السكة الاسلامية في إفريقية

من الموسوعة التونسية
نسخة 13:16، 6 مارس 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تصرف العرب الفاتحون لافريقية مع الأوضاع البيزنطية التي كانت سائدة بما يتلاءم مع المرحلة الأولى للفتوحات باعتمادهم مبدأ المرونة في الممارسة اليومية. فالأفارقة كانوا قبل الفتح يتعاملون بالدينار "الجرجيري" لتصريف شؤونهم وقضاء حاجاتهم الداخلية والخارجية. هذا الدينار نقشت صورة البطريق جرجير ووليّ عهده في وجه منه، وصورة صليب قرطاج في الوجه الاخر. وظلّ العرب يتعاملون به دون حرج إلى أن جاءت محاولة الوالي موسى بن نصير الذي كانت له المبادرة في فرض المبادئ الإسلامية وإدخالها حيز التنفيذ على السكة دون أن يغير في الحجم أو الوزن أو الكتابة الاغريقية المنقوشة عليها، لكنّه أمر بحذف صورة البطريق جرجير والصليب وأضاف عبارة التوحيد باللغة الاغريقية في مرحلة أولى ثم أضاف إليها الرسالة المحمدية وبالخط العربي في المرحلة الثانية وسط الدينار وحافظ على الكتابة المحيطة بهما باللغة الاغريقية.

وشاعت هذه السكة بين الناس دون أن يحدث ضجة أو رد فعل مناوئ لهذا الاجراء لغاية سنة 98هـ/716م التي وقع فيها حدث تاريخي بالغ الأهمية وهو ظهور دينار ضرب حسب الطريقة السابق ذكرها ودرهم معرب تعريبا كاملا طبقا للصيغ الأموية المعروفة في مركز الخلافة بدمشق وبقية الولايات الأموية. وقد تفردت إفريقية بوضع اسمها على الدينار.

تواصل ضرب السكة على وتيرة واحدة طوال الفترة الأموية. وبانتقال الحكم إلى الخلافة العباسية ببغداد وسيطرة الفهريين ثم المهلبيين على افريقية تغير المضمون حسب النماذج الجاري بها العمل في مركز الخلافة، إذ أضيفت أسماء على الدراهم مثل "داود" و"روح" و"محمد العكي" و"هرثمة" ولاة إفريقية وهو تقليد جديد أحدثه الخليفة هارون الرشيد، فقد سمح لكبار المسؤولين والولاة بوضع أسمائهم بعد أنّ كانت حكرا على الخليفة دون سواه.

دينار أغلبي متحف فنون الحضارة الإسلامية برقادة

وفي الفترة الأغلبية تنازل إبراهيم بن الأغلب عن المساعدة المهمّة التي كانت تأتيه من مصر هبة لافريقية وقدرها مائة ألف دينار والتزم في المقابل بدفع أربعين ألف دينار إلى مركز الخلافة وهو ما يعني أنّ ولاية إفريقية أصبحت قادرة على الاكتفاء بنفسها. فقد ضرب إبراهيم بن الأغلب سكة ذهبية وفضية تحمل شارة الامارة "غلب"، دون أنّ يضع اسمه على الدينار في حين وضعه على الدرهم، أمّا زيادة الله فقد سمح لأحد مواليه وهو مسرور بوضع اسمه على الدينار سنة 206هـ/821م وأصبحت عادة جارية لبقية ولاة إفريقية بوضع أسمائهم على السكّة الذهبية، وكذلك أسماء مواليهم. ومن أبرز الأحداث المتعلّقة بالسكّة، ثورة منصور بن نصر الطنبذي أيام زيادة الله الأوّل وقد ضرب سكّة بمدينة القيروان ووضع عليها كلمة "عدل" بدل "غلب"، ثم قامت ثورة أخرى عندما حاول إبراهيم الثاني الخروج عن التعامل بالوزن في أسواق القيروان وضرب دراهم قيمة كلّ عشرة تساوي دينارا وقد سمّيت "بالعشارية" حفظا لمصالح الناس، فثارت ثائرة التجار لأنّهم كانوا لا يتعاملون بغير طريقة الوزن، فتقطع الدراهم إلى أجزاء صغيرة من أنصاف وأرباع وأثلاث حتى يسهل التبادل بينهم. وإثر سقوط الدولة الأغلبية وقيام الفاطميين بعدها برقّادة، عيّن على مصلحة السكة أبو بكر ابن القمودي الملقب بالفيلسوف فنقش أوّل دينار فاطمي وعليه كلمة "الحمد لله رب العالمين" وأطلق عليها اسم "السيدية" سنة 296هـ/909 م، ثم ضرب دنانير أخرى وضع عليها "بلغت حجة الله" و"تفرق أعداء الله".

دينار المعز لدين الله الفاطمي

ثم بانتقال الفاطميين إلى عاصمتهم الجديدة المهدية سنة 308هـ/920 م أنشؤوا دارا للسكة ووضعوا عليها اسم "المهدية". وقد تميّزت هذه المرحلة بقيام ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد الملقب ب"صاحب الحمار" الذي ضرب سكة ووضع عليها عبارة"لا حكم إلا لله" سنة 333هـ/944م.

ثم انتقلت العاصمة الفاطمية في عهد الخليفة أبي الطاهر إسماعيل المنصور إلى "المنصورية" وضرب سكته وقد أحدث فيها تغييرا من حيث الحجم الذي ازداد نسبيا عمّا سبقه من السكك مع المحافظة على العيار الشرعي وأصبحت الكتابة محصورة داخل دوائر خطية تسمّى ب"الأزواج" ثم أضاف اسم الشهر. وفي سنة 341هـ/952م، ضربت سكة عليها نصوص تثبت الدعوة والمعتقد الشيعي. ثم انتقل الخليفة المعزّ لدين الله إلى القاهرة إثر فتحها على يد قائده جوهر الصقلي وترك أمر إفريقية إلى الصنهاجيين الذين استمرّوا على ولائهم دون تبديل أو تغيير في السكة المضروبة بالمنصورية أو المهدية على حد سواء. ولم يضعوا أسماءهم عليها إلى أنّ جاء المعز بن باديس الذي أعلن عصيانه وخروجه عن طاعة الفاطميين ورفضه للمذهب الشيعي وولاءه للخلافة العباسية ببغداد. هذا التغيير السياسي تبعه تغيير في السكة إذ أبطل النصوص السابقة الداعية إلى المذهب الشيعي بغيرها. وكان أوّل ضربه لهذا الدينار سنة 441هـ/1049م بمدينة القيروان وسماه "التجاري" ممّا نتج عنه اكتساح الأعراب لافريقية بأمر من الخليفة المنتصر بالله الفاطمي.

وفي آخر الفترة الصنهاجية احتلّ النورمانديون العاصمة المهدية وخرج أميرها الحسن بن علي متّجها نحو قرطاج، ثمّ الجزائر، واستنجد بالموحّدين فلبوا الدعوة وقدموا بجيوشهم وأساطيلهم وحاصروا المهدية، إلى أن تمكّنوا من السيطرة الكاملة عليها وفتحها عنوة. كان ذلك إيذانا بعهد جديد أصبح فيه الحفصيون سادة الموقف وانتقل مركز الثقل من المهدية إلى تونس عاصمتهم الجديدة. اقتفى الحفصيون آثار الموحّدين في ضربهم للسكة فظلّت دراهمهم مربّعة، وحتّى إنّ كانت مستديرة فإنّ بها تربيعا داخلها. والدرهم الحفصي لا يخضع لنظام معيّن فهو غير محكم القصّ وكتابته المتداخلة مشوهة في كثير من الأحيان. وقد بلغ حجم الدينار 31 مم، وهو أمر غير عادي مقارنة بالأحجام التي مرّت بنا في الفترات التاريخية السابقة حيث لا يتجاوز أقصاها 25 مم وكذلك بالنسبة إلى العيار فقد تجاوز العيار الشرعي وبلغ في بعض الأحيان 99،4غ. أمّا النصوص فقد جاءت متنوّعة في صيغها وإنّ كانت متحدة الهدف تنبع من معين واحد شعارها "لا إله إلا الله محمد رسول الله المهدي خليفة الله"، وهو في الواقع تجسيم للمبادئ والأسس التي قامت عليها الدولة الموحّدية وزعيمها الروحي المهدي بن تومرت.

العملة الحفصية

وفي هذا العهد أحدثت سكة من النّحاس اسمها "الحندوس" لتسهيل المعاملات بين الناس، لكن كثر فيها الفساد والتدليس فأبطلت، وضربت سكة الدراهم "الناصري" وجُزّئت إلى أنصاف وأخماس وأسداس. ولعلّ ما يلفت النظر في السكة الحفصية تنوّع الصيغ والألقاب مثل "الأمير الأجل - المتوكلّ على الله - المؤيد بنصر الله" أو وضع الاية القرآنية: "وإلاهكم إلاه واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم"، كما تميزت بعدم وضع التاريخ وقليلا ما نجد اسم مدينة الضرب تونس أو قسنطينة أو بجاية أو طرابلس.

وقد أصاب الدولة الحفصية الوهن وأصبحت عاجزة عن صدّ هجومات الإسبان عليها سنة 943هـ/1535م واحتلالهم للعاصمة تونس بعد نزولهم في ميناء حلق الوادي ودام احتلالهم لها مدة أربعين عاما شاعت خلالها سكة "الدوكة" الذهبية و"الكرونة" الفضيّة وكانتا تضربان في إسبانيا، لكنّ الوضع سرعان ما تغير بظهور خلافة شرقية تسعى إلى فرض قوتها وبسط نفوذها في حوض المتوسط وتمّ لها ذلك عن طريق القائد سنان باشا بعد المحاولات التي قام بها كلّ من خيرالدين بربروس وعرّوج، ولمّا استقرّ سلطانهم ضربوا سكتهم المعروفة "بالمحبوب" ويسمّى كذلك "السلطاني" الذهبية و"الريال" الفضية و"الخروبة" النحاسية. أمّا النصوص الواردة فيها فهي بعيدة عن الشعارات الدينية أو المذهبية خالية من الآيات القرآنية وما يتعلّق بالتوحيد والرسالة |المحمّدية وإنّما يوحي مضمونها بقوة الدولة وهيبتها مثل قولهم: "سلطان البرين وخاقان البحرين" أو "ضارب النضر صاحب العز والنصر في البر والبحر ". أمّا حجم سكتهم الذهبية فيتراوح بين 19 و26 مم، بينما عيارها أقلّ من العيار الشرعي بين 3،006غ و 3،502غ. استمرّ ضرب السكة على الوتيرة نفسها لغاية تولي حسين بن علي التركي مقاليد الدولة سنة 1117هـ/1705م، وهو مؤسس الدولة الحسينية، وقد ضرب سكة فضّة من فئة ربع ريال بدار الضرب بالقصبة، كما ضرب والي القيروان حيدر باشا آنذاك سكة مربّعة سمّيت ب"الحيدري".

وفي سنة 1148هـ/1735م، حدث تغيير في السكّة المربعة بإضافة مقدار من النحاس بدل الفضة وهو ما أدّى إلى تغيير في الوزن والعيار كان لهما تأثير في الصرف والمبادلات. وضربت سكة المحبوب وأنصافه وفلوس من النحاس لكسور الخروبة. وقد شاعت سكة القفصي من البرونز، الرديئة الصغيرة الحجم. ثمّ انتقلت دار الضرب من القصبة إلى الحفصية سنة 1196هـ/1784م فضرب فيها الريال المخلوط فضة ونحاسا، ووزنه 16 غ وقيمته بالنسبة للفرنك الفرنسي 1،35 فرنكا، ثمّ كثر الغشّ والتدليس وضاعت حقوق الناس وأموالهم، حتّى إنّ بعض التجار من الافرنج أصبح يضرب السكة خارج المملكة التونسية ويأتي بها لارتفاع حرمة السكة عنها إذ صارت بضاعة متجر.

وفي سنة 1253هـ/1837م، انتقلت دار الضرب إلى باردو وسك السلطاني بقيمة 7 ريالات، والريال يساوي 65 صنتيما. ثمّ ضربت سكة من فئة 5 ريالات لقبها الناس ب"بوزيتون" نظرا إلى وجود غصن الزيتون عليها. وبعد ذلك أنشئت دار ضرب أخرى سنة 1264هـ/1847م، هي "دار المال" بقشلة سيدي عامر. وفي عهد المشير أحمد باشا أصبحت عادة توزيع المال على الحاضرين في كلّ رأس سنة هجرية بمناسبة تبديل السكة تقليدا وسُنّة لمن جاء بعده، وقد صاحبت فترته نقطة سوداء عندما توقفت دار الضرب سنة 1269هـ/1852م عن سك العملة نتيجة هروب المشرف عليها محمود بن عياد، بعد أنّ تركها في حالة إفلاس. وقد حاول من جاء بعده إصلاح الوضع المالي بأن تبنّى مشروعا يضبط نسبة الذهب إلى الفضة بما قدره 17, 77, وأضحى التعامل بالريال المسمى "بوماية" لأنّه من فئة 100 ريال وكذلك "بوقفة" لأنه من فئة 25 ريالا و"بو عشرة" لأنه من فئة عشرة ريالات. وفي سنة 1281هـ/1864م، ضربت سكة نحاس في فرنسا وأطلق عليها عمال باردو اسم سكة "شميدت"، وقد تميّزت بالأرقام الموضوعة عليها لمعرفة قيمتها وتحديدها، فرقم 8 يساوي نصف ريال ورقم 4 يساوي ربع ريال ورقم 2 يساوي خروبتين ورقم 1 يساوي خروبة واحدة. وتدهورت الأوضاع المالية في هذه الفترة وباتت تنذر بالخطر فتقرر نتيجة لذلك وضع تونس تحت المراقبة المالية "الكمّيسيون" سنة 1868، وتكونت لجنة يرأسها خير الدين باشا وأعضاء من فرنسا وإيطاليا وانڤلترا، بدعوى حفظ مصالح التجّار الأجانب.

عملة في فترة الحماية الفرنسية

وفي عهد علي باي الثالث سنة 1299هـ/1882م، أصبحت السكة الذهبية "بو 25" تساوي ما قيمته 15 فرنكا فرنسيا، ولهذا السبب صدرت الأوامر بوضع عدد 15 بالرقم الافرنجي مع حرف "F"، ثم أمعن الاستعمار الفرنسي في فرض سيطرته المطلقة بداية من سنة 1308هـ/1891م، وأصدر أوامره بإغلاق دار الضرب بباردو والتعامل بالفرنك الفرنسي ومشتقّاته. وقد تميّزت السكة فيما بعد بما كتب عليها بالفرنسية: "الإيالة التونسية - الحماية الفرنسية" مع بيان قيمتها والتاريخ المسيحي من جهة وكذلك شعار الباي الذي سكت في عهده مع التاريخ الهجري في الجهة الثانية. وفي عهد الاستقلال وبالتحديد في 19 سبتمبر 1958، صدرت أوامر رئاسية بتنظيم القطاع المالي، وذلك بإنشاء البنك المركزي التونسي، وأصبح التعامل النقدي يقتصر على ما يصدره هذا البنك دون غيره وتسمّى الوحدة النقدية "الدينار" ويجزّأ إلى ألف مليم.

ببليوغرافيا[عدّل]

  • Alexandropoulos J, Les monnaies de le l’Afrique antique 400 av J.C 40 ap J C Paris,2005.