محمد مزالي

من الموسوعة التونسية
نسخة 14:06، 25 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
محمد مزالي

[1925 - 2010م]

ولد السياسي محمّد بن شعبان بن محمود مزالي يوم الثّلاثاء أو الأربعاء 23 ديسمبر 1925م بمدينة المنستير (ساحل البلاد التّونسيّة) بحيّ القرّاعيّة. وتوفّي بباريس يوم الأربعاء 23 جوان 2010م إثر عمليّة جراحيّة أُجريت له بمستشفى تونان (Tenon) بباريس. وهو ينحدر حسب ما جاء في مذكراته من سلالة بربريّة من قبيلة مستقرّة بالسّوس، جهة أكادير معقل آيت مزال (محمّد مزالي، نصيبي من الحقيقة، دار الشّروق، القاهرة، 2007). والده شعبان بن محمود مزالي توفّي في سبتمبر 1944. وكان بقّالا بالمنستير (عطّارا بالعامّيّة التّونسيّة). ولكنّه اضطرّ إلى الانتقال من مكان إلى آخر. أمّا والدته فهي عائشة بنت عثمان غديرة توفّيت في جانفي 1986. وأمّها من أسرة لاز التّركيّة. تزوّج أستاذة الفلسفة فتحيّة المختار. وله منها أربعة أبناء وبنتان.

وبالمنستير زاول دراسته الابتدائيّة بالمدرسة القرآنيّة التي كان يديرها الأديب محمّد الهادي العامري. ثمّ انتقل إلى المكتب العربيّ الفرنسيّ هناك. وبتونس العاصمة واصل دراسته الثّانويّة بالمدرسة الصّادقيّة من 1940 إلى 1947. وحصل على شهادة الدّراسات النّهائيّة بالمدرسة الصّادقيّة (تعليم ثنائيّ اللّغة: فرنسيّة وعربيّة) والباكلوريا الفرنسيّة بجزأيها (شعبة اللاتينيّة). ثمّ زاول دراسته العالية بكلّية الآداب السّربون بباريس حيث حصل، على الإجازة في الفلسفة في ظرف ثلاث سنوات. وفي أكتوبر 1950 باشر تدريس اللغة والآداب العربيّة بالمدرسة الصّادقيّة بالعاصمة لأنّ نظام الحماية آنذاك كان لا يسمح لأستاذ الفلسفة التّونسيّ بتدريس هذه المادّة في سنة الباكلوريا إلاّ ساعتين في الأسبوع مخصّصة للفلسفة الإسلاميّة، أو تدريسها في الجمعيّة الخلدونيّة والجامعة الزّيتونيّة. وهو ما شجّعه (وهو في تونس) على إعداد ديبلوم الدّراسات العليا في مادّة الفلسفة الإسلاميّة. وكان عنوانها "دراسة مقارنة بين تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي وتهافت التّهافت لابن رشد". وناقشها ونالها بفرنسا سنة 1954 بإشراف الأستاذ باترونيي دي قندييك (Patronie de Gandillac).

كان محمّد مزالي منذ شبابه مهتمّا بالشّأن العامّ في مسقط رأسه المنستير سواء تعلّق الأمر بالنّشاط الأدبي والثّقافيّ والرّياضيّ أو بالميدان السّياسيّ. فبفضل انخراط والده في شعبة الحزب الحرّ الدّستوريّ الجديد بالمنستير بزعامة الحبيب بورقيبة ومرافقته في جلّ المناشط الّتي كانت تقع هناك وبفضل المناخ الوطنيّ المسيطر في تلك المدينة تنامى في نفسه الوعي بالالتزام السّياسيّ. ولمّا انتقل إلى العاصمة شارك في النّضال الذي كان تلامذة المدرسة الصّادقيّة يقومون به في صفوف الحزب الدّستوريّ الجديد. وفي باريس شارك في عدّة اجتماعات سّياسيّة في إطار الشّعبة الدّستوريّة، كما "ناضل في صلب الجامعة الدّستوريّة لطلبة تونس بفرنسا... وانتُخب مرّتين نائبا للرّئيس" (نصيبيي من الحقيقة). وانضم إلى رابطة طلبة شمال إفريقيا المسلمين لتنسيق المواقف فيما يتعلّق بالكفاح التّحريري الّذي كانت تخوضه تونس والجزائر والمغرب إيمانا منه بفكرة المغرب العربيّ الموحّد.

أمّا نشاطه الأدبيّ والثّقافيّ في المنستير فقد تجسّد في انخراطه في جمعيّة قدماء المكتب العربيّ الفرنسي وبالخصوص في فرع تابع لها يدعى جمعيّة الشّباب الأدبيّ. وسرعان ما انتخب رئيسا لهذه الجمعيّة. وعلى منبرها ألقى محاضرات عدّة أدبيّة وفكريّة، كما انخرط في عدّة فرق مسرحيّة، في حين كان - وهو التّلميذ بالمدرسة الصّادقيّة - يستفيد من المناخ الثّقافيّ الذي تزخر به العاصمة من صحافة ومجلاّت ومسرح (خصوصا مجلّة "المباحث" لصاحبها محمّد البشروش). وكان منذ ذلك الوقت مغرما بالرّياضة لأنّها، كما كتب، "ليست كما يتصوّر البعض مجرّد تسلية، أو من باب حفظ الصّحّة البسيط، إنّما هي قاعدة من قواعد الحياة، وبالنّسبة لي تمثّل الرّياضة إحدى أسمى قمم وجودي... لأنّ ممارستها نابعة من سجلاّت ثلاثة، مفاهيم ثلاثة: التّربية، المواجهة، الأخلاق" (نصيبي من الحقيقة). فلا يمكن إذن إلاّ اعتبارها ذات صلة وثيقة بالثّقافة كما حدّد ذلك روني ماهو (René Maheu) مدير اليونسكو الأسبق (روني ماهو، الرّياضة والثّقافة، مجلّة الفكر، السّنة 9، عدد 2، نوفمبر 1963، ترجمة المجلّة عن اللغة الفرنسيّة). لذا سرعان ما أصبح عضوا مدى الحياة في اللجنة الأولمبيّة العالميّة. ونشط فيها إلى آخر حياته.وفي باريس نهل، طوال ثلاث سنوات، من دروس أشهر أساتذة الفلسفة بالسّربون مثل باشلار. ولكن بفضلهم نفذ إلى الفكر السّقراطيّ.

ما إن رجع إلى تونس سنة 1950 وباشر تدريس اللّغة والآداب العربيّة بالمدرسة الصّادقيّة حتّى اندمج بكلّيته في الحياة الأدبيّة والفكريّة والثّقافيّة والسّياسيّة الّتي كانت تزخر بها البلاد التّونسيّة وهي على أهبة خوض المعركة الحاسمة لزحزحة نير الاستعمار والاطاحة بنظام الحماية، وبناء مجتمع ديمقراطيّ متقدّم آخذ بأسباب العصر. فكانت الجامعة الدّستوريّة لتونس والأحواز برئاسة علي الزّليطني ملتقى المناضلين الدّستوريّين ومنهم محمّد مزالي لإعداد المقاومة السّريّة على جميع الأصعدة والنّضال من أجل توحيد الصّفوف ومواجهة الحركات السّياسيّة والايديولوجيّة الّتي كانت لا تشاطر وجهة نظر الدّستوريّين الجُدُد في تصوّر مستقبل تونس المستقلّة، المتحرّرة من الاستعمار. وإلى جانب نضاله الفعلي في أثناء المعركة الحاسمة (1952 - 1955) كان ينشط ضمن نقابة التعليم الثّانويّ التّابعة للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل لاحباط المخطّط الاستعماريّ الّذي رسمته إدارة العلوم والمعارف وخصوصا القضاء على اللّغة العربيّة. وكان الأمين الشّابي، أخو أبي القاسم، كاتبا عامّا لهذه النّقابة، كما أنّه قام بدعوة من الدّيوان السّياسيّ إلى إلقاء محاضرات على منبر الجامعات الدّستوريّة في أنحاء البلاد كافّة وعنوانها "حقوق المواطن وواجباته" "كلّ أيّام الأحد من فبراير إلى ماي 1955" (نصيبي من الحقيقة، ص 167). وهو المحتوى الّذي أفرز كتابه الأوّل وعنوانه الدّيمقراطيّة (المكتبة الافريقيّة، تونس، 1956).

وفي سنّ الثّلاثين - وقد بلغ درجة مرموقة من النّضج الثّقافيّ والسّياسيّ - أسّس محمّد مزالي مجلّة "الفكر" التي دامت إحدى وثلاثين سنة.وفي هذا كتب المترجَم له: "بتأسيسي لهذه المجلّة أردت، أوّلا وبالذّات، تسلّم المشعل من مجلاّت ازدهرت في وقت من الأوقات ثمّ اختفت بسرعة... لقد رفضت أن تتحقّق تكهّنات الاستعماريّين الّذين كانوا يعتبرون البلاد التّونسيّة... خالية من أيّة آفاق ثقافيّة أو إسهامات حضاريّة." (نصيبي من الحقيقة ص.172). كان هذا مطمحه الّذي ارتضاه لنفسه عند إقدامه على تأسيس مجلّة "الفكر". وقد تحدّدت معالمه في أوّل اجتماع عقده مع الزّعيم علاّلة البلهوان والطّيّب السّحباني ومحمّد الطالبي فقط. وصدر أوّل عدد في غرّة أكتوبر 1955.

أمّا أدب محمّد مزالي "المرتبط بالتّصوّر الملحميّ فقد طغت عليه الأفكار الفلسفيّة أكثر من الابتكارات الأدبيّة. فالتجأ لأدب المقال والحوار اعتقادا منه أنّ ذلك يمكن أن يكون وسيلة من أجل إيصال الأفكار الفلسفيّة العويصة إلى مستوى الفهم الأدبيّ. وهي طريقة التجأ إليها بعض الفلاسفة... وفي جمعه بين المقال والحوار، وهي خبرات إنسانيّة فنّيّة، وبين أفكاره الفلسفيّة، وهي أفكار مرتبطة بالفعل ذاتا وواقعا، لعلّ ذلك قد مكّنه من أن يجمع بين تجربة تعتمد الواقع في هذا الأدب الملحميّ الانسانيّ، وتجربة ثانية تعتمد الذّات المفكّرة والفاعلة فكانت النّظرة التّفاعليّة"... هي إذن تفاعليّة "وليست جدليّة..." (محمد الأمين خلفة، محمّد مزالي والنّظريّة التّفاعليّة، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1984، ص 15. وما بعدها).

وليس من الغريب، بل من الطبيعيّ، أن يثمر الايمان بهذه المنطلقات الفكريّة والفلسفيّة أعمالا ملموسة في مجال بناء الدّولة الوطنيّة التّونسيّة الفتيّة اختصرها محمّد مزالي في مقولة ذات مدلول عميق، هي "حديث الفعل". وقد تجسّمت عصارتها في كتاب بهذا العنوان (1984). فكانت إنجازاته في مجالات متعدّدة لا يمكن لمنصف جحدها، سواء عند تقلّده رئاسة ديوان وزير التّربية القوميّة (1956 - 1958) أو اضطلاعه بمسؤوليّة الإدارة العامّة للشّباب والرّياضة (1964 - 1958)، أو بعثه للتّلفزة التّونسيّة بصفته مديرا عامّا للإذاعة والتّلفزة (1968 - 1964)، أو لمّا عيّن على رأس وزارة الدّفاع (من 12 أفريل 1968 إلى 7 نوفمبر 1969) أو وزارة الشّباب والرّياضة (من 7 نوفمبر 1969 إلى 13 جوان 1970) أو وزارة الصّحّة (من 17 مارس 1873 إلى 31 ماي 1976) أو عندما كلّف ثلاث مرّات بمهامّ وزارة التّربية والتّعليم العالي والبحث العلميّ (من 27 ديسمبر 1969 إلى 12 جوان 1970)، (ومن 29 أكتوبر 1971 إلى 17 مارس 1973)، و (من 31 ماي 1976 إلى 25 أفريل 1980). وبالإضافة إلى توليه إدارة الشباب والرياضة، ترأس مزالي اللجنة الأولمبية التونسية بين 1962 و1986 والجامعة التونسية لكرة القدم سنتي 1962 و1963، كما شغل بين 1976 و1980 منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية التي بقي عضوا بها مدى الحياة.

وتتويجا لهذه المسيرة عيّنه الحبيب بورقيبة، إثر مرض الوزير الأوّل الهادي نويرة، منسّقا للعمل الحكوميّ في غرّة مارس 1980، ثمّ في 23 أفريل 1980 وزيرا أوّل جامعا بين هذه الوظيفة ووزارة الدّاخليّة من 7 جانفي 1984 إلى 28 أفريل 1986. ولمعرفة أداء محمّد مزالي طوال السّتّ سنوات (1980 - جويلية 1986) الّتي اضطلع فيها بمسؤوليّة الوزارة الأولى لا بدّ من الرّجوع إلى مذكّرات المترجَم له. لقد فصّل القول في الانجازات الّتي قام بها في جميع ميادين التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة. أدّت عدة ملابسات إلى إقالة محمد مزالي من الوزارة الأولى. واضطرّ إلى الفرار إلى الخارج خوفا على حياته. وعاد إلى الوطن سنة 2002 إثر إبطال محكمة التّعقيب للحكم القضائيّ الغيابيّ، وتبرئة ساحته. وبقي من ذلك التّاريخ لا ينفكّ يقوم بنشاط ثقافيّ وفكريّ ورياضيّ في اللّجنة الأولمبيّة الدّوليّة وفي المجامع العلميّة العالميّة شرقا وغربا إلى أن وافاه الأجل.

مؤلّفاته:

باللّغة العربيّة: الدّيمقراطيّة، تونس 1956 - من وحي الفكر، تونس 1969 - مواقف، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس 1969 - دراسات، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس 1973 - وجهات نظر، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس 1975 - في دروب الفكر، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس 1979 - رسالة مفتوحة إلى بورقيبة، منشورات دار الأهرام، القاهرة 1988 - تاريخ إفريقيا الشّماليّة، شارل أندري جوليان، تُرجم بالاشتراك مع البشير بن سلامة، الدّار التّونسيّة للنّشر (طبعتان) الجزء الأوّل، تونس 1968 - الجزء الثّاني، تونس 1979 - المعمّرون الفرنسيّون وحركة الشّباب التّونسيّ، شارل أندري جوليان، ترجم بالاشتراك مع البشير بن سلامة، 1972. باللّغة الفرنسيّة:

La Parole de l’action,éd.Publisud,Paris,1984-

L’Olympisme aujourd’hui,éd.Jeune Afrique,Paris, 1984-

Lettre ouverte à Bourguiba,éd.Alain Moreau,Paris,1987-

Un premier ministre de Bourguiba:Temoigne,éd.Jean picolec,Paris,2004-

Repères,éd Apopsix,Paris,2010-