توزيع السكان الجغرافي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

يكون التوزيع الجغرافي للسكان غالبا وفق التقسيمات أو الوحدات الإدارية، غير أنه يمكن أيضا اعتماد توزيع السكّان حسب المناطق أو حسب المناطق الفرعيّة التي تُحدّد استنادا إلى مؤشّرات جغرافية أو اقتصادية أو اجتماعيّة. ويتأثّر توزيع السكّان بعدّة عوامل طبيعية كالتضاريس والمناخ وطبيعة التربية، كما يعبّر عن مخلّفات التاريخ في كل بلد. وتعدّ المناطق التي تتحقق فيها تنمية اقتصاديّة متطوّرة مركزا لاستقطاب السكّان.

ويعتمد قياس درجة الازدحام السكاني في بلد ما على معرفة الكثافة السكانية. وهي حاصل قسمة عدد السكّان على مساحة البلاد ويعبّر عادة عن هذا المؤشّر بعدد السكّان في الكم2.يمتاز توزيع السكّان في البلاد التونسيّة بتفاوت شديد بين المناطق التي يمكن تصنيفها إلى نوعين: مناطق كثيفة السكّان وأخرى ضعيفة الكثافة.

المناطق الكثيفة السكّان[عدّل]

عدد السكان بالمجموعات الحضرية الكبرى

تمتدّ المناطق الساحليّة على طول الشريط الرابط بين بنزرت شمالا وصفاقس في اتّجاه الجنوب الشرقي. وهو يغطي أكثر من نصف سكّان البلاد على مساحة لا تفوت 15% من المساحة الجملية: ويحتضن إقليم تونس (تونس، منوبة، أريانة، بن عروس23.1%) من مجموع السكان حسب ما بينه المسح الوطني للسكّان والسكنى لسنة 2009. وتبلغ أرفع كثافة سكانيّة في إقليم تونس العاصمة حيث تتجاوز 700 نسمة في الكم2.وقد بلغت نسبة التزايد في هذه المنطقة 1.2% في سنة 2009. وتمتدّ مناطق الشمال الغربي على ولايات سليانة والكاف وباجة وجندوبة التي تحوي11.7% من مجموع السكان على11% من المساحة الجملية.وتفوق الكثافة السكانية فيها المعدّل العام 67.0 نسمة في الكم2. لكنها دون كثافة المناطق الساحلية. وهي تتراوح بين 50 و140نسمة في الكم2. وتسجل أدنى نسبة التزايد (22،0%) حسب مسح 2009.

المناطق ضعيفة الكثافة[عدّل]

تعتبر منطقة الوسط الغربي ومنطقة الجنوب من المناطق الضعيفة الكثافة السكانية. ويمتدّ الوسط الغربي على ولايات القيروان والقصرين وسيدي بوزيد أي 18% من المساحة في حين لا تضمّ سوى 13.4% من السكان. وتتراوح الكثافة بين 53 و83 نسمة في الكم2. وبلغت نسبة النمو الديمغرافي في هذه المنطقة (0.79 %). أما منطقة الجنوب وهي منطقة صحراويّة شديدة الحرارة، فتحوي أكثر من نصف مساحة البلاد (55%) ولكن لا يعيش فيها إلا14.7% من إجمالي السكّان يتوزّعون على ولايات قفصة وتوزر وقبلي وقابس ومدنين وتطاوين. وتتراوح الكثافة السكانية في هذه المناطق بين 4 و50 نسمة الكم2 حسب الجهات. لكنها تسجل ارتفاعا في نواتين صغيرتين هما منطقة الواحات ومنطقة الجبل حيث ترتفع فيها الكثافة إلى أكثر من 50 نسمة في الكم2.

ويفيد المسح الوطني حول السكّان والسكني (2009) أن إقليم تونس والوسط الشرقي هما أكبر الجهات حجما إذ أن كلاّ منهما يعد أكثر من خمس سكان البلاد وتتميّزان بمعدل نمو ديمغرافي مرتفع مقارنة مع الجهات الأخرى وباستقطاب المهاجرين الوافدين من المناطق الأخرى إذ بلغ صافي الهجرة الداخلية بإقليم تونس 32.100 نسمة وبالوسط الشرقي 35.200 نسمة في ما بين سنتي (2004 - 2009). وتشير المعطيات الاحصائية إلى أن الشمال الغربي يسجّل على نحو مستمر تقلّصا في نسبة عدد السكّان من المجموع (13.4% سنة 1989 مقابل 14.0% سنة 1994 و15.9% سنة 1999 و12.2% سنة 2004 و11.7% سنة 2009) وقد سجّل في هذه الجهة أدنى معدل للتزايد السكاني (0.22%). ويفسّر ذلك بانخفاض في معدّل النموّ الطبيعي (في حدود 1%) وكذلك بعامل الهجرة الداخلية إذ فقدت هذه الجهة 20.100 نسمة خلال الفترة (2004 - 2009). أما بقية المناطق فقد سُجّل فيها شبه استقرار في نسبة حجم سكانها من مجموع سكان البلاد.

توزيع السكّان بين الريف والمدنية[عدّل]

تتحدد المدينة بخلاف القرية، باعتبارها تجمّعا لا تقوم فيه المناشط الفلاحية بدور أساس في الحياة الاقتصاديّة. ويسمّى سكّانها الحضر. ويطلق على سكّان القرية اسم الريفيين، إذ يختلف نمط حياتهم عن الحضر تبعا لاختلاف المناشط التي يتعاطونها. ففي تونس يعتبر سكّانا حضريّين مجموع سكّان المناطق البلدية. أما الذين يقطنون خارج الفضاء البلدي فهم "ريفيّين". وهناك فئة ثالثة هي البدو الرحّل الذين يعيشون منتقلين بحيواناتهم، إلا أن هذه الفئة تسير نحو الانقراض بحكم السياسة الرّامية إلى تثبيت السكان بربطهم بالأرض من ناحية وتمدينهم من ناحية أخرى.والملاحظ أنه من العسير تحديد عدد هؤلاء البدو الرحّل الذين غالبا ما يصنّفون ضمن سكان الريف. لم تنفك الحركة العمرانية منذ الاستقلال (1956) بالبلاد التونسيّة عن الاتساع فقد ارتفعت نسبة الحضريين على نحو ملحوظ إذ تحولت من 40% سنة 1966 إلى 65.9% سنة 2009، أي بزيادة سنوية 3.1% خلال هذه الفترة. ويرجع هذا النموّ الحضري السريع إلى التزايد الطبيعي للسكّان واتّساع حدود عدد من البلديات وإحداث بلديات جديدة وكذلك إلى تأثير النزوح. ويمتاز توزيع السكّان الحضر بالتفاوت الشديد بين المدن، إذ يعيش قرابة1،53% في المدن السبع المطلة على البحر:تونس (14.5%) ، صفاقس (8.6%) ، بنزرت (4.9%) نابل (7.2%) سوسة (7.0%) ، المنستير (7.3%) وقابس (3.6%). وتسجلّ نسبة التحضّر تفاوتا حسب الجهات، فتوجد أرفع مستوياتها حسب مسح 2009 في المناطق ذات الكثافة السكانيّة المرتفعة وذات النسب الحضريّة العالية وهي تشمل المناطق الساحلية: ولاية تونس وولاية المنستير بنسبة تحضّر تبلغ (100%) ولاية بن عروس (90.5%) وولاية أريانة (90.7%) وولاية سوسة (80.9%) وولاية منوبة (74.3%) وولاية نابل (66.3%) وولاية صفاقس (64.4%) وولاية بنزرت (61.6%). وتفيد إحصائيات مسح 2009 أن كلاًّ من ولايات قفصة (73.7%) وتوزر (70.3%) ومدنين (77.9%) وقابس (68.5 %) سجّلت نسب تحضّر تفوق المعدّل الوطني (65.9%) وتنخفض نسبة التحضر إلى مستويات ضعيفة جدا دون المعدل الوطني في سيدي بوزيد (25.4%) وجندوبة (27.9%) والقيروان (32.9%).

وبوجه عام يمتاز النظام الحضري التونسي عامّة بثلاث خاصيات:

1 - فمن ضمن تسع وعشرين بلديّة يفوق عدد سكّانها 50 ألف نسمة، نلاحظ خمس عشرة منها في السواحل.

2 - ضخامة العاصمة بالنسبة إلى المدن الأخرى فإقليم تونس (تونس، منوبة، أريانة، بن عروس) 23.1% من مجموع السكّان وحوالي 32.3% من السكّان الحضر.

3 - تكاثر السكّان العفوي حول أهم المدن التونسية خاصة العاصمة في مناطق تقلّ فيها بل تنعدم أحيانا مرافق الحياة الضرورية.

وقد استمرّ انخفاض نسبة السكّان في الريف لتصل إلى34.1% سنة 2009. أما معدل تزايد سكّان الريف السنوي فقد بلغ 0.72 % سنة 2009 فهو دون المعدّل الوطني (1.03%) في حين بلغ معدل تزايد الحضريين (1.19%).

ويعود هذا الوضع أساسا إلى النّزوح نحو المدن وخاصة العاصمة، إذ أصبحت بعض المناطق الريفية كالشمال الغربي والجنوب تسجل انخفاضا مطلقا في حجم سكانها في حين أخذت المناطق الريفية الأخرى في الجهات الشرقية تنمو بنسق بطيء وبنسبة دون معدل النموّ الطبيعي العامّ.

هجرة العمالة التونسية[عدّل]

إلى الخارج رغم المجهودات المبذولة في قطاعي الصناعة والصناعات التقليدية وقطاع الخدمات، فإن مشكل التشغيل لم تحلّ مقابل تزايد متفاقم لقوّة العمل القادرة على الانتاج. أضف إلى ذلك نقص الموارد الطبيعيّة الذي يعدّ عاملا لانعدام التوافق بين العرض والطلب في ميدان التشغيل، باعتبار أن تصنيع البلاد يواجه صعوبات تعوقه عن التطوّر السريع. ويبقى جزء مهمّ من الاستثمارات متّجها إلى القطاعات غير المنتجة مثل بناء المساكن الاجتماعية والمدارس، عوض استغلالها في الفلاحة والصناعة. وتنتج عن هذا الوضع نسبة تطوّر اقتصادي بطيئة نسبيّا. وهو ما يزيد في حدّة البطالة وتقلص مواطن الشغل. وأمام كل هذه العوامل وللتخفيف من حدّة البطالة، اختارت تونس أن تعرض فائض اليد العاملة لديها على أسواق الشغل الأجنبية. أما البلدان المهاجر إليها، فإنّها من جهتها تشكو نقصا في اليد العاملة الضروريّة لبناء اقتصادها من جديد خاصة إثر الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تهزّ أوروبا منذ سنة 1973 جعلت هجرة اليد العاملة التونسيّة نحو هذه البلدان غير ممكنة، إذ اتّخذت هذه البلدان إجراءات حمائيّة على الصّعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ويصعب الآن التكهّن بحدّة هذه الظاهرة في المستقبل، خاصة أنها تابعة للعلاقات الاجتماعية والسياسية التي تربط البلدان المهاجر منها بالبلدان المهاجر إليها. على أنّ دخول إسبانيا والبرتغال واليونان وبلدان أوروبا الشرقية إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية سيجعل تونس تواجه مشكلات اجتماعية واقتصادية، سواء على مستوى المبادلات التجارية أو هجرة اليد العاملة. فما هي انعكاسات انضمام هذه البلدان إلى الاتّحاد الأوروبي على اليد العاملة التونسيّة ؟

الوضع الحالي لهجرة اليد العاملة[عدّل]

نلاحظ وجود فترتين رئيستين في هجرة اليد العاملة التونسيّة: الأولى تزامنت مع استقلال تونس سنة 1956. وقد بدأت حركة الهجرة تصبح ذات شأن في الستينات حتى وإن غلب عليها الطابع الفوضوي. والأخرى بدأت بتوقيع اتّفاقيات لفائدة اليد العاملة مع بعض البلدان المهاجر إليها وتطبيقها. وتميّزت هذه الفترة بتركيز بعثات مكلّفة بانتداب اليد العاملة. أمّا اتّفاق التعاون المبرم في إطار المجموعة الاقتصادية الأوروبية، فقد اقتصر على المساواة في المعاملة بين العمّال التونسيين وعمال البلد الأوروبي حيث أطرت الاتفاقية المبرمة شروط العمل والتعيين والضمان الاجتماعي، مع رفض الفصول المتعلّقة بالانتداب وضمان الشغل وحريّة التنقّل داخل بلدان المجموعة. وتعتبر هجرة اليد العاملة التونسيّة غير القانونية وإدماجها في أسواق العمل الأجنبية، حلاّ وقتيا لمشكلات البطالة والنقص في مواطن الشغل.

تقديرات اليد العاملة التونسية بالخارج[عدّل]

الجالية التونسية بالخارج:

لا تهم المعطيات الرّسمية لديوان التونسيين بالخارج، إلا العمّال المهاجرين بطرقة قانونية. ولا تنسحب هذه المعطيات تقريبا إلا على نصف المهاجرين الفعليين. إنّ الاحصائيات التي قامت بها وزارة الشؤون الخارجية لليد العاملة التونسية بالخارج تعطينا فكرة عن أهميّة الهجرة في كل بلد من بلدان الاستقبال. وتقدّر الجالية التونسية بالخارج إلى غاية ديسمبر 2007 بحوالي 1.018.173 نسمة. وتستأثر البلدان الأوروبية بقرابة83.2% من مجموع التونسيّين المقيمين بالخارج يعيش أغلبهم بفرنسا التي تستقطب بمفردها (54.5%) من مجموع الجالية في العالم. أما البلدان العربية فهي تحتضن 142.655 من بينهم 68.8% يعيشون في بلدان المغرب العربي، كما ارتفع حجم الجالية بأمريكا إلى ما يقارب 26.180 فردا أي بنسبة 2.6% من مجموع الجالية التونسية. وتفيد إحصاءات ديوان التونسيين بالخارج أن الجالية النشيطة في فرنسا تعدّ 249.650 شخصا، أي نسبة 59.5% من مجموع الجالية النشيطة في الخارج وتعدّ في المغرب العربي 47.800 أي4،11%. وتأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة » 32.740 نشيطا أيّ 7.8% تليها إيطاليا ب 32.130 نشيطا أي بنسبة 7،7% من المجموع. وقد أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن التونسية، أن عدد العاطلين في الجالية التونسية بأوروبا يبلغ حوالي 123 ألف فرد، بنسبة 28% في فرنسا، 45% في بلجيكا في سنة 2004.

الهجرة التونسية نحو بلدان المجموعة الاقتصادية الأوروبيّة:

إن الانكماش الاقتصادي والمشكلات التي ظهرت منذ سنة (1973 انخفاض قيمة الدولار، أزمة النفط، التضخم المالي، البطالة في أوروبا)، أجبرت أهمّ البلدان المستقبلة للمهاجرين على وضع سياسة موحّدة تجاه الشغل واليد العاملة الأجنبية. وقد تركّزت خطوطها الكبرى على:

  • مراقبة دقيقة لحركة الهجرة.
  • تشديد الخناق على الهجرة المفرطة والخفية.
  • توقيف تشغيل اليد العاملة التي لا تنتمي إلى بلدان المجموعة وفي مختلف أسواق الشغل.
  • وضع إجراءات لتسهيل عودة العمّال إلى بلدانهم الأصلية.

وقد اتّخذت هذه القرارات دون استشارة البلدان العمل الأصلية. ومنذ شهر نوفمبر 1973 أغلقت ألمانيا باب الهجرة أمام اليد العاملة التونسيّة واتخذت فرنسا الاجراء نفسه في جويلية 1974 وأصبحت تستقبل أقلّ من 1000 عامل موسمي كل سنة. وهؤلاء العمّال يجبرون على إمضاء التزام بالعودة بعد انقضاء الفترة المنصوص عليها في العقد.

مداخيل الشغل[عدّل]

الواقع أن8.9% تقريبا من المداخيل الخارجية تأتي من الأرصدة التي يحوّلها عمالنا في الخارج إلى تونس. وأكثر من88.8% من هذه الأرصدة تأتي من عمالنا المهاجرين إلى أوروبا و57% في الجالية المقيمة في فرنسا. وقد بلغت المدّخرات من الأموال التي حوّلها التونسيّون المقيمون بالخارج 2009.9 مليون دينار سنة 2006 مقابل 1806.9مليون دينار في سنة 2005 و 711.8 سنة 1995 حسب إحصائيات البنك المركزي التونسي.

دور هجرة اليد العاملة التونسيّة في التنمية[عدّل]

يفضّل عدد لا يستهان به من العمال العائدين من الخارج الانتصاب لحسابهم الخاصّ، ببعث مشروع أو بالعمل في القطاع الفلاحي. وفي هذا الإطار وافقت وكالة النهوض بالصناعة ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية في الفترة 1988 - 2007 على بعث 10303 مشروعات اقتصادية لفائدة العمالة العائدة نهائيا إلى أرض الوطن. وذلك في نطاق الاجراءات القانونية المعتمدة منذ سنة1972 والقاضية بإعفاء المعدّات المستوردة التي يجلبها العمال العائدون من الخارج من الأداءات الجمركيّة. وقد بلغت جملة التمويلات المرصودة لهذه المشروعات 385.142 مليون دينار مكّنت من إحداث 43.912 موطن شغل موزّعة على ثلاثة قطاعات: الفلاحة (9.6%) والصناعة (26.2%) والخدمات (64.2%). وتجدر الاشارة إلى أن الهيكلة الديمغرافية والاجتماعية المهنية للجالية التونسية في المهجر قد طرأ عليها تغيير مهمّ خاصة منذ مطلع الثمانينات من القرن العشرين نتيجة عدّة عوامل منها التجمّع العائلي وتطوّر الولادات والزيجات بالخارج التي أسهمت في الترفيع من نسبة النساء و الشبان في تركيبة الجالية - وهو ما يقارب46 % من مجموع الجالية التونسية سنة 2005 - ومن ثمّة تنامي الأجيال الجديدة للهجرة الذين ارتفع عددهم من 104.834 سنة 1987 إلى 165.360 سنة 2005. وتقدر نسبة النمو السنوي ب2.6%، كما أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الحالي قد أدخل تغييرا على تصوّر المهاجرين لمسارهم وأهدافهم إذ أصبح معظمهم يفكّرون في الاستقرار ببلدان الاقامة الأوروبية بحكم مقتضيات شغلهم وتعليم أبنائهم وتعلّق هؤلاء بأنماط العيش وظروف الاقامة بالفضاءات السكنية والثقافية التي نشؤوا وترعرعوا فيها.وقد ظهرت فئات جديدة من الموظّفين والتجّار ورجال الأعمال ومن النخب العلمية المختلفة التي جاءت لتدعم ما حققته هجرة الجيل الأول من نتائج مهمّة في عدة مجالات كالاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة. وقد كشف المسح الذي قام به ديوان التونسيين بالخارج عن وجود ما يقارب 7700 تونسي من ذوي الكفايات العالية يقيمون في مختلف أرجاء العالم، يسهمون في المسيرة التنمويّة للبلاد، كما تشير الاحصائيات المتوفرة الصادرة عن مصالح وزارة الشؤون الخارجية إلى أن عدد الاطارات و رجال الأعمال و التجار بلغ 108.026 سنة 2007 أي بنسبة 10.6% من مجموع الجالية التونسية المقيمة بالخارج.

آفاق هجرة اليد العاملة التونسيّة[عدّل]

كان الهدف من هجرة اليد العاملة التونسية إيجاد حلّ مؤقّت، يمكّن من استيعاب جزء من العجز في ميدان التشغيل، إلاّ أن الأوضاع السيئة السائدة بأوروبا يجعلنا نستنتج بقاء حركة الهجرة إلى الخارج محدودة جدا طيلة المخطط الحادي عشر (2007 - 2011) ومن المحتمل أن يتواصل الوضع على ما هو عليه في المخطط الثاني عشر. (2010 - 2014) ومن هنا نتبيّن أن آفاق الهجرة إلى أوروبا ليست مناسبة خاصة بعد انضمام إسبانيا واليونان والبرتغال وبلدان شرق أوروبا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وهذا الوضع ستكون له انعكاسات سيئة على اليد العاملة التونسية في أوروبا رغم أنها لا تمثّل سوى 2% من مجموع الأجانب داخل المجموعة، كما أن هذا الوضع يهدّد بتخفيض جانب من المداخيل الخارجيّة التي تمثّل 83% من مجموع المداخيل من العملة الصعبة.

ومن جهة أخرى فإن ظروف العيش والعمل للعمّال التونسيين هي أيضا أضحت مهدّدة، باعتبار أن الأولوية تمنح إلى العمال المواطنين والمنتمين إلى بلدان المجموعة الاقتصادية الأوروبية، فيما يخص الحصول على شغل وضمان الشغل وحريّة التنقل داخل المجموعة والمساواة بينهم وبين المواطنين في ميدان التكوين المهني والضمان الاجتماعي وحقّ المرأة والأبناء في الشغل وإمكان التجمّع العائلي. وفعلا، لا تدلّ الأزمة الاجتماعية المستشرية بأروبا منذ سنة 1973 على أنها ظرفية. وإنما هي أزمة هيكلية بعيدة المدى، ستزيد بالضرورة في تضخيم عدد العمّال التونسيين العاطلين عن العمل بأوروبا ودفعهم إلى العودة إلى تونس مقابل مساعدة مالية أو دونها. ومن هنا يتجلّى خطر مشكلة التشغيل.

هذا وإن مشكلات التشغيل في تونس بدأت تبرز منذ سنة 1966. واعتبارا من ذلك التاريخ لم تحلّ. ذلك أن عدد العاطلين الذي كان في ذلك التاريخ 166.500 قد ارتفع إلى 490.300 سنة 2009. وهذا العدد من العاطلين يشمل نسبة كبيرة من الشبان بعضهم غادروا الأرض وبعضهم الآخر نزحوا إلى المدن وزادوا في تضخّم عدد العاطلين. هذا التنقل من الوسط الريفي إلى الوسط الحضري انجرّت عنه طبعا مشكلات أخرى. ولكن فيما يتعلّق بالتشغيل، تعتبر مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية أنه لا يمكن الاستجابة إلا لقرابة ثلثي الطلبات الإضافيّة للتشغيل. وهذا التفاوت بين العرض والطلب هو سبب الهجرة إلى الخارج.

الهجرة الدّاخلية[عدّل]

ظهرت في البلاد التونسية حركات هجرة داخلية وخارجية مكثّفة أثّرت في توزيع السكّان الجغرافي وبنيتهم الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية ونموّهم. وتعود هذه الحركات أساسا إلى أسباب اقتصاديّة واجتماعيّة إذ أن إمكانات التشغيل لا تضمن بما فيه الكفاية مواطن الشغل لكل الفئات التي تتقدّم إلى سوق الشغل سنويا والتي يقدّر عددها ب 41900 ألف نسمة، إضافة إلى عدد العاطلين الذين وصل عددهم سنة 2009 إلى 490300 عاطل عن العمل وتؤدّي هذه الوضعية إلى ارتفاع سنوي في عدد العاطلين وهو ما يدفعهم في الغالب إلى الهجرة والنزوح.

الهجرة الداخلية للسكّان[عدّل]

الهجرة الداخلية

لهذه الظاهرة وجهان: الأول النزوح الريفي والآخر الهجرة بين المدن إذ ينطلق النازحون من المناطق الداخلية الريفيّة نحو المناطق الساحليّة ولا سيما إقليم تونس. ذلك أن هذه المدن حظيت ومازالت بنسبة مهمة من التمويلات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية. وتعدّ العاصمة في هذا المجال قطبا جاذبا لا مثيل له. فهي تستقطب السكّان من أغلب جهات البلاد بنسب متفاوتة. أما أهم مراكز النزوح فهي ولايات الشمال الغربي والوسط الغربي.

ولقد بيّنت نتائج المسح سنة 2009 أن 1075.7 ألف نسمة غيّروا مقرّ إقامتهم بين سنتي 1999 - 2004 بنسبة تحرّك تقدّر ب10.3% من مجموع السكّان. وتجدر الاشارة إلى أن 17.1 ألف نسمة من هؤلاء قد أتوا من الخارج و 254.5 ألف نسمة قد هاجروا بين الولايات. وذلك بتغيير ولاية الإقامة في حين أن الأغلبية أي 762.9 ألف مواطن قد غيّروا مقرّ الإقامة داخل حدود الولاية الواحدة باعتبار التحركات في المنطقة أو المعتمدية نفسها. وتمثّل نسبة الهجرة بين الولايات 23.7% من جملة التحرّكات السكانية. وتبرز المقارنة بنتائج التعدادات السابقة أن التقلّص الملاحظ في معدّل الهجرة بين الولايات في الفترة 1975 و2009 سجّل تراجعا إذ بلغت نسبة الهجرة من جملة السكّان 0.49% سنة 2009. وتفيد المعطيات أن تزايد حجم المهاجرين بين الولايات أثّر في تطوّر الهجرة الداخلية حسب الجهات ولم يزل إقليم تونس يستقطب النصيب الأوفر من المهاجرين في حدود 58.5 ألف خلال الفترة (2004 - 2009) مقابل 45.9 ألف خلال الفترة 1994 - 1999 و47.8% ألف بين سنتي 1989 - 1994 في حين ارتفع استقطاب الوسط الشرقي من 18.6 ألف مهاجر في الفترة 1989 - 1994 إلى 32.5 ألف نسمة بين سنتي (1994 - 1999) و49.69 ألف مهاجر في الفترة (2004 - 2009) ويأتي معظمهم من أغلب الجهات الغربية للبلاد.

وتبرهن الحصيلة الهجرية الصافية على أنه إلى جانب القطب الجاذب المهيمن الذي يؤلفه إقليم تونس (تونس العاصمة وأريانة وبن عروس ومنوبة)، تدعمّت جاذبية الولايات الساحلية الشرقية خصوصا (صفاقس وسوسة والمهدية والمنستير). ولقد بلغت الهجرة الصافية نحو هذه الولايات بين سنتي 2004 - 2009 حوالي 49.6 ألف مهاجر أي 85% من جاذبية إقليم تونس.

وكل هذه النتائج تدل على أنّ الولايات الساحلية الشرقية في نمو مطرد وأن الاستثمارات التنموية في اتّجاه الصناعة والسياحة والخدمات والزراعة التي بذلت فيها منذ الاستقلال هي التي كانت وراء تحول هذه المناطق إلى أقطاب جاذبة للقوى العاملة. ولقد بيّنت الدراسات أنّ جلّ التحركات السكّانية تنطلق من المناطق الداخلية وخاصة من الوسط الغربي والشمال الغربي ذات نمط العيش الريفي الغالب نحو المناطق الساحلية الشرقية التي ترتفع فيها نسبة التحضر على نحو ملحوظ. وممّا لا ريب فيه أن النمو الاقتصادي المطرد لاقليم تونس والوسط الشرقي والركود الاقتصادي والمشكلات الاجتماعية التي تشكو منها المناطق الداخلية أسهمت في نمو حركة الهجرة من المناطق الداخلية نحو المناطق الساحلية وفي التحضر السريع للواجهات الساحلية ثم الهجرة الخارجية. أما فيما يتعلّق بأسباب الهجرة الداخلية بين الولايات فإن مرافقة العائلة أو أحد أفرادها (33.6%) هي السبب الأوّل. ويأتي العمل والبحث عن الشغل في المرتبة الثانية (25.9%) وتتعلّق الأسباب الأخرى للهجرة خاصة بالدّراسة (13.6%) والزواج (13.3%). وقد أنشأت هذه الحركة السكانية حزاما من الأحياء الفوضويّة يقطنها عدد ضخم من السكّان يتزايد بالنزوح المستمرّ. وتصنّف تونس ضمن الأقطار الشديدة التمركز بحكم كون العاصمة تعاني من مشكلة التضخّم الحضري. وتنجرّ عن الهجرة الداخلية بنوعيها الريفيّة والحضريّة انعكاسات سلبيّة منها اختلال توازن النموّ السكّاني نتيجة تهرّم سكّان الريف وافتقاره إلى القوى العاملة في حين تتفاهم مشكلات السّكن وترتفع نسبة البطالة في المدن الكبرى كتونس وصفاقس وسوسة التي تستقطب أعدادا كثيرة من المهاجرين.

تطوّر السكّان[عدّل]

بلغ عدد سكّان البلاد التونسية 10.420.400 نسمة سنة 2009. وقد كان حسب تعداد 28 أفريل 2004, 9.910.872 نسمة وبذلك تكون الزّيادة الحاصلة في العدد الجملي في الفترة الفاصلة بين التّعداد والمسح 509.528 أي بمعدّل نموّ سنوي يساوي1.01%. ومقارنة بنسبة النموّ في الفترة السابقة 1984 - 2004 يتبيّن أنها سجّلت انخفاضا من 1.7% إلى 1.01% يعود خاصة إلى انخفاض معدّل الولادات من 32.% سنة 1984 إلى 17.7.% سنة 2009. ويتواصل انخفاض معدّل الولادات واستقرار معدل الوفيات العامة، تراجع النموّ الطبيعي السنوي ليصل إلى 1.2% سنة 2009 مقابل استقرار نسبي 1.7% سنة1994، و3% سنة 1966. ويسجّل معدّل التّزايد السكاني استقرارا نسبيا في الخمس سنوات الأخيرة. وتجدر الاشارة إلى أن نسبة الذكور ما فتئت تتقلّص من 51.1% لسنة 1966 لتبلغ 50.8% سنة 1994 و50.1% سنة 2004 ثم 50.0% سنة 2006 والسنوات التي تليها.

النمو السكاني

ويعزى هذا التوجه المتواصل إلى تأثير تيارات الهجرة الخارجية التي تشمل بدرجة أولى الرجال وإلى التراجع المهمّ في نسبة وفيات الأطفال من البنات وإلى المستوى المرتفع لمؤمّل الحياة عند الاناث 76.5 سنة مقابل 72.5% بالنسبة إلى الذكور.وتجدر الاشارة أيضا إلى أن نسبة الذكور عند الولادة في تونس تتراوح بين 106 و 108 مواليد ذكور لكل 100 أنثى.

انخفاض ملحوظ في عدد الولادات ووفيات الأطفال[عدّل]

لقد سجّل العدد السنوي للولادات انخفاضا منذ أواخر الثمانينات ليصل سنة 2009 إلى 185 ألف ولادة بعد أن كان في حدود 200 ألف ولادة سنة 1994. فقد استقرّ عدد الولادات نسبيّا في السنوات 2000 و 2001 و 2002 ليعود إلى الارتفاع تدريجيا ويصل إلى 185.000 سنة 2009. والجدير بالملاحظة أن المعدّل الخام للمواليد اتّسم بالاستقرار النسبي في الخمس سنوات الأخيرة على الرغم من الارتفاع المتواصل لحجم النساء المتزوجات وهن اللاّتي في سن الانجاب (15 إلى 49 سنة) وقد بلغ سنة2009، 1.472.000 امرأة مقابل حوالي 1.372.000 امرأة سنة 2004. وعلى المستوى الجغرافي سجّل في كل ولايات البلاد دون استثناء انخفاض ملحوظ في العدد السنوي للولادات وإن كان هذا الانخفاض أوضح في جهات الوسط الغربي والجنوب التي حظيت بجهد إضافي وبرنامج خصوصي يتعلّق بخدمات تنظيم الأسرة في السنوات الأخيرة. وتفيد الاحصائيات أن معدّلات الوفيات سجّلت تقلّصا مهمّا وخاصة لدى الرّضع إذ انخفضت من 138.6.% سنة 1966 إلى 17.8.% سنة 2009, في حين سجّلت وفيات الأمهات تقلصا مهمّا وبلغت 35.5 حالة لكل 100 ألف مولود حي سنة 2009 عوضا عن 69 حالة لكل 100 ألف مولود حي سنة 1994. وقد انعكس هذا الانخفاض لمعدّل الولادات على المؤشر التأليفي للخصوبة.

انخفاض مهمّ في المؤشر التأليفي للخصوبة[عدّل]

يعتبر المؤشّر الكلّي للخصوبة أو معدل الأطفال للمرأة الواحدة من أهم المقاييس الدالة على مدى نجاح السياسة السكانية وبرنامج الصحّة الانجابية في المجتمع التونسي. ولقد سجلّ هذا المؤشر انخفاضا كبيرا بعد أن كان يبلغ 7.2 طفلا سنة 1966، إذ انخفض إلى 2.9 طفلا سنة 1994 ثم إلى 2.05 سنة 2009 متجاوزا بذلك التقديرات المرسومة لسنة 2001 وهي بلوغ المؤشر الكلي للخصوبة ب 2.41طفلا لكل امرأة. ومثلما هو شأن الولادات فإن مؤشّر الخصوبة انخفض في كل الولايات دون استثناء مع نسق أسرع في ولايات الوسط الغربي والجنوب نتيجة لبرامج الخصوصيّة التي شملت هذه الجهات. وتعتبر تونس من البلدان القليلة التي بادرت باتّخاذ إجراءات ذات تأثير مباشر في السّلوك الانجابي وقد أدّى البرنامج الوطني لتنظيم الأسرة إلى تطوّر نسبة التغطية باستعمال الوسائل المانعة للحمل على نحو واضح. وتجدر الإشارة إلى أن المعدّل الذي بلغته تونس حاليا في تقلص مؤشر الخصوبة يعدّ من أضعف المعدّلات في الوطن العربي والقارّة الافريقية بأكملها. وهو ما يجعل تونس في مرتبة متوسّطة مقارنة بالوضع السكاني السائد في أوروبا ذلك الذي يتميز بعدم تعويض الأجيال وأيضا مقارنة بمناطق أخرى مازالت في طور التجدد السريع للأجيال إذ أن معدّل تونس الاجمالي في حدود طفلين لكل امرأة. وإزاء هذا الوضع الديمغرافي طرأ تحوّل على السياسة السكّانية للبلاد التي تحافظ على المعدّل الاجمالي الحالي لتأمين تجدد الأجيال.

وقد سجّل مؤشّر التنمية البشرية الذي يعتمد ثلاثة مكونات أساسية هي العيش أطول فترة ممكنة وصحّة جيّدة واكتساب العلوم والمعرفة والحصول على الموارد الضروريّة للعيش في أحسن الظروف، ارتفاعا مهمّا بالتوازي مع تقلّص مستوى الخصوبة. وتبرز المقارنة بين نسبة التطوّر لمؤشّر التنمية البشرية ونسب الانخفاض في مؤشّر الخصوبة الكلّي (عدد الأطفال لكل امرأة) على المستوى الوطني، أن نسق الانخفاض لمؤشّر الخصوبة الكلّي كان أسرع من نسق التطوّر لمؤشّر التنمية البشرية. وهو ما يؤكّد أن برنامج تنظيم الأسرة مع توفير الخدمات التثقيفية والطبيّة وتقريبها من الأسرة هو أحد العوامل المهمّة التي أدّت إلى تقلّص مستويات الخصوبة. وإنّ توفير كلّ مقوّمات التنمية الاجتماعية والاقتصادية وخاصة منها تعميم التعليم وتحسين التغطية الصحيّة وتحقيق النماء والرّفاه الاجتماعي للفرد تفرض عليه تعميق الوعي إزاء الانجاب وانعكاساته على مستوى عيش المواطن. وللدّلالة على النقلة النوعيّة في وضع المرأة بالبلاد التونسيّة يكفي أن نشير إلى أن عدد النساء صاحبات الأعمال تجاوز الثمانية عشر ألف امرأة، أغلبهنّ في القطاع الصناعي، كما أن نسبة النساء في مجلس النواب تطوّر من 4.2% سنة 1989 إلى 22.7% سنة 2009، وفي المجالس البلدية من 13.6% سنة 1990 إلى 22.6% سنة 2009 وفي سلك القضاء بلغت نسبة النساء 28% سنة 2009 مقابل 10.5% سنة 1984، كما أن حضور المرأة بمجلس المستشارين يقدّر ب 19% سنة 2009 وقد مثل الحضور النسائي 20 % في أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، كما أن حضور المرأة في السلك الدبلوماسي قد تدعّم ليبلغ 20% سنة 2009 مقابل 9% سنة 1993. هذا إلى جانب وجود المرأة الدائم في الحكومة حيث تمثل 15% من أعضاء الحكومة. ونتيجة لتطوّر أوضاع المرأة برز واقع جديد داخل الأسرة والمجتمع له الأثر الكبير في تحديد مستويات الخصوبة. وقد انطلقت في قطاع الصحّة منذ بضع سنوات إصلاحات مهمّة تتعلّق خاصّة بطرق تسيير القطاع وتنظيمه وتمويله وإنجاز جملة من البرامج والمشروعات تهدف إلى تحسين التغطية الصحيّة وتقريب الخدمات من المواطن بتعزيز البنية الصحيّة والاستشفائيّة وتنمية الموارد البشريّة. فقد ارتفع عدد مراكز الصحّة الأساسيّة من 1516 سنة 1992 إلى 2085 مركزا سنة 2008 أي ما يعادل مركزا صحيّا لكل 5448 مواطنا سنة 1992 مقابل مركز لكل 5000 مواطن سنة 2009. إنّ تطوّر المناشط الخاصة بصحّة الأم والطفل ودعم العيادات المختصّة وإدماج خدمات التنظيم العائلي ضمن المناشط أسهم في التخفيض من معدّل وفيات الأطفال إلى 17.8.% سنة 2009 مقابل 37.3.% سنة 1990. ولاتزال التوجهّات تعمل على مواصلة تعزيز التغطية الصحيّة الضروريّة خاصة على مستوى المناطق الداخليّة والجهات ذات الطابع الريفي. وذلك لتعزيز القدرات الوقائيّة الحالية وتحسينها ومقاومة الأسباب الكامنة وراء وفيات النساء والأطفال.

تطوّر حجم السكّان في الفترة (2009 - 2039)[عدّل]

بناء على ما أفرزته المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد التونسيّة على الصّعيد الديمغرافي من استنتاجات، اعتمدت تقديرات النموّ الديمغرافي على المدى المتوسّط والبعيد أربع فرضيات رئيسة لتطوّر الخصوبة إلى أفق سنة 2039. وذلك انطلاقا من نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل سنة 2009. وتقتضي الفرضية الأولى - وهي فرضية استقرار الخصوبة- أن تبقى الخصوبة طيلة فترة الاسقاطات في مستواها الحالي الذي سجّل سنة 2009 أي 2.05 والفرضية الثانية وهي الفرضية القصوى حيث يفترض أنّ يتطوّر المؤشّر التأليفي للخصوبة بنسق بطيء جدّا ليصل إلى مستوى 2.1 سنة 2029 ويستقرّ في هذا المستوى حتّى سنة 2039.

أما الفرضية الوسطى فهي أن ينخفض مستوى الخصوبة إلى 2.01 في سنة 2029 ثمّ يبقى مستقرّا في هذا المستوى إلى أفق 2039. وأخيرا الفرضية الدنيا التي يفترض حسبها أن ينخفض مستوى الخصوبة ليصل إلى 1.90 في سنة 2029 ويستقرّ في هذا المستوى إلى سنة 2039.

ونظرا إلى أنّ تونس قد بلغت منذ سنة 1999 مستوى الخصوبة الذي يمكّن من تجدّد الأجيال (2.1) وإلى أن مؤشّر الخصوبة كما يستقرّ في السنوات الأخيرة (2.05 سنة 2009)، فإنّه يتبيّن أنّ جلّ المؤشّرات الاجتماعية والاقتصادية (التحضّر،التعليم، متوسّط عمر الزواج عند الفتاة، تشغيل المرأة، تكلفة تربية الطفل، الفوارق في مستوى الخصوبة بين الجهات،).التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتطوّر مستوى الخصوبة، توحي بأنّ مستوى الخصوبة في تونس قد يواصل انخفاضه و لكن بنسق بطيء جدّا، مقارنة بسنوات التسعينات وقد يواصل شبه استقراره في مستواه الحالي.

فيما يخصّ الوفيات قد استندت التقديرات إلى فرضيّة واحدة تخصّ وفيات الرضع وأمل الحياة عند الولادة وباعتبار التطوّر الاجتماعي والاقتصادي المرتقب للسكّان وتحسين ظروف عيشهم يفترض أن تنخفض نسبة وفيات الرضع إلى مستوى 16.0 وفاة لكلّ ألف ولادة سنة 2014 ثمّ يتواصل انخفاضها بنسق بطيء لتبلغ مستوى 10 وفيات لكلّ ألف ولادة في أفق سنة 2039 وباعتبار فرضيّة الانخفاض في نسبة وفيات الرضع ينتظر أن يتطوّر أمل الحياة عند الولادة من 74.4 عاما سنة 2009 ليبلغ 75.2 عاما سنة 2014 ثمّ 77.6 عاما سنة 2039. أمّا فيما يتعلق بالهجرة الخارجيّة فكانت الفرضية أن مستوى صافي الهجرة السلبي سيستقرّ في حدود 10.000 شخص طوال فترة الاسقاطات أي إلى أفق سنة 2039. ذلك استنادا إلى نتائج التعداد العام للسكّان والسكنى لسنة 2004 والمسوح الوطنية حول السكان والتشغيل التي تُظهر أنّ تيّارات الهجرة الخارجيّة التي سجّلت في العشرية الماضية أرقاما مهمّة نسبيّا من ناحية العدد وأنّ صافي الهجرة كان دائما سلبا ومن ثمّة ليس هناك ما يدّل على أن حجم الهجرة الخارجية سينخفض في السنوات القادمة لاسيّما في الخماسية الأولى 2009 - 2014. ويقدر عدد السكان قي تونس في منتصف سنة 2009 حوالي 10434 ألف ساكن. ومن المنتظر أن يتجاوز عتبة 11 مليون ساكن حسب جميع الفرضيات مع نهاية الخماسية القادمة أي في سنة 2014. وانطلاقا من هذه السنة المشار إليها يبرز التفاوت في نتائج الاسقاطات حسب الفرضيات. فسيتجاوز عدد السكان حسب الفرضية الوسطى بالنظر إلى المعطيات السنوية للاسقاطات عتبة 12 مليون ساكن في سنة 2023 على أن يصل إلى 13 مليون ساكن في سنة 2039 شأنه شأن بقية الفرضيات ما عدا الفرضية الدنيا. أما الوفيات، فتبيّن التوقعات أن حجمها سيسجّل ارتفاعا طيلة فترة الاسقاطات ويكون نسق الارتفاع تصاعديا إلى أن يبلغ 118 ألف وفاة في سنة 2039. وسيكون لهذه التغيّرات بالغ الأثر في التوزيع السكاني حسب فئات السنّ.

إن التغير الأهم الذي سيطرأ على الهيكلة العمرية للسكّان يخص في مرحلة أولى الفئة العمرية "60 سنة فما فوق" التي سيتضاعف عددها مرّتين ونصفا في العقود الثلاثة القادمة ليصل إلى أكثر من 2.6 مليون نسمة وبنسبة تقارب خمس سكان البلاد في أفق فترة 2039 حسب الفرضية الوسطى، في حين يتعلّق هذا التغير في مرحلة ثانية بالفئة العمرية "أقل من 5 سنوات" التي ستتقلّص ابتداء من سنة 2019 لتبلغ 6.4% سنة 2034. وأخيرا ستتقلّص نسبة الأطفال من الفئة العمرية "5 - 19 سنة" بداية من سنة 2029 لتبلغ 12.9% سنة 2039. لذا يقتضي الأمر أكثر من أي وقت مضى تطوير السياسة الديموغرافية وإدراجها ضمن الاستراتيجية التنموية مع ضمان ترابطها بالبرامج المحلية والجهوية والقطاعية.

التشغيل والخصائص الاقتصادية للسكّان[عدّل]

السكّان الناشطون[عدّل]

حسب مفاهيم المكتب الدولي للعمل التي يعتمدها المعهد الوطني للاحصاء بداية من سنة 2005، يعتبر ناشطا كل من اشتغل خلال الأسبوع السابق ليوم الاستجواب أو من كان عاطلا عن العمل. إنّ لهذه الفئة من السكّان دورا حاسما في تطوير اقتصاد البلاد لاسهامها في تطوير الانتاج في القطاعات الثلاثة وخاصة قطاع الفلاحة والصيد البحري الذي يستأثر بنصيب وافر من القوى العاملة. ويتعيّن على هذه الفئة من السكّان إعالة بقيّة الفئات من غير العاملين وهي تتكوّن من الأحداث دون 15 سنة. وإن نسبة السكّان غير العاملين إلى القوى العاملة تُؤلف معدّل الاعالة الاقتصادية. وقد تطوّر هذا المؤشر منذ الاستقلال ليصل إلى40% سنة 1999 ثم 44% سنة 2009 مقابل نصف السكّان سنة 1966. وقد أفرز المسح الوطني حول السكّان والتشغيل لسنة 2009 أن عدد السكّان الناشطين بلغ 3.689.200 نسمة مقابل 3.328.600 نسمة سنة 2004 أي بزيادة سنوية قدرها 2.07% في هذه الفترة (2004 - 2009) في حين تقدّر نسبة النمو الديمغرافي ب1.45% في الفترة نفسها. ويتوزّع السكان الناشطون حسب الجنس إلى 2.659.200 ألف رجل و994.1 ألف امرأة. ومقارنة بنتائج تعداد 2004 فإن معدل الزيادة السنويّة في حجم الناشطين بلغ 1.7% للذكور و2.4% للاناث.

وتعود هذه الزيادة المهمّة في عدد الناشطات إلى أنه منذ تعداد 1975 أمكن تحديد الشغل النسائي وإحصاؤه على نحو أدق، خاصة في القطاع الفلاحي حيث إنّ المرأة التي تهتم بضيعتها تعتبر مشتغلة. ففي عام 2004 كشف الاحصاء عن 113.765 امرأة مشتغلة في الفلاحة في حين لم يتجاوز عددهن 18.000 مشتغلة سنة 1966 و70.000 مشتغلة سنة 1975 و 95.800 مشتغلة في تعداد 1986. ويمكن تفسير ذلك بأن عددا مهمّا من النساء الريفيات لا يصرّحن بالشغل. وهناك ما يقارب امرأة على أربع نساء تشتغل فعلا. وتشير النتائج إلى أن92% من الناشطين ينتمون إلى الفئة العمريّة (20 - 59 سنة) و5،4% بين 15 - 19 سنة و3.5% يساوي أو يفوق عمرهم 60 سنة. ومقارنة بإحصائيات مسح 2005, فإن عدد الناشطين ازداد بنسبة سنويّة تقدر ب3.04% للفئة العمرية (20 - 59 سنة) ونقص بنسبة 2،2% للفئة 60 سنة فما فوق في حين تقلّص عدد الناشطين البالغين من العمر بين 15 و17سنة بنسبة سنويّة 5.4%. وتفيد الأرقام أن نسبة النشاط لدى الذكور في تقلص مستمرّ في حين يسجّل ارتفاعا في نسبة النشاط عند الإناث.

ويمكن تفسير هذا النموّ لدى المرأة أن وضعها قد تطوّر من الناحية الاجتماعيّة والتشريعيّة. وهو ما ساعدها على دخول سوق الشغل والاسهام في البناء الاقتصادي. فقد أصبحت النساء تؤلّفن نسبة مهمّة جدّا من المشتغلين في ميداني التعليم والصحة (تقريبا ثلث السكان الناشطين). وفي قطاع الصناعات التحويلية خاصة النسيج حيث يفوق عددهن عدد الرجال (130.000 امرأة مقابل 42.100 رجل في تعداد 1994).

السكان المشتغلون[عدّل]

في الفترة (2004 - 2009) ازداد عدد المشتغلين بما قدره 344.200 مشتغل أي إن الاحداثات السنوية للشغل كانت في حدود 68.800 موطن شغل مقابل 53.400 موطن شغل في الفترة الفاصلة بين تعدادي سنتي 1984 و1994 و52.200 موطن شغل في الفترة 1994 - 2004. وأفرزت النتائج الخاصة بتوزيع المشتغلين حسب قطاع النشاط الاقتصادي زيادة مهمّة في عدد المشتغلين في قطاعات الفلاحة والبناء والأشغال العامة والخدمات مقارنة بإحصائيات تعداد سنة 2004. ويتّضح من ذلك أن القطاع الفلاحي والصيد البحري لا يحتضن النشاط الأساس إذ يشغّل 18.2% من اليد العاملة ويأتي في الدرجة الثانية بعد قطاع الخدمات (3,31 %) الذي يشمل التجارة والنقل والمواصلات ومختلف الخدمات التي تقدم إلى الأفراد والمؤسسات، كما بلغت نسبة المشتغلين في الصناعات المعملية 17.8%. ويشكّل قطاعات التربية والصحة والخدمات الادارية 4،18% في حين يستقطب قطاع البناء والأشغال العامة 13.0% من مجموع المشتغلين. وتكون بذلك هذه النسب في شبه استقرار مقارنة بنتائج التعداد 2004 مع تراجع قطاع الفلاحة لصالح قطاع الصناعة. ومهما كان التصنيف فإن النموّ الاقتصادي مكّن القطاعين الثاني والثالث أي الصناعة والخدمات من تسجيل تقدّم سريع من حيث ارتفاع نسبتهما من جملة الناشطين. وهو ما يعكس التطوّر الذي تحقّق في البلاد على صعيد البنى الاقتصادية والاجتماعية والمهنية في العقود الثلاثة الأخيرة.

إن التغيرات التي تحدث ضمن الهياكل الاجتماعية المهنية تثبت التطور الاقتصادي والاجتماعي الطارئ كازدهار القطاع الصناعي والخدمات السياحية والحركات السكانية الداخلية والتحضر. وتؤكد معطيات المسح الوطني للسكّان والتشغيل لسنة 2009 أن المستوى التعليمي للقوى العاملة قد تحسّن تحسنا ملحوظا منذ 1994 إذ أن نسبة المشتغلين من مستوى التعليم الثانوي والعالي من المجموع قد ارتفع في الفترة نفسها من 36% إلى 52.9% في حين تقلّصت نسبة القوى العاملة من الأميين وخرّيجي الابتدائي من 64.0% إلى 47.1% بين سنتي 1994 و2009.

البطالة[عدّل]

اعتمدت إحصائيات 2009 تعريف المفاهيم التي حدّدها مكتب العمل الدولي منها أنه يُعتبر عاطلا عن العمل كل من لم يشتغل في الأسبوع السابق ليوم الاستجواب أو من كان يبحث عن شغل في الأسبوعين المواليين ليوم الاستجواب، كما يقتضي أن يكون البحث عن شغل فعليا. وهذا المفهوم أدرج بداية من سنة 2009 في حين كان يختصّ التعريف التونسي بالاقتصار على الناشطين من الفئة العمريّة (18 - 59 سنة). وقد كان التطوّر الحاصل في بعث مواطن الشغل أن استقرّت نسبة البطالة فيما بين 1989 و1999 في حدود 15 و16% علما بأن هذا التحكّم حصل في فترة دخل فيها الاقتصاد الوطني مرحلة إعادة هيكلة واسعة النطاق وأن سنة 1994 تميّزت بانعكاسات حالة الجفاف على القطاع الفلاحي وعلى الاقتصاد الوطني بأكمله، في حين ازداد حجم البطالة ب 69 ألف عاطل عن الشغل وخلال الفترة (1994 - 1999) أي ما يناهز 7،13 ألف سنويا. ويقدّر عدد العاطلين عن العمل من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق في منتصف ماي 2009 ب 490.3 ألف حسب هذه المنهجية الجديدة.وتكون بذلك نسبة البطالة 13.3% قد سجلت ارتفاعا مهمّا مقارنة بالسنوات الأربع الأخيرة. وقد كانت نسب البطالة مرتفعة في صفوف الشبّان دون 30 سنة. فقد تراوحت هذه النسب من 11.5% لدى الفئة العمريّة (15 - 19) و26.5% بالنسبة إلى الشريحة العمرية (20 - 24 سنة) و4،33% للفئة العمرية (25 - 29 سنة)، كما أبرز المسح حول السكاّن السكني لسنة 2009 أن طالبي الشغل لأول مرة بلغ7،44% من مجموع العاطلين عن العمل ويوزع طالبو الشغل لأول مرة إلى 107.8 ألف رجل و112.0 وامرأة مع الاشارة إلى أن نسبة طالبي الشغل لأول مرة من الرجال العاطلين عن العمل في حدود 35.5% في حين تناهز هذه النسبة 60% لدى النساء. وذلك لارتفاع نسبة الفتيات في مختلف مستويات التعليم وخرّيجيه. وعلاوة على ذلك تفيد النتائج أن 4.8% من مجموع العاطلين هم أميّون 27% لهم مستوى ابتدائي و39.7% حصلوا على تكوين في المعاهد الثانوية، في حين تقدر نسبة العاطلين من مستوى التعليم العالي 28.5% ومقارنة بنتائج تعداد 2004 سجّلت هيكلة البطالة تحسنا ملحوظا. فارتفعت نسب البطالة من مستوى التعليم الثانوي أو العالي في حين انخفضت معدّلات البطالة في صفوف الأميين والذين لهم مستوى ابتدائي.

تطوّر التركيبة العمريّة للسكان[عدّل]

لقد حدثت بالبلاد التونسية تحولات ديمغرافية مهمّة في العقود الأخيرة أدّت إلى انخفاض مهمّ في معدل النموّ السكاني وإلى تغيير شديد في الهيكل العمري للسكان حُدّد أساسا في انخفاض مطرد في نسبة الأطفال دون تحسن سنوات دون 15 سنة مقابل تزايد ملموس في نسبة السكّان في سنّ الشغل (15 - 59 سنة) ونسبة المسنين (60 سنة فما فوق). وذلك بسبب تأثير انخفاض شديد في معدل الخصوبة إلى جانب التقلّص المستمرّ في معدّل الوفيات.ويعزى الانخفاض الشديد لمعدّلات الانجاب والخصوبة في السنوات الماضية إلى تحسن مستوى التعليم وتأخير سن الزواج وإلى برنامج التنظيم العائلي والجدير بالملاحظة أنه لوحظ في الخماسية الأخيرة أن نسبة الأطفال دون الخامسة في استقرار وفي حدود 8.0% من مجموع السكان. ويعزى هذا الاستقرار إلى الزيادة المهمة في عدد النساء اللاتي في سن الانجاب ومن ثمّة في عدد الولادات من سنة إلى أخرى بقرابة 3000 ولادة بالرغم من نسبة استقرار المؤشر التأليفي للخصوبة بين 2.02% و2.04% طفل لكل امرأة في سنّ الانجاب، كما يُعزى هذا إلى الزيادة في عدد الزيجات من سنة إلى أخرى ليبلغ 78748 سنة 2008 مقابل 63676 سنة 2003، ويتواصل من ناحية أخرى انخفاض نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة. وتفيد نتائج المسح الأخير لسنة 2009 أن نسبة الأطفال دون الخامسة من العمر (0 - 4 سنوات) في تقلص ملحوظ متواصل مع استقرار في السنوات الأخيرة التى انخفضت فيها من 18.6% سنة 1966 إلى 14.6% سنة 1984 و9% سنة 1999 لتصل إلى 8% سنة 2009، كما تراجعت بأقل قوة نسبة الفئة العمرية (5 - 14 سنة) إذ انتقلت نسبتها من مجموع السكان من 27.9% سنة 1966 إلى25.1% سنة 1984 إلى 21.9% سنة 1999 لتصل إلى 15.9% سنة 2009 وفي المقابل تزايدت على نحو مستمرّ نسبة السكان الذين عمرهم 60 سنة فما فوق إذ بلغت 9.8% سنة 2009 عوضا عن 6.7% سنة 1984 5،5% سنة 1966. أما الفئة العمرية 15 - 59 سنة - وهي التي تؤلّف فئة السكان النشيطين - فإنها ما فتئت تتطور لتبلغ 66.3 % سنة 2009 عوضا عن 60.1 % سنة 1999 و56.9% سنة 1984 و48% سنة 1966. ويبرز هذا التغيير في التركيبة العمريّة في التهرّم الطفيف الملاحظ عبر تحوّل العمر الوسيط للسكّان من 3،17 سنة عام 1966 إلى 4،25 سنة 2004. ويجد التغيّر الحاصل في التركيبة العمرية تفسيره في الانخفاض النسبي للولادات وخاصة في ارتفاع أمل الحياة بتراجع الوفيات، إلا أنه بالرغم من هذه التحوّلات المسجّلة في التركيبة العمريّة للسكّان على مرّ السنين سواء على مستوى أعلى الهرم السكاني أو على مستوى قاعدته ووسطه، فإن المجتمع التونسي مازال يتّسم بخاصية الفتوّة التي يتميّز بها سكان البلاد حتى الان. وذلك بالنسبة إلى الرجال والنساء على حدّ السواء، إذ لا تتعدّى أعمار حوالي 24% من السكان خمسة عشر عاما سنة 2009 بعد أن كانت 44 % سنة 1975 أي بانخفاض بلغ 20 نقطة بالنسبة إلى الفتيات والفتيان. ويتجلى ذلك أيضا في تطوّر متوسّط العمر والعمر الوسيط أي العمر الذي يكون 50% من السكان دونه طيلة ثلاثين سنة. وتفيد نتائج المسح لسنة 2009 أن نسبة العزّاب بلغت 41.8% من السكان الذين يساوي أو يفوق عمرهم خمس عشرة سنة في حين بلغت نسبة المتزوجين 52.6% من الفئة العمريّة نفسها على حين تقدّر نسبة الأرامل ب 4.5% إلا أن هذه النسبة تصل إلى 7.6% من النساء في حين تبقى في حدود 1.4% فقط من الرجال. وبلغت نسبة العزوبة 5،46% من الذكور و3،37% من البنات مسجّلة بذلك خلال الفترة 2004 - 2009 شبه استقرار بالنسبة إلى الذكور وتراجعا بنسق ضعيف بالنسبة إلى الاناث.

ظاهرة جديدة تترسّخ بين النساء والرجال[عدّل]

تأخّر سنّ الزواج[عدّل]

يبقى تأخّر سنّ الزواج من أهمّ محدّدات انخفاض الخصوبة. وقد بلغ متوسّط عمر الرجل عند الزواج حوالي 32 سنة ولدى المرأة 26 سنة في عام 2009 على حين كان لا يتجاوز 19 سنة عند الاستقلال (1956).

تطوّر معدّل العمر عند الزواج (1966 - 2009)[عدّل]

أما نسبة العزوبة فقد تطوّرت لدى الجنسين، إذ بلغت لدى الرجال من الفئة العمرية 30 - 34 سنة أكثر من 50% مقابل 16.2% فقط سنة 1966, كما تفيد المعطيات الاحصائية أن جميع النساء اللاتي ينتمين إلى هذه الفئة العمرية سنة 1966 متزوجات في حين أن 28% لايزلن عازبات 2009. والجدير بالملاحظة أنه في العشرية الأخيرة ظهرت فئة عمرية جديدة (35 - 39 سنة) ما انفكت نسبة عزوبتها ترتفع من سنة إلى أخرى خاصة في صفوف الرجال حيث بلغت 24.6% بالنسبة إلى الرجال وحوالي 18% في صفوف النساء في حين كانت لا تمثل سوى 14.2% للرجال و13% للنساء في سنة 1999، كما كان لسياسة النهوض بوضعيّة المرأة التونسية تأثير مباشر في تطوّر عمر الفتيات عند الزواج الأول إذ أصبحت الفتاة تحبّذ مواصلة دراستها وتؤجّل موعد زواجها. ويترجم تأخّر سنّ الزواج عن تحوّلات عميقة في البنية التقليدية للأسرة التونسية بفعل المتغيّرات الثقافية وتحرّر المرأة وارتفاع مستويات التعليم لديها ودخولها سوق الشغل (حوالي 73.3% من النساء متعلّمات سنة 2009 مقابل18% فقط سنة 1966). إنّ تطوّر نسب الفئات العمريّة يبرز اتّجاه المجتمع التونسي نحو التهرّم الديمغرافي، كما يتّضح ذلك في ارتفاع نسبة السكان الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة فما فوق إلى 16% سنة 2030 عوضا عن 9.8% حاليا. وهكذا سيسجّل المجتمع التونسي نسبة مرتفعة من الشيوخ كما هو الحال في الدول المتقدّمة. ففي هذه البلدان، فرنسا أنموذجا، يبدو شكل الهرم تحدبيا إذ يتميّز بضيق في القاعدة ناتج عن انخفاض معدل الخصوبة وقمّة عريضة تدل على إطالة العمر المتوقع عند الولادة (أمل الحياة عند الولادة). إنّ هرم السكان يعكس الوضع الديمغرافي في زمن معين، كما أنه يمكننا أيضا من الاطلاع على تاريخ السكان خلال الخمسين سنة التي سبقت تعدادهم. وذلك بتقلّص الأعداد الكلية لمختلف الأجيال التي تشكل هذا الهرم. ومازال ينتمي هرم سكّان المجتمع التونسي إلى نمط الأقطار الفتيّة. وهو ما يثبت الطابع الشاب للبلاد. من الناحية الاقتصادية تشبه الفئة المسنة (60 سنة فما فوق) فئة الشباب (دون 15 سنة). فهاتان الفئتان تقعان خارج حدود سوق الشغل .ويعدّ ذلك عبئا أسريّا ثقيلا. إن الهوة البارزة في مستوى السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و 70سنة حسب المسح الأخير لسنة 2009 تعود إلى الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد في أثناء الحرب العالمية الثانية (قلّة المواد الغذائية، الأوبئة، المشاركة في الحرب). من ناحية وإلى النزوح والهجرة الخارجية نحو أوروبا الغربية وخاصة فرنسا المتعلقة بالذكور أساسا من ناحية ثانية. ونتيجة لهذا التطوّر الديمغرافي تضخّمت على نحو جليّ الفئات النشيطة (15 - 59 سنة) خلال الفترة (1966 - 2009) مسجلة بذلك انخفاضا مهمّا في ثقل "العبء الديمغرافي" وهو تكفل الفئة النشيطة بالفئات العمرية الأخرى، الأصغر (0 - 14 سنة) والأكبر (أكثر من 60 سنة). فقد كان هذا العبء يشمل نصف السكان سنة 1966. فأصبح في حدود 35% سنة 2009. ومما تجدر الاشارة إليه هو أن معدّل الإعالة في تحسن مستمر.

إن معدّل الإعالة يساوي حجم السكان غير الناشطين اقتصاديا على حجم القوى العاملة ويمثل العبء الملقى على عاتق كل عامل. ولقد تطوّر بين تعدادات 1975 و1984 و1994 و2004 والمسح حول السكان السكني سنة 2009. ففي سنة 1975، كان كل عامل تونسي يعول في المتوسط حوالي 3 أشخاص غير ناشطين اقتصاديا. فانخفض هذا المعدل إلى حوالي شخصين سنة 2009. أما على الصعيد العالم بأسره فإن كل عامل يعول 4،1 شخصا وفي البلدان المصنّعة شخصا واحدا والبلدان النامية شخصا ونصفا وإفريقيا 17 شخصا في حين يعول في أمريكا الجنوبية كل عامل شخصين غير ناشطين اقتصاديا. وفي الوطن العربي 2.6 شخصا. هذه النتائج تبيّن أن العبء الملقى على عاتق العامل التونسي هو العبء الملقى على عاتق العامل في العالم بأسره وأنّه يساوي حوالي مرتين ونصف العبء الملقى على عاتق العامل في البلدان المصنّعة. وحتى يخفّ هذا العبء على العامل التونسي يجب أن يتطوّر حجم العاملين لاسيما في القطاعين الفلاحي والصناعي، كما يجب أن ترتفع مشاركة المرأة في العملية الانتاجية.