من الفرجة إلى السينما

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

منذ القرن الرابع عشر (م) كانت توجد تقاليد للفرجة في تونس تعرف باسم كاراكوز، وهو فنّ كان شائعا في تركيا منذ القرن الثاني عشر (م). واللفظة مشتقّة من قاره قوز (العين السوداء) ، وهو مسرح ظلّ لمدّة طويلة الفرجة المفضّلة لدى الجمهور التونسي. في مقهى من مقاهي الحيّ الشعبي كان ينصب ركح يشبه ركح مسرح العرائس الأوروبي، مع فرق واحد، هو وضع قماشة مضاءة بمصباح زيتي في مكان الفتحة. وقرب هذه القماشة كان المكلّف الوحيد بالتحريك اليدوي يتجوّل بتماثيل صغيرة مصنوعة من الجلد المجفّف يبلغ ارتفاعها حوالي ثلاثين سنتمترا، فيحرّكها بعصيّ صغيرة تتناسب مع مختلف الشخصيات، بوساطة ثقب مغلّفة.وعرفت تونس أيضا مسرح العرائس الصقلية، الذي كانت تُعرض فيه مشاهد قصيرة باللغة الدارجة التونسية. وقد ظلّ إسماعيل باشا الشخصية الذي تُمثّله أحسن تمثيل.

وظهرت حوالي 1895 مصوّرات الحركة التي صمّمها أديسن، فصنع على منوالها بعض البهلوانيين في تونس "صندوق العجب" المزدان بأجمل الزخارف والمضاء بمصباح بترولي. وكان يُعرض في الأسواق ويتهافت عليه الصبيان لسماع قصص "سيدنا عليّ ورأس الغول" و"شهرزاد" و"التنّين ذي الرؤوس السبعة"... ولمّا أبدع الأخوان لوميار الآلة السينمائية سنة 1896، كوّنا في معاملهما بمدينة ليون عشرات الفنّيين من مديري هذه الالات، كانوا يغتنمون فرصة إقامتهم بالخارج لتصوير أفلام على عين المكان. ولقد أقام أحد هؤلاء الفنيين في تونس سنة 1896 وصوّر بها اثني عشر شريطا وثائقيا قصيرا، كما يشهد بذلك أوّل جدول إحصائي لدار لوميار.

هذه الأفلام، التي كان لا يدوم أحدها أكثر من دقيقة، مازالت محفوظة في خزينة الأفلام الفرنسية، وهي تصوّر سوق السمك، وسوق الخضر، وباب الخضراء وباب البحر ونهج الحلفاوين ونهج سيدي بن عروس وسوق الباي وسوق الفحم (مع الجمال) في سوسة وتوقّف القطار في حمام الأنف. وهكذا كان في تونس، بعد ميلاد الآلة السينمائية بأشهر قليلة أوّل التقاط للصوّر وكذلك أوّل عرض، لأنّ من عادات الفنيّين التابعين لدار لوميار في تلك الفترة عرض المشاهد في مساء اليوم الذي يلتقطون فيه الصور.

وفي 16 أكتوبر 1908 دُشّنت في تونس قاعة "أمنيا بالاص" وكانت أوّل قاعة مجهّزة خصّيصا لعرض الأشرطة السينمائية. ثمّ ابتداء من سنة 1919 توافد على بلادنا عدد كثير من المخرجين والممثّلين من مختلف الجنسيّات لانجاز أفلامهم وأشرطتهم الوثائقية، مستغلّين مناظرها الطبيعية ومعالمها الأثرية الرائعة. من ذلك مثلا فلم "مجنون القيروان" (1937) الذي أخرجه جان أندري كريزي (Jean - AndréCreusi) وهو أوّل شريط ناطق باللهجة الدارجة، ومن ذلك أيضا شريطان بالألوان أنجزهما سنة 1948 البحّار الكومندان كوسطو Cousteau الشهير وخصّصهما للسواحل التونسية ولحطام سفينة رومانية غرقت في عرض البحر، قبالة المهديّة.

شريط الفجر

وغداة الاستقلال عُوّضت أستوديوهات أفريكا بشركة "العهد الجديد" التي واصلت إنتاج أفلام أسبوعية عن أبرز الأحداث في تونس إلى أن أنشئت مؤسسة التلفزة التونسية سنة 1966. وفي سنة 1958 أخرج جاك باراتيي (Jacques Baratier) شريط "جحا" وكان أوّل شريط مشترك تونسي فرنسي يظهر في عهد الاستقلال. وقام بالأدوار الرئيسة فيه عمر الشريف و"قازولو" وحسيبة رشدي. وهكذا وُلدت تدريجيا السينما التونسية من العدم، إذ لم تكن لتونس أستوديوهات ولا مخابر ولا تقاليد مهنيّة خاصة، وُلدت بفضل إرادة البلاد وإصرارها على التعبير عن ذاتها بعد أنّ تحررت من الاستعمار. وفي سنة 1966 ظهر أوّل شريط تونسي صرف هو "الفجر"، أخرجه عمار الخليفي وأشرف على التصوير فيه عزّ الدين بن عمّار وقام بالأدوار الممثّلون الحبيب الشعري ومحمّد الدرّاجي وأحمد حمزة وجميلة العرابي والحطّاب الذيب، وعُرض هذا الشريط على الجمهور يوم 20 مارس 1967 في قاعة "المنديال" بتونس.

وتلته على مرّ السنين أشرطة أخرى متفاوتة القيمة تناولت الكثير من قضايا المجتمع التونسي، نذكر منها "مختار" للصادق بن عائشة (1967) و"أمّ عبّاس" لعلي عبد الوهاب (1969) و"خليفة الأقرع" لحمودة بن حليمة (1969) و"غدا" لابراهيم باباي (1971) و"أمي تراكي" لعبد الرزاق الحمامي (1972) و"سجنان" لعبد اللطيف بن عمّار (1973) و"السفراء" للناصر الكتاري (1975) و"شمس الضباع" لرضا الباهي (1976) . واشتهر عدّة مخرجين في الثمانينات منهم الطيب الوحيشي والناصر خمير والنوري بوزيد وفريد بوغدير، بل برزت في التسعينات مخرجات متميّزات مثل مفيدة التلاتلي وسلمى بكّار وكلثوم برناز... وأخذت شركات الانتاج السينمائي تتكاثر وأضحى إنتاجها يفرض نفسه شيئا فشيئا في الساحة المحليّة والسوق العالمية.