تاريخ القضاء في تونس

من الموسوعة التونسية
نسخة 07:49، 25 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

القضاء الشرعي[عدّل]

كان القضاء في تونس يعتمد نظام القضاء الفردي وهو الوحيد المعروف في تاريخ القضاء الإسلامي. والقاضي ينتخب من الفقهاء العلماء في التشريع وفي علوم اللغة العربية وآدابها. ويعتمد في قضائه على أحكام التشريع الإسلامي وكتب الفقه المنبثق عنه. ويقضي غالبا بالمشهور من الآراء داخل المذهب الذي ينتمي إليه. ويستعين في عمله بآراء أهل العلم وأهل الفتوى الذين لهم خبرة وأهليّة علمية فقهية تميّزهم عن غيرهم وتجعل منهم أصحاب كفايات قادرين على إعانة القاضي وتوجيهه فيما يصدره من أحكام، وهم يعتمدون غالبا على المشهور في أقوال فقهاء المذهب الذي ينتسبون إليه وهم أيضا ينتخبون من صفوة أهل العلم والمعرفة يسمّون مفتيين رسميين مقابل منحة خاصة.

ولم يكن هناك تنظيم إداري يحمي القضاة والمفتين، فهم عرضة للعزل والإقصاء متى أراد من بيده السلطة المطلقة والولاية العامة. ولم تكن هناك مدوّنات فقهية شاملة يعتمدها القضاة فيما يقضون فيه في القضايا النّازلة، بل كانوا كلّهم يرجعون إلى أمّهات المراجع الفقهية ليستمدّوا منها الحلّ لما يعرض عليهم. وقد يجتهد القاضي ويعمل رأيه. والخصوم لا يعرفون بدقّة ومسبقا الرّأي الذي سيعتمده القاضي. وكان هناك تململ وحيرة وعناء، ولذلك فكّر رجال الاصلاح في تنظيم التقاضي وضبط إجراءاته وتأسيس مكان له يجمع القضاة ومستشاريهم المفتين وكذلك الخصوم.

المحكمة الشرعية (الديوان)[عدّل]

تأسست المحكمة الشرعيّة بتونس، المعروفة بالديوان عام 1273هـ/1856م وقد استمرّت قرنا كاملا من سنة 1856 إلى سنة 1956. وهي تقع بنهج الديوان قرب الحفصية، وقد كانت مقرّا لديوان جند الترك وهو محلّ مهجور أمر محمّد باشا باي (1855 - 1859م) بإصلاحه وترميمه وتجهيزه حتى يكون لائقا باحتواء المحكمة الشرعية. وهذا المحلّ كانت في صدره غرفة فسيحة يجلس فيها المشايخ الأحناف على يمين الداخل إليها، والمالكية على اليسار على مقاعد فوقها حشايا من صوف وفي الوسط مقعد وثير لجلوس الباي عند حضوره. وانتقلت المحكمة الشرعية إثر ذلك إلى محلّ آخر بشارع باب البنات كان في الماضي مأوى للعجّز (تكية). وكان القاضي، سواء المالكي أو الحنفي، يقضي طبق المشهور من مذهبه وقد يلجأ إلى النصوص ويرجّح قولا على آخر.

وهذا ما دفع شيخ الإسلام المالكي ووزير العدل محمد العزيز جعيط إلى إصدار مجلة الإجراءات الشرعية في 2 سبتمبر 1948 وقد تضمّنت إجراءات من شأنها أنّ تحدّ من تلاعب الخصوم، وتحمي المتقاضين، إذ عيّنت مثلا الدائرة الحنفية للقضاء في الشفعة والدائرة المالكية للقضاء في المواريث. وقد ألغيت هذه المجلة إثر الاستقلال، في شهر أوت 1956، تبعا لتوحيد القضاء والمحاكم وتوحيد الإجراءات طبق المرافعات المدنية. ولمّا جاء الاستقلال وحّدت كلّ المحاكم وأدمجت المحاكم الشرعية في صلب محاكم الحق العام وذلك حسب أمر مؤرخ في 25 سبتمبر 1956.

القضاء العدلي التونسي[عدّل]

ولمّا كانت البلاد التونسية ترزح تحت نير الاستبداد فقد أثارت التصرفات التّعسفية والمظالم والأخطاء في الحكم حفخة الشعب، وظهر تململ في صفوفه، وكثر التشكي من تصرفات الأتباع وميلهم إلى السرقات والرشاوي زيادة على هتك الأعراض. لكلّ ذلك نهضت الهمم وتضافرت العوامل من أجل الاصلاح بسنّ القوانين الرادعة الزاجرة وإنشاء المحاكم المستقلّة المنظّمة بإجراءات التقاضي التي يحترمها الجميع، فصدر عهد الأمان في 10 سبتمبر 1857، وقد نصّ فصله الأوّل على "تأكيد الأمان لكافة السكان في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم إلا بحقّ يتولّى النظر فيه مجلس حكمي قضائي". ووضعت القوانين ونظّمت المجالس الحكمية وشرعت في أعمالها، ثمّ حدثت النكسة وألغيت هذه القوانين في أوّل ماي 1864. وفي سنة 1870 نظمت الشؤون القضائية بالوزارة الكبرى وأحدثت بها دائرة مدنية وأخرى جزائية لتحضير معاريض تعرض على الباي لامضائها وهو قضاء مقيّد، إذ التنفيذ يتوقّف على إرادة الباي.

وإلى جانب محكمة الوزارة المشار إليها كانت توجد بالعاصمة "محكمة الدريبة" (المحكمة الابتدائية) التي يتولّى النظر في قضاياها قاض عدلي يطلق عليه لقب "الفاريك". وهذه المحكمة كانت تحكم مباشرة دون عرض أحكامها على الباي، وأشهر من تولاّها القاضي صالح عباس. وفي 13 جانفي 1896 تكوّنت إدارة الأمور العدلية، وسمّي على رأسها حاكم فرنسي، ثمّ تأسّست المحاكم العدلية تدريجيا. ففي 18 مارس 1896 أنشئت محاكم جهوية في صفاقس وقابس وقفصة. وفي 25 فيفري 1897 صدر أمر عليّ يقضي بتأسيس محكمة بسوسة، وأخرى بالقيروان. وفي السنة الموالية أسّست محكمة الكاف. أمّا المحكمة الابتدائية بالحاضرة فقد تأسّست بمقتضى أمر مؤرخ في ماي 1900، وتأخّر إحداث محكمة باجة حتى سنة 1930م. وحدد الأمر الصادر في 18 مارس 1896 كيفية تركيب المحاكم وانتخاب القضاة والأبحاث وإنابة المحامين عن الخصوم وبيان مرجع النظر والاجراءات.

المجلات القانونية[عدّل]

ولزم عند إحداث المحاكم إصدار مجلاّت قانونية تطبّق أحكامها المحاكم المحدثة وتتقيّد بها وتُشهر بين الناس. فوضعت المدونة المدنية مجلة الالتزامات والعقود في 28 شوال 1324/ديسمبر 1906, مع إرجاء الشروع في تطبيقها ابتداء من غرة جوان 1907. وفي 1328هـ/1910م وضعت مجلة المرافعات المدنية لبيان الاجراءات الواجب تطبيقها أمام المحاكم في القضايا المدنية، وفي 1331هـ/1913م صدرت المجلة الجنائية، وتبعتهما سنة 1339هـ/1921م مجلة الاجراءات الجزائية.

إنشاء وزارة العدل[عدّل]

ولفصل الادارة عن القضاء، أنشئت وزارة العدل في 26 أفريل 1921 وأسندت إلى الوزير طاهر باشا خير الدين ابن الوزير المصلح الجنرال خير الدين. ويلاحظ الصادق الزمرلي أنّ تلك الوزارة قد أنشئت لارضاء الأمة التونسيّة إثر تأسيس الحزب الحر الدستوري في مارس 1920 وقد كان يطالب بجمع شتات المحاكم وإصلاحها وإصلاح نظام الوكلاء. واستقال طاهر خير الدين من وزارة العدل في ماي 1934، وتوفّي بتونس في نوفمبر 1937. وتولّى بعده وزارة العدل علي السقاط من 1934 إلى 1935، وخلفه سالم الصنادلي من سنة 1935 إلى سنة 1936, ثم آلت الوزارة إلى عبد الجليل الزاوش إلى أنّ أعفي منها في 31 ديسمبر 1942، في عهد الملك الوطني المنصف باي الذي أسندها إلى الزعيم الوطني صالح فرحات.وقد استمرّ على رأسها إلى أنّ أقدمت فرنسا على خلع المنصف باي يوم 14 ماي 1943 فأسندت وزارة العدل إلى محمد الحبيب الجلولي. ولمّا شكل الوزارة المحامي مصطفى الكعاك في جويلية 1947 أسندت وزارة العدل إلى سماحة شيخ الاسلام محمد العزيز جعيط الذي احتفظ معها بوظيفته الأصلية ألا وهي مشيخة الإسلام المالكية. ودامت هذه الوزارة إلى يوم 17 أوت 1950، فعوّضتها وزارة محمد شنيق، وأسندت وزارة العدل إلى المحامي صالح بن يوسف، الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد، ودامت هذه الوزارة حتى يوم 26 مارس 1952. وعندئذ كُلّف الوزير السابق صلاح الدين البكوش بتشكيل وزارة جديدة، وحدثت أزمة لعدم وجود من يتولّى وزارة العدل إذ أبى القضاة قبول هذه المهمّة، إلى أن قبلها أخيرا القاضي الصادق الجزيري في أفريل سنة 1952. ثم انحلّت هذه الوزارة فسمّي محمد الصالح مزالي وزيرا أكبر واختار لوزارة العدل المحامي الطاهر الأخضر في 4 مارس 1954. ولما اشتدّت الأزمة السياسية وطالب الشعب بحقّه في السّيادة والسّلطة استقالت وزارة محمد الصالح مزالي، وحدث فراغ شديد، إذ لم يقبل أحد تشكيل الحكومة احتراما لإرادة الشعب فعمدت السلطة الاستعمارية إلى حلّ وقتي وهو تشكيل هيئة من سامي الموظفين لإدارة شؤون البلاد.

ولمّا تشكلت الوزارة التفاوضية الثانية برئاسة الطاهر بن عمار في سنة 1954 عيّن الدكتور الصادق المقدم على رأس وزارة العدل التي آلت في سبتمبر 1955 إلى القاضي محمد موسى الكاظم ابن عاشور. ولما تكوّنت أوّل حكومة تونسية في عهد الاستقلال يوم 14 أفريل 1956 برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة تقلد وزارة العدل المحامي أحمد المستيري.

ضمان حقوق غير المسلمين[عدّل]

توجد بالبلاد التونسية طوائف وجاليات وأقلّيات تدين بغير الإسلام. وهذه الفرق متأصّلة في سكنى البلاد والإقامة والعمل بها، ولها جذور تمتدّ إلى أعماق التاريخ، وهي وإن كانت تونسية من ناحية موطنها ومولدها ونشأتها وتربة أرضها فهي متمسّكة بدينها وتقاليدها، حرّة في ممارسة شعائرها، محترمة من النظام ومن جلّ السكان المسلمين، وقد جاء عهد الأمان سنة 1857 لحمايتها. إذ تنصّ مادته الرابعة على "أنّ التونسي غير المسلم لا يجبر على تبديل دينه، ولا يمنع من إجراء ما يلزم ديانته، ولا تمتهن معابده، وله ما لنا، وعليه ما علينا". وتنصّ مادته الثامنة على "أنّ سائر الرعية من مسلمين وغيرهم لهم المساواة في الأمور العرفية والقوانين الحكمية لا فضل لأحدهم على الاخر في ذلك". وجاء في المادة العاشرة "إنّ الوافدين على البلاد لهم أنّ يحترفوا ما شاؤوا من الصنائع والأعمال بشرط احترام قانون البلاد". وتشير المادة الموالية إلى حرية الملكية العقارية. ويشتمل عهد الأمان على إحدى عشرة مادة، منها ستّ جاءت لحماية حقوق هذه الأقلّيات ورعايتها، بما يضمن لها الأمن وحرية الدين والمساواة في المعاملات وحرية العمل والتملك. وتطبيقا لمادته الأولى تكوّنت المجالس القضائية الخاصة بالجالية اليهوديّة.

محكمة الأحبار اليهوديّة[عدّل]

تأسّست هذه المحكمة قبل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس في 12 ماي 1881، وباشرت القضاء في الأحوال الشخصية لليهود طبق الأمر المؤرخ في 3 سبتمبر 1872. وقضاء هذه المحكمة نهائي الدرجة، لا طعن ولا تعقيب لأحكامها، حسب نصّ الأمر المؤرخ في 28 نوفمبر 1898. وهي لا تتقيّد في إجراءاتها بأيّ نظام، وإنّما تعتمد على احترام الحبر الأكبر الذي يستمدّ أحكامه من مصادر تنسب إلى الشريعة الموسوية، وعلى الفقه القضائي فيما صدر من أحكام. ويوجد كتاب ألّفه أحد المحامين الأستاذ سالموت طيبي طبع في مطبعة العهد الجديد بنهج الباشا بتونس سنة 1923م، يشرح قواعد تعتمدها محكمة الأحبار في قضائها وهو مرجع في موضوعه، توجد نسخة منه بالمكتبة الوطنية تحمل رقم 13893. وغداة الاستقلال تمّ توحيد جميع المحاكم التونسية بمقتضى القانون الصادر في 9 سبتمبر 1957، وهو يقضي بأنّه اعتبارا من غرة أكتوبر 1957 يلغى مجلس الأحبار، وتنقل جميع القضايا الجارية به إلى المحكمة الابتدائية، وأدمج حكّامه الموجودون في إطار الحقّ العام، وأحدثت إدارة الشعائر الدينية لليهود.وأصبحت قضايا الأحوال الشخصية لليهود تخضع لأحكام مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أوت 1956.

المحكمة الفرنسية[عدّل]

قصر العدالة

لمّا انتصبت الحماية الفرنسية بتونس، صدر القانون الفرنسي المؤرّخ في 27 مارس 1883, والقاضي بإنشاء محاكم فرنسية بتونس العاصمة، وبنزرت، وسوسة، وصفاقس، والكاف، تنظر في القضايا التي تحدث بين الفرنسيين أو المحتمين بفرنسا. وأصدر الباي أمرا مؤرخا في 4 أفريل 1883 يقضي بإجراء العمل بذلك القانون الفرنسي وتطبيقه بالبلاد التونسية. وقد كان مقرّ هذه المحكمة عند إنشائها بتونس العاصمة بسرايا الوزير خير الدين باشا الواقعة ببطحاء خير الدين (نهج التريبونال) وسمي النهج الرابط بين البطحاء ونهج سيدي إبراهيم الرياحي باسم المحكمة. ثم انتقلت المحكمة الفرنسية إلى مقرّها الجديد بنهج باب البنات (قصر العدالة الآن) وكانت أحكام المحاكم الابتدائية الفرنسيّة بتونس تستأنف بالجزائر، حتى أحدثت محكمة استئناف بتونس سنة 1941. أمّا الطعن بالتعقيب فيرفع إلى الجزائر.

وكانت تنظر في قضايا الفرنسيين والأوروبيين والقضايا التى تحدث بين تونسيين وفرنسيين وتنظر في قضايا العقارات المسجّلة مهما كانت جنسيّة المالك. كما أضيف إليها حقّ النظر في القضايا السياسية بمقتضى الأمر العليّ المؤرّخ في 29 جانفي 1926. كما تنظر في قضايا الأجانب الذين كانت لهم محاكم قنصليّة حتى جاء الاستقلال فأصبح القضاء موحّدا وطنّيا تونسيّا، والمحاكم التونسية هي صاحبة النظر في جميع القضايا مهما كان صنف المتقاضين.

المحاكم التونسية[عدّل]

قامت المحاكم العدلية التونسية منذ إنشائها بسواعد متينة، جاهدت في سبيل بناء صرحها وتشييد أركانها ونهضت معتمدة على القضاة والمحامين. وقد برز منهم نوابغ أمثال القضاة: محمد المالقي، حمودة تاج، صالح عبّاس، أحمد العتكي، محمد القلعي، موسى الكاظم ابن عاشور، محمد العبيدي، محمد المؤدب، أحمد بن حميدة، سالم حرز الله، عبد الباقي بوفايد، محمد بن عبد العزيز العنّابي، علي بن عبد السّلام، محمد زين العابدين شمام، إبراهيم عبد الباقي. وأمثال المحامين: إبراهيم بورقعة، أحمد السّقا، أحمد الغطاس، حسونة العياشي، مصطفى الكعاك، عبد الرحمان الكعاك، محمد بن شعبان، الطيّب العنّابي...