صالح السويسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1871 - 1941م]

صالح السويسي

هو عبد الله صالح بن عمر السويسي القيرواني ولد بمدينة القيروان سنة 1871. انتقل مع والده إلى حاضرة تونس سنة 1876. ودرس القرآن في بعض كتاتيبها. ثمّ عاد من جديد إلى القيروان سنة 1887. أقبل على مطالعة الكتب الأدبيّة والمجلات الشرقيّة والدواوين. وكان مولعا، في تلك الفترة، بمقالات أعلام النهضة من أمثال الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول وشكيب أرسلان ورشيد رضا.نشر مقالاته السياسية والاجتماعيّة في جريدة "الزهرة" ثمّ في مجلتي "الاسلام" و"الفنون" المصريّتين. وقد كان غرضه من كتابة هذه المقالات، كما أعلن عن ذلك، إيقاظ بني وطنه "خصوصا والمسلمين عموما إلى السيّر على ما كان عليه السلف الصالح وسلوك الناشئة سبيل الرّشاد" مفنّدا آراء المحافظين الذين ذهبوا إلى أنّ مقالاته كانت تشوّش أفكار أبناء هذه البلاد، بحبك الدسائس وبثّ الفتنة، غير أنّ "حزب الطّغاة"، على حدّ عبارته، قد تمكّن من إقناع أولي الأمر بضرورة إقصائه عن مسقط رأسه درءا للفتنة.

أبعد صالح السويسي سنة 1897 إلى مدينة توزر "بعد سعاية من قوم باعوا دينهم بدنياهم "كما جاء في الترجمة التي خطّها بقلمه فقابله أهلها ب"التّرحاب والاكرام". لكن تلك المحنة، على حدّ عبارته، كانت في طيّها منحة، إذ تمكّن، في تلك الفترة، من الانعطاف على الكتابة فأنجز في أثنائها بعض أعماله الأدبيّة. وبعد انقضاء مدّة الابعاد عاد من جديد إلى مسقط رأسه وأخذ في نظم الشعر يدور حول "النّصح والارشاد" ويكاتب جريدة "الحاضرة" في ما يعنّ له من الخواطر في أغراض متنوّعة وخاصّة أغراض الاصلاح والارشاد داعيا أبناء شعبه إلى النهوض والتحرّر من ذلّ الاستعمار، والأخذ بأسباب التقدّم والتمدّن. يعدّ صالح السويسي أبا الرواية التونسيّة دون منازع، بل يذهب بعضهم إلى أنّه أبو القصّة في المغرب العربي ومن كتابها الأوائل في العالم العربي.

جاء في المقدّمة التي تصدرت رواية الهيفاء وسراج الليل "فبينما لم تظهر القصّة في المغرب إلاّ حوالي 1923 حين صدرت رواية اليتيم المهمل وفي الجزائر ننتظر حتى سنة 1935 وفي ليبيا سنة 1950 نجد بتونس سنة 1906 وفي ثاني مجلّة صدرت رواية الهيفاء وسراج الليل لصالح السويسي. وهي رواية في فصول أراد منها صاحبها أنّ يُبلغ نظريته الاصلاحيّة ومعلوماته الكاملة عن هذه الحركة وفلسفته في الحياة ونظرته في المجتمع". بطل هذه الرواية هو سراج الليل المنحدر من أب ولد في جزيرة العرب بضواحي اليمامة وأمّ تركية الأب عربية الأمّ تسمّى الهيفاء كانت كما وصفها السارد "سيّدة عالمة جليلة". على إثر وفاة الأب غرقا - وهو يلتقط اللؤلؤ من قاع البحر - انكبّت الأمّ على تربية سراج وإطلاعه على حال الأمّة - وقد استشرت بينها الضّغائن والأحقاد وتفرّق الكلمة فأحدثت ضعف الممالك وسقوط الدّول. ولمّا كانت الأمّ مطّلعة على حركات الاصلاح التي كانت تزخر بها بلاد المشرق فقد عزمت على إرسال ابنها إلى مصر لتحصيل العلوم "الدينيّة والدنيويّة" صحبة الشيخ رشيد الشامي. وهو رجل "له غيرة على أبناء دينه" قدم اليمامة ببضاعة شريفة يعطيها "لمن يقتنيها ويرغب فيها دون عوض مقامها شريف وحملها خفيف" كناية عن العلم. هذه الرواية جاءت مبتورة غير مكتملة فلم نظفر منها إلاّ على الفصول الأولى. وهي الفصول التي روت رحلة سراج الليل وأستاذه إلى بيروت ولقاءهما بالشاعر "مدّاح الحضرة النبويّة وعاشق الذات المحمديّة". أمّا الغرض من هذه الرواية فهو التنبيه على ما أصاب المسلمين من "الانحطاط الجسيم في هذا الزمان حتى استولت عليهم الأوهام الباطلة، ورسخت في أذهانهم خرافات الجاهلين... فوقعوا في حبائل الدجالين، وصاروا أذلاّء مستعبدين".

ويعدّ صالح السويسي من ناحية أخرى من مؤسّسي الشعر العصري. وهو الشعر الذي اتخذ من مفاهيم الاصلاح والتحرّر أغراضا له. ففي إحدى القصائد يهتف بأبناء شعبه قائلا:

أفيقوا يابني وطني المعلّى فقد طالت بكم سنة الرُقاد
أفيقوا واذكروا تاريخ مجد لاباء لهم بيض الأيادي

وتضمّن أغلب شعره دعوات مماثلة إلى النهوض وتذكيرا بالمجد الغابر. وكثيرا ما كان ينادي بالاقبال على العلوم، خصوصا العصريّة منها، لمجاراة الأمم التي غلبت بالعلم وسادت به غيرها من الشعوب:

يا أهل تونس قومي مالكم غربا
عن موطن العلم أو تعليمكم أدبا
يا أهل تونس قومي استيقظوا فلكم
مجد على هامة العلياء قد نصبا
يا أهل تونس قومي استدركوا رمقا
من عزّكم قد أراهم اليوم منقلبا
هيّا املؤوا من علوم العصر حافظة
فبالعلوم ينال المرء ما طلبا

وكان يرى أنّ طلب العلوم العصريّة لا يتنافى مع المحافظة على اللغة العربية والعمل على إحيائها ولا مع الرجوع إلى صفاء الدين وتطهيره من البدع والأوهام. يقول الفاضل ابن عاشور في هذا "يعتبر صالح السويسي لسان الاحساس القوميّ والنهضة الفكريّة على ما يعتري شعره من سقطات صناعيّة أحيانا بسبب ضعف تكوّنه الأدبي..وإذا كان غيره من الشعراء قد شاركه في هذا المنهج فقد تقدّمهم بأن جعله منهجه الملتزم وبأن كان أقوى اندفاعا فيه إلى درجة استنزال درجة الفناء على الأرض، وكان بذلك حاملا راية الشعر الاصلاحيّ". وقد صاغ كلّ هذا في ديوانه زفرات الضمير المطبوع بتونس سنة. 1911 وله مجموعة شعريّة أخرى بعنوان فجائع اليتامى والبائسين و"أناشيد مدرسيّة" وترجمة ذاتيّة منشورة في قصّته "الهيفاء وسراج الليل". وبعد وفاته صدرت عن الدار التونسيّة للنشر جلّ أشعاره بعنوان :ديوان صالح السويسي (تونس 1977).

أعماله المنشورة:

  • زفرات الضمير: من نظم ونثر صالح السويسي، المطبعة التونسية، تونس 1911.
  • كتاب منجم التبر من النثر والشعر، المطبعة الأصلية، تونس 1906.
  • ديوان صالح السويسي القيرواني، الدار التونسية للنشر، تونس 1977.
  • الهيفاء وسراج الليل، الدار التونسية للنشر، تونس 1978.
  • فجائع اليتامى والمساكين، سوق البلاط، تونس 1911 - الدار التونسية للنشر، تونس 1990.