الأربس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تقع الأربس في مفترق مهم لعدة طرق تؤدّي إلى القيروان عبر أبّة جارتها وإلى الزّاب عبر ملاّق وفحص البلّ (بلاّريجيا) وإلى باجة وتونس. قال الحميري: "الأربس مدينة، بينها وبين قيروان إفريقية مسيرة ثلاثة أيام. وبينها وبين باجة مرحلتان، وهي في وطاء من الأرض، بوسطها عين جارية لا تجفّ، منها شرب أهلها، وماؤها صحيح، وبها معدن حديد، ولا شجر بها، إنّما هي مزارع الحنطة والشعير، ويدّخر منها الكثير. وهي مدينة مسوّرة، ولها ربض كبير، وبأرضها يكون أطيب الزعفران، وتعرف ببلد العنبر..".

وقال آخر إنّها كانت تشتمل على مسجد جامع مبني بالحجارة وربض كبير يقال له بلد الأنبار (يقصد العنبر) "وفي وسطها أعين ماء جارية لا تجفّ، واسم عين منها رباح والأخرى زياد، وماء عين زياد أطيب من ماء عين رباح، ولها معدن حديد، وليس حولها من خارجها عود نابت البتّة". ولكنها كانت تنتج أحسن نوع من الزعفران، وتنتج أيضا القمح والشعير بكثرة، وكذلك الفواكه. وإذا كانت نصوص الرحالة والجغرافيين العرب تؤكّد ازدهارها عندما كانت سيكا فنيريا (الكاف) جارتها مجرّد قرية تنتشر فيها الآثار الرومانية، فإنّها كانت ذات قيمة استراتيجية واقتصادية حتّي قبل الفتح العربي. فقد نقل ابن الشبّاط عن البكري أنّها "أوّلية، وبعض أساس سورها صخر محكم البناء من عمل الأول، وبها عمد عظيمة...".

فهذه الآثار دليل للمؤرخ على أنّ الأربس من تأسيس جوستنيان (Justinien) على الخط الثاني الحامي لسُهُول مجردة من غارات البدو، خاصة أنّها تشرف من أعلى جبلها على السّهل الممتدّ والمروّي بنهرها إلى حدّ اتصال منطقتها بمنطقة أبّة تابعتها. وقد كانت تحميها في العهد القديم قلعة هنشير دقّة ضمن سلسلة من القلاع تتجه من حيدرة إليها. وكانت تساندها من الغرب سيكا فينيريا وتتحكّم من ثمّة في الطريق الرابطة بين أبّة وقرطاج في العهدين الروماني والبيزنطي. فلا عجب في أن يواجه فيها الفاتحون حامية من الجند البيزنطي، وأن يركّزوا فيها حامية من الجند الأموي بقيادة عمر بن حفص سنة 154هـ/771م. تعمل على طرد الخوارج من القيروان، و فيها تجمّع القادة العرب لتخليص القيروان مرتين على الأقلّ، سنة 178هـ/794م بقيادة ابن منذر والي ميلة، وفي السنة الموالية بقيادة العلاء بن سعيد بن مروان المهلّبي والي الزّاب. وكان قائد حاميتها آنذاك شمدون. ويجمع واليها وقاضيها بينها وبين باجة. وقد سمّى عليها الإمام سحنون، سنة 235هـ/849م، سليمان بن عمران قاضيا لعدله رغم حنفيّته.

وقد أدرك الأغالبة منذ البداية قيمة الأربس وقلعتها لتوطيد نفوذهم فركّزوا بها أهمّ حامية، ولكنّ حكّام الأربس كانوا يبجّلون مصلحتهم على خدمة أولي أمرهم الأغالبة بدليل مساندة "أميرها" لثورة منصور الطنبذي، "أمير" طنبذة سنة 209هـ/824م. حتّى إنّه لم يتخلّ عن لاجئه إلاّ تحت ضغط عامر بن نافع الذي ثار معه على الأغالبة موالية لعامر حتّى مقتل منصور سنة 213هـ/828م لتصبح فيما تبقّي من حكم الأغالبة أقوى معقل يسقط من نفوذ زيادة الله الثالث في أيدي الكتاميين أنصار أبي عبد الله الشيعي سنة 297هـ/909م. ومثل الأغالبة ركّز الفاطميون حامية بالأربس.ولهذا كان سقوط "باب إفريقيّة" هذا، حسب عبارة ابن الأثير، في أيدي الخوارج الثوار بقيادة ابن كيداد صاحب الحمار سنة 333هـ/944م إيذانا بنهاية الشيعة، وإن تمّت متأخرة.

وقد تضرّرت أسوار الأربس وقلعتها هدما وإحراقا ونهبا بأمر أبي يزيد مخلد بن كيداد (صاحب الحمار) بقدر ما تضرّر من أهلها من قبل بأمر الداعي الشيعي، ولكنها كانت إثر كلّ نكبة تجمع قواها وترمّم مبانيها. ففي عهد بني زيري كوّنت الأربس مع أبّة وحدة إدارية تحت إمرة وال. ففي سنة 382هـ/992م تولاّها قيصر أحد موالي الأمير منصور الصنهاجي فوجد في مخازن سلفه 60.000 قفيز قمح. وهو ما يدلّ على ثرائها ورخائها المتواصلين باستثناء فترات المحن. ومرّة أخرى اعتمدها الصنهاجيون قاعدة لمقاومة الحمّاديين في بداية ق 5هـ/11م، إلاّ أنّها سقطت سنة 445هـ/1053م في أيدي الهلاليين.

وقد تمكّن الناصر من المسك بزمام أمورها مؤقّتا سنتي 458هـ/1065م و461هـ/1068م بالتناوب مع ابن مخراز الرياحي (460 - 461هـ/1067 - 1068م) وتلاه الشيخ ابن فتاتة الذي اضطرّ إلى أن يلتمس من عياد بن نصر الكلاعي حاكم الكاف تخليص مدينته من الأعراب مقابل جزية استخلصها حتى وفاته وطلبها ابنه خلفه إلى أن استسلم لعبد المؤمن بن علي في سنة الأخماس 555هـ/1160م.وفي منتصف ق 7هـ تولّى قضاء الأربس للمستنصر بالله الحفصي في أوّل عهده أبو المطوّف أحمد بن عميرة (ت658هـ/1260م). وأدقّ وصف للأربس ما دوّنه الحسن الوزّان المعروف بليون الإفريقي سنة 933هـ/1526م بقوله: "أوربس مدينة عتيقة بناها الرومان، كما يدلّ اسمها على ذلك، وتقع في سهل جميل جدّا، هو زهرة أقاليم إفريقيا كلّها.أرضها خصبة جدّا، منبسطة تماما مع سهولة كبيرة في السّقي، وتزوّد هذه البادية بلاد تونس كلّها بالقمح والشّعير لأنها على بعد نحو مائة وتسعين ميلا من الجنوب التونسي. تكثر فيها الآثار الرّومانيّة، من تماثيل رخامية وقطع مرمرية موضوعة في أعلى الأبواب، عليها كتابات منقوشة بالحروف اللاتينيّة، مع كثير من الحجر المنحوت. وقد استولى القوط (الوندال) عليها لأنّ النّبلاء الرّومان الذين كانوا يستوطنون إفريقيا التجؤوا إليها وجمعوا فيها كنوزهم، فبقيت خالية مدّة من الزّمان، ثمّ سكنت من جديد، ولكنها ظلّت قرية. ويمرّ بين قلعة هناك ومدشرين جدول ماء صالح للشراب يسيل في قناة حجارتها ناصعة البياض كأنها من فضّة، ويحرّك طاحونات القمح، ينبع من ربوة بعيدة عن المدينة بنحو ميل ونصف ميل. ومدينة أوربس متحضّرة قليلا لأنّ سكّانها منقسمون إلى طبقتين: النسّاخون والفلاّحون. ويثقل ملوك تونس كواهلهم بالضّرائب. ولو عرف هؤلاء الملوك ما تشتمل عليه هذه المنطقة من خصب وإنتاج، سواء في الحبوب أو الماشية أو في غزارة المياه ونقاوة الهواء، لهجروا تونس بلا شكّ وسكنوها. ويعرف الأعراب ذلك كلّه، فيأتون كلّ سنة إلى بادية أوربس ويملأون أكياسهم قمحا دون أن يؤدّوا أيّ ثمن، ثمّ يعودون إلى الصحراء". بعد ذلك الوقت بدأت الأربس تفقد قيمتها ودورها بتحوّل الطّرقات عنها لصالح جارتها الكاف، حتّى اندثرت، وبقي اسمها فيمن انتسب إليها.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • حسن محمد،"العمران والمجال الزراعي بناحية الأربس من زمن الحفصيين"، ضمن دراسات في الآثار والنقائش والتاريخ تكريما لسليمان مصطفى زبيس، المعهد الوطني للتراث، تونس،2001 ، ص ص105-122.
  • عرعار مراد، الجغرافيا التاريخية لجهة التل الأعلى التونسي خلال العصر الوسيط(القرن الأول- منصف القرن الخامس الهجري/ السابع -الحادي عشر للميلاد، شهادة الدراسات المعمقة ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تونس،1999.