علي الحصري القيرواني

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[420 - 488هـ/1029 - 1095م]

هو أبو الحسن علي بن عبد الغنيّ الحُصري أحد أدباء القيروان في القرن الخامس الهجري. وهو المشهور بقصيدته التي يقول في مطلعها:

يا ليل الصبّ متى غدُهُ أقيام الساعة موعدُهُ

ولد في القيروان سنة 420هـ/1029م. وهو ينسب إلى الحُصْر بتسْكين الصّاد لا فتحها وهي على ما يبدُو قرية صغيرة من قرى القيروان التي اندثرت مع مرور السّنين (ح.ح. عبد الوهاب، المنتخب، ص 60) وإلى القرية نفسها يُنْسبُ خاله الأديب إبراهيم الحصري (ت 413هـ/1022م) صاحب الآثار الأدبيّة الغزيرة التي منها زهر الآداب وثمر الألباب والمصون في سرّ الهوى المكنون. فلا غرابة في أن ذُكر الحصريّان معا في أعلام إفريقيّة الذين تكوّنت منهم المدرسة الأدبيّة في العصر الصنهاجي. وقد عرّفه الأستاذ الشاذلي بويحيى في كتابه الحياة الأدبية (ج1،ص391) فقال: "كان علي الحصري متضلّعا من علوم القرآن وقد درسها وأحرز فيها مرتبة الأستاذ الأعلى حسب عبارة ابن دحية في كتابه المطرب من أشعار أهل المغرب، كما كان مترسّلا وشاعرا ماهرا صاحب براعة مذهلة في التصرّف في هذا الفن، تساعده في ذلك سعة معرفته بالعربية وتحكمه في صناعة الشعر إلى درجة الكمال". وهو من أبرز وجوه النهضة الأدبيّة في عهد بني زيري. أسهم الحصري إلى جانب غيره من المغتربين الأفارقة في نشر أنوارها الباهرة بالأندلس حيث كان يعدّ زعيم جماعة على حدّ قول ابن بسام في الذخيرة (ص191ج1). وقد عُرفَ الحصري بالضرير لفقده البصر وهو طفل صغير. وكانت هذه العاهة سببا في تبرّمه وتشاؤمه حتى إن بعض النقاد شبهوه بأبي العلاء المعري لا في هذه العاهة فقط وإنّما من جهة اشتراكهما في بعض أغراض الشعر والتزام ما لا يلزم. يقول الحصري عن عماه جاعلا منه سببا من أسباب نبوغه وتميّزه:

وقالوا قد عميت فقلت كلاّ
فإنيّ اليوم أبصرُ من بصير
سواد العين زاد سواد قلبي
ليجتمعا على فهم الأمور

حلّ الحصري بالأندلس. ولقى نجاحا وصيتا عند الأمراء. فقد قال ابن بسّام عن حياة الحصري في الأندلس اطرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه القيروان والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق معمور الطريق فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض بالنسيم وتنافسوا فيه تنافس الديار بالأنس المقيم (الذخيرة، مجلد 1 من القسم الرابع ، ص 196). وقد اتصل بالمعتمد بن عباد ملك اشبيلية سنة 462 هـ وأصبح ضمن شعراء بلاطه ثم "تسابق إلى دعوته ملوك الطوائف الذين تنافسوا في إكرامه ورفده. وكان يتفادى العدد الوافر من الحساد والأعداء الذين دعاهم إلى الوقوف ضده غبْطُهُمْ إياه على حظوته لدى الأمراء، بقدر ما ألّبهم عليه ما عُرف به من المهارة الشعرية وسعة العلم مع صلفه وتعاليه وأهاجيه الشديدة اللاذعة وازدرائه الأندلس وملوكها وأهلها وعلمائها بشكل يكاد سكون سافرا" (بويحيى، الحياة الأدبيّة، ج 1. ص 391). ولم يشتهر الحصري في كتابة النثر شهرته في قول الشعر. ولنا في المعشّرات واقتراح القريح خير دليل على ذلك.

المعشّرات: هي قصائد التزم فيها صحابها بالعدد عشرة في كل قصيدة من قصائده.

ومن ثمّ جاءت تسميتها بالمعشّرات. وزاد إلى ذلك التزامه جميع حروف الهجاء رويّا لقوافيه وحرفا أول لكل بيت من الأبيات العشرة. فكان عدد أبياتها 290 بيتا بإدخال لام الألف في العدد. أما موضوعها فواحد هو الغزل باعتباره غرضا مستقلا بذاته وليس نسيبا يتصدّر مطالع القصائد المدحيّة. وقد أعلن الحصري عن موضوعه في أوّل معشر. فقال:

أمَا لَكَ يا داءَ المحبّ دواء
بلى عند بعض الناس منك شفاء
أسيرا العدا بالمال يفديه أهله
وما لأسير الغانيات فداء

وسمة هذا الغزل على العموم أن يكثر فيه البكاء على الحبيب المفارق والعتاب على من تسّبب في الهجر والشكوى من العاذل والرقيب والكاشح والاستمتاع بالحديث عن الذكريات السعيدة انطلاقا من حاضر الشاعر المتأزّم. وقد استساغت الذائقة العربية منذ الجاهلية هذا النوع من الشعر الذي تكون فيه المرأة مطلوبة والشاعر طالبا وهي الصادّة المتمنّعة وهو المتيّم بالحبّ الهائم على وجهه إلى درجة أن كان للعرب شرقا ومغربا من سمّوا بالشعراء العشّاق فضلا عن الشعراء المجانين. وقلّ عدد الشعراء الذين لم يقولوا في الغزل أو النسيب. وقد وجد الحصري في ظروف حياته القاسية ما شجّعه على الكلام على مفاتن المرأة وصدّها ودلالها وربّما عن غدرها وخيانتها للرجل. وهو إذ يمزج بين الصفات الحسنة وضدّها يشير بذلك إلى صنيع زوجته التي هجرته وهو في أمسّ الحاجة إليها لقلة الأصدقاء وكثرة الأعداء زيادة على فقده لابنه عبد الغني وما خلّفه ذلك في نفسه من حسرة ولوعة على المفقود وتبرّم بالحياة وتشاؤم منها. وفي هذا يقول:

أتأمرني بالصبّر عمّن أحبه
وهيهات مالي في هواه عزاءُ
أموت اشتياقا ثم أحيا لشقوتي
كذاك حياةُ العاشقين شقاءُ

وإن قارئ المعشّرات يجد فيها صدى لشعر شعراء بادية الحجاز في القرن الأول الهجري أمثال جميل وكثيرة عزّة ومجنون بني عامر.

اقتراح القريح واجتراح الجريح

ديوان شعر ضخم يتقدّمه قسم نثري في الزّهد والمواعظ. ويشتمل هذا الديوان على 2600 بيت. (بويحيى، الحياة الأدبية ج1، ص 394) أغلبها في رثاء ابنه عبد الغني (475 هـ/1082م) وتصوير لوعة الشاعر وأساه على فقده ابنه الذي اختطفه المنون على صغر سنّه.