المكتبة الأثرية بالقيروان

من الموسوعة التونسية
نسخة 06:56، 24 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

إنّ من أهم المعالم الحضارية والتاريخية التونسية مدينة القيروان، وجامعها الأعظم، جامع عقبة بن نافع الفهري، ومكتبتها الأثرية الزاخرة بالكتب النادرة والمخطوطات النفيسة، والموجودة الآن بمقصورة الجامع، وهي جزء متبقّ من "بيت الحكمة" الذي أسّسه الخليفة زيادة اللّه الثالث، آخر ملوك بني الأغلب، وجعل على رأسه العالم الرياضي إبراهيم الشيباني البغدادي، واستمرّ هذا البيت يقوم بمهمّته حتى انتقال المعز لدين اللّه الفاطمي إلى القاهرة سنة 361هـ/971م، فنقل معه معظم الكتب إلى هناك وأسّس بها دار العلم.

بيت الحكمة[عدّل]

مكتبة تشتمل على العناصر الثقافية التالية:

أ - معهد لتعليم العلوم الدخيلة التي لم يكن يجوز تعليمها بالجامع نفسه من طب وصيدلة ورياضيات وهندسة وحيوان ونبات. ب - معهد لترجمة الكتب القديمة من عبرية ولاتينية ويونانية. وترجمت عن اللاتينية تصانيف المؤرّخ تيتوس ليفوس (Tite - Live) ونقل عن البونية كتاب الفلاحة لماغون القرطاجنّي ويسمّيه العرب ماغوست. ج - معهد للبحث والدراسة يؤمّه الطالب وفيه يسكن ويأكلّ ويشرب ويجد الكاغظ والحبر والنساخ والمترجمين. د - مكتبة ضمّت أمّهات الكتب العربية وغيرها وهي جامعة التصانيف.

المقصورة الأغلبية[عدّل]

هي البيت المحفوظة فيه الكتب العتيقة وفيها يجتمع الأمير عند الاقتضاء بكبار العلماء لانتخاب قاضي القضاة أو عزله بعد المحاكمة ولم تستعمل لحفظ المصاحف والكتب إلا بعد تأسيس مقصورة المعزّ فنشط العلماء في القيروان وبدأ تعمير الجامع بالمصاحف والكتب. وكانت المقصورة الأغلبية بيتا لحفظها، وأضحت "مقصورة المعزّ" الخاصّة بالأمير. ومقصورة المعزّ هي النقطة الفنّية الثانية بعد المنبر من حيث التفوق في صناعة الخشب وتجميله. كانت تتألّف من ثلاثة جوانب قائمة على مربع فسيح يمتدّ مع الجدار القبلي وهي مصنوعة من خشب السّاج مقسّمة إلى مربّعات عامرة بالزخارف الجميلة والثلاثة متوّجة بكتابة كوفية مزهرة هي آية من الجمال.

المكتبات[عدّل]

الحرص على حصول العلم يقتضي طبيعة الرغبة في صيانة التآليف من الاهمال والتحفّظ عليها للاستفادة منها والرجوع إليها عند الحاجة ومن هنا جاء جمع الكتب عند المنتسبين إلى العلم. في بادئ الأمر لم يكن ثمّة من يهتمّ كثيرا بخزن المصنّفات عدا بعض المشتغلين بالعلوم الدينية الاسلامية الذين كانوا يجمعون مروياتهم في الحديث والفقه. وأوّل من شرع في إنشاء مكتبة عمومية بالقيروان هم الأغالبة، ثمّ اقتدى بهم رجال الدولة وأرباب الحيثيات، وقلّدوهم في تحبيس المجلّدات العديدة على المساجد لا سيما جامع عقبة بالقيروان، واقتفى القوم هذا الأثر وصارت سنة متبعة. وقد خصّص البيت المجاور للمحراب من الجامع الأعظم لاحتواء الكتب. ولم تزل لآثار البيت بقيّة باقية من هذه المحبّسات على غالبها اسم الموقّف لها على الصورة الآتية: (ممّا حبس فلان الفلاني على جماعة العلم من المسلمين وحرام من اللّه ورسوله على من باعه أو رهنه) ويعقب ذلك تعريف الكتاب. وقد أصاب هذه المكتبة الجليلة، من التلاشي والضياع والتلف بتوالي الفتن وتعاقب المحن التي لحقت القيروان، ما شتّت مشمولاتها حتى لم يبق إلا نزر قليل لا يعدّ شيئا مذكورا بالنظر لما كانت عليه.إنّ ازدهار الحركة العلمية في هذا العهد وجّه العلماء إلى تأليف الكتب، وشارك الأمراء والوزراء والكبراء في حركة التأليف بالتشجيع المادي والأدبي فظهرت الكتب العديدة في الشريعة التي تعتبر اليوم من أضخم المصادر وأحسن المراجع، وكانت نتيجة حركة التأليف هذه إقبال الناس على تكوين المكتبات العامّة والخاصّة التي أصبحت مصدرا من مصادر انتشار الحركة العلمية واتساعها.

المكتبة الأثرية بالقيروان[عدّل]

تحتوي المكتبة الأثرية بمقصورة جامع القيروان على مخطوطات أثرية ومصاحف قرآنية تبرز تطوّر الخطوط الكوفية وزخارفها الفنية. وتكمن أهمّيتها في إفادتها لتاريخ الفقه المالكي في البلاد التونسية والافريقية. والمخطوطات بها تتنوّع إلى أربعة أنواع: أ - مجموعة مصاحف قرآنية على شكل قطع مجزّأة كُتبت فيما بين القرنين 2 و5هـ/8 - 11م بالخط الكوفي على الرّقّ بشكل متنوّع في التخطيط والزّخرفة والتجميل، كما أنّ بعضها كُتب بماء الذهب على الرّق الملون، وأهمّ هذه المصاحف مصحف فضل (294هـ/906 - 907م) ومصحف الرّق الأزرق ومصحف الحاضنة وذلك أنّ فتيات القيروان كن يكتبن المصاحف ويزوقنها ويزخرفنها ويحّبسنها على الجامع الأعظم فازدهرت صناعة الخط والتشجير والتزيين والتوثيق والتذهيب والزخرفة والتجليد. ب - القسم الثاني يتكوّن من أسفار علمية لأمهات كتب المذهب المالكي كالمدونة والمختلطة والواضحة والموازية والعتبية للامام سحنون بن سعيد. ج - يتكوّن القسم الثالث من دفاتر المكتبة من عقود الشهادة في المعاملات بين الأفراد كعقود الزواج والتحابيس ومعظمها قد كتب على الرّقّ بالخط النسخي الشرقي، قبل أنّ يتحوّل الخط في تونس إلى الخط الأندلسي في أوائل القرن 7هـ/13م. د - أمّا القسم الرابع فمجمله أوراق مختلفة منفصلة من كتب أصابها شيء من القدم والتخريق. ومن أهمّ الكتب كتاب المزاهد لعيسى بن مسكين، وكتاب الردّ على الشافعي وكتاب آداب الوكيل.

التحابيس[عدّل]

في المكتبة العتيقة بالقيروان نماذج وافرة من المصاحف الرائقة، منها ما كتب بالخطوط الكوفية على الرقّ ومنها ما كتب بالذهب على الرقّ الملوّن مع نماذج من بعض الكتب العلمية.وما هذه الذخيرة الثمينة إلاّ بقية باقية قدّر اللّه أنّ تصل إلينا على ما هي عليه بعد التدمير الذي تعرضت له مدينة القيروان في الحروب والغارات أيام المحنة وهجوم الخوارج وما حلّ بها وبأهلها من هجوم بني هلال.ويهمّنا من هذا العرض أنّ نقف على بعض التحابيس لمصاحف من أميرات قصر المعز.

1 - مصحف الحاضنة فاطمة، وهي الحاضنة لباديس أصلها من إسبانيا الروم أسلمت فعظم شأنها. قياس هذا المصحف 32 * 46 وهو يمتاز بخطه الخاص بمدينة القيروان وهو الأقلام الخلابة مع الجمال والعظمة.

2 - أمّ ملال - وهي بنت عبد العزيز باللّه وأخت باديس وعمّة المعز - كانت وفاتها سنة 414هـ/1023م ونصّ توقيفه: (حبّست السيدة الجليلة أم ملال وفّقها اللّه هذا المصحف الجامع لكلام اللّه العظيم على جامع مدينة القيروان بافريقية لوجه اللّه الكريم وتعرضا لجزيل ثوابه). وكان هذا الحبس على يدي القاضي عبد الرحمان بن محمد بن عبد اللّه بن هاشم.

3 - أمّ العلوّ وهي أخت المعز زوّجها سنة 415هـ/1024م من ابن عمتها عبد اللّه بن حماد، ونصّ توقيفه: (ممّا أمرت بتحبيسه أم العلوّ حرسها اللّه على مسجد أبي عبد المطلب بباب سلم ابتغاء اللّه العظيم وكفى باللّه شهيدا) بخطّ القاضي عبد الرحمان بن محمد بن هاشم.

4 - تحبيس مصحف من عمران بن أحمد البلوي على يد القاضي السابق.

5 - تحبيس مصحف فضل قياسه 5،15 * 10 مسطرته ستّة بالخط الكوفي على الرقّ مؤرخ في 295هـ/907م قالت في تحبيسه: بسم اللّه الرحمان الرحيم هذا ما حبست فضل مولاة أبي أيوب أحمد بن محمد رحمه اللّه طلبا لثواب اللّه والدار الاخرة رحم اللّه من قرأ فيه ودعا لصاحبه. وكتبت فضل في المحرّم سنة 295هـ.

6 - تحبيس من المعزّ بن باديس على ظاهر سفر في كتب المدونة ونصه: ممّا أمر بتحبيسه سيدنا سيف اللّه وعبده المعز لدينه المؤيد لسنة نبيه أطال بقاءه وأدام نعمه بالمسجد الجامع بمدينة القيروان طلبا لثواب اللّه عز وجل. وكان التحبيس على يد قاضي القضاة عبد الرحمان بن محمد بن عبد اللّه بن هاشم سنة 424هـ/1033م. وهذا النص على أسفار الكثير من المدونة وغيرها في أمهات كتب المذهب المالكي.

7 - حبّس لوجه اللّه عز وجل بمدينة القيروان على طلبة العلم ممّا أمر بتحبيسه الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الخالق بن عبد الوارث السوري رحمة اللّه ورضوانه عليه.

كشف تعقيبي للمخطوطات[عدّل]

هذا الكشف اعتمده الموثّقون، مؤرخ في سنة 693هـ/1294م لكتب مكتبة القيروان واعتمده الشيخ محمد البهلي النيّال في عمله.وقد حرّرته جماعة من العدول بأمر قاضي القيروان في إحدى عشرة صفحة فيه التنصيص على أنّ هذا التعقيب يعتمد على سجلّ سابق في أسماء الكتب ووصف المصاحف، كان محفوظا في جعبة مع الكتب في المقصورة ولم يتضمّن الكشف أيّ إشارة إلى تاريخ السجل وطريقة العدول في التعقيب. فهم يذكرون في الكشف ما سبق ذكره في السجلّ ثمّ يذكرون ما ظهر لهم من نقص أو مطابقة. على أنّ المصاحف الموصوفة في هذا الكشف يذكرها المعقبون بأنها كانت في "ربعات" مكسوّة بالجلد وداخلها مكسو بالحرير وأجزاؤها مسفّرة ولكل ختمة علامة بحرف يرسم عليها وعلى أجزائها. ثمّ إنّ المحقّقين استرجعوا تفسير يحيى بن سلام ولاحظوا أنّه ممّا استرجع إلى المقصورة وقد كان خارجا عنها واسترجعوا أسفارا مجلدة من تبصرة اللخمي انتقلت منها إلى مدينة تونس. وفي ختام الكشف التعقيبي ما نصّه: وبقي في المقصورة المذكورة خروم ودفاتر وأوراق متباينة لم يحصل ضبطها، رزمت وجعلت في بيت الحكمة على ما هي عليه.

نماذج من أسفار الكتب المحفوظة[عدّل]

1 - تفسير القرآن الكريم ليحيى بن سلام بن أبي ثعلبة التميمي، مولود بالكوفة سنة 124هـ/742م تعلّم في البصرة وانتقل إلى بغداد ودمشق ومكة والمدينة ومصر، وخرج منها إلى إفريقية في تجارة سنة 182هـ/798م واستقرّ بالقيروان. وعرف الناس علمه فقرّبه إبراهيم بن الأغلب. له حفيد اشتهر بالعلم صاحب كتاب التصاريف (يحيى). توجد بالقيروان أجزاء وأوراق في المكتبة من هذا التفسير بعضها من تفسير الفاتحة والبقرة والبعض من سورة الأنعام، والبعض مصور والبعض على حاله.

2 - المختلطة: كتاب العصب والخراج رواه سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمان بن القاسم العتقي عن مالك بن أنس الأصبحي المدني، رحمة اللّه عليهم، لاسماعيل بن الحارث بن مروان، نفعه اللّه برحمته، حبس بمدينة القيروان على من يقول بقول مالك ابن أنس وأصحابه. المختلطة هي الأسدية سمّاها بذلك الامام سحنون بعد رحلته إلى أبي القاسم سنة 188هـ/804م وتصحيح رواية أسد وأطلق على نسخته المخصّصة اسم "المدوّنة" بعد رجوعه 191هـ/806م. والأسدية أسئلة عرضها أسد بن الفرات (143 - 214هـ/760 - 829م) بعد وفاة الإمام مالك على صاحبه عبد الرحمان بن القاسم، وحرّر عليه أجوبته. وكان أسد فقيها في المذهبين المالكي والحنفي وهوأوّل من أدخل إلى القيروان فقه الامام أبي حنيفة.

3 - كتاب العتق والتدبير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لمحمد بن أحمد بن تميم نفعه اللّه به. صفحاته، 48 قياسه 50,27 * 18 مسطرة 30 ولعله كتاب "المبسوط" الذي هو عند الحنفية من كتب ظاهر الرواية وتسمّى الأصول. وقد رجع أسد إلى القيروان بكامل كتاب المبسوط مع غيره من كتب ظاهر الرواية.

4 - كتاب السرقة وقطع الطريق عن محمد بن أبان عن المعمر بن منصور عن أسد بن الفرات، عن محمد بن الحسن بن أبي يوسف، عن أبي حنيفة.

5 - كتاب الشعر والغناء من جامع عبد اللّه بن وهب عن عيسى بن مسكين عن سحنون بن سعيد عن أبي وهب. والنسخة لعبد اللّه بن مسعود صفحاتها 22. وتحتفظ المكتبة العتيقة بالقيروان بخزينة مهمّة من المخطوطات معظمها بالخط الكوفي على الرق ولها صور بالمكروفيلم مرسّمة بأرقام مسلسلة تمتدّ من 1 إلى 2795 هي كلّ ما تبقّى من مخزون ثقافي حفظته الأيام بعد هزات ومحن أصابت الثقافة الاسلامية. وما سجّله علماء القيروان عن السلف يعكس مدى شغفهم بالتدوين وتأليف الكتب وهو المجد الثقافي الذي حفظه التاريخ للقيروان لما أعطته للانسانية من تراث وعلماء وإنتاج.