يوسف الرويسي

من الموسوعة التونسية
نسخة 16:57، 24 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1907 - 1980م]

يوسف الرويسي

ولد السياسي يوسف الرويسي يوم 20 أكتوبر 1907 بقرية دقاش في منطقة الجريد (ولاية توزر حاليا) في وسط عائلي محافظ تسيطر عليه العقيدة الدينية وطقوس الزوايا. وقد درس بادئ الأمر بدقاش ثم انخرط في الخلدونية والزيتونة حيث اكتسب رصيدا ثقافيا نيّرا من دُعاة الاصلاح وتعزّزت ارتباطاته القومية ذات الطابع العربي الاسلامي البحت. وكان تعلّمه خارج الزيتونة أكثر منه داخلها إذ كان يحضر الدروس التي تتلاءم وتوجهاته التجديدية وتجيب عن حيرته الفكرية. ومن هذه الزاوية، يعتبر من الثائرين على النظام التربوي التقليدي ويعدّ من أصدقاء الطاهر الحدّاد وأبي القاسم الشابي. ومن الشيوخ الزيتونيين المتحرّرين الذين أثروا في تكوينه الشيخ عثمان المكّي وكان يكنّ له احتراما شديدا. وليس من باب المصادفة أن يكون شغوفا بالمطالعة وهي التي فتّقت مواهبه وجعلت آفاق نشاطه عريضة ومتنوّعة.

ففي البداية كان اهتمامه مركّزا على العلوم الإسلامية إذ تأثّر بابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومحمد عبده والشاطبي والشوكاني وخاصة ابن رشد والغزالي. ولئن زار تونس لأول مرّة سنة 1924 فإنّه استقر بها في الفترة 1925 - 1927 التي قضّاها في الدراسة. وفي تلك الفترة، واكب تأسيس جامعة عموم العملة التونسية ومظاهرة الطلبة الزيتونيين ضدّ نصب تمثال الكاردينال لافيجري سنة 1925. وانخرط في الحزب الحرّ الدستوري التونسي سنة 1926.ذ

لقد عاش يوسف الرويسي أهمّ الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها تونس في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات وقاوم السياسة الاستعمارية على المستويين المحلّي (الجريد) والوطني. فبادر بفضح مظالم الادارة الجهوية وعارض بشدّة حركة التجنيس ونشر عدّة مقالات في جريدة "العمل التونسي" سنة 1933. وقدّم مذكّرة سياسية إلى لجنة التحقيق البرلمانية التي كان يرأسها غرنيت (Guernut) ومثّل شعبة دقاش في مؤتمر نهج الجبل الملتئم في 12 ماي 1933 وانتخب كاتبا عاما للجنة السياسية التي كلّفت بوضع ميثاق الحزب. وتوطّدت علاقة يوسف الرويسي برابطة حقوق الانسان الفرنسية، وخاصة أحد قادتها البارزين فيلسيان شالاي Félicien Challaye. وفي أثناء أشغال مؤتمر نهج الجبل، اقترح يوسف الرويسي إدخال جماعة جريدة "العمل التونسي" (الأساتذة الحبيب بورقيبة والبحري قيڨة والطاهر صفر ومحمد بورقيبة والدكتور محمود الماطري) إلى اللجنة التنفيذية للحزب. وفي سنة 1934، مثّل شعبة دقاش في مؤتمر قصر هلال حيث قام بدور أساس وكان من عناصره الفاعلة عندما حظي اقتراحه بالموافقة بإنشاء الحزب الحرّ الدستوري الجديد، وانتخب عضوا بالمجلس الملّي وانطلاقا من ذلك رافق الزعيم الحبيب بورقيبة في جولاته لنشر مبادئ الحزب الجديد وتنظيم شعبه وتعرّض للقمع الذي سلّطته إدارة الاستعمار على نشاط الحزب. فأبعد إلى تطاوين ثم إلى برج البوف مع الزعيم بورقيبة في 3 سبتمبر 1934. وفي سنة 1936 أطلق سراحه من برج البوف وانتخب رئيسا لجامعة الجريد الدستورية. وقد عهد إليه الحزب بمهمة دعائية في أوساط العمّال بمناجم الفسفاط بالجنوب ودعم تجربة جامعة عموم العملة التونسية الثانية مع بلقاسم الڤناوي سنة 1937. واتصل برسالة بتاريخ 10 أكتوبر 1936 من رفيقه في النضال الهادي شاكر يعلمه فيها بتأسيس نقابة تجمع سائر فلاّحي الجنوب، لا فرق بين مالك النخلة والزيتونة وزارع الأرض. وعقّب عليها موضّحا: "في الوقت الذي كان إخواننا في صفاقس يفكّرون في تكوين هذا المشروع كنّا نحن في الجريد نفكّر في نفس الموضوع تحدونا نفس الأهداف والغايات، إلاّ أنهم يريدون البداية من الجمع لينتهوا إلى الفروع أمّا بالجريد فعلى العكس كانت البداية بتأسيس الفروع ثم الجامعات ثم الاتحادات الجهوية فالاتحاد العام".

وعلى هذا الأساس أنشئت "نقابة الفلاحين التونسيين بالوديان". ووُجّه قانونها الأساسي إلى الطاهر صفر لابداء رأيه فيه من الناحية القانونية وترجمته إلى اللغة الفرنسية. وكان أوّل عمل قامت به هذه النقابة بعد تأسيسها دراسة الأوضاع الفلاحية بمنطقة الجريد وتوجيه وفد عنها إلى العاصمة للاتصال بالأوساط المسؤولة وتقديم مطالب محددة تستهدف النهوض بالمنطقة. وقد اهتمت الصحافة التونسية في أعدادها الصادرة بداية من شهر أكتوبر حتى أواسط شهر نوفمبر 1937 بنشاط هذا الوفد وتتبّعت حركاته واتصالاته ونشرت التقارير التي قدّمها والمناقشات التي دارت بينه وبين المسؤولين إلى جانب التعاليق الضافية حول الحالة بالجريد. وقد أزعج هذا النشاط السلطة الاستعمارية في قفصة وتحرّك الفرع الاقليمي للكنفدرالية العامة للعمل (CGT) بزعامة كاتبها العام بتونس ألبار بوزنكي (Albert Bouzanquet) الذي ألقى خطابا في 6 ديسمبر 1937 بمنجم أم العرايس ممّا جاء فيه ما يلي: "إنّ جامعة عموم العملة التونسية ستجلب المضرّة والهلاك للعمّال لأنّها ذات صبغة سياسية وهي صنيعة الدستور وتحرص معه على جمع الأموال لشراء الأسلحة التي يقاومون بها فرنسا".

وقد ردّ المناضل يوسف الرويسي على الخطاب بمقال نشر في جريدة "العمل". وواصل عمله الدعائي في جهات الهمامّة والوطن القبلي ومنطقة الشمال الغربي. وأعيد انتخابه عضوا بالمجلس الملّي في مؤتمر الحزب الثاني بنهج التريبونال (أكتوبر - نوفمبر 1937). وكان من ضمن المناضلين الدستوريين الذين شهّروا بالسياسة الفرنسية القمعية وكلّف من قبل الديوان السياسي للحزب بإبلاغ قرارات المجلس الملّي. ورافق الدكتور سليمان بن سليمان أثناء عقد اجتماعات عامة بباجة وسوق الاربعاء (جندوبة حاليا) ومنطقة بني مطير، بجبال خمير. وكان ذلك في بداية شهر أفريل 1938.واعتقل في سوق الاربعاء ووجّهت إليه تهمة المؤامرة بعد حوادث 9 أفريل 1938. وفي السجن حرّر عدّة مقالات نشرتها له جريدة "تونس الفتاة" (12 اكتوبر 1938 - 1940) بعنوان "المؤامرة وأطوارها الغريبة". وفي سنة 1940 نُقل يوسف الرويسي مع الزعيم بورقيبة وبقية المناضلين المسجونين من تبرسق إلى سجن سان نيكولا (St Nicolas) في مرسيليا ومن هناك إلى الإقامة الجبرية بمدينة تريتز (Tretz) بجنوب فرنسا. وفي أثناء الاعتقال تبلورت توجّهات الرويسي المغاربية: تضامن شعوب المغرب العربي ووحدة المصير، كما كان من الدستوريين الراغبين في التعاون مع قوّات المحور والحصول على دعمها لمقاومة الطغيان الاستعماري الفرنسي. وأفرج عنه في أفريل 1943 فتحوّل إلى تونس حيث قضّى قرابة أسبوعين ثم عاد صحبة الدكتور الحبيب ثامر إلى أوروبا (روما ثم برلين) حيث كوّنا إذاعة سرية باسم "إفريقيا الفتاة" ونظما بالتعاون مع ممثلين عن حزب الشعب الجزائري وكتلة العمل الوطني المغربية، حركة لتوحيد نضال شمال إفريقيا والاهتمام بشؤون العمّال الموجودين في أوروبا والدعاية للقضايا الوطنية. وفي سنة 1944، تولّى إدارة مكتب المغرب العربي ببرلين ورئاسة تحرير جريدة "المغرب العربي" التي كانت تصدر باللغتين العربية والألمانية. ولم يصدر إلاّ العددان الأوّلان منها نظرا إلى ظروف الحرب وانهيار ألمانيا. وصدر العدد الأوّل في 26 فيفري 1945 والعدد الثاني في 14 مارس وكان ذلك قبل استسلام ألمانيا ببضعة أسابيع. وفي 12 أفريل 1946، حكمت عليه المحكمة العسكرية الفرنسية بتونس بالاعدام غيابيا وحجز أملاكه بتهمة التآمر ضدّ أمن الدولة الخارجي. فالتجأ إثر ذلك إلى سوريا التي أقام بها وأسس فيها مكتب المغرب العربي للتعريف بقضية تونس وبقية قضايا المغرب العربي ودعم نضالها في الخارج. وشمل نشاط هذا المكتب جميع بلاد الشام وفلسطين والأردن وامتدّ إلى العراق والكويت. وفي فيفري 1947 شارك في مؤتمر تأسيس "مكتب المغرب العربي بالقاهرة". وفي أثناء مؤتمر الحزب الدستوري الجديد المنعقد بدار سليم في تونس في أكتوبر 1948 انتخب يوسف الرويسي غيابيّا عضوا في الديوان السياسي. وبوصفه مدير مكتب المغرب العربي بدمشق أشرف على إعداد أفواج المناضلين الذين قدموا من المغرب العربي للمشاركة في حرب فلسطين. وفي سنة 1952 مثّل تونس ضمن وفد الجامعة العربية في مؤتمر التضامن الاجتماعي المنعقد في دمشق بالتعاون بين منظمة اليونسكو وجامعة الدول العربية. وانتخب في سنة 1955 مقرّرا عاما للمكتب الدائم لمؤتمر الخريجين العرب الذي انعقد بمدينة القدس. وفي سنة 1956 كان ضمن الوفد الجزائري الذي قابل الملك محمد الخامس في إسبانيا ليطلب منه مساعدة الثورة الجزائرية. ثم انتدب سنة 1957 للقيام بمهمة توفيقية بين الجزائريين والمغاربة على إثر الاشتباكات العسكرية التي وقعت بين البلدين بسبب الحدود. وسافر إلى سويسرا واتصل بالأطراف المعنية ووفّق في مهمته. وفي أثناء إقامته بالمشرق كان إلى جانب نشاطه في الدعاية للقضية الوطنية ودعم نضالها في الخارج يوجّه طلاّب المغرب العربي بالمشرق، وبالتعاون مع جبهة التحرير الجزائرية في دعم ثورة الجزائر. وعبّر في مناسبتين عن موقفه المعارض لسياسة قادة الحزب الدستوري الجديد: مشاركة الحزب في حكومة محمد شنيق (1950 - 1955) وإبرام الاتفاقيات الفرنسية - التونسية (3 جوان 1955).و في 7 جويلية 1964، عاد إلى تونس وانتخب عضوا بمجلس النواب ثمّ عيّن مستشارا لرئيس الجمهورية الزعيم الحبيب بورقيبة حتى وفاته يوم 3 نوفمبر 1980.