الخرائط عبر التاريخ بالبلاد التونسية

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تعود أول المحاولات في رسم الخرائط إلى حضارة بابل (العراق). وذلك نظرا إلى اعتناء البابليين بعلوم الرّياضيات والفلك. فتمثّلوا العالم منذ سنة 2500 ق م، في شكل قرص، حوله سبع جزر منتشرة، والبحر يحيط به من جميع الجهات. أما الخرائط المصريّة، فإنّ أقدمها يعود إلى القرن الثالث عشر ق م، مقترنة أساسا بعمليّة تقدير الجباية وما تتطلّبه من مسح للأراضي. ويعدّ قياس المسافات ومعرفة الاتّجاهات والرّموز الخاصّة بالعناصر الممثّلة من المكوّنات الأساسيّة للخريطة التي تعتمد مقياسا دقيقا للأبعاد الأصليّة المقابلة لها في الطّبيعة.

أوّلا الخرائط في العصور القديمة[عدّل]

خريطة بطليموس

مواصلة للجهود البابليّة والمصريّة السّابقة، تمكّن الاغريق من تطوير علم الخرائط. وذلك بدءا بهيرودوت ووصولا إلى بطليموس. فقد بدأت وقتذاك تتبلور فكرة شكل الأرض الكروي. ففي خريطة العالم زمن هوميروس، حوالي 900 سنة ق. م، وردت تسمية لوبية أطلقت على القسم السّاحلي من البلاد التونسيّة وهي نبات الليتوفاج. وفي العهد الرّوماني أضحت خريطة العالم دائرة تتوسّطها مدينة روما.ولم تتبلور المعطيات الخاصّة بالبلاد التونسيّة إلاّ في الخريطة التي أنجزت انطلاقا من معطيات قدّمها سترابون (المتوفّى بين سنتي 19 و24 ق. م) تضمّنت ذكر لوبية وقرطاج، الواقعة بين مغاور هرقل من جهة و الاسكندريّة من جهة ثانية.وقد أنجز الجغرافي بطليموس (المتوفى سنة 168م) خرائط وفق إحداثيات دقيقة. ولئن لم تكن نسبة الخرائط إلى بطليموس - وقد رسمت في العصور اللاحقة - ثابتة فقد حظيت مدن أفريقيا باهتمامه في إحدى خرائطه.وقد رسمت خرائط للطّرقات والمسالك، في علاقة وثيقة بأغراض الدّولة الاداريّة والسّياسيّة منذ عهد أغسطس. وأثبتت مختلف المحطات بالبلاد التّونسيّة على نحو دقيق، في مسلك أنطونيوس (القرن الرّابع م وربّما الخامس والسادس م بالنّسبة إلى بعض الأجزاء) ولوحة بيتنجر في (القرنين الّثالث والرّابع م). وقد تشابهت المعطيات حول المواقع الوارد ذكرها في المصدرين، في علاقة بالأغراض الإداريّة والتجاريّة والعسكريّة للدّولة. ولئن نسبت اللوحة إلى بوتنغر الألماني (المتوفّى سنة 1547م)، فإنّ المعطيات الواردة فيها من مسالك ومحطّات ومسافات، تعود إلى القرنين الثّالث والرّابع م. وقد تعدّدت الطرقات والمواقع الأثريّة الخاصّة بالبلاد التّونسيّة الوارد ذكرها في الخريطة.

ثانيا - الخرائط العربيّة في عصر الإسلام الكلاسيكي[عدّل]

خريطة ابن حوقل

لقد تطور علم الخرائط تطوّرا نوعيّا في الحقبة العربيّة، على نحو مواز لتطوّر مختلف العلوم السّاندة له، مثل علم الفلك والرّياضيات والهندسة، وما اقترن بذلك من استعمال البوصلة والأسطرلاب. ولم يقتصر الجغرافيون العرب على ترجمة كتب بطليموس وغيره إلى العربيّة، بل طوّروا هذا الإرث في عمل الخرائط، معتمدين في ذلك على الرّحلة والمشاهدة العيانيّة. وقد استعمل الجغرافيون العرب مصطلحات الصّورة والرّسم ولوح التّرسيم والجغرافية للدّلالة على الخريطة. ولم يقتصر رسم الخرائط لديهم على الخرائط العامة القائمة على الحسابات الفلكيّة والمتأثّرة بالفكر الاغريقي واللاتيني وإنّما انصرفوا إلى رسم خرائط إقليميّة، فيها تمثيل للحقائق الجغرافيّة بالمصوّرات القريبة من الرّسوم.

خريطة الإدرسي

ولئن لم تصلنا خرائط من القرن الثّالث هـ/التّاسع م، واقتصرت مصنّفات اليعقوبي وابن رسته على نصّ وصفيّ، فإنّ علم الخرائط قد ازدهر في القرن الرّابع هـ/العاشر م عند الاصطخري وتلميذه ابن حوقل الذي رسم 22 خريطة، أفرد منها خريطتين لبلاد المغرب والأندلس، فرسم فيها أهمّ الأنهار والبلدان والمدن بالبلاد التّونسيّة، علما بأنّه اتّبع طريق طرابلس - قابس، قادما إلى إفريقيّة من الشّرق. وواصل بعد ذلك الشّريف الادريسي تأكيده فكرة استدارة الأرض، مجسّدا إيّاها في خريطة كرويّة للعالم، ذات ألوان متعدّدة، وقد تضمّنت صور الأقاليم ببلادها وأقطارها ومواقع أنهارها وعامرها وغامرها والطّرقات والأميال والمسافات والمشاهد. وقسّم خريطة العالم إلى سبعة أقاليم وكلّ إقليم إلى عشرة أجزاء متساوية، الجملة: سبعون قسما. وكان لإفريقيّة والمغرب مكانة في خريطة هذا المغربي النّشأة الذي زار البلاد التّونسيّة وعرفها بدقّة.وبصرف النّظر عن الكثير من الخرائط الضاّ ئعة، فإنّ خريطة العالم التي رسمها عبد الرّحمان بن خلدون قد عثر عليها بإستانبول. وهي أقلّ دقّة من خريطة الادريسي إذ اقتصر صاحبها في خصوص بلاد المغرب على ذكر إفريقيّة والجريد والمغرب الأقصى وطنجة.

ثالثا - الخرائط الأوروبيّة والعربيّة بين القرنين الرّابع عشر والسّادس عشر[عدّل]

لقد تعدّدت الخرائط التي رسمها الملاّحون الغربيون، تيسيرا لحركة الملاحة في المتوسّط بوجه خاصّ. وقد أطلق على خرائط المواني تسمية: les portulans. وبديهي القول إنّ هذه الخرائط برزت في المواني المتوسّطية النّشيطة تجاريّا مثل بيشا وجنوة والبندقيّة وبرجلونة، متضمّنة عدّة معطيات حول المواني والمدن التي بلغ عددها نحو 240 بالنّسبة إلى كامل بلاد المغرب، وأحيانا صور الملوك ورايات البلاد الاسلاميّة والمسيحيّة والحيوانات المشهورة بهذه البلاد. ولئن كان عدد المدن محدودا في خريطة الادريسي، لا يتجاور العشرة، وفي خرائط القرن الرّابع عشر ثمانية، فإنّه قد بلغ 32 في القرن الخامس عشر ونحو المائة في القرن السّادس عشر. وحظيت سواحل البلاد التّونسيّة بالنّصيب الأوفر في هذه الخرائط، وخصوصا تونس والمهديّة وجربة وجالطة وطبرقة. وثمّة رسوم أخرى أدقّ للبلدان والمدن السّاحليّة التي تعرّضت للغز و: وخصوصا لحملة شارلكان سنة 1550. ولذا فإنّ خرائط عدّة لتونس والمهديّة وجربة تعود إلى تلك الحقبة الحرجة.وفي نهاية القرن السادس عشر، اشتهرت خريطة أبراهم أرطوليوس (المتوفّى سنة 1598) لبلاد البربر والجريد وخريطته لسواحل البلاد التونسيّة.

أمّا الخرائط العربيّة الاسلاميّة التي رسمت وقتذاك، فإنّ أهمّها خريطة بحريّة مغربيّة لمؤلّف مجهول، تعود إلى بداية القرن الرّابع عشر توجد بمكتبة ميلانو وأخرى أنجزها أحمد الكاتبي؟ [و] سليمان [الكندي؟] سنة 816هـ، وقد تضمّنت عدّة أسماء.

وتكتسي خرائط بييري محيي الدّين رايس المتوفّى سنة 1552م الموجودة بإستانبول مكانة مهمّة. وقد تضمّن كتاب البحريّة معلومات دقيقة عن السّواحل التّونسيّة في ذلك العصر. وتعود إحداها إلى سنة 919هـ/1513م والأخرى إلى سنة 1528 ولم يبق منهما إلاّ بعض الأقسام، على أنّ كتاب البحريّة تضمّن 210 فصلا و250 خريطة مرسومة باليد. وقد خصّصت خمسة فصول لسواحل البلاد التونسيّة: بنزرت وتونس والوطن القبلي والسّاحل وجربة.وتعدّ خريطة علي بن أحمد بن محمّد الشّرفي السّفاقسي التي تعود إلى سنة 1009هـ/1601م (وهي مودعة حاليّا بروما) أهمّ خريطة للعالم أنجزها تونسي.

رابعا - الخرائط الأوروبيّة والعربيّة من بداية القرن السّابع عشر إلى سنة 1956[عدّل]

خريطة البلاد البربرية

ازداد عدد الخرائط ابتداء من القرن السابع عشر الميلادي. وذلك نظرا إلى تطوّر مختلف العلوم وإلى ازدياد المطامع الأجنبيّة في الايالة التّونسيّة. وعرف هذا القرن بعصر إنجاز الأطالس بهولاندا خصوصا. وتضمنت كلّها معلومات ضافية عن البلاد التّونسيّة.

خريطة البلاد التونسية لشو 1727

وازدادت الرّحلات الأوروبيّة إلى تونس في القرن الثّامن عشر. وقد كانت أغراضها مختلفة، فيما اقترن عصر الأنوار بحذق أكبر لتقنيات الخريطة. ونخصّ بالذكر من هؤلاء الرّسامين لخرائط للبلاد التّونسيّة الانقليزي طوماس شو (T.Shaw) وقد زار تونس سنة 1727 وألّف كتابا في وصف بلاد البربر. ومن الملاحظ أنّ المواضع المذكورة في هذه الخريطة وفي كثير من الخرائط الأوروبيّة هي مواضع رومانيّة، متأثّرة بالخرائط القديمة. ولم يصبح إنجاز الخرائط علما له قواعده الدّقيقة إلاّ في القرن التّاسع عشر. وقد رسمت الحصون والمناطق السّاحليّة بعناية تحضيرا لغزوها. وتواصل رسمها بعد انتصاب الحماية الفرنسيّة بالإيالة التونسيّة سنة 1881. وتميّزت أساسا برسم جنرالات الاحتلال الخرائط الطوبوغرافيّة لسلّم 1 / 50000 لكامل البلاد وبرسم تصاميم المدن وخرائط الجهات. ولمّا كان القرن التّاسع عشر عصر الاصلاح في العالم العربي والاسلامي، فقد شمل ذلك علم الخرائط، إذ اهتمّت المدرسة الحربيّة بباردو بعلم الخرائط ورسمت أوّل الخرائط بالبلاد باعتماد الطرائق الحديثة المتبعة في البلاد الأوروبيّة والقائمة على اعتماد العلوم المعاصرة من جغرافيا ورياضيات وهندسة. وقد ظهرت نتيجة لهذا المجهود أوّل مجموعات من الخرائط المنجزة في أواسط القرن التّاسع عشر م لمدن الساّحل وقراها وصفاقس وقرقنة وجربة.