مركز الفنون والتقاليد الشعبية

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

بمقتضى أمر عدد 140 بتاريخ 2 أفريل 1966 أحدث مركز الفنون والتقاليد الشعبية لتحسّس ملامح الثّقافة التّونسيّة والهويّة الوطنيّة حتّى لا تضيع في خضمّ التحولات العميقة التي بدأت تطرأ على المجتمع بعد الاستقلال. وهو ما استوجب العناية بتلك الثّقافة انطلاقا من جمع مادّتها ودراستها وحفظها وفق القواعد المنهجّية والعلميّة المعتمدة عالميّا في التّراث الشعّبي.

كانت البداية بفريق عمل يتألّف من المجازين في مادّة التاريخ، وذلك لغياب تدريس تخصّص التّراث الشّعبي. وكان يشفع لنقص التكوين المتخصّص لدى ذلك الفريق روح الحماسة والبذل والخوف على ذلك التّراث من التلاشي إذا لم تتضافر الجهود لانقاذه. انطلق العمل من الرصيد الذي جُمع في فترة سابقة، متجسّدا في مجموعات من التّراث التقليدي أحيلت من متحف باردو دون وثائق تعريفيّة. فوجد الفريق نفسه أمام مهمّة صعبة يقتضيها ترتيب عدد القطع غير المعرّفة وإيجاد طريقة في البحث لفهم رموزها. لذلك انتقل فريق العمل إلى عين المكان، متنقّلا من جهة إلى أخرى عبر تراب البلاد، لتدوين المأثورات الشّعبيّة ومنتوجات التّراث بالصّوت والصورة.

وهكذا أمكن تجميع مادّة ثريّة متنوعة، موثّقة أحسن توثيق، وموضوعة في المركز على ذمّة الباحثين لمزيد الدرس والتعمّق. وكان لا بدّ من التعريف بذلك التّراث عن طريق المتاحف الجهويّة التي أشّع بها المركز على جميع الولايات، وعن طريق المعارض المتنوّعة حسب موضوعات أو محاور معيّنة. وهي معارض متنقلّة عبر الجهات لتوفير فرص الحوار بين الجمهور وتراثه تحسيسا بقيمته. ومن مناشط المركز إلى جانب وظائف الجمع والحفظ والترميم والدرس والعرض إصداره لعدّة نشريّات تتضمّن دراسات محوريّة متخصّصة، مثل نشريّة توثيقيّة مصورّة بالألوان بعنوان "عالم الفنون التقليديّة "أصدرها سنة 1988 باللّغتين العربيّة والفرنسيّة في 110 صفحات، بمناسبة المعرض الذي أقامه المركز في نطاق الاحتفال بمائويّة متحف باردو في السّنة المذكورة.

ونظرا إلى التفاعل الحضاري بين تونس وأجوارها، كان لا بدّ لمركز الفنون والتقاليد الشعبية أن يوسّع دائرة تدخله في البحث عن مواد التراث الشعبي ودراستها، خاصّة في المستوى المغاربي. وللتعريف بالتراث التونسي سعى المركز إلى ربط صلات تعاون بحثي وتنشيطي مع الدول العربيّة والصديقة في نطاق التبادل الثّقافي، وذلك بتنظيم زيارات ميدانيّة للباحثين وإقامة معارض وندوات في موضوع تخصّصه. وبعد أن اتّضحت الرّؤية والمنهجية في عمل المركز في تجربة السنوات الماضية، وخاصة بعد انتداب باحثين متعدّدي التخصّصات في مجال التّراث الشّعبي، فقد سعى إلى تكثيف مناشطه وإحكام عمله أكثر من ذي قبل، إيمانا منه بدوره الخطير وأهدافه السامية، وانطلاقا من مادّة التراث التقليدي في مظاهرها المتنوّعة المعبرة عن ثراء الحضارة التّونسية وتفتّحها وتفاعلها مع الثقافات الأخرى وإسهامها المتميّز في الحضارة الانسانية على امتداد فترات تاريخها الطّويل.