حاتم المكي

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:45، 7 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حاتم المكي

[جاكرتا 1918 تونس 2003م]

حياته[عدّل]

ولد حاتم المكي يوم 16 ماي 1918 بمدينة جاكرتا بأندونيسيا من أب تونسي (من منطقة الجريد بالجنوب الغربي التونسي) ومن أم اندونيسية ذات أصول صينية. وتوفّي بقرطاج بتونس في23 سبتمبر 2003. قضّى حاتم المكي طفولته الأولى بجافا وحلّ بتونس في سنّ السادسة في سنة 1924 حيث زاول دراسته الابتدائيّة ثمّ الثانويّة بالمعهد الفرنسي كارنو. أقام بفرنسا من سنة 1938 إلى سنة 1939 حيث أنجز الكثير من الأعمال الفنّية الخطّية من تصاوير نشرت ببعض المجلات والجرائد الأدبية والفنية ومن معلّقات إشهارية وسينمائية، كما اشتغل في هذه الفترة لدى المجلّة الأسبوعية الباريسية "ماريانا".

وفي بداية الحرب العالمية الثانية، في سنة 1939، رجع حاتم المكي إلى تونس حيث بدأ يعرض أعماله التشكيلية فأقام أوّل معارضه الشخصية في سنة 1939 ثم شارك إلى حدود سنة 1945 في الكثير من المعارض الجماعية (منها مشاركته في سنة 1941 بالصالون التونسي وفي صالون الكلاريدج وبرواق رسوم) والمعارض الشخصية بتونس فندق كازينو وبرواق السيلكسيون (1941) وبالجزائر برواق الهضاب الثلاث (1941 و1944). وقد كانت شواغله الفنّية في فترة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) موزّعة بين الرسوم الطبيعية الانطباعية والمحفورات الواقعية التعبيرية والرمزية مع حضور بارز للبعد السريالي والايروتيكي.

وفي سنة 1947 رجع حاتم المكي من جديد إلى باريس حيث نشرت رسومه في الكثير من الصحف الباريسية مثل "كومبا" (Combat) و"لا غازات دي لاتر" (La Gazette des Lettres) و"كارفور" (Carrefour) ثمّ أصبح مستشارا فنّيا ببعض المنشورات مثل "كارّيا" (Carréa) و"شارلو" (Charlot). وفي سنة 1948 نظم معرضين مهمّين. أقام الأول بباريس في قاعة "سويرات" (Suillerat) وكان يعمل وقتها بجريدة كومبا التي نشرت له بورتريات لعدّة شخصيات أدبية وفنّية معروفة كما تعرّف في تلك السنة إلى الفنّان جون ديبيفاي. أمّا معرضه الثاني فقد أقامه بتونس وردّدت صداه الصحافة التونسية في مقالات عدّة. وعاد حاتم المكي سنة 1951 إلى تونس ليستقرّ بها. ومنذ ذلك التاريخ، أنجز عددا مهمّا من اللوحات التصويرية بالألوان الزّيتية ومئات الأعمال الفنية في الكثير من التقنيات الأخرى نذكر منها:

  • جداريات بمعهد الصادقية وبمعهد خزندار.
  • بعض الديكورات السينمائية.
  • شريطان من الصور المتحرّكة
  • رسومات كاريكاتورية لجريدة "لاكسيون" (L'action)
  • تخطيطات لنقود تونسية معدنية وورقية
  • الكثير من المعلقات الاشهارية
  • مجموعة من الطوابع البريدية لا يقلّ عددها عن أربع مائة طابعا بريديا.

وقد أقام حاتم المكي معارض عدّة لأعماله بتونس وفي الكثير من البلدان العربية والأوربية وبالصين وبالولايات المتّحدة الأمريكية. وقد كتبت عن نشاطه الفنّي وعن معارضه كبرى الصّحف العالمية منها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"لوموند" والأهرام... وقد اهتمت دور النشر المختصّة بالطوابع البريدية بأعمال حاتم المكي في هذا المجال وخصّته بعدّة دراسات نُشر أهمها في كنوز الطوابع البريدية (منشورات هاري أبراهامز، نيويورك، 1975) وفي الأطلس التاريخي للطابع البريدي (منشورات فروند، باريس، 1987). وخصّته دور النشر بتونس بكتابين بالفرنسية عن أعماله التصويرية وهما:

  • بكار، توفيق: حاتم المكي، روعة الفن ولوعة الفاجعة، سلسلة فنون. أطروحات ودراسات حول الفن، دار أليف للنشر، تونس 1989.
  • El Mekki ou la tentation du péché ,éd.Cérès production,Tunis,1980-
  • .El Mekki,Etude monographique,Collection Production,Tunis,1980-

واهتمّ البحث الجامعي في تونس بمسيرته الفنية فنجد له دراستين قيمتين قدّمتا لنيل شهادة الماجستير من تأليف:

  • معلّى، ألفة، مفهوم العمل التصويري عند حاتم المكي، بحث لنيل شهادة الماجستير في علوم وتقنيات الفنون، المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، سبتمبر 2002.
  • الذهبي، نجاة، الالتزام التشكيلي في معلّقات ولوحات حاتم المكي، بحث لنيل شهادة الماجستير في الفنون التشكيلية، المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس، جوان 2004.

مسيرة حاتم المكي الفنية[عدّل]

امتدّت مسيرة حاتم المكي الفنّية على فترة فاقت السّتين سنة وقد بيّنت الدراسات أن أقدم عمل معروف له في السّاحة التونسية يحمل تاريخ 1929 وهو في الحادية عشرة من عمره وهو رسم لصورة ذاتية بقلم الرصاص (25x32 سم)، وأنّ آخر أعماله مؤرّخة في 1989 وهي مجموعة من خمسة أعمال منجزة بأقلام تلوين في استخدام مقاسات موحّدة (67x107 سم). وقد استخدم حاتم المكّي لانجاز أعماله كلّ التّقنيات المعروفة: فرسم بقلم الرصاص وبأقلام التلوين وبالحبر الصيني (المحلّل وغير المحلل) وبالغواش وبالألوان المائية وبالألوان الزّيتية، كما مارس الحفر بعدّة تقنيات وعلى مواد عدّة كالخشب والزنك، وأنجز أعمالا فسيفسائية وأخرى نحتية.

موضوعاته[عدّل]

تناول حاتم المكي في مسيرته الفنّية الطويلة عدّة موضوعاته تنوّعت حسب الفترات والمناسبات نذكر منها: البورتريه والمرأة وموضوعات مستوحاة من الأساطير والخرافات التونسية أو مصوّرة للواقع اليومي التونسي أو العربي. ولم تكن إنجازات حاتم المكي نقلا "تقنيّا" لما كان يراه حوله بل كان يصور ما يفكر فيه ويضمن أعماله مواقف مفكرًا فيها، لها علاقة بمواقف فلسفية ووجودية وسياسية. ويبدو البورتريه من الموضوعات التي كان حاتم المكي مولعا بها وقد أنجز فيها عددا كثيرا في عدّة مراحل من حياته وبتقنيات متعدّدة نجدها ضمن أعماله التصويريّة وفي معلّقاته الاشهارية وكذلك في طوابعه البريدية. وقد مارس حاتم المكي فنّ البورتريه باعتباره منطلقا للكثير من التّجارب الفكرية والتشكيلية مضمّنا إياها همومه وهواجسه. ويرى بعضهم في اهتمامه بوجوه الاخرين شكلا من أشكال النّرجسية التي عبّر عنها تشكيليّا منذ نعومة أظفاره باعتبار أنّ أول عمل معروف له هو وجه شخصي أنجزه سنة 1929 وهو في الحادية عشرة من عمره.ولعلّ الموضوع الثاني الذي يسيطر على مجموع أعمال حاتم المكي هو المرأة فكان من أكثر الموضوعات تداولا وتردّدا. ولكن المكي لم ينظر إلى المرأة من زاوية واحدة إذ تشير أعماله إلى حضورها بطرق وفي أطر مختلفة حسب مراحل حياته. فقد رأت الباحثة ألفة معلى أنّ سنة 1953 شكّلت فاصلا في تناول حاتم المكي موضوع المرأة. فقبل هذا التاريخ كانت المرأة في أعمال المكي مصدر إلهام وإغراء.

صوّر فينوس آلهة الحب كما رسم الأنثى انطلاقا من الموروث الثقافي والايروتيكي الهندي فأنجز في بداية الخمسينات لوحات تحمل عنوان رقصة هندية أو غزل هندي (1950). وتغيّرت ملامح الأنثى في سنة 1953 فلم تعد مصدر إغراء بعرضها عارية الجسد، فقدّمها في لباس تقليدي تونسي بوجه موشّى بالوشم وبضفائر طويلة مسدولة على كتفيها (لوحة البدوية ذات العلم 1953). ولكن يبدو أنّ سنة 1953 لم تكن السنة التي غيّر فيها حاتم المكي طريقة تناوله لموضوع المرأة فقط بل كانت السنة التي حدثت فيها ثورة على نوعية الموضوعات المطروحة في أعماله، فلم تعد الأنثى تحتلّ صدارة شواغله فحسب بل أفسحت المجال لقضايا أخرى طغى عليها البعد الوطني فتنوّعت أعماله بين وصف لمشاهد من الحياة اليومية التونسية وخاصة لمظاهر التخلّف والبؤس السائدة في زمن الاستعمار الفرنسي، والتعبير عن مطامح الفنّان وتطلّعاته الثائرة على كل مظاهر الجمود والتقليد. وعناوين أعماله في تلك الفترة تدل على اختياره هذا المنحى، فنجد من هذه العناوين: الواحة - الوجيه المحروس - الوجيهان- البدوية ذات العصفور وهي صور للحياة اليومية بتونس كما نجد عن الأوضاع المتردّية لوحات تحمل عنوان: الاحتضار - الشحّاذون - الفلاّقة - وجها المجاعة - الرحلة الأخيرة...

وعاد موضوع المرأة إلى الحضور بكثافة في أعماله في أواخر الستينات وخاصّة في السبعينات. فتناولها في سلسلة من الأعمال تمثّل نوعا من التبحّر في الهاوية والحضيض إذ تُعبر صورتها بالنسبة إليه عن الموت فارتبطت عنده الحسناء بالقبّعة والقبّعة بالجمجمة والجمجمة بالموت.

أسلوبه ومرجعياته الجمالية[عدّل]

تبدو بعض أعمال حاتم المكي متأثّرة بالكثير من التيارات الغربية كالتكعيبية والوحشية وبعض تيارات الفنّ الساذج أو الفطري وكذلك السريالية وبعض تيارات الواقعية وحتى الواقعية المفرطة. غير أنّه عامل كلّ تلك المرجعيات بتفكير ودراية ولم يستلهم منها إلا العناصر التي تلتقي ولا تتناقض مع اختياراته الجمالية النابعة من محيطه المباشر ومع همومه المرتبطة بلحظة تفكيره التي تكون بذلك متغيّرة وفي حركة مستمرّة. فعلاوة على ما يبدو في بعض الأعمال وكأنّه اقتراب من تكعيبية بيكاسو أو وحشية ماتيس تبدو أعماله متبنية لجملة من الخصائص المتأتّية من الثقافة التشكيلية العربية. فنجد في الكثير من أعماله تأثّرا واضحًا بمنمنمات الواسطي وبخصائصها مثل تبسيط الاطار المكاني للمشهد المقدّم فيذهب أحيانا إلى اختزاله إلى أقصى الحدود أو حتى حذفه كلّيا (كما في لوحة الشحاذين 1953). كما نراه يقدّم عدّة مشاهد ضمن خانات العمل الواحد، وتعكس لوحة كلّ شيء حول حواء (1954) هذا المنحى حيث "يروي" لنا الفنان فيها قصّة ضمن خانات أفقية وعمودية.وإضافة إلى الطرق التشكيلي والجمالي، نرى حاتم المكي كثيرا ما يلجأ إلى الذاكرة العربية عامّة والتونسية خاصّة ليأخذ منها بعض الرموز والعلامات التي تشير إلى واقعه فنرى الوشم في وجوه الكثير من شخوصه كما نرى أشكالا هندسية وزخرفية يستلهمها من نسيج "المرقوم" التونسي إضافة إلى رموز شعبية مثل "الخمسة" و"السمكة" وغيرها. وإن كانت هذه خصائص أسلوبه في الخمسينات وفي بعض أعمال الستينات، فإنّنا نرى في أعمال السبعينات وجهة أخرى حيث نراه يقترب من الواقعية المفرطة (hyper - ralisme) مع اختلاف واضح في التقنية وفي التكوين الداخلي للوحة، فتبدو بعض أعماله في تلك الفترة مزيجا من الرسم الكلاسيكي الغربي وعناصر تجريدية في حضور لأفكار سريالية. وتبدو مظاهر التأثر بالواقعية المفرطة في إظهار جزئيات الموضوع في أدق تفاصيله. ففي الكثير من أعماله التصويرية الخاصة بالبورتريه (مثلا في سلسلة اللوحات الخاصة بالقبعة والمنجزة سنة 1976 والمعنونة ب: قبعة الفرو وقبعة الجلد وقبعة القش وقبعة الحديد وقبعة الخيزران وقبعة الجلد وقبعة البلور...) كما في الكثير من المعلقات الاشهارية (الذكرى العشرون للجمهورية (1977() يهتم المكي بإظهار معالم الوجه بدقة متناهية مع الاهتمام بتقديم الجزء عن الكل فيقدمه في مستوى قريب (على غرار فناني الواقعية المفرطة) ويعطيه الحجم الأكبر داخل اللوحة بحيث يكون الأكثر حضورا داخل العمل.

قيمه التعبيرية والتشكيلية وطرقه الاجرائية[عدّل]

تتعدّد أشكال الصورة في تصويرية المكي وتتعدد الموضوعات التي يتناولها بالتكرار الأسلوبي أو الاضافة الشكلية للموضوع الواحد. ويلجأ المكي في حالات عدة إلى مبدإ تحوير الصورة عبر التشويه والتحويل والحذف أو الإضافة. ففي الكثير من معلقاته في فترة السبعينات والثمانينات مثلا، نجد حاتم المكي يستخدم الألوان الساطعة والأشكال المتحركة التي تخلق تضادا بين المسطحات اللونية. ونجده يدخل الأشكال الحروفية النابعة من الخط العربي التي ترد في معظمها ملتوية بناءة للجدل بين الملء والفراغ وبين الحروف والخلفية، كما نراه يغيب المنظور والأشكال المجسدة مع بناء التركيبة على أساس التجاور الشكلي للألوان المختلفة والمتضادة الساطعة وفي ذلك تعبير عن التأثر بتقنية القص والتلصيق، كما يستعمل المكي تجليات الخط العربي في الكثير من معلقاته على نحو متغير يتراوح بين السلاسة والهندسية مستنبطا في أثناء ذلك أهم الخصائص الشكلية والتشكيلية للحرف باعتباره حركة متحررة من ضوابط التصوير التشخيصي، فالحرف عند المكي يرد شكلا فاعلا في الفضاء وجزءا متحركا داخله وليس عنصرا خطابيّا أو زخرفيا مكمّلا للموضوع.

ويعدّ اعتماد التعبير الخطي أساسيا في أعمال حاتم المكي وعنصرا ثابتا في كل أعماله الفنية على اختلاف تقنياتها وموضوعاتها ومرجعياتها. فنرى الخط يرد في أشكال متعددة يوظفه الفنان حسب أهوائه وحسب ما تمليه حاجته، نجد الخط مؤطرا ومتقاطعا ومتشابكا وحادا ولينا ومتقطعا وسريعا وواضحا وبطيئا... وقد أدرك حاتم المكي مبكرا أهمية الخط في تعابيره التشكيلية وجاء هذا الادراك من تجربته الخاصة، فتدرج بالخط من وسيلة إلى مفهوم كما مكنه بحثه التشكيلي أن يفهم أن "الخطي" عنصر مهم باعتباره نابعا من حركة الفنان نفسه فيكون بذلك معبرا ومترجما صادقا عن اللحظة الفنية التي يعيشها الفنان وهو بصدد الفعل التشكيلي.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • معلى ألفة، مفهوم العمل التصويري في أعمال حاتم المكي، وحدة البحث بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس،تونس،2008.
  • Hatem ELmeki,Texte de Jean Goujon,Cérès Production,Tunis,1980