أحمد القلعي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أحمد القلعي

[1936 - 2008م]

يعتبر الفنان أحمد القلعي ثالث الفرسان الثلاثة الذين ينحدرون من عائلة فنية عميدها الشيخ علالة القلعي. وإذا كان الفنان أمير الكمان رضا القلعي قد بايعه العازفون التونسيون أميرا لآلة الكمان، فإن شقيقه الأصغر أحمد القلعي، يعتبر كذلك أميرًا لآلة العود المشرقية، فضلا عن إتقانه العزف على آلة البزق الوترية الفارسية الجذور، في حين عدّ الشقيق الثالث المرحوم محمود القلعي، أبرز العازفين على آلة الناي الفارسية الكرنيطة التركية. فلا غرو في أن يشكل ذلك الثالوث النواة الأولى لفرقة المنار الموسيقية التي تأسست سنة 1949 لينضّم إليها البشير جوهر وإبراهيم المهدي والصادق الكومانجي. وامتاز أحمد القلعي أيضا، على بقية العازفين بجمال نبراته الصوتيّة التي كانت تتماهى والأداء الصوتي لموسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب.

فكان من الطبيعي أن يحيي أحمد القلعي، السهرات الرمضانية في كفيشانطا، صالة الفتح نسبة إلى المطربة فتحية خيري وقد كانت تقع بساحة باب سويقة على مرمى حجر من مقهى جماعة تحت السور وكان برنامجه الغنائي روائع الموسيقار محمّد عبد الوهاب، فكان في كل ليلة يشّنف آذان سمّار الليالي بصوته الجميل الذي يدخل الآذان دون استئذان فيضفي ألوانا إبداعية وخانات نغمية على أغاني محمّد عبد الوهاب. لكن اللاّفت للنّظر هو نبوغ الفنان أحمد القلعي، الذي نحت مسيرته الفنية الموفقة في عصاميّة نادرة ورباطة جأش وقوة لا تلين.

ذلك أن أحمد القلعي، قد اقتصر على بعض الدروس الأوّلية التي كان يلقيها إملاء الشيخ عبد العزيز جميل على روّاد دكانه لصناعة الالات الوترية وإصلاحها مثل العود والكمنجة. ولمّا كان دكان والده علالة القلعي، لصناعة النسيج يقع قبالة دكان الشيخ الجميل بادر بإرسال ابنيه رضا ليتعلّم العزف على الكمنجة وأحمد القلعي ليتلقى بعض الدروس في فنّ العزف على العود المشرقي. وأخذ الفنان أحمد القلعي أيضا عن الفنان علي السريتي، استعمال الريشة كلّما زار دكّان الشيخ الجميل الذي كان جاره بالسكنى. لكن أحمد القلعي لم تطل إقامته بدكان المرحوم الجميل وإنما اعتمد على مواهبه الفطرية من حيث هو فنّان عصامي إلى أن حلّت سنة 1961. فتقدّم لاجتياز امتحان ديبلوم الموسيقى العربية. فناله بامتياز من المعهد الوطني للموسيقى بنهج زرقون.هكذا خوّلت له تلك الشهادة أن ينتصب لتدريس آلة العود بالمعهد العالي للموسيقى. فتخرّج على يديه عازفون مقتدرون مهرة لعلّ أبرزهم مراد الصقلي، الأستاذ الجامعي والمدير السابق لمركز النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية.

على أن خطته التدريسية لم تمنعه من مواصلة مسيرته الفنية باعتباره العازف الأوّل بالإذاعة التونسية غداة انبعاثها سنة 1957 إلى أن تولى قيادتها في مطلع السبعينات من القرن العشرين قبل أن يلتحق بخطة موظب بمصلحة الموسيقى بالتلفزة الوطنية بدعوة من رئيسها الفنان محمّد القرفي، فور عودته من باريس حين أتمّ دراساته العليا في العلوم الموسيقية سنة 1974. وقد التحق به عندما أسس القرفي، الفرقة البلدية للموسيقى العربية سنة 1976. ويمتاز أحمد القلعي، بإتقانه الكامل للترقيم الموسيقي إملاء وقراءة وتدوينا. من ذلك أنه كلّف بتدوين جلّ الأغاني التي سجّلت في تلك الفترة مثل أغاني علي الرّياحي، الذي كان يعتمد على الذاكرة وتسجيل ألحانه على شريط مغنطيسي.

على أن المحطة البارزة في مسيرة أحمد القلعي، هي توّجهه نحو مجال التلحين وتوّهجه في إبداع الكثير من الأغاني التي شدت بها الأصوات التونسية فضلا عن القيادة الأوركسترالية للكثير من الفرق الموسيقية مثل فرقة صوت الفن، للفنان منصور مجدوب التي تولى بهما توزيع عدّة أغان تراثية وتهذيبها مثل جاري يا حمودة بصوت المطربة صفوة ومريضة ما عندك سوء للمطربة سلاف. وبرع أحمد القلعي، على نحو خاص في تلحين قصيدة حرّية للشاعر الفرنسي بول أليآر، التي ترجمها إلى العربية المرّبي الشاعر محمّد الهاشمي زين العابدين وقد أدّتها المطربة وفاء. وتعامل أحمد القلعي مع رفيق دربه محمّد سعادة في مسرحية أنطغون للكاتب الفرنسي جان أنوي التي لحنها سعادة وأخرجها محمّد جميل الجودي وقدمتها الفرقة البلدية بإدارة علي بن عياد. وهكذا يكون أحمد القلعي، قد اعتلى الركح المسرحي مطربا وممثلا رفقة المجموعة الصوتية المتآلفة من الرّاحلين مصطفى الشرفي وعبد الحميد ساسي وعبد الحميد عطية.

ومما لا شك فيه أنّ الركح المسرحي لم يعد له أي سرّ يخفيه. إذ أنه كان يواجه من فوقه الجمهور سواء كان عازفا أو قائدا أركستراليّا أو مطربا في الخمسينات. وقد اشتهرت له أغنية "من غير سبب تفارقنا" كلمات الزجال محمّد المولدي شُهر رضا الخويني إلى جانب ألحانه التي أهداها إلى نجوم الغد مثل أغنية "قلبي يا غالي" للمنصف بالشيخ، و"مهما إنت تغيب عليّ" لتوفيق عبد النبي.أمّا في مطلع التسعينات فقد اقتحم أحمد القلعي، مجالات عالمية بفضل المعزوفات السنفونية التي لحنها محمّد القرفي سنة 1997 وقدّمها عزفا متقنا في مهرجان الموسيقى المعاصرة في مدينة بلارمو الايطالية فضلا عن العروض الموسيقية لزخارف عربية للفنان محمّد القرفي منذ سنة 1993. أمّا في سنة 2007، فقد تحول أحمد القلعي، إلى هولاندا حيث سجل حصة إذاعية بعنوان حوار الأوتار أبرز فيها براعة فائقة في العزف على العود المشرقي حتى يكاد يحوّله إلي بيانو. وأعاد تلك المعزوفة مع تلميذه العوّاد كمال الفرجاني في نطاق حفل التكريم الذي أقامه على شرفه تلميذه الثاني الموسيقي مراد الصقلي، في رحاب قصر البارون. ومن جهة أخرى سجل أحمد القلعي، على إسطوانة ليزر معزوفاته القديمة مثل سباق الخيل وتجليّات العود بمهرجان اليونان سنة 2005. وكان آخر حفل أحياه أحمد القلعي بقصر البارون، بعنوان يا زمان الوصل. وتوفّي أحمد القلعي في 12 أكتوبر 2008.