نور الدين بن محمود

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1914 - 1990م]

نور الدين بن محمود

نشأته ودراسته

ولد نور الدين بن محمود في مدينة تونس في 16 أكتوبر 1914 وبعد حصوله على الشهادة الإبتدائيّة من مدرسة خير الدين، التحق بالمعهد الصادقيّ حيث زاول دراسته الثانوية. ثم درس اللّغة العربية والتّرجمة في المدرسة العليا للغة والآداب العربية بالعطّارين. وانتسب بعد ذلك إلى كلية الآداب في بوردو، وتابع دروسها عن طريق المراسلة إلى أن أحرز الاجازة في اللغة والآداب العربية ودبلوم الدراسات العليا إثر مناقشة الرسالة التي أعدّها حول ابن رشيق وعصره. والتحق إلى جانب مواصلة دراسته العليا، نور الدّين بن محمود بجمعية الأوقاف بتونس، حيث عمل مترجما حقبة من الزّمن. ثم شارك في سبتمبر 1938 في مناظرة انتداب مذيعين للعمل بالقسم العربي من الإذاعة التونسية الذي كان يشرف عليه عهدئذ الأستاذ عثمان الكعّاك، فنجح في تلك المناظرة بامتياز.

نشاطه في الميدان الإعلامي

قبل التحاق نورالدين بن محمود بالإذاعة، اقتحم ميدان الصّحافة المكتوبة منذ شبابه الباكر، إذ أسهم في تحرير بعض الصّحف العربية مثل "النّديم" و"الوزير". ثم أصدر في سنة1936 نشريّة "المروج"، وتولّى بعد ذلك رئاسة تحرير المجلّة الثقافية الشهريّة "الأفكار" التي أصدرها حمّودة قوجة من نوفمبر 1936إلى سبتمبر 1937. وكان التحاقه بالإذاعة التونسيّة منطلقا لتجربة إعلاميّة رائدة، إذ أحرز من أوّل وهلة نجاحا باهرا أهّله للارتقاء إلى خطّة كاتب عام للقسم العربي في سنة 1943. فاستطاع بفضل ما حظي به من سمعة طيّبة وإشعاع لدى النّخبة المثقّفة، أن يستقطب ثلّة من رجال الفكر والأدب، أمثال العلاّمة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، وشيخ الأدباء محمد العربي الكبادي، والمؤرّخ الكبير عثمان الكعّاك وغيرهم من الأدباء والشّعراء مثل الهادي العبيدي وأحمد خير الدين وجلال الدين النقاش وحسين الجزيري وعلي الدوعاجي.

وقد سمحت له خطّته بالحصول على دعم من الإقامة العامّة، لاصدار مجلّة "الثريّا" الشهريّة التي ظهر عددها الأوّل في ديسمبر 1943. وقدّمت المجلّة مديرها في العدد الصادر في نوفمبر 1943، في باب "هل تريد أن تعرف"؟ بالعبارات التالية:"هذا الذي ترى صورته أمامك هو محلّل الشّخصيات وقد حلّ دوره ليوضع على مشرحة التحليل... ينحدر صاحبها من سلالة تركيّة حديثة العهد بهذه الديار. له قامة من أطول ما ترى العيون يكاد يحدّها مسبح الأفلاك وعالم الأملاك... لكنّ هذه القامة سرعان ما يستوعبها النّظر فيتقلّص امتدادها وتحتضنها النّفس احتضانا...طيّب النفس إلى أبعد حدّ، ليّن العريكة، وديع، لا يحمل حقدا على أحد... وقد أعانته سعة معلوماته وحضور ذهنه على تذليل كل أمر صعب. فهل تريد منه قصيدا أم حديثا أدبيا أم قطعة راديوفونية أم تأليفا ضخما في أيّ فنّ من الفنون؟ يتمّ لك ما أمرت بين عشيّة وضحاها...

هو كاتب مسهب، أنيق الأسلوب، غزير الفكرة... لو كان من أدباء الغرب أو كانت وسائل النشر بتونس متهيّئة كما يلزم لرأيناه يضرب الرقم القياسي في الانتاج ويغنم أوسع الثّروات من محصول إنتاجه....". وبالاضافة إلى مجلّة "الثريّا" أصدر نور الدين بن محمود منذ 24ديسمبر 1945 جريدة أسبوعيّة جامعة بعنوان "الأسبوع". وسرعان ما استقطبت مختلف فئات القرّاء الذين أقبلوا عليها بشغف وتلهّف، بفضل ما احتوت عليه من موضوعات متنوّعة شيّقة في شتّى مجالات المعرفة كالقصّة والشّعر والتّاريخ والاقتصاد والمسرح والرياضة...

استقالته من الاذاعة

رغم ما أحرزه نور الدين بن محمود من نجاح، فقد بدأ يتعرّض إلى مضايقة مدير الاذاعة التونسيّة الفرنسي الجنسيّة، فقدّم استقالته من مهامّه سنة 1946, ليتفرّغ لمناشطه الاعلامية الأخرى، إذ واصل إصدار مجلّة "الثريّا"، رغم انقطاع الإعانة الماليّة التي كانت تقدّمها إليه الإقامة العامّة، إلاّ أنّه اضطرّ في آخر سنة1947 إلى تعطيلها، ثم أصدرها من جديد في سنة 1950, ولكن لم يظهر منها سوى ثلاثة أعداد في جانفي وفيفري وأفريل 1950 ثم احتجبت نهائيّا. أما جريدة "الأسبوع" فقد استمرّت في الظهور حتى 23 جانفي 1956.

وإلى جانب نشاطه في الميدان الصّحفي، عرف نور الدين بن محمود بنشاطه المتميّز في صلب بعض الجمعيّات الثّقافية والرّياضية. فقد كان رئيسا مساعدا لجمعيّة "الاتّحاد المسرحي" وكاتبا عامّا لجمعيّة "الترقّي" الموسيقية وعضوا في هيئات "الكوكب التمثيلي" و"المعهد الرشيدي" و"جمعيّة النّاصريّة". كما أسهم في تأسيس تعاضديّة تونسيّة للطّباعة والنّشر بعنوان "دار الهدى"، بالاشتراك مع نخبة من رجال الاعلام في مقدّمتهم عميد الصّحافيين البشير الفورتي. ومن مناشطه الأخرى التي استرعت الانتباه تنظيمه لرحلات بريّة عبر ليبيا ومصر، لنقل المسافرين التّونسيّين القاصدين البقاع المقدّسة لأداء مناسك الحجّ أو العمرة.

إنتاجه الفكري والأدبي

كان نور الدين بن محمود غزير الانتاج الأدبي والفنّي، إذ هو كاتب وشاعر ومترجم ومحاضر. فبالاضافة إلى رسالته حول ابن رشيق وعصره، وفصوله ودراساته المنشورة في مختلف الصّحف والمجلاّت، ألّف وترجم عدّة مسرحيّات منها مسرحيّة "آخر الموحّدين" التي قدّمت في تونس مرّتين، ومسرحيّة "المتمرّدة" التي نالت جائزة بلديّة مدينة تونس، وألّف أيضا مسرحيّات إذاعية كثيرة. وقد نظّم الحفل البهيج الذي أقيم بتونس يوم 23 مارس 1944 لاحياء ذكرى ألفيّة أبي العلاء المعرّي، وألقى بهذه المناسبة دراسة ضافية حول حياة أبي العلاء وآثاره. وشارك ببحث قيّم في مؤتمر الثقافة الاسلاميّة الذي نظّمته الجمعيّة الخلدونية في سبتمبر 1946.

هجرته إلى فرنسا

لما ظهر الانشقاق في صفوف الحزب الدستوري الجديد إثر حصول تونس على الاستقلال، انحاز نور الدين بن محمود إلى صالح بن يوسف الكاتب العامّ للحزب الذي نادى بمقاومة اتّفاقيات 3 جوان 1955, باعتبارها - حسب رأيه - "خطوة إلى الوراء". فسخّر جريدته "الأسبوع" لشنّ حملة شعواء على تلك الاتّفاقيات وعلى "الدّيوان السّياسي" ووزارة الطاهر بن عمار الثّانية التي تكوّنت في سبتمبر 1955 لادخال اتّفاقيات الاستقلال الدّاخلي حيّز التنفيذ. فاضطرّت الحكومة، بعد لجوء صالح بن يوسف إلى مصر، إلى تعطيل جريدة "الأسبوع" بمقتضى قرار مؤرّخ في 28 جانفي 1956.

وإثر حصول تونس على الاستقلال التّامّ في 20 مارس 1956، هاجر نور الدّين بن محمود إلى العاصمة الفرنسيّة حيث عمل حقبة من الزّمن في وكالة الأنباء الفرنسية. ثم أسّس مكتبة ومطبعة أصدر فيها بعض مؤلفاته وترجماته من أهمّها ترجمة القرآن الكريم. وفي السّنوات الأخيرة من حياته عاد مع أهله إلى تونس وأقام بها إلى أن أدركته المنيّة في سنة 1990.