محمد الجعايبي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:32، 24 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1880 - 1938م]

محمد الجعايبي

ينحدر السياسي محمّد بن فرحات الجعايبي من عائلة "بلدية" متوسّطة احترف أفرادها صناعة الحرير. نشأ في إطار سياسي استعماري، وُلد بتونس قبل فترة قصيرة من انتصاب الحماية (حوالي سنة 1880 حسب بعضهم وحوالي 1876 حسب أرشيف الحكومة التونسية). زاول دراسته بالكتّاب القرآني ثمّ بجامع الزيتونة. كان يخدم النّول ويتابع الدروس فأخذ النحو والصرف والبلاغة والفقه والأصول على الشيخيّن الصادق صفر (1854 - 1931) و محمد الشاذلي ابن القاضي (ت.(1917). يعتبر من أكبر الصّحفيين الذين عرفتهم تونس في بداية القرن العشرين. واكب الفترات المؤسّسة للحركة الوطنية ولمع قلمه طيلة حياته الصّحفية مدافعا عن السّلطنة العثمانية ثم مناصرا للحزب الحرّ الدستوري التونسي في العشرينات فمساندا لجيل الشباب المثقف الذي أسّس الحزب الدستوري الجديد.

وكانت بدايته الصحفية سنة 1904 عندما ألغت السّلطة الاستعمارية الضّمان المالي الخاصّ بإصدار الصّحف. فأصدر جريدة "الصّواب"، وهي جريدة علميّة سياسيّة أدبيّة أسبوعية ثمّ أصبحت نصف شهرية واستمرّت من أوّل أفريل 1904 إلى 1938 ولحقها تعسّف السّلطة الاستعمارية التي عطّلتها عدّة مرّات. يُصنّفها الأستاذ علي العريبي ضمن الجرائد ذات النزعة الإسلامية الإصلاحية. كان محمّد الجعايبي المحرّر الرئيس لجريدة "الصّواب" وصاحب امتيازها والمشرف على إدارتها. وقد تميّز في تحريره بأسلوب جديد يقوم على الدقّة في التعبير والوضوح في التّفكير. وهو الذي تتلمذ ل"أبي النّهضة التونسية" الثاني البشير صفر الذي ساعده في التحرير. وهو ما أضفى إشعاعًا خاصّا على الجريدة، كما أسهم في تحرير "الصّواب" أحد كتبة الوزارة الكبرى ويدعى محمد بوشارب، وكذلك أحد موظفي الادارة العامة ويدعى محمد زروق.

وتتلمذ عليه في أسرة تحرير "الصواب" الصحفي القدير الهادي العبيدي (1911 - 1985). وبالإضافة إلى جريدة "الصّواب"، أصدر محمد الجعايبي سنة 1906 "مجلّة إسلامية مصوّرة تصدر في غرّة كل شهر عربي" عنوانها "خير الدين" تقديرا للدّور الاصلاحي الرّائد للوزير الأكبر السّابق خير الدين التونسي. واستقطبت هذه المجلة مقالات الأستاذ الشيخ المصلح محمد النخلي (1869 - 1924) منها دراسة حول الوليد بن عبد الملك وأبي جعفر المنصور والمأمون وتفسير آيات من الذكر الحكيم. وتميّزت هذه المجلّة باستعمالها للصّور. وهو ما جعلها سائغة للعموم، كما نشرت المجلة أول رواية تونسية بعنوان الهيفاء وسراج الدين لصالح السويسي القيرواني (1871 - 1941). وكانت من أوّل الدّوريات التّونسية التي تطرح قضيّة تعليم المرأة المسلمة في تونس رغم ما أبداه الجعايبي من تحفّظ حول اعتبار المرأة مساوية للرّجل من حيث القدرات. وفي هذا المقام اعتبر قاسم أمين مخطئا. لكن أفكار الجعايبي في قضيّة تعليم المرأة ستتطوّر تطوّرا ملحوظا في العشرينات. على أنّ هذه المجلّة لم تعمّر طويلا إذ احتجبت بعد صدور سبعة أعداد ظهرت على التّوالي من 27 مارس إلى 13 سبتمبر 1906. وإلى جانب إصدار "الصّواب" ومجلة "خير الدين"، أسهم الجعايبي في تحرير جريدة "التقدّم" الأسبوعية ثم اليومية لصاحبها البشير الفورتي واستمرّت من 30 جويلية 1907 إلى 1911. إذ كان يحرّر سوانحها بالتّناوب مع الشّاذلي المورالي (1897 - 1934). وشارك أيضا في تكوين الجمعية "الوردية" وهي أوّل جمعية أدبية بتونس، مع المؤسّسين لها الشاذلي المورالي و حسن حسني عبد الوهاب و الجيلاني بوحافة وغيرهم. "وكان أحرص الكتّاب وأحوط الصحافيين في انتقاد أعمال الحكومة، وعدم إحراج مركزها، يصوغ مقاله بلباقة ومنطق صحيح وتنظير بالحوادث".

وفي سنة 1911 إبّان النهضة الصّحفيّة الأولى، كانت جريدة "الصّواب" في طليعة الصّحف المناصرة للجرائد الوطنية "مرشد الأمة" (1909 - 1950) و"التّونسي" باللغتين (1909 - 1912) و"المشير" (1911 - 1920) و"الاتحاد الاسلامي" (19 أكتوبر - 6 نوفمبر 1911) لمؤسّسها علي باش حانبة ورئيس تحريرها الشيخ عبد العزيز الثعالبي مع نخبة من مشاهير الكتّاب لغرض الدّفاع عن القطر الليبي تجاه القوّة الايطالية الغازية التي شرعت في احتلاله، كما اغتنم فرصة تعطيل "الصّواب" للاسهام في تحرير جريدة "المضحك" (1920 - 1923) و"التّونسي" (باللغة العربية). وإثر اندلاع حوادث الزلاّج (7 نوفمبر 1911) وتعطيل جميع الصّحف الناطقة بالعربية (باستثناء "الزهرة" شبه الرسمية) تحوّل الجعايبي إلى باريس ثمّ إلى إستانبول، وعاد إلى تونس في أوت 1912. فكانت جميع حركاته وسكناته محلّ تتبّع باعتباره شخصا مشبوها فيه. وقد كان ملفه الإداري مليئا بتقارير الشّرطة حول نشاطه الوطني. وما إن وضعت الحرب العالمية أوزارها (1914 - 1918) حتى كان الجعايبي من أوّل المنادين بحرّية الصحافة. وقد كانت جريدة "الصواب" من الصّحف الوطنية الأولى التي رخّصت لها السّلطة العسكرية الفرنسية بالصدور من جديد منذ 4 فيفري 1920، فكانت منبرا للحزب الحرّ الدستوري التونسي الناشئ. ولم يتوقّف نشاط الجعايبي إذ نجده عضوًا بارزًا في الهيئة القيادية لذلك الحزب. ونراه يسعى إلى إنشاء نقابة للصّحفيين التونسيين تكون منفصلة عن النّقابة الفرنسية، كما نجده ضمن الهيئة الوطنية المؤلّفة من المسلمين واليهود التونسيين التي أصدرت جريدة (La Tunisie nouvelle) "تونس الجديدة" بالفرنسية (1927 - 1934). وكانت بداية العشرينات في تونس من أنشط فترات حياة الجعايبي الصّحفية والسياسية وأشدّها خصوبة.

وبقدر ما كان اندفاع محمّد الجعايبي شديدا لصالح القضيّة الوطنيّة وفي سبيل الدّعاية الدّستورية، كانت صلاته وعلاقاته وثيقة بقادة الفيدرالية الاشتراكية بتونس، الذين احتضنوا مطالب الوطنيين خاصّة: رفع حالة الحصار وإزالة العقبات القانونية أمام حرّية الصحافة التونسية. وقد أصدرت جرائد "المشير" و"الصواب" و"مرشد الأمة" توضيحا في هذا الشأن جاء فيه ما يلي "(.) هذا التحقيق يفرض علينا أن نكون متحدين قلبا واحدا مع أحبابنا الاشتراكيين الفرنساويين والأجانب وإعانة هؤلاء إعانة صادقة ومعاضدتهم بنشرياتنا لدى الحزب التونسي المستنير الذي نحن منه والذي يشرّفنا بثقته لدى عامة الشعب المدفوع بفطرته للاشتراكية غير أنه يجهل لحدّ الان أصولها ومراميها...". ويُعدّ محمد الجعايبي من الوطنيين الأوائل الذين بحثوا في علاقة النزعة الوطنية والإسلامية بالاشتراكية وبيان نقاط التّلاقي الايديولوجي بين الاتّجاهين. فقد كتب في هذا الباب قائلا: "كثيرا ما كان ببالنا أن نكتب في موضوع الاشتراكية ومشابهتها في كثير من الوجوه إلى التّعاليم الاسلامية وموافقتها للفطرة الانسانية الذي يلهينا عن طرق هذا الباب هو اشتغالنا بتأثير مباديها تطبيقيا لا نظريا. فنحن إذا طلبنا رفع أجور المتوظّفين والعملة وتوحيد الأجور إذا اتّحدت الأعمال وإناطة المنافع بقدر ما يظهره الانسان من الشوط في درجات الكمال بقطع النظر عن جنسه وعنصره، فإنّما نخدم مبدأ الاشتراكية ونطبق قواعدها...". وتميّزت مقالات الجعايبي أيضا بالدفاع عن الهوية الوطنيّة التونسيّة وتفنيذ ادعاءات دعاة الانصهار في البوتقة الحضاريّة الفرنسية وهو الذي كتب يقول: "من المعلوم أنّ البلاد التّونسية قد تعاقبت عليها أمم كثيرة وأداروا شؤونها غصبًا وقسرا، بحيث أنّها عاشت في أكثر أدوار حياتها مغلوبة على أمرها. لكنّها في كلّ فترة وهنت فيها قوّة المتغلّب وتلاشت وحدته، حكمت نفسها بنفسها وجمعت قواها لتأييد قوميتها وحفظ كيانها من عبث العابثين...".

بهذا الالتزام الوطني، جعل الجعايبي من جريدة "الصّواب" أحد منابر الحزب الحرّ الدستوري التّونسي وسخّرها لخدمة القضيّة التّونسية. فقد بادرت "الصّواب" في أفريل 1922 بنشر تهديد محمّد الناصر باي (1906 - 1922) بالتّنازل عن العرش إن لم تستجب الحكومة الفرنسيّة للمطالب الوطنية. وهذا ما دعا السلطة الاستعمارية إلى تعطيل الجريدة في 5 أفريل 1922. وفي جوان 1923 عادت "الصّواب" إلى الصدور واستمرّ صاحبها في الدّفاع عن القضيّة الوطنية. فشنّ حملة صحفية على قانون التجنيس الصادر في 20 ديسمبر 1923، وعارض إقامة تمثال الكردينال لافيجري في مدخل مدينة تونس العربية (نوفمبر 1925) واحتجّ على أوامر جانفي 1926 لتقييد الحريّات السياسية، كما عارض انعقاد المؤتمر الإفخارستي في تونس (ماي 1931). وقد حضر أشغال مؤتمر قصر هلال الذي انبثق عنه الحزب الدستوري الجديد (2 مارس 1934) وانتخب عضوا في المجلس الملّي وجدّد انتخابه في المؤتمر الثاني المنعقد بتونس (29 أكتوبر 1937). وانتقل المناضل محمّد الجعايبي إلى جوار ربّه في شهر ماي 1938.