محمد بيرم الخامس

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:54، 6 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1840 - 1889م]

محمد بيرم الخامس

تستمد ترجمة محمد بيرم الخامس من مَعينَيْن على غاية من الأهميّة: ترجمة لنفسه في الجزء الأوّل من صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، وترجمة الابن الأكبر لمحمد بيرم الخامس وهو محمد الهادي بيرم في ذيل الجزء الخامس من "الصفوة". وهي ترجمة ضافية، قال عنها الجامعي علي الشنوفي: "ترجمة مسهبة لمختلف أطوار حياة محمد بيرم الخامس استوعبت البسط لما حصل له في أسفاره وتنقلاته ومخاطبات الأمراء والوزراء والعلماء والشعراء له، إنّها إذن ترجمة أشمل من النبذة التي بها عرّف نفسه مؤلّف "الصفوة" (علي الشنوفي، ترجمة محمد بيرم الخامس في صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، تحقيق علي الشنوفي، بيت الحكمة، قرطاج 1989, ص 7).

محمد بن مصطفى بن محمّد الثالث بن محمّد الثاني بن محمّد الأوّل تركيّ الأصل جدّه الأعلى حسين بن أحمد بن محمّد بن حسين بن بيرم. وهو ضابط وفد إلى تونس تحت قيادة سنان باشا وأسهم في هزم الاسبان وطردهم من البلاد التونسية عام 1574. وعائلته عائلة علم، إذ أنجبت في ما بين 1873 و1915، سبعة علماء منهم شيخان للاسلام، كما احتكرت إمامة جامع سيدي يوسف. وكان منهم أئمّة لبعض الجوامع مثل جامع حمّودة باشا وجامع باردو. [انظر ترجمة أسرة بيرم في كتاب محمد بيرم الخامس: صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، القاهرة،1911، ط 2 ملحق الجزء الخامس]. ولد محمّد بيرم الخامس سنة 1840 بتونس. وهو ابن مالك عقاري كبير وموظف حكومي. أمّه بنت الجنرال محمود خوجة (وزير الحربيّة).وزوجته بنت عمّه محمّد بيرم الرابع. أنجب ثلاثة أبناء هم: محمود [توفّي صغيرا] ومحمّد الأزهر [مات في مصر في نهاية ق 19م] ومصطفى الأزهر، قاض. بعد أن أكمل دراسته في جامع الزيتونة تولى سنة 1857 خطة مدرّس حنفي من الطبقة الثانية. ثم تقدّم إلى خطّة مدرّس من الطبقة الأولى في عام 1868، كما تولّى مشيخة المدرسة العنقيّة إلى غاية 1878. وكان يحصل على مكافآت مقابل خدماته الإداريّة والدّيبلوماسية.

ولمّا ولي خير الدين الوزارة الكبرى اختار محمد بيرم الخامس أوّل رئيس لادارة الأوقاف (جمعيّة الأوقاف) حين بعثها سنة 1874. وذلك لتلافي الاختلاس والوضع الفوضوي غير المأمون في سير الأوقاف العمومية خاصّة. وكانت هذه الجمعيّة ترجع بالنظر مباشرة إلى الوزير الأكبر.

ولأسباب تتّصل بالكفاية ولاعتبارات سياسية خصوصا اختار زميله في التفكير الاصلاحي والتحديثي، محمد بيرم الخامس أوّل رئيس لهذه الجمعية. (أمّا نائبه فكان الشيخ أحمد الورتتاني الذي خلفه في رئاسة الجمعيّة عام 1878) ثمّ عيّنه خير الدين مديرا للجريدة الرسميّة "الرائد التونسي". فجمع بينها وبين الاشراف على المطبعة الرسمية التي أنشئت في آخر عهد محمد الثاني (الباي). ويشير محمّد بيرم الخامس إلى هذا قائلا: "...ولي الوزارة الكبرى الناصح الأمين خير الدين باشا ونحا منحى الحكومة الشوريّة في إجراء العدل. فرأى اجتهادا منه في انتقاء المتأهّل للخطوط، أن يستعين بالعبد في بعض الخطط حسن ظنّ منه. فلم يسعني إلا مساعفته لما كنت على علم من توغّله في حبّ العدل والميل إلى القوانين والشورى، حتى كان أوّل ناشر لمفاخرها في قطرنا (.) أجبت استدعاءه وقلّدت رئاسة جمعيّة الأوقاف التي هي من مبتكرات الوزير المذكور في تونس (.) فاستعنت الله وبذلت مقدوري للوفاء بما عهد إليّ، ثمّ ضمّ إلى ذلك نظارة المطبعة، وهكذا بذلت فيها مستطاعي غير أني في ذاتي تحمّلت من الأتعاب الفكريّة والبدنيّة ما لم تتحمّله نشأتي، بل وكذلك الخسائر الماليّة... ولا أعدّ ذلك شيئا في جنب القيام بحقّ الوطن..." (صفوة الاعتبار... لمحمد بيرم الخامس، الجزء الأوّل، ص 95 - 96). وشملت إصلاحات خير الدين مجالا آخر هو الصحافة المطبوعة. وقد سبق أن أشرنا إلى "الرائد التونسي". وهي الصحيفة الرسميّة التي كانت تصدر منذ 1277هـ/1860م على نحو غير منتظم إلى أن انتظم في عهده صدورها أسبوعيّا وأصلحت إدارتها إصلاحا جذريّا بعد أن صار يديرها محمّد بيرم الخامس. وكان الشيخان محمّد السنوسي وحسن لازغلي من محرّريها القارين. وأصبحت الصحيفة فضلا عن مهمّتها - وهي نشر الأخبار الرسميّة والبلاغات والقوانين الصادرة عن الحكومة التونسيّة - تنشر أفكار خير الدين وتدعو إليها. فقد أصدرت مقالا للمصلح المصري رفاعة رافع الطهطاوي ينبّه فيه العلماء على ضرورة تعلّم اللغات الأجنبيّة وتدريسها [زين العابدين السنوسي: محمّد بيرم الخامس (دراسات ونصوص) تونس مطبعة العرب، 1952,، ص: 4] وكانت هناك جرائد مثل "الايطالي" تطلق بين الحين والاخر شائعات يبثها، على ما يبدو، أنصار الوزير الأكبر السابق مصطفى خزنه دار الذين فقدوا ما كانوا ينعمون به في ظلّ وزارة خير الدّين، لكن "الرائد" كانت بالمرصاد لهم. فحرصت كل الحرص على تفنيد الشائعات المروّجة حول إبعاد خير الدين عن الوزارة. ثم انتقلت من الدفاع إلى الهجوم على خزنه دار. وطالبت بمحاكمته. فكتب محمّد بيرم الخامس رسالة إلى "الرائد" يردّ فيها على مروّجي تلك الشائعات وعلى الصحف المأجورة التي تحاول مغالطة الرأي العام في الخارج حول طبيعة الوضع في البلاد، فكتب يقول: "قد عرض لي في هذه المدّة ما قضيت منه العجب، ولم أكن أحسبه يصدر عن ذي إنسانية ولبّ، فإنّي رأيت بعض النّاس يترجم في فصل منقول من إحدى الصحائف الأوروبية. ولعلّ ناشره كان مغرّرا به من أصحاب الأراضي والمنافع الخصوصيّة التي كانت تصل إليهم ويتمتّعون بها وإن أخربت بلادنا وأهلها": ("الرائد التونسي" XIV، العدد:25 بتاريخ 7 شوال 1290 / 27 نوفمبر 1873)، مع الملاحظ أن بيرم قد اعتذر عن مخاطبة صاحب المقال مباشرة لجهله باللغة الأجنبية التي كتب بها المقال المشار إليه.

ولم تقتصر الجهود المبذولة في مجال الطباعة على "الرائد التونسي". فقد كلّف محمد بيرم الخامس بإدارة المطبعة الرسمية بمساعدة الورتتاني. وكان في ذلك دفع جديد لطباعة الكتب، إذ صدر في عهد خير الدين (1873 - 1877) أربعة وعشرون كتابا من جملة تسعة وتسعين مؤلفا صدرت في ما بين 1860 - 1888. ونجد من المنشورات الصادرة في تلك الفترة مؤلفات مدرسيّة في مواد عصريّة معدّة لتلامذة المدرسة الصادقية إلى جانب جملة من البحوث الفقهية ومصنّفات أعلام ذلك العصر مثل إبراهيم الرياحي ومحمود قابادو و محمد بن خوجة والبشير التواتي و محمد البارودي. فقد شجع خير الدين على نشر العلوم الدينيّة إلى جانب الاصلاحات الجديدة لكسب ودّ العلماء. وفي المقابل كتب محمد بيرم الخامس في لجنة متركبة من تسعة أعضاء ترأسها خير الدين شخصيّا مهمّتها تنظيم المدرسة الصادقية، وكانت تضم كلا من محمد العزيز بوعتور (باش كاتب) والعربي زروق (رئيس بلديّة تونس) مع ستّة علماء من بينهم محمد بيرم المذكور.

[محمد بن الخوجة: "صفحات من تاريخ تونس: المدرسة الصادقية"، شمس الاسلام، تونس، العدد: 2، (صفر 1356 هـ) ص: 98 - 102].

أمّا فيما يخصّ إصلاح المناهج الزيتونيّة وموادّ التدريس بجامع الزيتونة، فقد أوكل خير الدين هذا الأمر إلى اللجنة نفسها التي سهرت على بعث الصادقيّة. فانتهت من أعمالها بإصدار قرار مؤرّخ في 28 ذي القعدة 1292 / 26 ديسمبر 1875 يقضي بوضع حدّ للتجاوزات مثل الغيابات المتكررة للمدرّسين وإصلاح البرامج وما إلى ذلك وعرف بقانون خير الدين.

أما فيما يخصّ تأليف كتاب: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك (ط1، تونس،1867، 467 صفحة)، فيبدو أنّ بعض العلماء الزيتونيين أسهموا فيه مثل سالم بوحاجب ومحمد بيرم الخامس. وذلك بإعداد بحوث للكتاب كما أسهموا في صياغته. وكان لهم بذلك دور مزدوج: أوّلا: أمدّوا خير الدين بفضل ثقافتهم الفقهيّة والدينيّة بالأمثلة والشواهد من مأثورات العلماء المسلمين لدعم حججه. ثانيا: قدموا له مساعدة في التحرير بأن صوّبوا اللغة والصياغة. وقد اعترف خير الدين نفسه في خاتمة أقوم المسالك بأن مؤلفه "قد خضع لعمليّة صقل أنجزها مثقفو البلد" [أقوم المسالك...، ص: 462] ولا شكّ في أنّ محمد بيرم الخامس وأحمد بلخوجة كانا سليلي أفضل الأسر العلميّة في تونس. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأنّ عائلتي بيرم وبلخوجة كانتا مدينتين في ثروتهما ومكانتهما المرموقة إلى نعم البايات. ولذا، فإن مصالح هاتين الأسرتين على غرار الأسر العلميّة في إستانبول كانت منسجمة على نحو متفاوت مع مصالح الادارة أو المخزن. فكان من فائدتهما مساندة السياسات التي تنتهجها السلطة الحاكمة.

ومعلوم أنّ محمد بيرم الخامس أصبح أقرب مستشاري خير الدين، كما كان محمد بيرم الرابع سابقا مستشارا لمحمد باي والصادق باي. وهذا يعني أنّ مجرّد العلاقات الشخصيّة قد تكون لها أهميّة أكبر من المصلحة الذاتيّة أو مصلحة الأسرة (التي لم تكن الدافع الوحيد) ولربّما كان تعاطف بعض الشيوخ مثل محمد بيرم الخامس وأحمد بلخوجة مع التنظيمات يعزى أساسا إلى علاقتهما الحميمة بمصلحين أمثال الشيخ محمود قابادو وأحمد بن أبي الضياف وخير الدين ذاته. وفي مثل هذه الحالات تظهر لنا العلاقة بين سعة الخبرة والاطلاع على الحضارة العربيّة والفكر السياسي الاصلاحي. ولقد أتيحت لمحمد بيرم الخامس فرص عدّة لمشاهدة المؤسسات القائمة في بلدان إسلاميّة أخرى وفي البلدان الغربيّة من الأسفار الشخصيّة لأغراض مختلفة كالتداوي مثلا والبعثات الدبلوماسيّة. وهذا واضح تماما في كتابه الضخم الموسوم بصفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار. ومن البديهي أن تؤثر نهضة أوروبا وتمدّنها وثقافتها في الشيخ بيرم الخامس إلى حدّ لا يقلّ عن تأثيرها في خير الدين.

انتهى عهد الاصلاح التحديثي تقريبا في ما بين سنتي 1877 - 1878 بسقوط حكومة خير الدين وهجرته إلى إستانبول حيث تولّى لفترة وجيزة الصدارة العظمى. ويبدو أنّ بعض أتباعه بتونس ومنهم الشيخان محمد بيرم ومصطفى رضوان قد حاولوا مواصلة حركته الاصلاحية. وعندما قطعت العلاقات الديبلوماسية بين تونس وفرنسا سنة1878، إثر قضيّة هنشير سيدي ثابت، كان الشيخان بيرم ورضوان عضوين في اللجنة المختلطة الفرنسية التونسية التي توصّلت إلى صياغة تسوية وإلى إعادة العلاقات [ج. قانياج: أصول الحماية الفرنسية على تونس، باريس،PUF، 1959، ص: 422]. لمّا احتلّ الفرنسيون تونس سنة 1881 كان محمد بيرم الخامس وأغلب أتباع خير الدين قد غادروا البلاد. وبذلك وصلت الحركة الاصلاحية إلى نهايتها. هاجر محمد بيرم الخامس سنة 1879 قاصدا البقاع المقدّسة للقيام بفريضة الحجّ. واستقرّ أوّلا بإستانبول ثمّ بمصر حيث سخّر حياته لخدمة القضاء والصحافة إلى أن توفّي بحلوان في 18 / 12 / 1889. كان مؤلفا غزير الانتاج. ومن أهمّ كتبه:

  • صفوة الاعتبار، ويعدّ من أفضل الأعمال في ميدان الجغرافيا السياسية المحرّرة باللغة العربية.
  • تجريد السنان للردّ على الخطيب رينان (مفقود) وهو ردّ على محاضرة رينان (Renan) في سنة 1883 حول وقوف الاسلام ضدّ التقدّم العلمي.
  • تحفة الخواص في حلّ صيد بندق الرّصاص، القاهرة 1303 هـ/1886م.
  • الرّوضة السنيّة في الفتاوى البيرميّة (مخطوط).

وعند وفاة محمد بيرم الخامس أبّنَهُ أصدقاؤه بجريدة الوقائع المصرية. وفيما يلي بعض ما ورد فيها بتاريخ 21 ديسمبر 1889. "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، في آخر ليلة الخميس الماضي انتقل من هذه الدار الفانية إلى الدار الاخرة الباقية المرحوم الشيخ محمد بيرم أحد قضاة المحكمة الابتدائية الأهلية بمصر وصاحب جريدة الاعلام العربية. وكانت وفاته رحمه الله بمدينة حلوان عقب اشتداد الدّاء العصبي الذي مني به عدّة سنين ولم ينجح فيه الأطبّاء". (علي الشنوفي، ترجمة بيرم الخامس، المرجع المذكور، ص 173).

ببليوغرافيا[عدّل]

  • بيرم الخامس محمد، القطر التونسي في صفوة الاعتبار،تحقيق علي الشنوفي،بيت الحكمة،1989.
  • الصولي علي بن محمد، الدين والدولة والمجتمع في مواقف وآثار محمد بيرم الخامس، دار الطليعة الجديدة، الطبعة الأولى، دمشق،2003.