محمد العنابي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1907 - 1984م]

ولد هذا القاضي سنة 1907 بتونس العاصمة ووالده هو الأستاذ عبد العزيز العنّابي الذي كان من أشهر المحامين وكان معروفا بالثّقة والنّزاهة والاخلاص في عمله. وقد انخرط محمّد العنابي في سلك التعليم بجامع الزيتونة حيث أحرز شهادة التخرّج فيه وهي شهادة التطويع سنة 1924، ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسيّة ونال شهادتها النهائيّة العليا أواخر سنة 1927. وفي عام 1928 اجتاز مناظرة فاز فيها بخطّة قاض نائب، وباشر سنة 1929 عمله بالمحكمة الابتدائيّة بقفصة، ومنها انتقل بصفة مؤقتة إلى المحكمة الابتدائيّة بتونس حيث ترأس لجنة "الانزال" في أراضي الأحباس. وفي جوان 1931 عيّن حاكم تحقيق بقفصة. وبعد عام واحد أي في جوان سنة 1932 عيّن عضوا بالمحكمة الابتدائيّة بالكاف واختير سنة 1936 لخطّة حاكم تحقيق بالمحكمة نفسها وعمل هناك مع القاضي المشهور الرئيس أحمد قرداح. واستمرّ بالكاف حتى انتقل من جديد إلى تونس في فيفري سنة 1941. وهناك لمع نجمه وظهرت كفايته وباشر رئاسة الدوائر الفرديّة، وسمّي سنة 1947 نائب رئيس بالمحكمة الابتدائيّة. ثمّ دخل محكمة التعقيب بخطّة الادّعاء العمومي، وعيّن سنة 1955 مدّعيا عاما بها. وفي سنة 1956 انتخب لرئاسة الدائرة المدنيّة الأولى لهذه المحكمة.

واستمرّ في خطّته تلك حتى عيّن رئيسا أوّل لمحكمة التعقيب وبقي على رأس هذه المحكمة إلى أنّ أحيل على التقاعد في غرّة جانفي سنة 1975، وسمّي رئيسا شرفيا بأمر في 3 ديسمبر سنة 1984 رائد عدد 73. وقد توفي في 27 ديسمبر سنة 1984. كان الأستاذ الرئيس محمّد العنّابي من القضاة الذين أخلصوا للقضاء وانقطعوا إلى خدمته وإلى العمل على تحقيق أهدافه وتأسيس ثوابته الصّحيحة وبثّ روح الاخلاص بين صفوف رجاله والعاملين فيه.عاش طول حياته يعمل في الحقل القضائي لا يلتفت إلى سواه، يسعى دوما إلى تكوين إطار من القضاة تتجسّد فيهم روح النّضال والمقاومة والصّمود والاستقلال في الرأي والصبر على الالام وتخطّي العقبات ومقاومة الظلم.

كان صبورا كتوما ناله الظّلم والحيف فلم يلتفت إلى الخلف وسار قدما يخطّط للمستقبل بروح نضاليّة، بعيدا عن السّياسة وأهوالها، متمسكّ ا بوطنيةّ صادقة كان يعتمد عليها في مواقفه الحازمة عند الدّفاع عن القضاء وردّ المظالم عنه وصونه من الذين كانوا يحاولون تقليص نفوذه. وكان عمله في وداديّة القضاة، وهي التي أسّست من أوّل يوم لإرساء قواعد استقلال القضاء ومسح يد الظلم عنه، كان عمله دؤوبا للوصول إلى تلك الغاية. وكان يجاهد بعيدا عن مناطق السّياسة ولكنّه كان يعمل تحت راية الوطنيّة والاخلاص للعدليّة التونسيّة التي أحبّها وأفنى حياته في خدمتها. حضر مرّة في اجتماع عقده القضاة بقاعة الجلسات للتداول في أمر تسمية القضاة التونسيين في مناصب القيادة والنفوذ والرئاسة بالعدليّة، وكانت هذه الخطّط مقصورة على الفرنسيين وحدهم ولا تسند إلى أبناء البلاد. وجاء أحدهم مبشّرا بأنّ إدارة العدليّة سوف تمنح بعض هذه الخطط للتونسيين من القضاة وطالب بأن تحرّر لائحة تطالب بذلك وتتوجّه بالشكر لرجال أمّار العدليّة المسيّرين على هذا المنح والعطاء. ووقف محمّد العنّابي خطيبا يلهب الأسماع ويشحذ العزائم ويكشف الحقائق، وقال إنّه لا يوافق على مطلب يعترف بالحقّ لغير أهله ولا يمكن أنّ يطلب التونسي من المستعمر المغتصب منحه بعض حقّه، ولا بدّ من الحصول على الحقّ كاملا واسترداده من مغتصبه. واستغرب الناس وقتها موقف الرئيس العنّابي الذي عرف ببعده عن السّياسة واجتنابه الخوض في أمّارها، وعلّق الشاعر الوطني محمد الهادي المدني بأن الانفجار حدث وأخرج ما أخفاه العنّابي من أحاسيس عشرات الأعوام. ونذكر أنّ القضاة تأثّروا بكلام العنّابي وطالبوا بالحقّ كاملا، وكانت جلسة أرادها بعضهم لتلطيف الجوّ ونيل الفتات فألهبته وأشعلته وأجمعت كلمة الناس كلهم على الحقّ الوطني والاخلاص له، بفضل محمّد العنّابي الوطني الصّادق والقاضي النزيه.

آ ثاره[عدّل]

تتألّف مدوّنته من الأحكام التي أشرف على إصدارها. وغالب هذه الأحكام محرّرة بقلمه، فهو يحرص على كتابة الأحكام بنفسه ولا يتركها لأعضائه.

وقد كانت أعداد نشرية "القضاء التونسي" التي كان ينشرها مجلس الوداديّة للحكام التونسيين زاخرة بنصوص الأحكام المثالية التي أصدرها وحرّرها بقلمه.

ونشرت له "مجلة القضاء والتشريع" الصادرة عن وزارة العدل، محاضرة تتعلّق بالقضاء الاستعجالي وأخرى بقانون الأكرية.

وصدرت له أيضا محاضرة بعنوان: "الأدب القانوني" بنشرية "القضاء التونسي" لسنة 1373هـ/1954م وقد كتبها بأسلوب يجمع بين رقّة الأسلوب الأدبي ودقّة لغة القانون.

وكان يباشر التدريس بالمدرسة العليا للحقوق، وقد تخرج على يديه العديد من القضاة والمحامين.

تولّى تدريس الفقه الإسلامي والقانون المدني والقانون العقاري وقانون المرافعات المدنيّة والتجاريّة، كما درّس بكليّة الحقوق والمدرسة القوميّة للادارة.

وشارك عام 1957 في لجنة تحضير المجلّة التّجاريّة وقدّم لائحة لها، كما شارك في عام 1958 في تحوير قانون المرافعات والاجراءات المدنيّة.