عبد الرحمان خليف

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:50، 12 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1917 - 2006 م]

عبد الرحمان خليف

هو الشيخ الفقيه عبد الرحمان بن علي خليف ولد بالقيروان في 5 شعبان 1335 هـ الموافق ل 27 ماي 1917، في بيت متواضع قريب من جامع عقبة بن نافع ومن أسرة لم يكن لها شأن علمي يذكر، إذ كان أبوه نجارا في سوق السكاجين قرب مسجد الفال بالمدينة العتيقة، لكنّه كان حريصا على تعليمه القرآن الكريم، فحفظه كاملا سنة 1931 ولم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وذلك عن مؤدبه المرحوم عليّة بن غانم، وكانت تلك عادة أهل القيروان في إيفاد أبنائهم إلى الكتاتيب منذ حداثة سنّهم. التحق بجامع عقبة إذ أخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغة عن المشايخ محمود صدّام وهو وقتئذ الإمام الخطيب الأوّل بالجامع وكان يدرس الفقه، وعن الشيخ الهادي بن محمود مادّة النحو وعن الشيخ محمّد بن الحاج عمر العلاني مادّة الفقه، واللغة عن الشيخ المفتي صالح الجودي وعن الشيخ محمد الباجي مادة التجويد وكذلك عن الشيخ عبد الملك ولد فرحات.

ولم تكن الدراسة نظامية بالجامع فقد كان هؤلاء المشايخ يتوّلون التدريس بطريقة شبه تطوعيّة تصرف لهم مقابلها منحة من ريع الأحباس المخصّصة لمدرسي الجامع التي ترعى شؤونها جمعيّة الأوقاف بالقيروان برئاسة أمينها العدل الشيخ محمد طراد الذي كان يتولى بدوره سير هذه الدروس، وصادف أن توفّي الشيخ عبد الملك ولد فرحات فاقترح الشيخ محمد طراد تعويضه بتلميذه الشيخ عبد الرحمان خليف بعد أن أنهى السنتين الأولى والثانية ليتولّى تدريس مبادئ علم التجويد بالجامع، ولم يكن هذا التعويض مجاملة للشيخ خليف وقتئذ ولكن لما لمسه الشيخ محمد طراد من نجابة في هذا الشاب كما لم يمنعه ذلك من إجراء مناظرة داخليّة في الغرض فاجتازها بنجاح.

في سنة 1932 التحق بجامع الزيتونة بالعاصمة حيث أحرز شهادة الأهليّة سنة 1936 والتحصيل في القراءات سنة 1938 والتحصيل في العلوم سنة 1940 ثمّ العالميّة في القراءات سنة 1942 فالعالميّة في الآداب العربيّة سنة 1944 التي اجتاز بموجبها مناظرة الاجازة في التدريس بالزيتونة فنجح مدرّسا بالجامع الأعظم سنة 1944. منذ سنة 1944 شرع في تدريس القراءات واللغة العربيّة بجامع الزيتونة وكان في البداية متهيّبا من هذه الخطة لأنه كلما التفت يمنة ويسرة رأى أعلاما كانوا مشايخه بالأمس وأضحوا زملاءه اليوم ضمن هذه الحلقات المتناثرة بفضاء الزيتونة، ولكن ثقته بنفسه واعتداده بما اكتسبه من زاد معرفي هوّنا عليه الموقف.

ظلّ يدرّس بجامع الزيتونة ويقطن بحمام الأنف، وشاءت الأقدار أن يتعرّض في جويلية سنة 1952 إلى حادث مرور في منطقة عين دراهم في أثناء رحلة ترفيهيّة، ألزمه الفراش بضعة أشهر، وكان قد توفي في تلك الحادثة زميله المرحوم الشيخ الأمجد قدية أحد أعلام القيروان، وبعد أن تعافى من مرضه تقدم إلى العلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور شيخ الجامع الأعظم بطلب نقلته للتدريس بالفرع الزيتوني بالقيروان وذلك سنة 1952. استجاب الشيخ ابن عاشور لطلبه وتحوّل إلى القيروان ليبدأ مرحلة جديدة من حياته كانت مليئة بالأحداث، فباشر التدريس بالفرع الزيتوني الذي كان يديره المرحوم الشيخ يوسف بن عبد العفوّ واستمرّ في التدريس إلى أن انتقلت إليه إدارة الفرع سنة 1956، وتزامن ذلك مع استقلال البلاد وما طرأ على أنساق الحياة من تحوّلات سياسيّة واجتماعيّة وفكريّة تسارع بعضها ليمسّ إحدى قلاع العلم التي ساهمت في تأصيل الكيان التونسي وهي جامع الزيتونة، إذ رأى فيه بعض رموز الحداثة آنذاك أداة شدّ إلى الماضي فكان قرار غلقه وغلق جميع فروعه. وتهيّأت البلاد لمرحلة تعليميّة عصريّة الأداة والمنهج حداثيّة الجوهر والمحتوى، وما كان ذلك ليرضيَ شيوخ الزيتونة الذين رأوا في غلقه بداية النهاية لمجد وعراقة وريادة سينفضّ بزوالها من حولهم مريدوهم وتتهاوى مكانتهم في المجتمع... أنكرت طائفة من الشيوخ قرار إغلاق جامع الزيتونة وفروعه واستبدال برامج التدريس ومناهجها المألوفة ببرامج ومناهج جديدة ورأت فيها تجفيفا لمنابع طالما كرعت الأجيال المتلاحقة من مناهلها. وكان الشيخ خليف من أولئك الرافضين الذين تنامى سخطهم على ما حدث خاصّة بعد أن أُنتزعت منه إدارة الفرع الزيتوني بالقيروان ليجد نفسه في سنة 1960 مدرّسا في فضاء عصري جديد يسمّى الحيّ الزيتوني يديره أحد خريجي السربون ببدلته الافرنجيّة.

هذا داخل الفضاء التعليمي. أمّا خارجه فبعد أن عاد للتدريس بالقيروان حصل على أمر عليّ سمّي بمقتضاه إماما خطيبا ثانيا بجامع عقبة سنة 1955 إلى جانب الامام الخطيب الأوّل الشيخ الطاهر صدام، وقام الشيخ خليف بمعيّة زميليْه الشيخ صالح البحري والشيخ الطيب الورتاني بتنشيط الجامع بإملاءات قرآنيّة ودروس في العقيدة والفقه، أقبل عليها الكثير من أهالي القيروان، واستمرّت هذه الأنشطة في جوّ لا يخلو من التوتّر مع السلطة الجهويّة آنذاك. وكان يمكن للتوتر أن يظلّ كامنا في نفس الشيخ خليف وبعض مريديه لولا وصول الأمر إلى ما تمّ اعتباره انتهاكا لحرمة جامع عقبة! حدث ذلك عندما حصلت إحدى الشركات السينمائية الايطالية على ترخيص لتصوير لقطات من الجامع استوجب تعطيل بعض أوقات الصلاة وما ترتب عن هذه اللقطات من انتهاك لحرمة المسجد بدخول بعض الدواب وما إلى ذلك من تصرّفات رأى فيها المصلّون اعتداء صارخا على المقدسات والمشاعر الدينيّة. وفي صبيحة يوم الأحد 15 جانفي 1961 اتّصل الشيخ ببرقية من وزارة التربية تعلمه بقرار نقلته للتدريس بالحامة في ولاية قابس. كما انتدب بعد ذلك لخطّة متفقد للتربية الاسلامية سنة 1968 في بعض معاهد ولايات الوسط والجنوب الغربي.

عاد الشيخ إلى القيروان ليستأنف الخطابة في جامع عقبة وليستأنف كذلك الاملاءات القرآنيّة والدروس. وبدأ الجامع يسترجع أنفاسه وتلتفّ حول الشيخ عناصر جديدة من الشباب والمثقفين ليستفيدوا من دروسه وخطبه. وكان قد توفّى الامام الأوّل الطاهر صدام فانتقلت إليه الخطّة عن جدارة واستمرّ خطيبا من على منبر سحنون بن سعيد إلى 28 أكتوبر 2005 تاريخ آخر خطبة جمعيّة في حياته. كانت هذه المرحلة من حياته مرحلة الانفراج وتجاوز الشدائد وقد عيّن عضوا بالمجلس الاسلامي الأعلى بتونس سنة 1988 ثمّ تم اختياره فيما بعد ليكون من ممثلي القيروان في مجلس النواب سنة 1989. توفّي في عصر يوم الأحد 17 فيفري 2006 ليدفن في مقبرة قريش صبيحة يوم الاثنين 18 فيفري في جنازة مهيبة شيعه فيها جمهور غفير من القيروان وخارجها.

مؤلفاته[عدّل]

صدر للشيخ عبد الرحمان خليف مجموعة من الكتب وهي:

1 - كتاب كيف تكون خطيبا؟، طبع مرّتين الأولى بالسعودية والثانية بلبنان.

2 - كتاب أين حظّ الاسلام من لغة القرآن؟، طبع بالكويت.

3 - كتاب ترتيب مناسك الحج، طبع بتونس.

4 - كتاب التربية من الكتاب والسنّة، بمشاركة أستاذين، طبع بالعراق وقرّر للتدريس بتونس.

5 - كتاب العقيدة والسلوك، بمشاركة أستاذين، طبع بتونس وقرّر للتدريس.

6 - كتاب مشاهد الناس عند الموت، طبع بمصر مرتين.

7 - كتاب مشاهد الناس بعد الموت، طبع بتونس.

8 - كتاب آفاق الصيام في الاسلام، طبع بتونس.

9 - كتاب من مشاهد الصحابة رضي الله عنهم، مهيّأ للطبع.

كما نظّم عبد الرحمان خليف مجموعة من القصائد الشعرية ذات مسحة دينية يعالج بعضها قضايا اجتماعية محليّة وإسلاميّة وقصائد رثائيّة ومدحيّة، فضلا عن نظّم بعض القطع في شكل ابتهالات وهي كلّها كانت مهيّأة للنشر في ديوان شعري.