مدرسة باردو الحربية

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:07، 18 ماي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

أسس حسين بن علي باي الأول مدرسة عسكريّة عصريّة عام 1831 وعَهَدَ بإدارتها إلى الضابط والمستعرب الايطالي لويجي كاليڨاريس (Luigi Calligaris) ولمّا اعتلى أحمد باي عرش تونس (1855 - 1837)، فكّرَ في خضمّ حركة التحديث والاصلاح في تدعيم مدرسة حسين باي لتخريج ضبّاط وفنّيين لجيشه النّظامي.

ويذكر المؤرخ الفرنسي المعاصر ج. قانياج أنّ إعادة تأهيل هذه المدرسة يعود إلى سنة 1838 فيما يذكر ابن أبي الضياف أنّها قد تأسّست في غرة محرم 1256 / 5 مارس 1840 بباردو، وجعلها الباي في سرايته التي انتقل منها إلى قصره الجديد. وقد عهد أحمد باي بإدارة شؤون مدرسة باردو الحربية هذه إلى الأمير آلاي كاليقاريس (Calligaris) من أعيان إيطاليا وهو الذي حاول أنّ يرتّب المدرسة على نمط المدرسة الحربية التركية "أسكي سراي"، وجلب لها أساتذة وضباّ طا أوروبيين من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ أحمد باي قد استمرّ على سياسة أسلافه من التقرّب إلى فرنسا. والظاهر أنّه باتباعه هذه السياسة في علاقاته بأوروبا كان يطمح، كما يؤكد ابن أبي الضياف (إتحاف: ج3، ص 203 وما بعدها)، إلى استكمال استقلاله عن الأمبراطورية العثمانية. ولا شك في أنّ فرنسا كانت على علم بهذه النّزعة الانفصالية، فأخذت دبلوماسيتها تشجّعه على هذه النّزعة، بحيث أصبح قنصلها يقدم أوراق اعتماده إلى الباي مباشرة على حين ظلّت إنڨلترا تعتبر قنصليتها بتونس ملحقة رأسا بالسفارة الرئيسة بالاستانة.

واتّضح لأحمد باي الفرق بين معاملة الانڨليز ومعاملة الفرنسيين له حين زار فرنسا سنة 1846:ألم يستقبله الملك لويس فيليب (L.Philippe) بقصره بباريس بمظاهر الحفاوة نفسها التي يُستقبل بها الملوك المستقلّون؟ (ابن أبي الضياف، إتحاف، ج4، ص: 96 وص 110، وأحمد المقداد الورتاني: النّفحة النّدية في الرحلة الأحمدية، خاصة تذييل ص 300 - 350، مطبعة الشمال الافريقي، تونس 1937). ألم يزيّن قاعات قصره باللوحات الزّيتية عن معارك نابليون الكبرى؟ ألم يترجم إلى العربية كتاب تاريخ الامبراطور نابليون الأول؟ ولا ننسى تلك الانطباعات التي رجع بها المشير إلى بلاده: إذ أعجب إعجابا شديدا بما شاهده من استعراضات عسكرية وما رآه في "طولون" من قوة الأسطول الفرنسي ولم تفته أيضا زيارة المتاحف والمطابع والمسارح والمعاهد العلمية التي لم يكن شغوفا بها شغفه بالمؤسّسات العسكرية. أمّا الحياة الفكرية والتقدم الحضاري والاجتماعي ومؤسسات الحكم فقد اهتمّ بها اهتماما خاصا بعض مرافقي الباي في رحلته الشهيرة هذه، ومنهم خير الدين وابن أبي الضياف.

نظام مدرسة باردو وفروعها[عدّل]

كان هدف المدرسة أساسا تكوين ضباط وتقنّيين للجيش النظامي، حسب شروط وأنظمة مضبوطة. ومن المواد التي اشتمل عليها برنامج هذه المدرسة القرآن الكريم، وعلوم العربية واللغة الفرنسية وقواعدها وعلم الحساب، وعلم الجبر والمقابلة، وعلم المساحة، وعلم الجغرافيا، وعلم الأماكن، وعلم التحصين الوقتي، وأصول عمومية في علم التحصين القارّ والصناعات الحربية، وعلم القوانين العسكرية، وصناعة الطبجية بالمباشرة على الأرض، وكيفية تعمير المدافع وإطلاقها، بحيث يتخرّج الضابط عالما بما يلزمه ضرورة في غير العلوم العسكرية متضلّعا من اللغة الفرنسية وبما يلزم العسكر من العلوم العقلية والحربية. واعتنى أحمد باي بهذه المدرسة إذ كان يزورها ومعه خواصّه فيسأل تلاميذها بحضرته ويثني على المتفوّقين منهم، ويشجّعهم ويرغّبهم في اكتساب المعارف والعلوم، وينفرّهم من معرّة الجهل والكسل. وفي سنة 1858 أسند الباي إدارة المدرسة إلى القبطان كمبنون وهو ضابط فرنسي بمعية ضباط وأساتذة أوروبيين وتونسيين. ومن أشهر الأساتذة التونسيين الشاعر والعلامة الشيخ محمود قابادو والشيخ محمد البشير التواتي وغيرهما من علماء الزيتونة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ العلامة محمود قابادو قد اشترك مع الايطالي كاليقاريس ونخبة من طلبة مدرسة بادرو الحربية مثل الجنرال حسين في "تحرير دروس الأساتذة الأجانب وترجمة كتب أوروبية في الفنون الحربية". أمّا خير الدين الذي كان منذ سنة 1842 ضابطا برتبة آلاي فقد ظلّ همزة وصل بين الباي وبين الساهرين على حظوظ المدرسة من الأساتذة الأجانب.

وقد كتب دي تافرن (De Taverne) تقريرا بالعربية حرّره في سنة 1860 ورفعه إلى محمد الصادق باي واقترح فيه جملة من الاصلاحات يمكن إجمالها فيما يلي:

  • مدرسة باردو ككل مدرسة من المدارس الحربية ليس لها إلا غاية واحدة وهي تخريج ضباط للجيش على مقتضى ما يجب وحسب شروط ومواصفات محددة، وهؤلاء الضباط يكون تخرّجهم "أصحاب نواشن الذهب أو أصحاب نواشن الفضة أو أصحاب نواشن الذّهب والفضّة معا".
  • ويشترط في الضباط المذكورين "أنّ يكونوا في سنّ معينة" ذوي عقل ومعرفة ومهارة، وبهم يستقيم أمر أيّ جيش...".
  • قواعد عمومية مختصة بالمدارس الحربية وكيفية تركيبها بباردو.
  • كيفية تأسيس قواعد الطاعة العسكرية داخل مدرسة باردو.
  • المكافآت والعقوبات.
  • أنواع المواد والفنون الواجب تعلّمها بمدرسة باردو فيما يتعلّق بالضباط والأساتذة...

واقترح كذلك التخلي عن التعريب والتدريس باللّغة الفرنسيّة وما من شك في أنّ مدرسة باردو الحربية كانت النواة الأولى في نشر الثقافة الحديثة في البلاد. وقد عرّبت مؤلفات تركية وإفرنجية لا سيما في الفنون الحربية بالاضافة إلى ما وضعه تلاميذ المدرسة وقد تجاوزت حوالي الأربعين تصنيفا لم تزل مبعثرة في مسودّاتها، نذكر منها على سبيل المثال:

  • كتاب في التعليم العسكري: وضع المدرسة الحربية في باردو
  • تاريخ أصل خدمة النظام
  • طابور تعليم
  • كتاب نصب الأمحال.
  • في تعليم الخيالة من غير ركوب (مهدى إلى الباي من "دي تافرن"
  • ترتيب حرب الخيّالة
  • نفار تعليم
  • تعليم العسكر الخفيف
  • مجموع قوانين أحكام عسكر البحرية (نص مترجم من الفرنسية إلى العربية)
  • كتاب في العسكرية
  • تعليم القواعد العسكرية والقانونية في مدرسة باردو
  • كتاب صناعة الحرب في القواعد
  • كتاب حركات الخط
  • كتاب في آلات حرب المدفعية المسماة فن الطبجية.
  • الفنون العسكرية
  • فصول في ترتيب الخدمة
  • استعمال الخيالة
  • قانون خدمة الوطن
  • نفار تعليم وبلوك تعليم
  • أشكال ورسوم حربية

وقد تخرّج في هذه المدرسة نخبة تزعّمت الحركة التحديثية، مثل القائد محمد رشيد، والجنرال حسين والوزير رستم ومحمد بن الحاج عمر. وتولّى هذا، بعد ترقيته إلى رتبة بكباشي، إدارة المدرسة الحربية إثر وفاة الكولونيل دي تافرن وجمعة القرقني الذي كان من أعيان عسكر البحر. وفي ضوء قائمة التلاميذ المسجّلين في سنة 1860 نلاحظ أنّ معظمهم قادمون من أعماق البلاد التونسية، وبعضهم من منشإ ريفي من مناطق الشمال والساحل. نذكر منهم بعض الأسماء على سبيل المثال: الملازم العروسي - الملازم باش طبجي - الملازم ابن الحاج - حمودة الحجام - محمد القروي - عمار البخاري - حسن الشاطر - أحمد السباعي - مصطفى زرّوق - علي الماني - مصطفى بن إسماعيل - عبد القادر الحفصي - أحمد ابن خوجة - صالح الحدّاد - ابن عرفة - القهواجي- محمد التركي - التبرسقي - محمد الكاهية.

لقد اضطربت لغة تدريس العلوم الحربية والعلوم الحديثة، بين العربية والفرنسية والايطالية والتركية، من جرّاء رغبة الادارة في تحقيق نتائج عملية ودون "التفات جدّي إلى القضايا الجوهرية"، ثمّ استقرت على الفرنسية مع المدير دي تافرن مع تدريس اللغة العربية والتربية الاسلامية بالعربية. إذن يمكن القول إنّه، في مرحلة أولى، قامت مدرسة باردو الحربية بدور مهمّ في تلقين العلوم الحديثة باللغة العربية إلى جانب تدريس اللغات الأوروبية باعتبارها لغات فقط. ففي حياة المشير أحمد باي، وفي أثناء إدارة المستعرب كاليقاريس كانت المدرسة تشجّع على ترجمة بعض الكتب إلى العربية ثمّ "اضطربت أحوالها كثيرا ما بين 1851 و1855" إلى أنّ أسندت إدارتها إلى الكولونيل دي تافرن فأعاد برمجة تعليمها وجعله فيها فرنسي اللغة كما قلنا، على أنّ تدرس العربية لذاتها، وظلت كذلك إلى أنّ أغلقت أبوابها سنة 1864.

لقد أكد الكولونيل دي تافرن أنّ "الفرنسية لا يمكن بلوغ المقصود من تعليم الفنون والصناعات الحربية المقدمة لتلاميذ مكتب الحرب إلاّ بمعرفتها. وجميع الكتب التي يحتاج إليها التلاميذ في مدّة إقامتهم بالمدرسة بعد خروجهم منها محرّرة باللغة الفرنساوية، فإذا لم تكن للتلاميذ معرفة بهذه اللغة فلا بدّ من معرفة المعلّمين، حينئذ، للغة العربية. ووجود معلم عارف باللغة العربية صعب جدّا". فلا بدّ إذن "من تعريب الكتب المذكورة وهو أصعب بكثير من وجود المعلمين، والدليل على ذلك أنّه كان نحو ثلاثين سنة منذ إنشاء العسكر التونسي، لم أر أحدا عرّب الكتب العسكرية المختصّة بالتعريفات الحربية على أصل، وإنّما عرّبها عن تحريف وتغيير في المعنى، وذلك لعدم وجود من تعلّم اللغة الفرنساوية على أصل في المملكة التونسية، وذلك لقلّة وجود المعلمين بها فيحتاج حينئذ إلى تصليح ثلث الكتب المعرّبة.فلو خرج بعض التلاميذ من المكتب عارفين باللغة الفرنساوية وقائمين بصناعتهم فلا يقع غلط في تعريب الكتب أبدا ولا يحتاجون لغيرهم من الأجانب ببذل الأموال إليهم كما هو واقع إلى الان بالمملكة لأجل الصناعات ولأجل تعريب الكتب على الدّوام والاستمرار".ويخلص "دي تافرن" إلى القول: "إن ّ تعلمّ اللغة الفرنساوية أمرٌ من الأمور المهمة للدولة من كلّ وجه"، هذا بعد أنّ جرّح في تجربة سابقيه في ميدان التعريب واقترح برنامجه لجبر ما فرّط فيه بسبب "الغلطة الواقعة سابقا" أي محاولات التعريب الفاشلة!

ويرى بعضهم أنّ "الخدمات التي قدمتها مدرسة باردو الحربية للغة العربية محدودة جدّا، بل كان من نتائجها الأساسية أنّها ركزت، منذ ذلك الحين، فكرة الازدواجية التي تعتمد اللغة الأجنبية عاملا أساسا للنّهضة الحديثة". ويرى أنّ من إيجابيات هذه المدرسة أنها كانت "فاتحة الوعي بقضايا تخلف اللغة العربية في مضمار العلوم والمخترعات والتقدم التقني بعد حصول الاصطدام المباشر بها". ومع ذلك لا ننسى أنها في مرحلة أولى قد أدّت دورا رائدا في تلقين العلوم الحديثة باللغة العربية. ويرى آخرون أن ّ "برنامج مدرسة باردو يدلّ على أنّها لم تكن مدرسة عسكرية بحتة، بل كانت مدرسة عسكرية تربوية. وهي أوّل مدرسة تعليمية احتوى برنامجها على مواد العلوم العصرية. وقد كانت مهد أوّل حركة ترجمة عرفها تاريخ تونس الحديث"، غير أنّه يعتبر من جهة أخرى، أنّ هذه المدرسة "لم تحقّق الأهداف العسكرية التي أسست من أجلها" على الرغم من أنّها تركت آثارا مهمّة في الحياة الفكرية التونسية في تلك الفترة وما بعدها.ولكنّ أحمد باي "بدأ من حيث يجب أنّ ينتهي فعجز اقتصاد البلاد عن تمويل مشروعاته الخيالية ولم ينقذه إثقال كاهل الشعب بالضرائب، فازدادت الحياة السياسية الداخلية تعكرا، فجاعت جنوده وتفرق جيشه شذر مذر، وأغلقت المدرسة أبوابها" بعد سنوات من الانتفاضة الشعبيّة الكبرى لعام 1860 وما تلاها من قمع رهيب وأوبئة ومجاعات.

بيبليوغرافيا[عدّل]

محمود عبد المولى، مدرسة باردو الحربية،الدار العربية للكتاب، تونس،1970.