ساسي الأسود

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:13، 5 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

ينحدر ساسي بن محمد الأسود من فريق الشياب من بني يزيد الذين تعد الحامة مركزهم الرئيس. وقد ولد بسهل السقي غير بعيد عن هذه البلدة يوم 10 جانفي 1927 أي بعد ثلاث سنوات فقط من إعدام الثائر محمد الدغباجي سنة 1924 وقبل سنة واحدة من وفاة محمد علي وكلاهما أصيل هذه البلدة. عاش ساسي الأسود يتيما إذ فقد أباه ولمّا يتجاوز عمره ستة أشهر، فتولّت تربيته أمّه وأخواه، وانصرف منذ صغره إلى مساعدة عائلته بالعمل في الفلاحة ورعي الغنم. ولم يتسنّ له تلقّي أي قدر من التعليم.ألقي عليه القبض إثر مظاهرة جرت بالحامّة وعمره سبع عشرة سنة.

انخرط باكرا في المقاومة المسلحة التي انطلقت غداة إلقاء القبض على القادة الوطنيين في 18 جانفي 1952. ولم يكن خروجه حالة فريدة بين أبناء الحامة الذين برز منهم كذلك الطاهر الأسود وهو واحد من أهم قادة حركة المقاومة. سارع ساسي الأسود إلى تكوين مجموعة من خمسة عناصر من أبناء قبيلته وقيادتها. وقاموا معا بأوّل عملية لهم يوم 25 من الشهر نفسه فيما يعرف بمعركة بنصانوش بجبل عرباط حيث عطّلوا قطارا متّجها نحو مدينة قفصة وأمطروه بالرصاص. وقد كان لهذه العملية الوقع الشديد والصدى الواسع، ففي حين توجّهت سلطات الحماية إلى تنظيم نفسها لقمع حركة المقاومة التحق بمجموعة ساسي الأسود عدد من المتطوّعين الجدد، وبرزت مجموعات مقاومة أخرى في مختلف مناطق البلاد. والحقيقة أنّه يصعب تقصّي كلّ المعارك والعمليات التي قادها ساسي الأسود طيلة فترة المقاومة (1954 - 1952)، ذلك أنّ عددا منها قد وثّق عن طريق الرواية الشفوية التي أسبغت عليها بعض المبالغة، وذلك لا يعفينا من الاشارة إلى أنّ مجال نشاط ساسي الأسود ومجموعته قد انتقل من الجنوب باتّجاه الوسط ثمّ الشمال الغربي، إذ نشط على التّوالي بمنطقة الحامة ثمّ قفصة وسيدي بوزيد ثمّ القصرين وأخيرا الكاف. ولعلّ من أهمّ الأحداث التي يمكن تسجيلها في يوميات المقاومة المسلّحة هو الاجتماع الذي انعقد في ربيع 1954 وضمّ عشرة من قادة المقاومة ومنهم ساسي الأسود و الطاهر الأسود و الأزهر الشرايطي.. في محاولة منهم للتنسيق بينهم وبعث تنظيم تحت تسمية جيش التحرير الوطني.

استهدفت العمليات التي قادها ساسي الأسود القوات الفرنسية والمتعاونين معها والمعمرين الفرنسيين. ومن تلك العمليات يمكن أن نذكر الهجوم على قوّات "القومية" (أعوان عسكريون تونسيون منتدبون من إدارة الحماية) المتمركزة ببرج سعيدان بين قبلي والحامة يوم 13 مارس 1952، وقد قتل فيه أحد عناصر "القومية" وجرح آخرون وفرّ الباقون. ولعلّ من أهمّ المعارك التي تنسب إليه تلك التي أسرّ خلالها 14 جنديا فرنسيا قام باستبدالهم ب32 سجينا سياسيا بجبل عرباط في سبتمبر 1952، كما كثّف نشاطه غداة اغتيال فرحات حشاد وهو ما أدّى إلى محاكمته وصدر عليه حكم بالاعدام غيابيا في جانفي 1953. فازداد إصرارا على مواصلة المقاومة من ذلك أنّه هاجم في 5 سبتمبر 1953 ثكنة للجيش الفرنسي بالقطار قرب قفصة. وهاجمت مجموعته يوم 24 سبتمبر 1954 منجم قرن الحلفاية بجهة الكاف وقد قتل فيه رئيس الحامية... لم تبرز العلاقة المباشرة بينه وبين القادة الدستوريين الجدد إلا بعدما اغتالت عصابة اليد الحمراء الأخوين حفوز إذ جاءته الأوامر من جلّولي فارس ابن بلدته والطيب المهيري تدعوه إلى ردّ الفعل، فترأّس مجموعة من خمسة أفراد هاجموا ضيعة أحد المعمّرين بأبة قصور يوم 26 ماي 1954 فذبح معمّر ورُمي آخر بالرصاص. توجّه إلى منديس فرانس برسالة في سبتمبر 1954، أعلن له فيها "أنّ مهمّتنا قد انتهت وأنّ رسول الانقاذ والسّلام الذي يتمثل في شخصكم قد حلّ ببلادنا ونشر ألوية السّلام وإحقاق الحق بها فأعرضنا عن القتال وصرنا نتجنّب السّبل التي توصلنا للاشتباك مع جند الحكومة"، وبالفعل عندما دعا بورقيبة الثوار إلى تسليم السلاح في نوفمبر 1954، كان ساسي الأسود من أوّل من سلّم سلاحه إلى جانب عدد من قادة المقاومة الاخرين ومنهم محجوب بن علي ولزهر الشرايطي والشيخ حسن العيادي وحسن بن عبد العزيز، في حين رفض تلك الدعوة آخرون ومنهم الطاهر الأسود والطيب الزلاق والهادي قدورة. وقد نقل بعد ذلك إلى تونس العاصمة ولم يتمكّن من العودة إلى الحامة إلا بعد أن عاد بورقيبة في غرة جوان 1955.

وفي أثناء الصراع اليوسفي البورقيبي، وقف ساسي الأسود إلى جانب بورقيبة، وأسهم في مواجهة أنصار صالح بن يوسف بوجوده على رأس لجان الرعاية التي نشطت بالحامة وقابس. حصل سنة 1958 على الوسام العسكري، غير أنه ما فتئ أن تورط في المحاولة الانقلابية التي كشف عنها في ديسمبر 1962 مثله في ذلك مثل عدد آخر من قدامى المقاومين ومن أهمّهم الأزهر الشرايطي، وقد أحيل على المحاكمة في مارس 1963 وصدر عليه حكم بعشرين سنة أشغالا شاقة وخطيّة ب480 دينارا. شمله بعد ذلك عفو رئاسي واستقطب من جديد للعمل في صفوف الحزب الحاكم، فعيّن عضوا في لجنة التنسيق الحزبي بقابس مكلفا بشؤون المقاومين كما عيّن عضوا بالمجلس الاستشاري للمقاومين.توفّي بالحامة في 23 جانفي 2002.