أحمد القلْعي

من الموسوعة التونسية
نسخة 10:08، 8 ماي 2018 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث
أحمد القلْعي

ولد الفنان أحمد القلعي يوم 5 أكتوبر 1936 وتوفيّ يوم 12 أكتوبر 2008 بتونس العاصمة ونشأ في عائلة فنيّة، إذ كان والده علاّلة1 عازفا على آلة الكمان كما كان إخوته رضا القلعي (1931-2003) عازف كمان ومحمود القلعي (1929-1992) عازف ناي وكلارينات2 ، وقد كان أحمد القلعي شغوفا وولوعا بالموسيقى والغناء منذ الصّغر. فكان لوالده علاّلة الفضل في تعلّمه الموسيقى حيث لقّنه بعض القواعد الموسيقيّة والمبادئ الأوّليّة في العزف على آلة العود. ثمّ وجّهه إلى الأستاذ صالح المهدي (1925-2014) الذّي عمل على دعم معارفه الموسيقيّة وصقل مواهبه، فعلّمه المقامات والإيقاعات وغيرها من أصول الموسيقى العربيّة.

وقد بدأ بتعلّم العزف على آلة العود بصفة جديّة سنة 1945 على يد الأستاذ عليّ السّريتي3 وتلقّى عنه دروسا إلى غاية 1948 ثمّ أصبح يتردّد عليه كلّ صائفة لتلقّي المزيد من الدّروس في العزف. في ذات الفترة صار يميل أكثر إلى الاستماع إلى اللّونغات التّركيّة وعزف محمّد القصبجي (1892-1966) ورياض السّنباطي (1910-1981) والكنسرتوات المخصّصة لآلة الكمان وغيرها من أشكال الموسيقى الغربيّة الكلاسيكيّة كالكابريس...كما تعلّم أحمد القلعي بمفرده العزف على البزق والعود التّونسي سنة 1969 إثر عودته من القاهرة أين شارك في الألفيّة ضمن الوفد التّونسي، وكانت سنة 1961 موعد حصوله على ديبلوم الموسيقى العربيّة كما أحرز سنة 1976 على ديبلوم العزف على آلة العود متحصّلا بذلك على الجائزة الأولى.

2. احترافه الموسيقي:

لقد ظهر أحمد القلعي لأوّل مرّة سنة 1948 كعازف منفرد بقاعة الفتح بباب سويقة بالعاصمة، كما عاش تجربته الأولى في عرض منفرد بالعود خارج الوطن وكان ذلك سنة 1951 بالمغرب الأقصى. ولقد زار أحمد القلعي العديد من البلدان الأوروبيّة والعربيّة في نطاق حفلات رسميّة وعروض دوليّة، ومن أهمّ هذه السّفرات عروض قدّمها بباريس 4 في فعاليّات المهرجان العالمي للموسيقى والتّراث ومشاركته ضمن الوفد التّونسي في ألفيّة القاهرة سنة 1969. وكما فرض نفسه كعازف وموسيقي متألّق كان عديد الملحّنين يلجئون إليه لترقيم أغانيهم حيث أشتهر بدقّة وسلامة وأمانة تدوينه، إذ كان من جملة من يكلّفه بهذه المهمّة المرحوم عبد الحميد بن علجيّة (1931-2007) حين أشرف على قسم مصلحة الموسيقى بالإذاعة التّونسيّة.

3. تأثير آلة البزق على أسلوبه:

وعند رجوعه من القاهرة جلب معه آلة بزق التّي ولع بها أحمد القلعي كثيرا من خلال الاستماع إلى اسطوانات عازف البزق السّوري محمّد مطر، ممّا جعله يعزف على هذه الآلة بالتّوازي مع آلة العود في الإذاعة التّونسيّة لمدّة أربعة سنوات منذ سنة 1969، وبطبيعة الحال أثّر ذلك في نمط عزفه على العود، فكان يطوّع العزف على الطّريقة الكرديّة-التّركيّة الخاصّة بآلة البزق على آلة العود، ويمكن لنا أن نلاحظ ذلك من خلال تقنيّة الرّيشة التّي يقع فيها الاعتماد على حركات الصدّ والردّ المستمرّة والمتواصلة بين الأوتار، وعلى مستوى تقنية حركة أصابع اليد اليسرى بالانتقال المنفّذ بسلاسة ومرونة بين مواضع ذراع آلة العود كما هو الحال في آلة البزق، وهذا ما يعتبر من الأشياء الغير معهودة آنذاك على الأقلّ في تونس.

4. اللّقاءات الفنيّة المؤثّرة:

ومن أهمّ المواعيد التّي عرفها أحمد القلعي في مشواره الفنّي التقاؤه وتأثّره واحتكاكه بعديد العازفين المتميّزين والمعروفين على السّاحة المحليّة والعربيّة، الأمر الذّي زاد في خبرته الفنيّة والتّقنيّة في العزف على آلة العود، نذكر منهم على سبيل المثال: جورج ميشال5، الذّي التقاه في جمهوريّة مصر العربيّة سنة 1969 وعزف معه في قاعة السيّد درويش في مبنى دار الأوبرا المصريّة، فأعجب بأسلوبه في العزف على العود خاصّة من النّاحية التّقنيّة، إذ أشتهر جورج ميشال بالخفّة والسّرعة ورشاقة أسلوبه التّقني في العزف سواء كان ذلك على مستوى اليد اليمنى أي تقنية الرّيشة أو على مستوى اليد اليسرى أي حركة الأصابع على مواضع دساتين العود، فأخذ أحمد القلعي عنه تلك الخفّة والرّشاقة في الأداء كعزف المسافات الثّلاثيّة أو الثّلاثيّات وهو ما يعبّر عنه بالفرنسيّة (arpèges (، ويمكن ملاحظة هذا الشّكل الصّوتي في عدّة تقاسيم ومعزوفات لأحمد القلعي. كما التقى أحمد القلعي عازف الكمان المصري عطيّة شرارة (ولد سنة 1923 ويعتبر من روّاد الكمنجة في مصر، كما أنّه مؤلّف موسيقي وموزّع) 6 سنة 1958 في تونس وأقام معه حفلا في الرّشيديّة، وقد أعجب بأسلوبه في العزف على الكمان الشّرقي فتعلّم منه العديد من الخصائص المميّزة لديه، كتناول الشّكل الإيقاعي ذو القسمة الثّلاثيّة بطريقة يغلب عليها الطاّبع الزّخرفي، ونستطيع تبيّن هذا الأخير في عزف أحمد القلعي خاصّة في كثير من تقاسيمه حيث يوظّفه في بداية التقسيم وأثناء ذروته وكذلك عند القفلات. وكان أيضا لأحمد القلعي سنة 1960 في تونس موعد هامّ مع عازف القانون المصري عبد الفتّاح المنسي (1936-1990) عندما سجّل معه لونغة عجم7 وكان ذلك بحضور العازف علي السّريتي، ومن خلال هذا العمل الثّنائي استفاد أحمد القلعي من مهارات هذا العازف خاصّة وأنّه يتميّز بتقنية عالية وبسرعة فائقة. ومن أهمّ الأحداث كذلك بالنّسبة للعازف أحمد القلعي القيام بعرض مع أستاذه عليّ السّريتي في مطلع الثّمانينات وعرض آخر في نفس الفترة مع عازف النّاي محمّد سعادة (1937-2005). كما عزف مع بعض الموسيقييّن الآخرين المعاصرين على غرار إبراهيم المهدي 8 (1929-1990) عازف آلة الكنترباص والذّي يعتبر من العازفين الجيّدين في تلك الفترة. ومن العازفين الذّين أثّروا في طريقة أحمد القلعي في العزف، شقيقه عازف الكمان رضا القلعي، حيث تكوّنا سويّا في فترة ذاتها تقريبا، ممّا جعلهما في تفاعل مستمرّ تأثّرا وتأثير، فعلى سبيل المثال كان أحمد القلعي متأثّرا بأسلوب الكمان الغربي الذّي كان أخوه ينهج على منواله في ذلك الوقت، ممّا جعله هو أيضا يدرس الكمان الغربي من سنة 1959 إلى سنة 1960 في معهد نهج زرقون عند الأستاذ الإيطالي (أستاذ أخوه رضا القلعي آنذاك) venizia، وقاده ذلك إلى تجربة عزف الكابريسات والكنشرتوات على آلة العود، وهذا الأمر يعتبر من الغير المألوف في ذلك الوقت.

عند هذا الحدّ يتّضح لنا أنّ اكتساب أحمد القلعي لهذه الطّرق المختلفة والمتأتيّة من مصادر متنوّعة ومشارب مختلفة، يضعنا أمام تساؤل عن الآليات التّي اعتمدها أحمد القلعي حتّى يتمكّن من استيعاب كلّ هذه الطّرق؟ فحين نتمعّن قليلا في تقنية الرّيشة التّركيّة التّي تعلّمها على يد أستاذه عليّ السّريتي، فسنجدها متركّزة بالأساس على مبدأ السّماع المرهف والمركّز مع الملاحظة والنّظر والتّقليد، وهذا ما يندرج في إطار التّلقين والتّبليغ.

وأخيرا يمكن القول أنّ المناخ الفنّي العائلي الذّي نشأ وترعرع فيه أحمد القلعي كان له الدّور الرّئيسي في بناء معالم شخصيّته الفنيّة والموسيقيّة الفذّة، بالإضافة إلى عامل أساسي ومهمّ جعل هذه الشّخصيّة دائمة التطوّر وهو التّكوين الذّي تلقّاه من كبار الموسيقييّن في تلك الفترة أمثال الأساتذة صالح المهدي وعليّ السّريتي، ثمّ تأتي مرحلة التّجارب النّادرة والتّي احتكّ فيها بعديد العازفين التونسييّن والأجانب ممّا مكّنه من الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم المتنوّعة والمختلفة، وهذا ما سينعكس بالتّأكيد على ذاته الموسيقيّة التّي ستعيش جدليّة بين الأصالة والتّجديد.

الهوامش:

1-لقاء مع أحمد القلعي بتونس العاصمة يوم 24 فيفيري 2008.

2-أصبحوا في ما بعد كلّهم من العناصر القارّة بفرقة المنار التّي أسّسها وقادها أخاهم عازف الكمنجة رضا القلعي.

3-السّريتي (عليّ)، موسيقي وعازف عود تونسي.

4-السّافي (سهام)، "عازف العود أحمد القلعي في المهرجان العالمي للموسيقى والتّراث"، الحريّة، عدد 3963، بتاريخ 18 أكتوبر 2000، ص. 7.

5- ميشال (جورج)، موسيقي وعازف عود لبناني.

6-التّركي (ياسين)، أحمد الحفناوي دراسة تحليليّة لبعض أعماله وأسلوبه في العزف، بحث لنيل رسالة ختم الدّروس الجامعيّة، المعهد العالي للموسيقى بتونس، 2003 – 2004، ص. 7.

7-وهي من ألحان عبد الفتّاح المنسي.

8- وهو شقيق الأستاذ صالح المهدي.

قائمة المراجع:


السّافي (سهام)، "عازف العود أحمد القلعي في المهرجان العالمي للموسيقى والتّراث"، الحريّة، عدد 3963، بتاريخ 18 أكتوبر 2000، ص. 7.

 التّركي (ياسين)، أحمد الحفناوي دراسة تحليليّة لبعض أعماله وأسلوبه في العزف، بحث لنيل رسالة ختم الدّروس الجامعيّة، المعهد العالي للموسيقى بتونس، 2003 – 2004، ص. 7.

 لقاء مع أحمد القلعي بتونس العاصمة يوم 24 فيفيري 2008.

بشير الغربي