عبد الرحمان المعافري

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:20، 20 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[75 - 161هـ/694 - 778م]

هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بن ذريّ بن يحمد بن معدي كرب الشعباني (نسبة إلى شعبان، بطن من حمير) المعافري، ويعرف بالافريقي. ولد سنة 74 أو 75هـ/693 أو 694م بأرض إفريقية، في أثناء غزو جند حسان بن النعمان (توفّي بعد 86هـ/706م) لهذه البلاد. وهو أوّل مولود عربي يولد بها كما قال هو عن نفسه: "أنا أوّل مولود في الإسلام - يعني بعد فتح إفريقية - بإفريقية". كان أبوه، زياد بن أنعم (توفّي نحو 100هـ/719م) ممن حضر فتح مصر مع عمرو بن العاص سنة 19هـ/461م، كما كان من خيرة التابعين وثقاتهم، لقي كثيرا من الصحابة وروى عنهم الحديث الشريف.

في هذه البيئة، نشأ عبد الرحمن، في بيت علم ودين، فاعتنى به والده وعلّمه وربّاه تربية إسلامية سليمة، فشبّ وترعرع على طريقة أهل القيروان. ثمّ جلس إلى التابعين العشرة الفضلاء الذين أرسلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز على رأس القرن الأوّل الهجري إلى إفريقية لتفقيه أهلها وتعليمهم أصول الدين وأحكام الشريعة وتحفخهم القرآن الكريم، فأخذ عبد الرحمن علم التابعين وحذق رواية الحديث النبوي الشريف. وكان من الرعيل الأوّل من الأفارقة الذين حملوا العلم الإسلامي عن المعلّمين الأوائل في المغرب العربي، حتى قال العلامة حسن حسني عبد الوهاب: "ظهر علم الشريعة أوّل ما ظهر في إفريقية - وخاصة في القرن الأوّل في القيروان - على يد الصحابة فالتابعين الوافدين على المغرب إبّان الفتوح، وعن هؤلاء وهؤلاء كان تسلسل السند، فتلقّاه منهم ناشئة العرب المولّدون وأبناء الأفارقة والبربر ممن دخلوا في الاسلام. فما يكاد هذا النشء يحفظ القرآن حتى يروي عن أولئك الفاتحين، ومن إليهم، سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم، وهي المنبع الثاني للشريعة، والأصل التالي للقرآن العظيم في استخلاص أحكام الدين. وهم الذين يتّسق بهم السند العلمي الافريقي".

وبعد أن استوفى عبد الرحمن علومه في القيروان كانت له رحلات علمية إلى مدينة تونس وسمع من أكبر علمائها، حينذاك، خالد بن أبي عمران التجيبي، مولى عمرو بن حارثة التجيبي (توفّي 125 / 743م أو 129هـ/747م)، يحيى بن سعيد الأنصاري (توفّي 143هـ/761م). ثمّ أخذ ابن زياد بعد ذلك طريقه إلى المشرق العربي، على عادة علماء إفريقية، للاستزادة من العلم والمعرفة. وكانت له رحلات متعدّدة في حياته، أولاها تمحّضت لطلب العلم، قبل 118هـ، وأخرى سنة 122هـ/741م إلى دمشق حيث كلّف بمهمّة سياسية لدى الخليفة الأموي، والأخيرة سنة 140هـ/758م إلى بغداد حيث قابل زميله القديم ورفيق دراسته الخليفة أبا جعفر المنصور في موضوع ردع هيمنة الخوارج والصفريّة على مدينة القيروان. وبصفة عامّة التقى ابن زياد في رحلاته هذه بأشهر علماء عصره في مصر والشام والحجاز والعراق والكوفة.

وفي هذه السفرة، سمع من عبد الرحمن بن زياد جماعة من كبار أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت (توفّي 150هـ/767م)، كما سمع منه سفيان الثوري (توفّي 161هـ/778م) للمرة الثانية، وزكريا بن أبي زائدة (توفّي 148هـ/765م) وغيرهم. وكان من عمل القائد ابن الأشعث عند وصوله إلى القيروان أنّ أعاد عبد الرحمن بن زياد إلى منصب القضاء بأمر من الخليفة المنصور سنة 144هـ/761م، فاستأنف ابن زياد سيرته العادلة بين الناس في تواضع وإخلاص، وأقبل على نشر العلم بين طبقات المتعلمين. هذا، وروى عنه علماء أجلاء مشرقا ومغربا، ومن أشهر هؤلاء الذين أخذوا عنه علوم الحديث رواية: يحيى بن سعيد القطان بالكوفة (توفّي 198هـ/814م)، وعبد الله بن المبارك (توفّي 181هـ/797م)، وسفيان الثوري بمكة، وعبد الله بن لهيعة (توفّي 174هـ/781م)، وعبد اللّه بن وهب بمصر (توفّي 197هـ/813م) وغيرهم. ولمّا عنّ له الرجوع إلى بلده، أرسل أبياتا شعرية معبّرا عن حنينه إلى أهله وذويه وموطنه، قال في مطلعها (الوافر) :

ذكرت القيروان فهاج شوقي

وأين القيروان من العراق؟

ولمّا رجع ابن زياد إلى القيروان، تصدّر لنشر العلم بين أهل بلده في مساجد القيروان ومجالسها، وخاصة في مسجد عقبة بن نافع، واتّسعت حلقته وكثر طلاّبه وتلاميذه، كما كثرت مروياته وتدوينه للحديث النبوي، 0فدوّن كتابين، تضمّنا أكثر من خمسمائة حديث، رواهما عنه أهل القيروان. لكنّ ابن زياد، على علمه الغزير بالحديث الشريف، جرّحه بعض نقاد هذا العلم، وطعنوا في روايته، خاصة في تلك الأحاديث المتعلّقة بفضل إفريقية ومدنها وأهلها. ولم تقتصر علومه على الفقه والحديث الشريف، بل ناضل ضد الخوارج والصفرية الذين داهموا القيروان في حياته وفي عهد عطائه. ولقد عانت القيروان الكثير من التخريب والتهديم على أيدي الذين توافدوا عليها هروبا من بلدانهم وخوفا من مضايقة السلطة لمبادئهم وأفكارهم. وهو ما دفعهم على الالتجاء إلى الأراضي البعيدة والقاصية، فكانت إفريقية مسرحا لمثل هذه النحل والملل، فتصارعت وتنازلت، وأثّرت كثيرا في أهل البلاد، وتسرّبت إلى بعض القلوب وأمّالتها، خاصة من البربر الذين ضاقوا ذرعا بمعاملة بعض الولاة لهم. لذلك وجد الخوارج عامة والصفرية خاصة المناخ مواتيا، فاستمالوا قبائل البربر إلى جانبهم ضدّ الحكم العربي في القيروان. وأمام هذا الوضع، تصدّى العلماء والمفكّرون من أهل القيروان مثل ابن زياد لهذه الأفكار فاستعمل منهج التربية والتعليم لترسيخ مبادئ الدين الحنيف، وتفقيه النشء وتعليمهم وتربيتهم. ويلخّص العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب رأيه في عمل ابن زياد وفضله الكبير في هذه الربوع، فيقول: "... إنّ من يتتبّع سير العلوم الاسلامية في إفريقية خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة/8 - 9م، يرى المنزلة العظيمة والمكانة الكبيرة التي نالها - بحقّ - عبد الرحمن بن زياد، فإنّه بذل من المساعي لنشر التعليم وبثّ اللغة وآدابها وتقاليد العرب وأخلاقهم، ما جعله في مقدمة كبار المربين المرشدين لأبناء البلاد من سلالة العرب والبربر، بلا ميز ولا فرق حتى إنّك لا تجد أحدا من علماء إفريقية في ذلك العصر لم يحمل العلم عنه".

وأثنى العلماء، مشرقا ومغربا، على العلاّمة القيرواني عبد الرّحمان بن زياد المعافري، ثناء كبيرا، ذاكرين فضله وجهوده الواضحة في دعم الاسلام وإرساء قواعده في ذلك الوقت المبكّر، بربوع إفريقية التي انتشرت فيها الوثينة. فضلا عن الأديان الأخرى كالنصرانيّة واليهودية قبل حلول الاسلام، إذ عمل الروم والبيزنطيون واليهود طويلا على إخضاع سكّانها إلى نحلهم ومذاهبهم.