علي الڨابسي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[324 - 403هـ/35 - 936 - 1012م]

وُلد أبو الحسن عليّ الملقب بالقابسي والقيرواني الأصل سنة 324هـ/35 - 936م وتتلمذ لمجوعة من مشاهير شيوخ القيروان وإفريقية، ثمّ ارتحل إلى المشرق سنة 352هـ/967م وسمع الحديث بمكّة عن العالم المصري حمزة بن محمد الكناني، كما سمع "صحيح" البخاري عن أبي زيد المروزي. وكان القابسي أوّل من أدخل "صحيح" البخاري إلى إفريقية. وقد صحبه في رحلته أبو ميمونة الفاسي وأبو محمد عبد الله الأصيلي الذي كان يدوّن له سماعاته لأنّ أبا الحسن القابسي كان ضريرا. ثم رجع إلى القيروان وآثر العزلة، ولكنّ الناس قصدوه والتمسوا ما عنده من علم فنزل عند رغبتهم ودرّس القراءات ثم تفرّغ للفقه وأصوله. وكان القابسي قبل كلّ شيء محدّثا شهيرا، فأسمع طلبته مروياته وأسانيده العالية في الحديث.

واشتهر القابسي أيضا بتواضعه وورعه وتعاطفه مع المساكين رغم قلّة ذات اليد. وبعد أنّ قضّى عمره في خدمة العلم توفّي بالقيروان سنة 403هـ/1012م، وقد خلّف تآليف عدّة تنوّعت موضوعاتها بين عقيدة وفقه وأصول وحديث أشهرها: "الملخّص" الذي ضمّ خمسمائة وعشرين حديثا. وكان القابسي ينبّه إلى اضطراب الرواة في "المتن" ويشرح الألفاظ الغريبة والغامضة ويقتصر على البيّن الاتصال أو المحتمل الاتصال من مسند الحديث، ويتناول في التمهيد قضايا تتّصل بالحديث وعلومه تعمّق في دراستها، وهو ما جعل كتاب "الملخّص" يجد عناية كبيرة ويتداوله الناس ويحفظونه ويضع له الشرّاح عدّة شروح. لكنّ شهرة القابسي عند المتأخّرين ترجع أساسا إلى رسالة في التربية ذكر القاضي عياض اسمها تامّا وهي: الرسالة المفصّلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلّمين والمتعلّمين. ولقد ضمّن هذه الرسالة آراءه ونظرياته التربوية التي اعتمدها المتأخرون أمثال عبد الرحمان بن خلدون وبرهان الدين الزرنوجي (المتوفى سنة 591هـ/1195م).

يرى القابسي في القرآن الكريم الأساس الأوّل الذي ينبغي أن يرتكز عليه تعليم الصبيان، يقول: "فمن رغب إلى ربّه أن يجعل له من ذريته قرّة عين لم يبخل عن ولده بما ينفق عليه في تعليمه القرآن". ويتحدّث القابسي عن واجبات المعلّم فيقول: "فالواجب على المعلّم الاجتهاد حتى يوفّي ما يجب عليه للصبيان فإنّ وفّى ذلك يطيب له ما يأخذه على التعليم بشرط. وليعلم أنّه إن فرّط في وفاء ما عليه أنّه لا يجب له ولا يطيب له ما يأخذ من ذلك لأنّ الذين أجازوا له شرط الاجازة بيّنوا له ما يجب عليه". وينبغي أن يكون المعلّم رفيقا بالمتعلّمين من الصبيان "فإنّما هو لهم عوض من آبائهم. فكونه عبوسا أبدا من الفضاضة الممقوتة ويستأنس الصبيان بها فيجرؤون عليه". لكنّه يعتبر الشدّة ضرورية إذا لزم الأمر، وكان الصبيان يستحقّون ذلك. "ولكنّه إذا استعملها عند استئهالهم الأدب صارت دلالة وقوع الأدب بهم". ومن واجبات المعلّم أيضا العدل بين تلاميذه. يقول: "ومن حقّهم عليه أن يعدل بينهم في التعليم ولا يفضّل بعضهم على بعض وإن تفاضلوا في الجهل، وإن كان بعضهم يُكرمه بالهدايا والارفاق". واعتنى القابسي أيضا بالناحية السلوكية فأوصى المعلّم "أن يحترس الصبيان بعضهم من بعض إذا كان فيهم من يُخشى فساده". ورأى أنّ العقوبة ضرورية إذا لم تنفع الموعظة الحسنة. يقول: "وإذا استأهل الضرب فاعلم أنّ الضرب من واحدة إلى ثلاث. فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد في رتبة فوق استئهالها وهذا هو أدبه إذا فرّط فتثاقل عن الاقبال على المعلّم فتباطأ في حفظه، أو أكثر الخطأ في حزبه أو في كتابة لوحه". ونجد صدى لهذا الموقف التربوي عند ابن خلدون الذي اعتبر الضرب عقوبة غير مجدية في التربية والردع حيث قال: "من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به القهر وضيّق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث. وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقصر عليه".