فن الطبخ التونسي حسب الجهات والمواسم

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

يمتاز التونسيّون، مثل سائر الشعوب المتوسّطية، بمهارتهم في فنّ الطبخ وتذوقّهم المرهف لما لذّ وطاب من الأطعمة. وقد ورثوا عن أجدادهم البربر أكلتهم الوطنيّة والشعبية المفضّلة: "الكسكسي" وهو اليوم بحكم التطوّر يتّخذ ألوانا وأشكالا مختلفة حسب تركيبته (قمح كامل أو سميد) وحسب أنواع اللّحوم والأسماك التي تطبخ به، أو الفواكه التي يزدان بها، إذا كان يحضّر في شكل "مسفوف". والكسكسي اختراع بربري خالص والمثل يلخص ثقافة البربر كما يلي "أكل الكسكوس وحلق الريوس ولبس البرنوس" وقد مرّ الخبز منذ أقدم العصور بمراحل التطوّر نفسها خاصّة في جهة الشمال المعروفة بإنتاج القموح، مثل خبز الجرادق أو خبز الطاجين أو الغنّاي (وهي فطائر بلا خميرة تنضج في أوان طينية) وخبز الشعير كالذي اشتهرت به رفراف، والخبز "المبسّس" بالزيت والخبز المشوي الذي كان معروفا منذ العهود البونية وخبز القمح (غير منزوع النخالة) وخبز القطانية والخبز الدياري الذي كان يصنع في المنازل فقط، لكنّه أصبح يباع في الأسواق حديثا، وكذلك الأصناف الفاخرة من الخبز الدياري التي تحضر بمناسبة شهر رمضان أو عيد الأضحى.

الكسكسي

وفي ميدان الحلويّات التي تصنع بالعسل والسكّر واللوز والجوز والبندق (بوفريوة) والزبيب والفستق والدقلة، اشتهرت كل ّ مدينة باختصاصاتها مثل تونس (البقلاوة والقطائف والزريڨة والبلوزة والبوزة بأنواعها) وصفاقس (طواجن اللوز وبقلاوة الباي والملبّس والروزاطة...) والقيروان (المقروض) وباجة (الزلابية والمخارق).أمّا الكعك فهو منتشر في كلّ الجهات وأشهر أنواعه كعك التمر وكعك الورقة (وقد اشتهرت به زغوان) وكعك العنبر (لوز وفستق فقط)، الخ... يزداد الاقبال على هذه الحلويات في عيد الفطر. ويختصّ كلّ موسم أو عيد بأنواع من المأكولات. ففي المولد النبوي تعدّ العصيدة وهي أنواع: عصيدة السميد أو الفرينة بالعسل والزبدة والدقلة (أو بزيت الزيتون عوضا عن الزبدة)، وعصيدة الزقوقو (حبّ الصنوبر) التي تزدان بالكريمة والفواكه والحلوى، وعصيدة الفستق الباهظة التكلفة، والعصيدة المالحة التي تؤكل مع الشكشوكة الحارّة في الوطن القبلي خاصّة.

ومن التقاليد في 15 رجب، "ليلة قسمة الأرزاق"، إعداد طعام فاخر يتصدّق به على العائلات المعوزة وكذلك في ليالي 27 من رجب وشعبان ورمضان. أمّا في ليلة عيد الفطر، فإنّ الحلالم بالقديد هي الأكلة المعتاد تحضيرها ليوم غرّة شوال. وفي عيد الاضحى تتفنّن ربّات المنازل في إعداد المشويّ بلحم الخروف وكذلك القلاية والمرقاز والقدّيد والعصبان (وهو نوعان: طازج بالبقدونس والبصل والتوابل، ومجفّف بالملح والتوابل ويسمّى عصبان غاوي). وبحلول شهر ميّو الأعجمي (14 ماي) تحرص النساء الراغبات في استرضاء أزواجهنّ على إعداد "عصبان ميّو" بضروب من الحشائش والتوابل.

وفي رأس السنة الهجرية يؤكل الكسكسي بالقديد والمرقاز اللذين قد جُفّفا منذ يوم عيد الأضحى مع الفول والبيض المسلوق. وبهذه المناسبة يمنح الأطفال في جهة نابل لعبا تتّخذ من السكّر الملوّن على شكل دمى وفرسان، وقد تتّخذ شكل ديوك تكون ذات ألوان فاقعة في الأرياف والبوادي. أمّا بمناسبة رأس السنة الأعجمية (حوالي 14 جانفي) فإنّ الملوخية هي الأكلة التي يتبرّك بها الناس على أمل أنّ تكون السنة الجديدة سنة خضراء أي سنة خير ورخاء. وفي عاشوراء اعتادت عائلات كثيرة طبخ الدجاج حتى "لا تصاب العظام بالتسوّس" حسب اعتقادها.

وعند حلول الربيع يكثر تقطير الزهر (أزهار شجر البرتقال أو النارنج) والعطرشاء والورد، خاصّة في جهة نابل والوطن القبلي عموما، وفي صفاقس يقطّر الورد والنسرين، وفي جربة كانت تقطّر البوخة (من التين) وتنتج ضاحية تونس الجنوبية خمورا مشهورة (مرناق) وكذلك جهة تيبار. ويحتلّ صيد السمك مكانة مهمّة في إنتاج البلاد وهو غزير ومتنوّع على طول السواحل التي تبلغ 1300 كلم. ويضرب المثل بمحّار بنزرت وجراد البحر بطبرقة وتنّ سيدي داود وسردينة المهدية وقرنيط (أخطبوط) جزر قرقنة وبوري غار الملح والسمك المجفّف بصفاقس وقمبري قابس.

أمّا أحسن لحوم الخرفان فتوجد في المحرس وأحسن التوابل والملوخية والحنّاء في قابس وأحسن زبيب في رفراف وأحسن لوز في صفاقس (وخاصّة العشّاق من بين أنواعه الكثيرة). ولقد اشتهرت المكناسي بالفستق والهواريّة بالكاكوية ودقاش بالتمر (الدقلة) والوطن القبلي بعسل شجر البرتقال والفحص بعسل الاكليل وسجنان بعسل الكلتوس وكسرى بعسل الحشائش الجبلية. ولئن كان أجود زيت زيت الساحل وصفاقس فإنّ الزيتون الذي ينبت في جبال الشمال (اللاّس) والوسط (الوسلاتية) والجنوب ويجنى ويعصر بالأيدي يعدّ غذاء ودواء في الوقت نفسه. وألذّ خبز هو خبز القيروان، وأحسن فطائر تلك التي تصنع في غمراسن، وأشهى جبنة تلك التي تباع في باجة، وأطيب البقول تلك التي تقطف في طبلبة. أمّا البطيخ فهو أنواع: خشن القشرة وبطعم العسل في المكنين والمسقي بمياه مجردة والمزروع قرب بحيرة غار الملح، وكذلك بطيخ باجة الشهير. ويوجد الموز في واحة قابس وقرب ضاحية قرطاج، والتوت في رأس الجبل، وحبّ الملوك في سيدي بوزيد، والقوارص في الوطن القبلي، والفقّاع (الفطر) بعين دراهم، والهندي في تالة (زلفان)، والخوخ (بوطبقاية) في مرناق، والرّمان في تستور وقابس. أمّا الفول فيوجد في كل ّ مكان من أرض تونس المعطاء.