الطريقة القادرية

من الموسوعة التونسية
نسخة 12:56، 25 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تنسب الطريقة القادرية في تونس وسائر البلاد العربية والإسلامية إلى الولي الصالح سيدي عبد القادر الجيلاني، صاحب المؤلفات الكثيرة في التصوّف والمعرفة الذوقية، ومؤلف أشعار وقصائد كثيرة جُمع أغلبها في ديوان باسمه. ولقد اتّفقت المصادر الخاصة بالإمام عبد القادر الجيلاني أنّ اسمه محيي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلاني الحسن الحسيني الصديقي بن أبي صالح موسى جنكي دوست، بن الامام عبد الله، بن يحيى الزاهد، بن محمد، بن داود، بن موسى الجون بن عبد الله بن المحض بن الحسن المثنى، بن الحسن السبط، بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وكان الجيلاني يلقّب كذلك بألقاب عدّة تدلّ على تمكنه من العلوم والمعارف الدينية والصوفية ومنها "الغوث الأعظم" و"الجيلاني" أو "الكيلاني" نسبة إلى "جيلان" موطن مولده وعرف بلقب "سبط أبي عبد الله" و"باز الله الأشهب".

ووُلد الجيلاني سنة 470هـ/1077م ووفاته بإجماع المؤرخين كانت سنة 561هـ/1166م، وكان مولده في أسرة عرفت بالفضل والعلم فجدّه هو أبو عبد الله الصوفي وهو من كبار الزهّاد، وكانت والدته أم الخير فاطمة بنت عبد الله "سيّدة ورعة تقيّة، ورثت الصلاح عن وليّها". وفي جيلان تلقّى الشيخ دراسته الأولى وكان مستمعا جيّدا لترتيل القرآن، وتحكى عنه كرامات كثيرة منذ طفولته إذ كان لا يلقم وهو طفل رضيع ثدي أمّه نهارا في شهر رمضان إلاّ إذا أذن الغروب. وفي سنة 488هـ/1095م نزل سيدي عبد القادر الجيلاني من بلاد فارس إلى بغداد في السنة التي ترك فيها الامام الغزالي ت505هـ/1111م التدريس في نظامية بغداد الشهيرة حيث تزهّد وسافر سفرته التي وضع فيها "إحياء علوم الدين". وفي بغداد وما حولها "تنقّل الجيلاني في أطوار الرحلة الممتدّة من الخلق إلى الحق، من الدنيا إلى الاخرة، من الأرض إلى السماء، وفي بغداد أزهرت شجرة ولايته توبة".ولم يعرض الشيخ الجيلاني عن دراسة الفقه وعلوم الشريعة والأصول ودرس الأدب وعلوم اللغة، وكان ذلك على يد أبي زكرياء التبريزي.

ورغم أنّه تلقّى علم الكلام ومباحثه في أصولها ومظانّها الأساسية فقد كان رافضا لمذاهب المتكلّمين على اختلاف فرقهم وآثر المعرفة المباشرة للذات الإلهية عبر الذكر والتأمل، ومن خلال السياحة، ولعلّ تعريفه للتصوّف يكشف لنا ذلك إذ يقول: "اعلم يا ولدي... أنّ التصوّف على ثماني خصال أولاها السخاء والثانية الرضا والثالثة الصبر والرابعة الإشارة والخامسة الغربة والسادسة لبس الصوف والسابعة السياحة والثامنة الفقر". والفقر عند الصوفية هو الشوق إلى محبّة الله وإيثاره عن كلّ شيء. ويعتبر الشيخ الجيلاني أحد أبرز الملامتية وهم جماعة من أهل التصوّف، سلكوا مسلك لوم النفس وتأديبها، ورياضاتها مع محبّة اللّه، واعتبار ذلك مدخلا إلى معرفة اللّه وحقيقة الوجود، ويتأكّد هذا من قول محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية حين تطرّق إلى الملامتية: "ومن تحققوا بالملامتية، شيخنا عبد القادر الجيلاني". وللشيخ الجيلاني فلسفة متماسكة الأطراف في حقيقة النفس وإصلاح أحوالها وسبل الترقي بها في مدارج المعرفة واليقين. فللنفس مقامات سبع أولها النفس الأمّارة وسيرها إلى الله وعالمها الشهادة، وثانيها النفس اللوّامة وسيرها إلى الله وعالمها البرزخ وثالثها النفس الملهمة وسيرها على الله وعالمها "اللاّهلاج" ورابعها النفس المطمئنّة وسيرها مع الله وعالمها الحقيقة المحمدية وخامسها النفس الراضية وسيرها في الله وعالمها اللاهوت وسادسها النفس المرضية وسيرها عن الله وعالمها الشهادة، وسابعها النفس الكاملة وسيرها بالله وعالمها كثرة في وحدة ووحدة في كثرة. ويعرّف الجيلاني الصّوفي بأنّه "من جعل مراده الحق ورفض الدنيا وراءه". وللشيخ الجيلاني مجموعة من الأوراد والأدعية والأحزاب نجدها متداولة عند تلامذته ومريديه من الممثلين للطريقة القادرية ومنها "حزب الاشراق" و"حزب التشهّد" و"حزب الابتهال" ويسمّى "ورد الصبح" و"حزب السريانية" ويسمّى "ورد الظهر" وحزب "فواتح البصائر" و"حزب الفتحية" ويسمّى "ورد المغرب" و"حزب التمجيد" ويسمّى "ورد العشاء" و"حزب النور وقضاء الحوائج" و"حزب الوسيلة" و"حزب المودّة والتسخير". أمّا مؤلفات الشيخ عبد القادر الجيلاني فأبرزها:

  • "الغنية لطالبي الحق": كتاب في آداب السير الصوفي وفضائله.
  • الفتح الرباني
  • الفيوضات الربانية
  • سرّ الأسرار
  • فتوح الغيب وله نصوص وصيغ في الصلاة على النّبي محمّد تحتوي على فلسفة عميقة في فهم حقيقة الذات المحمدية، ووضعها على هيئة من البيان والبلاغة متفردين، ومن ذلك، "صلاة الكبريت الأحمر".

أمّا فيما يخصّ دخول الطريقة القادرية إلى تونس وانتشارها فإنّه يتّضح من بُعدين أساسيّين يتّصل أوّلهما بالانتشار الأوّلي لمبادئ الطريقة القادرية في الفترة الموحدية ثم الحفصية، ويتصل ثانيهما بالظهور المنتظم للطريقة القادرية في شكل فضاءات اجتماعية روحية هي الزوايا، وبروز المريدين والمشايخ القائمين على أمر هذه الزوايا.

ففيما يتعلّق بالبعد الأوّل، كانت المجموعة التي تحلّقت حول الغوث أبي مدين (ت594هـ/1197م) - الذي تلقّى أسرار الطريق الصوفي على الشيخ عبد القادر الجيلاني وألبسه الخرقة - كانت في الأصل امتدادا للجيلاني، وتثبيتا لمبادئ طريقته، ومن أبرز رجال هذه المجموعة سيدي عبد العزيز المهدوي (ت621هـ/1224م) وأبو يوسف يعقوب الدهماني (ت621هـ/1224م) وأبو سعيد الباجي (ت 628هـ/1231م) وأبو علي النفطي (ت610هـ/1213م) وأبو محمد صالح بن محمد بن عبد الخالق التونسي، والطاهر المزوغي السافي (ت 646هـ/1248م) وأبو عبد الله محمد الدباغ والد مؤلف كتاب "معالم الايمان في معرفة صلحاء القيروان" وكذلك كتاب شوارق أنوار القلوب. وقد ظهر هذا التأثير في الامام أبي الحسن الشاذلي (ت656 / 1258م) الصوفي الكبير

والمطالع لأحزاب أبي الحسن الشاذلي وأوراده يلمس حضور صيغ الشيخ عبد القادر الجيلاني في توحيد الله وبيان حقيقة وجوده، وحقيقة الذات المحمدية وصلتها بالحقيقة الكلية، كما أنّ سنّة الدعاء للشيخ عبد القادر الجيلاني عند إقامة الأذكار والأوراد الشاذلية دليل على الاعتراف بدور الجيلاني في اكتمال صرح الطريقة الشاذلية. وطبعا لا ننفي اطلاع الشاذلي ومن قبله أبي مدين على إحياء علوم الدين للغزالي واستلهام جوانب من أدبيات التصوّف الواردة فيه.

أمّا الظهور المنظّم للطريقة القادرية بتونس في فضاءات روحية (زوايا ومقامات) خاصّة بها فإنّه بدأ في فترة حديثة نسبيّا، إذ تردّ بعض الدراسات تأسيس أوّل زاوية قادرية بتونس إلى سيدي أحمد التليلي (ت1763م) بفريانة خلافا لما ذهب إليه البهلي النيال في الحقيقة التاريخ للتصوف الإسلامي والتليلي العجيلي في رسالته الجامعية "الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية (1881 - 1939)" من اعتبار أوّل زاوية قادرية أسسها محمد المنزلي (ت1832) بمنزل بوزلفة، بدعم من حمودة باشا الذي كان أوّل أتباعها.

فلقد وجدت القادرية في تونس انتشارا واسعا بين أهلها من القديم وولعهم بسرد أخباره، وترديد مناقبه. ومباشرة بعد ظهور الزاوية التي أسّسها الشيخ أحمد التليلي بفريانة (الوسط الغربي بالبلاد التونسية) توجّه الشيخ أبو الحسن علي بن عمر الشايب في أوائل القرن التاسع عشر، وكان من جملة محبي الشيخ عبد القادر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فتعلّقت آماله بأخذ الطريقة القادرية عن الامام أبي عبد الله الذي كان شيخا لها آنذاك ومتّصلا بأسنادها. وفي مناسبة ثانية، وبعد أنّ شرع الشيخ علي الشايب في بناء زاوية للطريقة بمدينة منزل بوزلفة، وافته المنيّة فأتمّ بناءها واحد من أبرز كبار مريديه وهو الإمام محمد المنزلي (ت1248هـ/1832م)، وقد اضطلعت هذه الزاوية بتدريس القرآن واللغة العربية، ولاتزال قائمة إلى اليوم وتقام بها مجالس للذكر وتلاوة الأوراد القادرية.

وفي الأثناء ظهرت الزواية القادرية بالعاصمة، وهي المصطلح على تسميتها بزاوية الديوان، وقد أسّسها محمد الميزوني سنة 1267هـ/1850م، وستنتشر بعدها زوايا عدّة بالعاصمة لعلّ أبرزها زاوية باب سويقة التي تولّى مشيختها الشيخ بوبكر القادري (ت 1930م) ثم ظهرت في الفترة ذاتها زاوية نفطة التي ستتفرّع عنها زوايا قفصة وتوزر وسيدي بوزيد، وأبرز أعلام هذه الزاوية الشيخ سيدي إبراهيم بن أحمد الشريف (1812 - 1875) وهو من أغواث الطريقة القادرية وإليه تنسب الأسرار، والمعارف الذوقية العالية، وتروي حفيدته السيدة مريم الشريف أنّه كان غوثا في الطريقة لمدّة ثلاثٍ وثلاثين سنة. وقد تولّى مشيخة الطريقة بعده ابنه سيدي محمد العربي الشريف (ت1855م) الذي عرف بصلاحه وسعة علمه. وفي فترة لاحقة ظهر سيدي أبو القاسم الشريف إلى أن كان ظهور سيدي محمد الجيلاني الشريف (ت1977) ودفن بمقبرة سيدي بوزيد، وكان رجل علم وصلاح وصاحب هيبة كبيرة يستغيث به الناس ويجدّ في قضاء حوائجهم. أمّا في أيّامنا هذه فيتولّى مشيخة الطريقة سيدي حمّه المكي بزاوية نفطة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الطريقة انتشرت انتشارا واسعا بالبلاد التونسية، وكثر عدد مريديها مقارنة بالطرق الأخرى التي ترجع إليها في الأصل. ففي سنة 1925 بلغ عدد مريدي الطريقة القادرية 681. 117, وبلغ عدد زواياها 109 زاوية منها في بنزرت 6 وفي قرنبالية 14 وفي سوسة 11 والكاف 4 وتالة 7 وصفاقس 5 وقفصة 2 وقابس 4 وجربة 1.