علي بوحاجب

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:41، 20 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1887 - 1964م]

هو صيدلي ومناضل ورجل سياسة، من أبرز أبناء تونس في الفترة الأولى للاستعمار الفرنسي. فقد احتلّت الجيوش الفرنسيّة القادمة من الجزائر سنة 1881 المملكة التونسيّة، ولم يكن يُتعاطى بها مهنة الصيدلة "العصرية" آنذاك سوى بعض الأجانب من إيطاليين وفرنسيين وبعض اليهود. أمّا المواطنون المسلمون التّونسيون، فإنّهم كانوا يبيعون العقاقير التقليديّة. وذلك بمقتضى رخصة يسلّمها إيّاهم "أمين" السوق، المعيّن من قبل الباي، ملك البلاد.

وعند انتصاب الحماية الفرنسيّة، أصدر علي باشا باي، صاحب المملكة، أمرا بتاريخ 6 شوال 1305هـ، الموافق ل 15 جوان 1888م، والمنشور بالرائد الرّسمي عدد 28 بتاريخ 12 جويلية 1888، ينظّم ممارسة الصيدلة وبيع الأدوية. وخصّ بذلك الصيادلة خرّيجي الجامعات والكلّيات من أوروبا. وكان أوّل تونسي مسلم حصل على ديبلوم الصيدلة هو علي بوحاجب.

إنّه من أبناء تونس العاصمة. ولد حسب رواية عائلته، في شهر سبتمبر 1887. ولعلّه ولد سنة 1888 على الأرجح. وأصْل لقبه العائلي هو علي كشّوخ. وكشّوخ عائلة معروفة من بلدة بنبلة بجهة الساحل، حلّت بتونس العاصمة واستقرّت بها. وفضّل علي كشّوخ تغيير لقبه. فأصدر حكما في ذلك. فاختار لقب (بوحاجب) نسبة إلى والدته زهرة بوحاجب. وهي ابنة الشيخ سالم بوحاجب المشهور، الذي كان من أبرز خرّيجي جامع الزيتونة المعمور والذي تولّى عدّة مناصب عليا، منها مساعدة الوزير الأوّل المصلح خير الدين التونسي، كما تولّى سالم بوحاجب خطّة الافتاء سنة 1323هـ/1905م، ثم سمّي باش مفتي المالكيّة سنة 1337هـ/1919م. وهذا التتويج جعل منه أبرز الوجوه الدينيّة في البلاد. ولهذه الأسباب، فضّل علي كشّوخ الانتساب إلى عائلة والدته الشهيرة، فعوّض لقبه العائلي. وأصبح يعرف طيلة حياته باسم علي بوحاجب.

وتقتضي الموضوعية، أن نذكر أنّ والده، محمد كشّوخ، كان معروفا أيضا. فقد شغل منصب وكيل وزارة في عهد الملك محمد الصّادق باي. وكان يقطن بحي "سوق البلاط" حيث ولد ابنه علي. وهذه السّوق قائمة إلى اليوم ولم يتغيّر اسمها ولا تزال تباع فيها الحشائش والعقاقير المستعملة في الصيدلة التقليديّة، محافظة على هويّتها الأصليّة التاريخيّة.

درس علي بوحاجب أوّلا بالمدرسة الابتدائية بالمنطقة التي يسكنها. ثمّ دخل المعهد الثانوي الفرنسي المعروف "ليسي كارنو" بتونس الكائن ب"الحي الأوروبي" لمدينة تونس. فكان من أنجب التلاميذ. وأتقن اللغة الفرنسيّة. فساعدته على كتابة مقالاته السياسيّة، فيما بعد، ضدّ الاستعمار الفرنسي. نجح علي بوحاجب في امتحان الباكالوريا الفرنسيّة بامتياز، منذ الدورة الأولى لسنة 1908، فقرّر متابعة تعليمه العالي بفرنسا. وتوجّه إلى مدينة تولوز، حيث درس بكلّية الصيدلة وحصل بتفوّق على ديبلوم الصيدلة في سنة 1913. عاد بوحاجب إلى العاصمة التونسية لمزاولة العمل الصيدلي. فحاول أوّلا الدّخول إلى معهد باستور. ولكن رفض مطلبه دون تعليل. والسّبب الحقيقي لهذا الرفض هو أنّ السّياسة الاستعماريّة تخصّص مثل هذه المناصب الطبيّة والصيدلية لأصحاب الجنسيّة الفرنسيّة دون سواهم. وفي هذه الحالة، بادر علي بوحاجب بتأسيس صيدليّة جديدة خاصّة بنهج الجزيرة، قرب باب البحر، وسط حيّ جلّ متساكنيه من الأجانب غير التونسيين المسلمين. فوجد نفسه غريبا في هذه المنطقة. وأمام العدد القليل من الزّبائن، اضطرّ علي بوحاجب إلى نقل هذه الصيدلية إلى قلب المدينة بالعاصمة. فاختار حيّ الحلفاوين، قرب باب السويقة، وهو حيّ شعبي حافل، جميع سكّانه من التّونسيين المسلمين. فكانت أوّل صيدلية تفتح بالمكان. وسمّاها "الصيدلية الاسلاميّة الكبرى".

وهنا باشر علي بوحاجب مهنته طيلة حياته، بين مواطنيه، مقدّما لهم جليل الخدمات الصحيّة والإنسانية، محبوبا من النّاس، وجلّهم من أبناء الشعب. وهذه المنطقة من المدينة معروفة في التّاريخ الحديث والمعاصر بحماسها الوطني ومقاومتها للمستعمر الفرنسي. وممّا يدلّ على ذلك أنّ شرارة الحركة الوطنيّة قد اندلعت في جهة باب السويقة والحلفاوين. وقد سقط فيها عدد كثير من الضحايا يومي 8 و9 أفريل 1938. وفي نفس الفترة، كان علي بوحاجب من المناضلين داخل الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي أسّسه عبد العزيز الثعالبي منذ سنة 1920. وأسهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي. فكان يكتب المقالات في جريدة العمل التونسي لسان الحزب الدستوري، رفقة عدّة زعماء منهم الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري. وكان الزعيم الحبيب بورقيبة لا يكنّ حبّا وافرا لعلي بوحاجب لميله إلى جماعة الثعالبي. ولكنّه يعترف له بمهارته وإتقانه للغة الفرنسيّة وامتيازه في التحرير الصحفي.

في سنة 1947، جرت محاولات من قبل بعض التونسيين "المستقلّين عن الحزب الدستوري" للدّخول في التفاوض مع السّلط الفرنسيّة لادخال بعض الاصلاحات السياسيّة.فكلّف الباي محمد الأمين باشا المحامي مصطفى الكعّاك بتشكيل حكومة جديدة. عيّن علي بوحاجب يوم 26 جويلية 1947 على رأس وزارة الصحة العمومية في هذه الحكومة.والجدير بالذكر أنّ الصحّة كانت تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. فأصبح علي بوحاجب أوّل وزير في الحكومة التونسية يشرف على الوزارة الجديدة القائمة بذاتها.

وقد اقترن ميلاد هذه الوزارة بتأسيس مجلس هيئة الصّيادلة.وذلك بمقتضى أمر عليّ بتاريخ 10 جويلية1947، صدر بالرّائد الرّسمي عدد 57 يوم 15 جويلية 1947. ونظّم هذا الأمر المهن الصيدليّة تنظيما عصريّا، وتمّ انتخاب المجلس من قبل الصّيادلة المزاولين بالمملكة التونسية، دون اعتبار جنسيّتهم.

وتولّى علي بوحاجب الوزارة مدّة ثلاث سنوات. وكانت من أبرز إنجازاته حملات التلقيح والوقاية ضدّ بعض الأمراض المنتشرة آنذاك، مثل مرض السلّ وأمراض معدية أخرى.ولكنّ صلاحياته في الميدان الصحّي كانت محدودة من السلطة الاستعمارية.وهو ما اضطرّه إلى مغادرة هذه الوزارة. رجع علي بوحاجب إلى صيدليّته بحيّ الحلفاوين بتونس العاصمة، تاركا نهائيّا النشاط السياسي، بعد أن كان من أبرز وجوهه... إلى أن وافاه الأجل في شهر جوان 1965.

وسيحفظ التاريخ أنّ علي بوحاجب كان أوّل تونسي حصل على ديبلوم صيدلة بجامعة فرنسيّة عصريّة وأنّه كان ناشطا في الحقل السياسي التحريري، كما أنّه أوّل تونسي شغل منصب وزير للصّحة.