المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

التعريف بالمؤسسة[عدّل]

يعتبر المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس (INRAT) من أعرق المؤسسات الوطنيّة المختصصة في البحث العلمي الفلاحي كامل الوقت، إذ يرجع تاريخ تأسيسه إلى 9 سبتمبر 1913 (أمر عدد 74 بتاريخ 9 سبتمبر 1913)، علما بأنّ البحوث في الميدان الزراعي قد ابتدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة (1893) واهتمّت في تلك الفترة بالتحسين الوراثي للحبوب بمحطّة التجارب للفلاحة (Station Expérimentale de l’Agriculture) التي قام بتأسيسها الباحث الفرنسي فرنسوا بوفالذي أصبح فيما بعد أوّل مدير عام للمعهد سنة 1913 إلى سنة 1936.

وتعتبر البحوث حول تجميع سلالات من القمح الصّلب وأصنافه وتقويمها وانتقائها وكذلك القمح اللين والشعير، من البرامج الأولى التي انطلقت سنة 1893 والمحور الرئيس الذي نشأت حوله فكرة بعث هذه المؤسّسة البحثيّة التي لم ينقطع عطاؤها إلى هذا التاريخ. ومنذ بداية القرن العشرين، انطلقت البحوث حول التحسين الوراثي للحبوب الذي استعمل فيه علم الوراثة لأوّل مرّة في العالم لتحسين القمح الصلب بتونس وعلى إثره مرّت المؤسّسة بعدّة مراحل، إذ أحدث عدّة المخابر مع دعم الموارد البشرية من باحثين وفنّيين وعملة وإداريّين. ويمكن تلخيص هذه الفترات كما يلي:

  • سنة 1906: إحداث محطّة التّجارب للفلاحة (Station Expérimentale de l’Agriculture)
  • سنة 1913: إحداث مصلحة النباتات بتونس (Service Botanique de Tunisie SBT) بدمج محطّة التّجارب للفلاحة وحديقة التّجارب والتأقلم بتونس (Jardin d’Essais et d’Acclimatation de Tunis)
  • سنة 1921: إحداث مخابر الفطريات (Cryptogamie) والكيمياء الزراعية (Chimie agricole) والبيئة (Ecologie agricole) والأشجار المثمرة (Arboriculture Fruitière).
  • سنة 1932: تسمية مصلحة النباتات بتونس (Service Botanique de Tunisie SBT) بمصلحة النباتات والعلوم الزراعية التونسية.
  • سنة 1945: إحداث مخبر علم الحشرات (Entomologie).
  • سنة 1959: إحداث مخبر علم المناخ (Bioclimatologie).
  • سنة 1961: التسمية الرسمية للمعهد بالمعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس.
  • سنة 1962: إحداث مخابر الخضروات ومكافحة أمراض النّبات وعلم الفيروسات وعلم وتقنيات الانتاج الحيواني والاقتصاد الرّيفي.
  • سنة 1981: إحداث مخبر البقوليات الغذائية (Légumineuses alimentaires).

ومنذ إصدار القانون الخاص بالتنظيم العلميّ والاداريّ والماليّ للمؤسّسات العمومية المخصّصة في البحث العلمي (قانون رقم 938 - 97 بتاريخ 19 ماي 1997) والقانون المنظّم للمعهد (قانون رقم 2000 - 1903 بتاريخ 24 أوت 2000)، تمّت هيكلة المعهد باعتبار البرامج الوطنية التي يشرف عليها وينجزها وأصبح يتكوّن من 7 مخابر (الزراعات الكبرى، الانتاج الحيواني والأعلاف، البستنة، البيوتكنولوجيا والفيزيولوجيا النباتية، حماية النباتات، الاقتصاد الريفي، العلوم الزراعية) و3 وحدات بحث (المعلومات والتوثيق العلمي، البيئة الزراعية والبحوث عن النخيل) و12 وحدة تجارب فلاحية موزّعة بكامل تراب الجمهورية. وذلك حسب خاصيات المناطق. ومن مهامّ المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس ما يلي:

  • تنظيم أعمال البحوث المتعلقة بتحسين الانتاج النباتي والحيواني وتنفيذها ونشرها وجمع الأصول الوراثية الصّالحة للبلاد ودراستها.
  • ابتكار أصناف نباتية وتحسين سلالات حيوانية متأقلمة مع الظروف التونسية وتحسين أنظمة الانتاج بوضع التقنيات الملائمة.
  • إنجاز كلّ بحث ذي صبغة فيزيائيّة واقتصادية واجتماعية يهمّ الوسط الرّيفي والاسهام في نقل التقنيات وتطبيقها والتدريس بالمؤسسات الجامعية الوطنية والأجنبية وكذلك تأطير الطلبة لانجاز شهادتي الماجستير والدكتوراه، زيادة على مساعدة المؤسسات الوطنية المهتمّة بتنفيذ برامج التنمية والارشاد في الميدان الفلاحي والاسهام في لجان التفكير والبرمجة وإعداد المخطّطات التنموية.

ومن حيث الموارد البشرية، يوجد بالمعهد 346 عونا موزّعين كما يلي:

  • 96 باحثا 71 منهم يعملون بالمقرّ الرئيسي بتونس و5 2بوحدات التجارب الفلاحية على مستوى الجهات.
  • 68 فنّيا وإداريّا، 50 يعملون بالمقر الرئيسي بتونس و18 بوحدات التجارب الفلاحية.
  • 181 عاملا، 90 منهم يعملون بالمقرّ الرئيسي بتونس و91 بوحدات التجارب الفلاحية.

ما فتئت الابحاث العلمية والتقنية تجري على نحو مكثف بالمعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس، بغية تطوير الفلاحة التونسية وتأهيلها بالرّفع في الانتاجية وتحسين المردودية ونوعية المنتوج. وفيما يلي، عيّنة من هذه الابتكارات العلمية تخصّ بعض القطاعات الاستراتيجية مثل الزراعات الكبرى والانتاج الحيواني والأشجار المثمرة والخضروات، مع الإشارة إلى أنّ البرامج البحثية الأخرى المنجزة بالمعهد مثل العلوم الزراعية والبيوتكنولوجيا وحماية النباتات والاقتصاد مرتبطة بهذه القطاعات.

بعض الأمثلة من الانتاجات العلمية والتقنية[عدّل]

قطاع الزراعات الكبرى[عدّل]

تعتبر الأبحاث في نطاق الزراعات الكبرى من أقدم البرامج البحثية بتونس وخاصّة منها المتعلّقة بالتحسين الوراثي للحبوب. إذ ترجع بدايتها إلى أواخر القرن التاسع عشر (1893)، فقد اتجه هذا البرنامج في بدايته، إلى استغلال المصادر الوراثية المعروفة بحقول المزارعين والمتميّزة بتنوّعها البيولوجي. وأثمرت هذه المجهودات في العشريتين الأوليين من بداية القرن العشرين إلى العشرينات انتقاء عدة أصناف عرفت لاحقا بالأصناف المحلّية مثل "العزيزي، جناح خطيفة، روسيا، سباعي، العجيلي..." واستجابة لمتطلّبات الفلاحة التونسية، جلب عدد كثير من الموارد الوراثية من مختلف بلدان العالم وخاصة من حوض البحر الأبيض المتوسط ودرست. واستعملت التهجينات بداية من سنة 1923، بين الأصناف المحلّية في البداية ثمّ بينها وبين الأصناف الأخرى التي جلبت من بلدان أجنبية.

وقد حققت هذه الأبحاث نجاحا محسوسا لعلّ أهمّها انتخاب القمح اللّين فلورنس أورور (Florence Aurore) سنة 1928 ولقي رواجا كبيرا لدى الفلاحين إذ مكّن من التوسّع في المساحات المزروعة من القمح الليّن بالبلاد بداية من سنة 1932. وكان يصدّر إنتاجه إلى فرنسا، نظرا لاخصائصه الصناعية المتمّيزة في تحسين نوعيّة الخبز، كما انتشرت زراعة هذا الصنف في عدة بلدان مجاورة وخاصّة في بلدان المتوسط كالمغرب والجزائر وليبيا وسوريا ولبنان والأردن والعراق. واستعمل هذا الصنف في تطوير عدة برامج عالمية تتعلق بالتحسين الوراثي للقمح الليّن، كما يشهد بذلك الدكتور نورمان بورلوق (Norman Borlaug) مؤسّس برنامج التحسين الوراثي للقمح بالمركز الدولي لتحسين الذرّة والقمح بالمكسيك، الذي زار تونس سنة 1966 علما بأنّه حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1972 تتويجا لأبحاثه في هذا المجال، وقد عرفت في تلك الفترة بالثورة الخضراء.

وأدّت البحوث العلمية المنجزة في السبعينيات إلى الحصول على عدّة أصناف خاصة صنف القمح الصلب إينرات "INRAT 69" 69 وتتميّز هذه الأصناف بإنتاجية عالية تفوق إنتاجية الأصناف المحلية بحوالي 40%. كما كان لبرنامج التحسين الوراثي للحبوب بتونس علاقات تعاون وتبادل مع معاهد ومراكز بحثية من عدة بلدان بالعالم منذ أواخر الستينيات. ومن المراكز البحثية الدولية نذكر خاصة المركز الدّولي لتحسين الذرّة والقمح بالمكسيك. وذلك منذ سنة 1967 إذ معه أنجز برنامج تعاون حول تحسين القمح، نتج عنه انتخاب عدة أصناف منذ بداية الثمانينيات.وتتميّز هذه الأصناف بإنتاجيتها العالية وحسن تأقلمها ومقاومتها لبعض الأمراض، كما أنّ خصائصها الصناعية الجيدة، أدّت إلى التوسّع في المساحات المزروعة والرّفع في إنتاج الحبوب بتونس. ومن هذه الأصناف، نذكر بالخصوص صنف "كريم" الذي يغطّي أكثر من 50 بالمائة من مساحات القمح الصلب بالبلاد ويزرع في كلّ من ليبيا والجزائر والمغرب. وبموازاة لبرنامج القمح، أنجز بالمعهد برنامج خاصّ بالشعير، اعتني في نطاقه منذ بداية القرن العشرين بتجميع الموارد الوراثية المحلّية ودراستها والقيام بعدة التهجينات بين الأصناف المحلّية من جهة والأصناف المحلّية والأجنبية من جهة أخرى. وأثمرت هذه الجهود مزيدَ الاعتناء بالأصناف المحلّية مثل الجبالي، السويحلي، الفريقي، العرضاوي، الصفيرة البلدي، الجربي وغيرها.

وبداية من السبعينيات، ابتكرت أصناف جديدة تتميّز بإنتاجية عالية ونوعيّة جيّدة وقدرة على مقاومة لأمراض والافات الزراعية. ومن هذه الأصناف: روحو، فايز، تاج، ريحان، منال التي استغلها المزارعون وهو ما مكّن من الرّفع في إنتاجية الشعير بتونس بحوالي 200 في المائة، إذ ارتفع المعدّل الوطني للانتاجية من 4 إلى 13 قنطارًا في الهكتار من الستينيات إلى أواخر القرن العشرين. ونظرا إلى أهمّية هذه الأصناف على غرار صنف ريحان، استغلت في عدّة بلدان من المغرب العربي وفي ليبيا والجزائر والمغرب كذلك من آسيا مثل إيران والعراق وأوزباكستان والصين. ومنذ أن انطلق برنامج التحسين الوراثي للزراعات الكبرى بالمعهد، أثمرت الأبحاث ابتكار 97 صنفا، منها 41 صنفا من القمح الصلب، 32 صنفا من القمح اللين، 16 صنفا من الشعير، 4 أصناف من التريتيكال، 4 أصناف من القصّيبة، علما بأنّ كلّ الأصناف الموجودة بتونس هي من إنتاج المعهد الوطني للبحوث الزراعية.

وقد تطوّرت الأبحاث في مجال الزراعات الكبرى في السّنوات الأخيرة إذ اعتمدت طرق حديثة على غرار البيوتكنولوجيا والتثبيت الجيني الجزئي لاختصار المدّة في انتخاب الأصناف من ناحية، ثمّ جعل هذه الأصناف ذات إنتاجية عالية ونوعية جيّدة مع مقاومتها للجفاف والأمراض من ناحية أخرى. ومن أهمّ ما توصل إليه البحث بالمعهد في السنوات الأخيرة تسجيل صنفي القمح الصلب نصر والقمح اللّين حيدرة وانتخابها. وهذا الصنفان يمتازان بإنتاجيتهما العالية ومقاومتهما للأمراض خاصّة التبقّع السبتوري بالنّسبة إلى الصّنف نصر (Septoriose) ومرض الصدإ الأصفر (Rouille jaune) والبياض الدقيقي (Oïdium) بالنسبة إلى حيدرة، كما توصّل البحث كذلك إلى ابتكار أصناف جديدة من البقوليات مثل أصناف الحمص (شتوي، باجة1، ناير، بشرى) وأصناف العدس (سليانة والكاف) وأصناف الفول (شهبي) والفول المصري (بديع). ونظرا إلى الدّور الكبير لهذه الأصناف الحديثة من الحبوب والبقوليات في الرّفع من إنتاجيّة نوعية المنتوج وتحسينها وهو ما يوفر دخلا أفضل للفلاّح. وفي سنتي 2005 و2006، أمضيت عشرة عقود استغلال تجاري لهذه المستنبطات بين المعهد والمؤسسات المنتجة للبذور التي، يمكن للمزارعين بفضلها الحصول على البذور الممتازة، باعتبارها أحد العناصر المحدّدة لانتاجية قطاع الزراعات الكبرى.

في قطاع الانتاج الحيواني والأعلاف[عدّل]

تعتبر الأبحاث في ميدان الانتاج الحيواني والأعلاف فتيّة مقارنة بالبرنامج البحثي للحبوب، إذ كانت بدايتها بعد الاستقلال. وكانت تهدف في تلك الفترة إلى الاستجابة للحاجيات المحدّدة في برامج التنمية والتخطيط. وعدّت من الأولويات وهو ما جعلها تحصل على الامكانات اللاّزمة سواء من الدولة أو من برامج التعاون الثنائي والدولي. ومن خاصيات هذه البرامج البحثية في تلك الفترة ارتباطها العميق بالتنمية وهو ما جعلها تتميّز بصبغتها التنموية لايجاد الحلول الملائمة لشواغل التنمية. وبداية من السبعينيات وبعد العشرية الثانية من الاستقلال التي تعتبر فترة الجرد ومزيد معرفة البيئة، بعثت برامج بحثية ذات أولوية، منها:

  • دراسة خصائص الموارد الوراثية المحلّية:

اهتمّ هذا البرنامج منذ سنة 1963 بمراقبة النموّ (contrôle des performances) قصد التحسين الوراثي للأغنام وبالخصوص للسلالة البربريّة التي تعتبر من السّلالات مهمّة بالبلاد. ونتيجة لهذه الأبحاث، مهد إلى إحداث برنامج وطني للتحسين الوراثي لهذه السلالة نتج عنه بالخصوص الترفيع في نسبة التوائم وانتقاء قطيع ذي نسبة توائم تفوق 160 في المائة (160%> prolificité)، إمكان التوالد على طول السنة خلافا للسّلالات الأوروبية وبعث نظم غذائية تتماشى وتغيرات الفترات الفيزيولوجية للحيوان خلال السنة.

  • تهجين السّلالة المحلّية للأبقار (Brune de l’Atlas) مع سلالات أجنبيّة مثل الترانتي (Tarentaise) والشويتز (Race) والفريزن (Friesen)، وإحداث محطّة تجارب خاصّة لهذا البرنامج بمنطقة باجة. وبعد تشخيص هذه السلالة وتقويمها، بعث برنامج بحثي وتنموي نتج عنه تحسين إنتاجيّة الأبقار المحلّية من لحم وحليب مع المحافظة على بعض خصائصها لاسيما تأقلمها مع البيئة ومقاومتها للفترات الصّعبة التي تقلّ فيها الموارد العلفيّة.
  • تحديد القيمة الغذائية للموارد العلفيّة:

اهتم بهذا الموضوع منذ الستينات نظرا إلى أهميته من الناحية العلمية والتطبيقية، إذ أنّه في تحديد القيمة الغذائيّة للأعلاف يمكن للفنّي وللمربّي إعداد علائق تتماشى وحاجيات الحيوان التي تختلف حسب الفترات الفيزيولوجية للحيوان خلال السنة. لذلك، بعثت وحدة تحاليل بمخبر الانتاج الحيواني بالمعهد لدراسة التركيبة الكيمياوية وهضوميّة الموارد العلفيّة.وكان الاهتمام منذ البداية بالموارد العلفيّة المحليّة مثل الأعلاف الخضراء والمحفوظة وكذلك المخلّفات الزراعية والصناعيّة. ونتيجة لهذه الأبحاث، أصدرت جداول القيمة الغذائية للموارد العلفيّة لأول مرة بتونس في بداية السبعينات، التي أصبحت تُعتمد، عوض الجداول الأجنبيّة، في التدريس بالمؤسسات الجامعيّة للفلاحة وكذلك لتحديد العلائق للقطيع من قبل الفنّيين والمربّين وإعداد المخطّطات التنمويّة الخاصّة بتربية الماشية.تُحيّن هذه الجداول كلّما طرأت تغييرات من حيث التحاليل المخبريّة ونوعية الموارد العلفيّة من حيث الطرق المعتمدة عالميّا لتحديد القيمة الغذائيّة للأعلاف. وإلى جانب الأعمال البحثيّة حول دراسة القيمة الغذائية للموارد العلفيّة، أنجزت عدّة تجارب خاصّة بالتغذيّة الحيوانية شملت تسمين الخرفان والعجول وتغذية الأغنام والأبقار. وتهدف هذه الأبحاث إلى التحسين في إنتاجية قطاع الألبان واللحوم بالاعتماد على نظم غذائية ترتكز بالأساس على الموارد المحلّية من الأعلاف المالئة والمركّزة، عوض الأعلاف المستوردة من الأسواق الخارجيّة.

  • الأبحاث في ميدان الأعلاف الخشنة والمراعي: اعتنى بهذا الموضوع منذ بداية السبعينات وجمع بين عدّة مختصين في التغذية الحيوانية والمراعي والأعلاف. لذلك أحدثت عدّة برامج بحثية ومشروعات وطنية ودولية أسهمت في المزيد من تثمين المستجدّات وتوسيع مجالات البحث. وقد أدت هذه البرامج دور الوسيط بين البحث والتنمية مع المزيد من دعم إمكانات هياكل البحث بالمعهد على المستوى المركزي والجهوي بمنطقة باجة والمحمدية (بوربيع) والوسلاتية وقابس.

وشملت الأبحاث المنجزة بالمعهد الوطني للبحوث الزّراعية بتونس في السنوات الأخيرة عدّة المجالات في ميدان الانتاج الحيواني والعلفي نذكر منها خاصّة:

  • التمييز الوراثي للموارد الحيوانيّة والعلفيّة:

من المستجدّات نذكر بالخصوص الحصول على قطيع من الأغنام من السّلالة البربريّة يتميّز بنسبة توائم مرتفعة تفوق 160 في المائة. ويعتبر هذا القطيع الوحيد في تونس الذي يمكّن من نشر التقدّم الجيني لوضع الفحول المحسّنة على ذمّة المربّين، كما ضبطت طرق علميّة للانتخاب والتقويم الوراثي للمجترّات وبعث تقنيات لتحسين نسبة التوائم لسلالات الأغنام والماعز تقويم نوعية المنتوج (لحوم وألبان) وتحسينه.

  • إنتاج الأعلاف: تمّ ابتكار أكثر من 20 صنفا من الأعلاف المتأقلمة مع البيئة، تتميّز بإنتاجية عالية وقيمة غذائية مرتفعة. وذلك حسب خصائص المناطق. ومن الأصناف المبتكرة حديثا بالمعهد 4 أصناف من الشوفان (فريطيسة، مليان، مجردة، العاليا)، و3 أصناف من الفستوكة (قرنباليا، جبيبينة، مرناق) وصنف من المنجور (تيبار) وصنفين من البيقيا (صنفا مغيلة وسجنان) وصنف من البرسم (خضراوي). والملاحظ أنّ أصنافا جديدة من الأعلاف مثل البازلا (Pois fourrager) والفصّة (Luzerne) والبيقيا (Vesce)، ابتكرت في خلال السنوات الأخيرة. وهي بصدد التسجيل بالسجلّ الرّسمي.
  • الموارد العلفيّة والتغذية الحيوانية: تهدف البرامج البحثية إلى وضع نظم غذائيّة ترتكز على استخدام الموارد الغذائية المحلّية للتقليص من الاستيراد من الأسواق الخارجية خاصّة في فترات الجفاف. وذلك لانتاج أوفر من اللّحم والحليب وبنوعيّة جيّدة وبكلفة منخفضة. ومن التقنيات التي ابتكرت نذكر بالخصوص تقنية تحسين القيمة الغذائية للأعلاف الخشنة مثل الأتبان باستخدام الأمونيا واليوريا وتقنية القوالب العلفيّة والمحبّبات لحفط المخلّفات الزراعية والصناعية مثل التين الشوكي والتّمور غير القابلة للتسويق ولباب الطماطم والنخالة، إلخ...
  • تحسين المراعي: أجريت الأبحاث الخاصّة بالمراعي منذ السبعينات بمناطق الوسط والجنوب واهتمت في البداية بدراسة الخصائص الفيزيولوجية والغذائية للنباتات الرعويّة وكيفيّة التصرّف واستعمالها في التغذية الحيوانية. ونظرا إلى الدور الذي تؤديه المراعي باعتبارها مصدرا غذائيّا وعنصرا للمحافظة على التربة والمياه، كان الاهتمام أكثر في السنوات الأخيرة بهذا القطاع. لذلك أثبتت في قائمة موارد الرعويّة مع تحديد خصائصها وتطوير أساليب استغلالها في التغذية الحيوانية للمجترّات الصغيرة مع المحافظة عليها من التدهور، كما اهتمت الأبحاث بتحسين المراعي بالمزيد من استخدام الشجيرات العلفيّة والصبّار. وذلك من أجل القيام بالدراسات العلمية للخصائص الفيزيولوجية والكيمياوية وتحديد قيمتها الغذائية. وأدّى ذلك إلى بعث نظم غذائيّة وطرق علميّة للتصرّف في المراعي الطبيعية والمحسّنة.

في قطاع الأشجار المثمرة والخضروات[عدّل]

* الأشجار المثمرة

بدأت الأعمال البحثية المتعلّقة بالأشجار المثمرة في الخمسينات. وذلك بجمع الأصناف المحلّية في مجموعات والتعرّف إلى خصائصها وانتقاء أحسنها إنتاجا وجودة. ومن بين ما نتج عن هذه البرامج انتقاء صنف الفستق "ماطر" وصنفي المشمش "بكور" و"عمر العش". كما شرع في تنفيذ برنامج التحسين الوراثي لأصناف المشمش المحلّية مثل "الحميدي" وغيرها وذلك بتهجينها مع أصناف مستوردة تمتاز بحجم ثمارها الكبير وتحمّلها للتخزين والنّقل.وكلّلت هذه الأبحاث سنة 1974 باستنباط صنفي "وردي" و"صايب" اللذين غرسا في منطقة القيروان على وجه الخصوص. وموازاة لهذه الأبحاث شرع المعهد سنة 1963 في إنجاز برنامج لتهجين أصناف التفّاح المحلّية المتأقلمة مع المناخ التونسي بأصناف مورّدة تمتاز بقدرتها على التخزين لمدّة طويلة. وقد أفضت تلك الأبحاث في الثمانينات إلى استنباط ثلاثة أصناف جديدة تجمع كلّ هذه الخصائص وهي "زينة" و"عزيزة" و"شهلة" التي حقّقت نجاحا كبيرا لدى فلاحي الشمال والوسط الذين ما زالوا يقبلون على زراعتها إلى الان. وفي السبعينات، ورّدت عدّة أصناف من الخارج قصد تقويمها واختيار أنسبها وأحسنها تأقلما مع المناخ. وبذلك مكّن البحث المنتجين من عدّة أصناف جديدة سمحت لهم بالتمديد في فترات الانتاج وبتنوّع العرض للمستهلك، كما تكثفت في هذه الفترة عمليّة جمع الأصول الوراثية المحلّية. فأصبح المعهد يضمّ أهمّ مجموعة أصول وراثية من العنب والمشمش واللوز والتفّاح والفستق والخوخ والقوارص. وتعتبر هذه المجموعات مصادر وراثيّة مهمّة لتونس يعتمد عليها باعتبارها بنك جينات لاستنباط أصناف جديدة يمكن استغلالها خلال السنوات المقبلة.

وبداية من سنة 1974، انطلق برنامج تهجين المشمش للتّمديد في فترة الانتاج. وذلك باستنباط أصناف تتميّز بطول فترة نضج الثّمار (من شهر ماي إلى شهر جويلية). وبعد أكثر من 20 سنة من أعمال علميّة وميدانية، أفضت الأبحاث إلى تسجيل ستّة أصناف جديدة من المشمش وهي "عسلي" و"راقي" و"عاطف" و"مزيان" و"وافر" و"فاخر" وسوف سيستغل المزارعون هذه الأصناف في المقبلة. و بعد أكثر من 20 سنة من البحوث العلميّة، توصّل المعهد خلال سنة 2000 إلى ابتكار ستّة أصناف جديدة من اللوز تتميز بمردودية عالية ومقاومة للأمراض. وهذه الأصناف هي اإيهاب، ممتاز، ريان، جيمان، زاهر، وفريكب ثلاثة منها لا تستوجب خلط الأصناف عند الزراعة (autocompatibles) ومتحمّلة للجفاف ويمكن زراعتها بمناطق الوسط والجنوب خاصّة. هذه الأصناف الجديدة التي سيستغلها أصحاب المنابت في السنوات المقبلة وفقا لعقود شراكة مع المعهد، ستعطي دفعا جديدا لقطاع الأشجار المثمرة وذلك بالمزيد من تنويع المنتوج للسّوق الوطنية وكسب أسواق خارجيّة جديدة. وأفضت أبحاث أخرى في ميدان الحمّضيات والعنب، تعتمد الانتقاء الصحّي إلى تزويد أصحاب المنابت بأمّهات طعوم وأصول لعدّة أصناف متداولة خالية من الأمراض الفيروسية يمكن إكثارها للحصول على مشاتل مصادق عليها وخالية من الأمراض ومطابقة لمواصفات الصّنف.

الخضروات

اتّجهت البرامج البحثية بالمعهد في ميدان الخضروات منذ الستينات إلى اختيار الزراعات والتقنيات الزراعيّة والأصناف المتأقلمة للترفيع في الانتاج المبكّر بالمناطق التي تمتاز بظروف مناخيّة ملائمة. لذلك أحدثت أربع محطّات تجارب، كانت ومازالت نقطة الرّبط بين المعهد والمزارعين. ومن النتائج المتحصّل عليها ما يلي:

  • تطوير نسبة الانتاج المبكر للخضر القابلة للتصدير ونوعية باستعمال الأغشية البلاستيكية وهياكل حديديّة عوضا عن الطرق التقليدية،
  • تحسين الانتاجية والمردودية الاقتصادية للزراعات لتطوير طرق الريّ والتسميد وإدخال أصناف جديدة أكثر ملاءمة للظروف المناخية ومتطلّبات السوق الخارجية.
  • إحداث موسم زراعي جديد مكمّل للزّراعتين البدريّة والفصليّة. وهي الزراعة الآخر فصلية أو الخريفيّة التي مكّنت من الترفيع في التكثيف الزراعي باستغلال الأرض لزراعتين في السّنة وفي التمديد لفترة الانتاج وتوفير المنتوج في الأسواق لمدّة أطول حتى إنّ بعض الخضر أصبحت متوفرة في الأسواق على مدى السّنة، كالبطاطا والطماطم والفلفل والقرعيات.
  • الاقتصاد في مياه الريّ وحسن استغلال الأسمدة. وذلك باعتماد طرق الريّ المركّز وضبط حاجات كلّ زراعة من الأسمدة.

وبداية من السبعينات، اهتمّ البحث بالأصول الوراثيّة المحلّية مثل الفلفل والقرعيّات. لذلك جمعت، في مرحلة أولى، هذه الأصول للمحافظة عليها وانتقائها. ثمّ بدأت الأعمال البحثية الخاصّة بالتحسين الوراثي لهذه الأصناف المحلّية بإقحام صفات أخرى يحتاجها الفلاّح كالتبكير ومقاومة الأمراض. وتهدف هذه الأبحاث إلى التقليص من نسبة استيراد البذور من الخارج.

و بدأت نتائج هذه الأبحاث تبرز للعيان بداية من الثمانينات حين وقع سنة 1982 استنباط، صنف الفلفل الهجين "ب26" المبكّر النضج الذي كان يمسح 80 بالمائة من الزراعات البدريّة المحميّة، تبعه صنف "ج27" المقاوم لفيروس التبغ. وأصبحت هذه الأصناف مستغلّة من الفلاّحين عبر إبرام عقود شراكة بين الشركات المنتجة للبذور، كما استنبطت سنة 2005 هجين جديد من فلفل "نهار" مقاوم لفيروس التبغ والبطاطا. وهو حاليا في طور التسجيل سيستغل في السنوات المقبلة. وفيما يخصّ البرنامج البحثي حول القرعيات، استنبطت في السنوات الأخيرة، أصناف أخرى من البطّيخ والفقّوس مقاومة للأمراض، مع المحافظة على المصادر الوراثية المحلّية لاستخدامها في البرامج البحثية المستقبلية الهادفة إلى استنباط أصناف جديدة تتماشى مع الظروف المناخيّة التونسيّة. وقام المعهد بأبحاث أخرى تستهدف التقليص من نسبة الاتلاف الذي يصيب محصول البطاطا في أثناء عملية التخزين للدرنات. وتوصّل الباحثون إلى وضع طرق مقاومة مندمجة لفراشةالدرنات وإلى تحسين طرق التخزين التقليدية. وقد مكّنت هذه النتائج من تقليص نسبة الاتلاف من 25 بالمائة إلى 7 بالمائة، لذلك نقل الفلاحون هذه الحزمة التقنية وطبقوها. وهو ما مكّن من الترفيع سنويّا في مخزون البطاطا في فصل الصيف إلى حوالي 40 ألف طن تخزن في فصل الصيف لمدّة ثلاثة أشهر.

في مجال التدريس بالجامعات، التفتّح على المحيط والتعاون الوطني والدولي[عدّل]

يتميّز البحث العلمي الفلاحي بالرّبط بين البحث النظريّ والتطبيقيّ والتنمويّ. لذلك، عمل المعهد الوطنيّ للبحوث الزراعيّة بتونس منذ تأسيسه على أن تكون النتائج البحثيّة مستغلّة من المزارعين. فكانت هذه الأبحاث ذات الصبغة الفنيّة تنجز منذ بداية القرن العشرين مباشرة بضيعات المزارعين. ومنذ الاستقلال، تمكّن المعهد من الحصول على الكثير من محطّات التجارب التي وصل عددها في تلك الفترة إلى أكثر من 40 موزّعة على كافّة تراب الجمهورية. ونظرا إلى دورها المهمّ في التنمية الفلاحية، كانت ومازالت نقطة وصل بين البحث والتنمية على المستوى الجهوي.

وفي السنوات الأخيرة، وأمام كثير الابتكارات العلمية من ناحية والدور الذي يمكن أن تؤديه نتائج البحث العلمي في تنمية الفلاحة الوطنية وتحسين نوعية المنتوج من ناحية أخرى، عمل المعهد على أن يكون نقل هذه التقنيات وتطبيقها على مستوى المستغلاّت الفلاحية في إطار عقود شراكة مع المؤسسات العامّة والخاصّة المستغلّة تجاريا لهذه التقنيات. لذلك أمضيت في سنتي 2005 و2006، 10 عقود استغلال تجاري مع شركات وطنية لتزويد المزارعين ببذور ومشاتل ممتازة تتماشى والظروف المناخيّة للبلاد وهو ما يضمن إنتاجية وجودة عاليتين، إذا ما وقع اعتبرت كامل الحزمة التقنية المنبثقة من هذه البحوث. ليس ثمة شك في أن تسجيل براءات اختراع (brevets d’invention) وإمضاء عقود شراكة مع مؤسّسات يكون لهما انعكاسات إيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بإحداث مشروعات تنموية جديدة ومواطن شغل إضافية.

وفي مجال التعاون الوطنيّ والثنائيّ والدوليّ، عمل المعهد منذ سنوات عدّة على تطوير العلاقات مع المؤسّسات الوطنية (المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية، الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، دواوين تنمية، مجامع مهنية، شركات إحياء وتنمية، وغيرها...) والدولية المماثلة (معاهد بحوث فلاحية، المنظّمة العربيّة للتنمية الفلاحية، المركز العربي للبحوث الزّراعية في المناطق الجافّة والأراضي القاحلة، المركز الدّولي لتحسين القمح والذرّة، المركز الدّولي للبحوث الزّراعية في المناطق الجافّة، الوكالة الدّولية للطاقة الذرية، منظمة الأغذية والزراعة، وغيرها...) وذلك في إطار بعث مشروعات تعاون بحثية و/أو تنموية تشارك فيها عدّة الفرق من الباحثين المتعدّدي الاختصاصات. وزيادة على عديد المجالات التي لا بدّ من مزيد تطويرها في السنوات المقبلة، يعمل المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس على معاضدة المؤسسات الجامعية في التكوين وذلك بالتدريس وطنيّا ودوليّا إظافة إلى تأطير أكثر من 100 طالب للقيام بتربّصات للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه. وكما توجد بالمعهد، وحدة توثيق ومعلومات علميّة توفّر لكافّة زائريها المعلومات المطلوبة الخاصّة بقطاع الفلاحة. وتوجد بالمعهد مكتبة ذات إشعاع وطنيّ ودوليّ يزورها أكثر من 5000 مستعمل لاقتناء المعلومة (باحثون، مدرّسون، طلبة، مهندسون، مزارعون، فنّيون، وغيرهم...). وتحتوي هذه المكتبة على حوالي 9000 مجلد (Ouvrages) وأكثر من 700 مجلّة علمية (Revues scientifiques) ووثائق أخرى مختلفة يفوق عددها 8000 وثيقة وأكثر من 700 أطروحة.

أمّا فيما يخصّ الانتاج العلمي، فإنّ المعهد يصدر نشريّة علمية كلّ سنة "حوليات المعهد"، وذلك منذ سنة 1920 إلى حد الان ودون انقطاع وكذلك إصدار نشرّيات فنيّة (Documents Techniques) منذ سنة 1963 يعتمد عليها الفنيّون والمرشدون والمزارعون لتطبيق التّقنيات الملائمة للفلاحة التونسية، وذلك حسب خصائص المناطق. تتبادل هذه النشريات مع أكثر من 250 مؤسّسة وطنيّة و250 مؤسّسة دوليّة، كما يصدر المعهد، زيادة على هذه النّشريات، كتبا ونشريات خصوصية تتعلّق ببرامج البحث. وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ الوثائق متوفرة في قاعدة معلومات تضمّ أكثر من عشرة آلاف مرجع بيبليوغرافي.

موقع المعهد الوطني للبحوث الزراعية:http://www.iresa.agrinet.tn