقالة جمعت بينهم، رغم اختلاف المشارب والانتماء، الرغبة في الخروج عن السائد والإطاحة بما تقادم عهده وتحجّر وانتصب حائلا دون مواكبة العصر. التحق سمير العيادي بوزارة الثقافة منشّطا ثم مديرا لدار الثقافة ابن خلدون ثم مستشارا لوزير الثقافة سنة 1985. وعمل بالمسرح ممثّلا ومؤلفا ومخرجا. وانخرط في عدّة جمعيات واتّحادات فنية وأدبية. فكان عضوا مؤسّسا في جمعية السينمائيين التونسيين وعضوا في اتحاد المؤلفين المحترفين وفي نادي القصّة الذي كان من عناصره الناشطين وفي اتحاد الكتاب التونسيين. يتحدث سمير العيادي عن نفسه قائلا: "اسمي سمير العيادي أو العيادي بن خليفة بن سمير المطوي ولدت بالمطوية في ظلال واحة فيحاء مطلّة على خليج قابس بالجنوب الشرقي التونسي في 24 أفريل 1947. داهمتني محنة الكتابة مبكّرا منذ كنت تلميذا في معهد خزندار بتونس العاصمة حيث أنشأت نصوصا قصصية ومسرحية وشعرية. ومثّلت أدوارا على المسرح والشاشة الصغيرة والكبيرة. وجرّتني رياح الوقت إلى التنشيط الثقافي، فأنشأت المجلات والفرق المسرحيّة حتى كلّفت بالاشراف على مراكز ثقافية ومهرجانات دولية. وها أنا في سلك مستشاري الشؤون الثقافية، لكن يظلّ القلم على الورقة البيضاء ملاذي فيه نفسي ونبضي.."إنّ الناظر في سيرة هذا المبدع يلاحظ غزارة نشاطه الثقافي وتنوّع تآليفه الإبداعيّة: ويمكن تصنيف هذا النشاط إلى محاور: محور يتعلّق بفن المسرح تأليفا وتمثيلا وإخراجا ومحور بالابداع القصصي والشعري ومحور بالتنشيط الثقافي في مجالاته المتعدّدة.

سمير العيادي مسرحيّا[عدّل]

ولع سمير العيادي بالمسرح منذ شبابه تلميذا بمعهد خزندار. وعلى لسانه يتأكّد هذا الميل الجارف بقوله: "لا أعرف لماذا بدأت أكتب المسرح في بداية مراهقتي عندما كنّا فريقا من أولاد "فرنس فيل" نعمل في صلب ناد أسميناه نادي الخمسة لنتبادل الكتب ونتحاور في شأن الأفلام والمسرحيات التي نشاهدها ونعدّ في كلّ فصل سهرة مسرحية لفائدة أوليائنا وأصدقائنا.. ومنذ 1963 مثّلت واقتبست وألّفت، وأوّل مسرحية كتبتها وأخرجتها قام بأدائها الممثل غازي ساسي تحمل عنوان نقطة استفهام وهو العنوان الذي ظلّ يلاحقني إلى حدّ اليوم.. بعدها كتبت في الشبيبة المدرسية بعد أن نلت جائزة أحسن ممثل سنة 1965 ثم كتبت مسرحية سياسة في قرطاج لرضوان الكوني ثم البعد قدمناها بالفرنسية ثم نقلتها بالعربية لأقدّمها في إطار المسرح التجريبي... ثم عطشان يا صبايا وسندباد وأم كوراش في الحروب الصليبية وضاوية وفريدة والنار الباردة وبوبة وشيبوب وسهرة تحت السور وانطيقون والجازية الهلالية وقلب حمام من بطولة حليمة داود".

والواقع أنّ تجربته ازدادت ثراء وعمقا بانتمائه إلى الفرقة المسرحية بقفصة بوصفها فرقة تحمل مشروعا مسرحيا له جذور وآفاق. ولم تنقطع هذه المسيرة إذ انضمّ لاحقا إلى مسرح الشراع وعمل ممثلا مسرحيا على الخشبة. بل امتدّت تجربته إلى الحقل التلفزي. فكان له حضور متميّز في عدّة مسلسلات رمضانية على وجه الخصوص. وشارك في عدد كثير من المسلسلات والأفلام التونسية ممثّلا وكاتب سيناريو نذكر منها: (وغدا والخشخاش) وكتب سيناريو البرنس لحمادي عرافة،كما انفتحت تجربته على عدّة فرق مسرحية ومراكز فنون درامية. وعن أعماله المسرحية المنشورة والمشهورة يقول سمير العيادي: "كتبت للمسرح مجموعة كبيرة من الأعمال منها رأس الغول والجازية الهلالية وعطشان يا صبايا وعليسة وليلة في حلق الوادي وموندو وتحت السور وحلواني باب سويقة وأقتبست عشرات المسرحيات عن نصوص عالمية مثل الأم كوراج والخادمات وأنطيقون".

نشر سمير العيادي خمس مسرحيات هي[عدّل]

  • عطشان يا صبايا، الدار التونسية للنشر، تونس 1975
  • سندباد، دار ابن رشد، بيروت 1983
  • أم كوراج في الحروب الصليبية، عن بريشت، الدار التونسية للنشر، تونس 1991
  • يوم صحو في آخر شتاء من حياة صابرة، الدار التونسية للنشر، تونس 1991
  • عليسة، دار سحر للنشر، تونس 1997.

وله مسرحيات غير منشورة هي:

  • البعد، (1966)
  • الجازية الهلالية، (1974)
  • هذا فاوست آخر، (1976)
  • بوبة وتسيبوب، (1990)
  • سهرة تحت السور، (1992)
  • حلواني باب سويقة، 1993)

وقد جمع وحقّق (أنطولوجيا المسرح التونسي 2005). وله كتابات للتلفزة والسينما نذكر منها:

  • سيناريو وحوار "رسالة حبّ" شريط تلفزي إخراج حمادي عرافة
  • سيناريو وحوار "وغدا" شريط سينمائي إخراج إبراهيم باباي
  • حوار وتعليق "فاطمة 75" شريط سينمائي، إخراج سلمى بكّار
  • المشاركة في سيناريو وحوار "حبيبة مسيكة"، شريط سينمائي إخراج سلمى بكّار.

سمير العيادي قصاصا وشاعرا[عدّل]

صدرت لسمير العيادي في باب القصة أربع مجموعات قصصية هي:

  • صخب الصمت، مجموعة قصصية، الدار التونسية للنشر، تونس 1970
  • زمن الزخارف، مجموعة قصصية، الدار العربية للكتاب، تونس1976
  • كذلك يقتلون الأمل، مجموعة قصصية الدار التونسية للنشر، ط. 1، تونس 1985 وط. 2003 2
  • هدير العشق في الأسحار (حكاية السيد س)، على النفقة الخاصة، تونس، 2002
  • وله نصّ "معهدي يا خزندار" تونس 2002.

سمير العيادي مثّقفا[عدّل]

لسمير العيادي حضور ثقافي متميّز في المشهد الثقافي العام. ولا يمكن في هذا الصدد الفصل بين سمير العيادي المبدع في فنون الكتابة وسمير العيادي الوجه الثقافي الذي اضطلع بمسؤوليات متنوّعة أثبت من خلالها حماسته لكلّ مشروع ثقافي واعد بالعطاء والتغيير، فاتحا بما كان يحمله من توق المثقف إلى التجديد، سبل الاضافة وقبول المختلف. في نادي الخميس الذي أسّسه عندما عيّن منشطا بدار الثقافة ابن خلدون سعى إلى خلق حوارية فاعلة حول فكر الطليعة وأدبها وجعل من مجلة "ثقافة" التي بعثها رغم أفولها السريع منبرا ومرجعا من مراجع تطوّر الحركة الأدبية في تونس والتعريف بأعلامها الأفذاذ. وبالحماسة نفسها انخرط في مشروع نادي القصّة. فكان له الحضور المتميّز في جلسات النادي وفي مجلته "قصص". وفضلا عن هذا كلّه، أسهم سمير العيّادي بقلمه في تجويد الكتابة الأدبية الصحفية سواء بالعربية مما كان يبدعه بعنوان "من حكايات السيد سين" أو بالفرنسية التي أجادها وحذق أسرارها في مقالاته بالصفحات الثقافية لجريدة "لابراس". وقد واصل نشاطه الصحفي إلى آخر رمق في حياته ويشهد على ذلك إسهامه في جريدة الصحافة التونسية.

سمير العيادي فنانا شاملا[عدّل]

إنّ المطّلع على ما أسهم به سمير العيادي من تآليف في مختلف فنون القول وضروب التجسيد الركحي يدرك مدى ما يمتاز به هذا الفنان من تنوّع وشمولية. والغالب على كتاباته الأدبية والمسرحية النزعة إلى التجريب والتحديث والانتماء إلى التيارات الطليعية. ونلقى آثار هذه النزعة في ما كتبه من نصوص سردية وشعريّة ونقدية بوصفه أحد المؤسسين لحركة الطليعة. وقد كان من الكتّاب البارزين في هذه الحركة إذ أحصى له الطاهر الهمامي اثنين وأربعين نصاّ نشرت في المجلات والصحف التي فتحت صفحاتها لكتّاب الطليعة، ولمن نهج نهجهم، من قبيل مجلاّت: (قصص والفكر وثقافة)، ومثل صحف: (العمل الثقافي والمسيرة والأيام). ويغلب على هذه الكتابات اللون القصصي (12 قصة) يليه الشعر المتنوّع (9 قصائد). وله في باب غير العمودي والحرّ نصّان.

وله نصوص أخرى في المسرح والنقد والتنظير والخلق والإنشاء. ويمكن أن نعدّ مجموعته القصصية صخب الصمت المنشورة سنة 1970 ضمن سلسلة منشورات أدباء الطليعة ك "اللحمة الحيّة" لصالح القرمادي الصادرة عن دار سيراس للنشر و"المجزوم بلم" لمحمد الحبيب الزناّد عن دار الثقافة ابن خلدون و"ثورة صاحب الحمار" لعزالدين المدني عن الدار التونسية للنشر وكلّها منشورة في السنة نفسها أي (1970). إن تعلّق سمير العيادي بالتجريب لم ينقطع في سائر كتاباته اللاحقة. والناظر في مجاميعه القصصية زمن الزخارف وكذلك يقتلون الأمل وهدير العشق في الأسحار (حكاية السيد س) يلحظ الصلة بين الوجودي والانساني والعلاقة بين الذات والتاريخ والواقع، إذ فيها يبحث الانسان عمّا به يكون ذاتا واعية بشروط تحقّق فعلها في عالم محموم بالغموض، يبدو الأمل فيه مرتجى وتبدو الحرية فيه ممكنة، داخل وعي شقيّ بممكنات الذات وعوائق الواقع الموضوعي. وما مسرحية الجازية الهلالية التي ألّفها لمسرح الجنوب بقفصة وأخرجها محمد رجاء فرحات، فضلا عن نصوصه المسرحية المنشورة إلا مواصلة لهذا البحث في جوهر الانسان وفي ذاكرته الشعبية والتاريخية لتشكيل نماذج عليا يعالج فيها الواقع الحيّ بأنفاس ملحمية تأخذ من الدراما الكلاسيكية بطرف ومن الملحمية البرشتية بطرف ثان، بغية خلق مسرح شامل تتناغم فيه الفنون: مسرح يقوم على احتفالية النظرة والتجسيد وينصهر فيه الواقع بالتاريخ. بهذه العين يمكن النظر في مسرحيته عطشان يا صبايا التي شكّلت إحياء للحظة تاريخية هي الثلاثينات من القرن العشرين. وذلك بالكشف عن واقع الفنان المهمّش في واقع مسيّج بالتخلّف والجهل وهيمنة المستعمر، يلتحم به الفنّان ساعيا إلى النضال من أجل إرساء الحرية والعدالة.

وليس اللقاء بين علي الدوعاجي وبيرم التونسي بأبعاده التاريخية والمتخيّلة إلاّ لحظة واقعية حوّلها الكاتب إلى مجال كشف عن واقع أمّة تعاني المذلّة في رحلة باخرة، يركبها مسافرون عرب، بين ركابها بيرم التونسي وعلي الدوعاجي. وعلى هذا الركح يدور الكلام والغناء وننتشي بالأزجال والمواويل والرقص وتتداخل الأصوات وتتعدّد ويختلط الكوميدي بالتراجيدي وينبثق الملحمي أسلوب عرض وقوام رؤية تشدّ مشاهد العمل تقطيعا وتركيبا،نسجا وتبئيرا. بهذا جعل الكاتب شخصية بيرم محور الربط والاتّصال. وصيّر صفير الباخرة المكرور علامة انتقال الشخصية المحورية من منفى إلى منفى. وإنّ هذا ليترجمه قول المؤلف نفسه: "لم يكن همّي أثناء كتابة هذه المسرحية سرد حياة الفنان بيرم التونسي بقدر ما سعيت إلى تبيان الوضع الذي كان يحياه الفنّانون الذين سبقونا وهم يكافحون الجهل والتخلّف والظلم والاستعمار ويرفعون الرايات من أجل الكلمة الحرّة الشريفة" ويوضح أبعاد تلاقي الدوعاجي وبيرم بقوله "ومن خلال تلاقي هذين العملاقين في تاريخ الأدب العربي الحديث حاولت الكشف عن مشاغل نصف قرن من تاريخ الأمّة العربيّة.." وبهذا النسيج المتقن من الخبرة والمعرفة بفنّ المسرح تأليفا وتمثيلا تندرج مسرحية عليسة التي تنشد بناء علاقة حوارية بين الثقافات والشعوب وتجاوز الضغائن والأحقاد وتبرز في الوقت نفسه مكانة المرأة التونسية. فهي من هذه الناحية تدعو إلى التحابب والتعاون من خلال إعادة صياغة قصّة عليسة في علاقتها بالأمير إينياس: عليسة الملكة وهي تؤسّس مدينة قرطاج والأمير إينياس بعد مغادرته مدينة طروادة المهزومة. لقد عبّر سمير العيادي عن هذه الصياغة الجديدة اللّتي تبدو مستحيلة بقوله: "لئن بدا استحالة قيام علاقة بين إينياس وعليسة لأنّ مصير كلّ منهما يتمثّل في تأسيس مدينتين متناظرتين متحاربتين على الدوام عبر البحر الأبيض المتوسّط فإن معالجة جديدة لموضوع هذا اللقاء المستحيل (من خلال عمل مسرحي غنائي موسيقي كورغرافي) تجعلنا نتبيّن نظرة شعوب المتوسّط إلى بعضها وإلى خارطة الحضارة ومسارها ونتلمّس حتميّة إزالة غشاء قرون من الحروب لزرع مبادئ التعاون والتحابب". وحاصل القول: أنّ سيرة سمير العيادي الحياتية ومسيرته الثقافية والفنية والإبداعية لا يمكن أن نلمّ بها في هذه الأسطر فاكتفينا بالالماح إلى محاورها الأساسية، مستخلصين ما يتمتع به سمير العيادي من منزلة سامية وتقدير رفيع بفضل نشاطه الإبداعي المتنوّع. فهو بحقّ علم موسوعيّ من أعلام ثقافتنا المعاصرة. وقد منيت الثقافة التونسية خاصة، والعربية عامة، بوفاته يوم السبت الموافق ل 31 ماي 2008 بخسارة جسيمة في الأدب والفن. وفقد فيه من ألف عشرته واستأنس بلطيف صداقته رجلا جريئا ودودا ومشاكسا سمحا وفنانّا مختلفا، لا يطير إلاّ خارج السرب.