الموسيقى العربية في تونس

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:00، 7 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

انتصبت منذ بداية القرن الرابع الهجري خلافة إفريقية بحلول العبيديين أو الفاطميين واستقرّت على التوالي بالقيروان ثمّ المهدية. وكان بلاط الأمراء بهما يستقطب أهل العلم والفن المشهورين ونذكر، مقتصرين على الغناء، أنّ عبيد الله المهدي مؤسّس الدولة التي تحمل اسمه قد أغدق نعمه على المعلّم مؤنس البغدادي الذي كان من أبرز مؤلفي الموسيقى ومؤسس المدرسة المغربية. وقد توفّي مؤنس هذا في المهدية سنة 314هـ/926م.

ولم يمرّ أقلّ من قرن ونصف حتى زلزل مجتمع إفريقية هجوم القبائل الرحّل القادمة من سواحل البحر الأحمر فأضرت هذه القبائل بمعالم القيروان والمنصورية ورقّادة وذلك سنة 449هـ/1058م.

على أنّ الساحل التونسي بقي صامدا. فقد أصبحت المهدية مركزا للحكم فحافظت على نفائس التراث العلمي والأدبي بإفريقية. وإلى المهدية التجأ أهل العلم والفن، في ظل أمراء بني زيري الأخيرين: تميم ويحيى وعلي وعادت الفنون والشعر لتزدهر من جديد وقدم علماء ممتازون يبحثون عن الثروة فالتجؤوا إلى بلاط هؤلاء الأمراء المولعين بالفنون والذين لم يحالفهم الحظ، إذ كان عليهم مكافحة العرب الهلاليين في الداخل وملوك صقلية النرمان في الخارج.

في هذه الفترة ظهر في المهدية علم من أعلام ذلك العصر ذو شخصية طريفة جذّابة هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز. فلقد كان طبيبا وفيلسوفا وفلكيا وشاعرا وموسيقارا في آن واحد. ولد بدانية بالأندلس (سنة 460هـ/1068م) ثمّ قدم إلى المهدية فاستقرّ بها وأصبح من خاصة الأمير يحيى بن تميم الزيري الذي أوفده إلى مصر سفيرا فاعتقل بمكتبة القاهرة حيث قيل إنّه بقي بها عشرين سنة. وعند خروجه منها - وقد أصبح علاّمة - عاد إلى المهدية حيث استقبله الأمير علي بن يحيى وأغدق عليه النعم. وقبل وفاته سنة 546هـ/1151م ألّف أبو الصلت لهذا الأمير عدّة كتب مهمّة في علم الفلك والطب وأخبار عصره والأدب والموسيقى. ويذكره ابن سعيد مؤرّخ قرطبة الكبير فيقول: "وعنه أخذ أهل إفريقية الألحان التي هي الآن بأيديهم".

وفي رأينا أنّ الموسيقى التي تحدّثنا عنها هي التي كانت رائجة عند الحضر في تونس، لأنّ سكان الأرياف والبدو الرحّل من أهل الخيام كانت لهم دوما موسيقى مستقلة تماما عن التي ذكرناها آنفا. بل يمكن أنّ نجزم بأنّ لأغاني البدو مصدرا آخر كما هو شأن اللهجة التي يتكلّمونها.

ولا يمكن أن نفسّر بغير هذا التفسير ما تشعر به كلّ أذن موسيقية من فرق واضح بين هذين النوعين من الغناء. ولقد كان أوّل من تفطّن إلى هذا الفرق ابن خلدون بفضل ما أوتي من حسّ مرهف إذ حلّل هذه الظاهرة في المقدّمة النفيسة لمصنّفه التاريخي ذاكرا أنّ أغاني العرب الهلاليين وملاحمهم هي من الوجهة اللغوية مماثلة لأغاني البدو بإقليم حوران العراقي والسبب في ذلك أنّهما شقيقان ينتميان إلى مهد واحد هو الحجاز.

فهل يجوز إذن القول إنّ جميع ألحان البدو الرحّل في تونس (الطرق والقسيم والملزومة وغيرها...) ترجع إلى أصل حجازي؟ كلاّ. فلا شك في أنّ الأغلبية الكبرى للقبائل العربية التي استقرت بالمنطقة الوسطى من المغرب قد أتت من الشمال الغربي للجزيرة العربية (هلال، سليم، زغبة، رياح، هذيل وغيرها...) لكنّ الفاتحين العرب الذين توافدوا على إفريقية قبل هجوم سنة 449هـ/1057م كانوا ينتمون إلى مختلف جهات الجزيرة العربية (من شرقها: تميم وطيّ والأزد وعبس ومن جنوبها: رعينة وهمدان ومراد ومن شمالها: توجب وغسّان ولخم وذبيان) بقطع النظر عن العناصر المتغايرة القادمة من فارس والنهرين بالعراق والشام ومصر وغيرها. فالتقاليد المختلفة والمتباينة التي احتفظت بها كلّ هذه العناصر تشهد شهادة واضحة على تنافر المصادر وتعدّد الأجناس.

أمّا الموسيقي الحضرية التي كانت رائجة في البلاد التونسية وخاصة في مدن المنطقة الساحلية منها، فقد كانت دائما ترد عليها من الشرق أو من الغرب. وحتى القرن السادس للهجرة/12م عندما كانت عاصمة إفريقية تارة القيروان وطورا المهدية، ما انفكت الحياة الفكرية والفنّ المعماري وسائر الفنون تنقل في مجملها عن الشرق (العراق والشام)، إلاّ أنّه ابتداء من القرن السابع الهجري/13م حدث تغيير كبير في البلاد قلب نسق مصادر التأثير وأنواعه. ذلك أنّ تمركز الموحدين والحفصيين في البلاد تولّد عنه دخول تيار الأفكار من الغرب (من المغرب الأقصى والأندلس). ومعلوم أنّ هاتين الدولتين نشأتا بالمغرب الأقصى وأنّهما من أصل بربري واضح. فأصبحت العاصمة تونس وصارت مركزا مهمّا للحياة الفكرية والفنية في المغرب، ولكنّ لم تكن لها شخصيتها الخاصة.

ورغم ما بذل السلاطين الحفصيون من جهود لجلب أهل العلم والفنّ الأندلسيين لبلاطاتهم فإنّ عاصمتهم لم تكن سوى مرآة ضعيفة تعكس حياة قرطبة أو غرناطة أو فاس. ويكفي أن نطالع مؤلفات مؤرّخي ذلك العصر وخاصة ابن خلدون الذي كان شاهد عيان على الأحداث الجارية لنتبيّن أنّ تونس من الوجهة الفنية وخاصّة الموسيقية قد ظلّت مجرّد فرع تابع للأندلس. ومن جهة أخرى جاء عرب الأندلس المغتربين عن بلادهم ليستقرّوا بشمال إفريقيا (من سنة 1492 إلى 1610م). فما كان منهم إلاّ أن رسّخوا الوضعية الموجودة والحاصلة من قبل، لأنّ الأغاني التي أتوا بها معهم (الغرناطي أو المالوف) كانت قد راجت قبل قدومهم بكثير، في أهمّ مدن الساحل المغربي.

والخلاصة أنّ "الموسيقى العربية" في شمال إفريقيا كانت، في فترة الحكم الإسلامي، فنّا مستوردا سواء من الشرق، في أثناء الطور الأوّل لهذا الحكم، أو من الغرب في أثناء الطور الثاني. فسكان البلاد الأصليون - أعني البربر - لم يكن لهم قطّ فنّ قائم الذات في مجال الموسيقى ولا في الأدب ولا في الفنّ المعماري. فمن المؤكّد أنّه لا وجود لتأثير ممكن من هذه الناحية. أمّا الموسيقى المستوردة فسواء أتت من المشرق أو من المغرب فقد ظلت محفوظة على أحسن ما يرام، مثلها مثل الكثير من التقاليد الفنية التي دخلت البلاد فبقيت تتناقلها الأجيال دون تغيير يذكر إلى أيامنا الحاضرة. ولئن تعاقبت على الأرض وأهلها الدول فإنّها تحافظ رغم ذلك، ربما لا شعوريّا، على تراثها النفيس المكتسب عبر العصور من قبل أجناس وحضارات شديدة الاختلاف.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • البشروش محمد، "الموسيقى التونسية"، مجلة العالم الأدبي،عدد17،تونس،جوان،1932.
  • بوذينة محمد، الملحنون التونسيون،دار بوذينة للنشر، الحمامات تونس،1998.

الموسوعة الموسيقية،دار بوذينة للنشر، الحمامات تونس،1991.

  • التركي محمد الحبيب، تطور الإنتاج الموسيقي التونسي، الدار التونسية للنشر،تونس،1984.
  • عبد الوهاب حسن حسني، ورقات في الموسيقى وآلات الطرب في القطر التونسي، مطبعة المنار، 1966.
  • المهدي صالح، مقامات الموسيقى العربية، المعهد الرشيدي، تونس،1982.

إيقاعات الموسيقى العربية وأشكالها، بيت الحكمة، تونس،2000.