مدرسة العود في تونس

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مدرسة العود في تونس فرعان.

فرع أول يعرف بمدرسة العود العربي ويعني عند أهل الذكر العود التونسي وقد ذاع صيته في الساحة الفنية التونسية عبر مراحله التاريخية باسم العود العربي لتمييزه عن العود الافرنجي أي القيثارة. ويمتاز العود التونسي بصندوق رنينه الذي ينبعث منه رنين الأوتار وعددها أربعة مزدوجة التعديل. ويعزف ذلك العود التونسي بالريشة نقرا وبالابهام نبرا.

الطاهر غرسه يعزف على العود التونسي

ولم يبق من عازفي ذلك العود التونسي إلا زياد غرسه بعد رحيل والده الطاهر غرسه وأستاذه الفنان خميس الترنان الذي بدأ مشواره عازف ناي متأثرا بأستاذه الشيخ علي الدرويش. كما نشير من باب الأمانة التاريخية إلى أن الفنان صالح المهدي شهر زرياب قد برع أيضا في عزف ذلك العود التونسي إلى جانب الفنان خميس الحنافي أصيل قلعة الأندلس حيث ولد سنة 1928. لكن تبقى الريادة للفنان محمد المغيربي أصيل بلدة بني خيار وهو قائد الفرقة الموسيقية للبلاط الملكي لمحمد الهادي الباي ويعتبر أول عازف تونسي لتلك الالة الوترية مشكّلا ثنائيا مع عازف الكمان محمد التريكي.

زياد غرسة في فرقة الرشيدية

ومن مميزات تلك المدرسة التونسية الخاصة بالعود العربي العزف بإصبعين السبابة والخنصر مثلما كان يفعل الشيخ خميس الترنان. وقفلاته تكون في الجواب لانعدام أوتار القرار في صندوق رنينه. لكن الطاهر غرسة تميز بعزف ذلك العود بكامل أصابع اليد اليسرى واستقدم الفرداش من خلال قلب الريشة في العزف ولا تزال تسجيلاتهما موجودة بخزينة الرشيدية أو بالإذاعة والتلفزة التونسية ومتحف النجمة الزهراء للصوتيات والمسمعيات أي قصر المستشرق الألماني البارون. ثم خلفه ابنه زياد الذي يكاد يكون العازف الوحيد لتلك الآلة الوترية التونسية من جيل الشباب في العهد الحاضر.

ومما تجدر الإشارة إليه أن العود التونسي أو العربي وفق مصطلح الشهرة قد حافظ على تركيبة أوتاره ودوزنة دساتينها وفق المصادر المعيارية للثالوث الفرابي وابن سينا والكندي بناء على الأخلاط الأربعة مثل السوداء في الجسم ويمثلها الوتر الأول وهو البم الأسود في حين يمثل الوتر الثاني وهو المثلث رمز البلغم ولونه أبيض والمثنى ولونه أحمر في إشارة إلى الدم والزير ولونه أصفر في إشارة إلى الصفراء. كما أن العود التونسي يعدّ الابن الشرعي للعود العربي القديم الذي مر بعدة أطوار تاريخية جاءت في قصيدة ابن الرومي:

وقيان كأنها أمهات
عاطفات على بنيها حواني
مطفلات وما حملن جنينا
مرضعات ولسن ذات لبان
كل طفل يدعى بأسماء شتى
بين عود ومزهر وكران

وغير خاف أن العجز في البيت الأخير قد ضم أسماء العود عبر مختلف مراحل تطوره مع الاشارة إلى عود البربط الفارسي أي صدر البطة وعود الشبوط المستخرج من هيكل السمك والموتر وهو العود بوتر واحد وفق أسطورة مخترع العود "لامك ابن قايين ابن آدم". ومن الجزيرة العربية جاب العود العربي آفاق المعمورة في غزوه لأقطار العالم بأسره فحافظت البلدان العربية على المصطلح العربي عود في حين عمدت البلدان الاوروبية إلى اشتقاق الحقول الدلالية لذلك المصطلح خاصة بعد أن أدخله زرياب إلى بلاد الأندلس ومنها انطلق غازيا أوروبا الشرقية والغربية والبلدان الاسكندينافية ولا أدل على ذلك من وجود آلة العود في تلكم البلدان بأسماء مختلفة وصناعة مختلفة من حيث عدد الأوتار ودوزنتها وطريقة العزف نقرا بالريشة ونبرا بالبنان. كما تناسل ذلك العود فأنجب عدة آلات وترية مثل الماندولين والقيثارة والبانجو فضلا عن الالات الفارسية والتركية مثل البزق والطنبور ويعدّ أحمد القلعي من أبرز العازفين التونسيين لالة البزق. وإذا كان الشاعر ابن الرومي قد صوّر رسما بالكلمات لوحة فنية تجسد أطوار العود في رحلته عبر الزمان والمكان فإن الشاعر ابن شرف القيروان قد أجاب بقصيدة عصماء تكمل اللوحة الشعرية لابن الرومي في قوله:

سقى الله أرضا نبتت عودك الذي
زكت منه أغصان وطابت مغارس
تغنت عليه الورق والعود أخضر
وغنت عليه الغيد والعود يبس
فكأنه في بحرها ولد لها
ضمته بين الترائب واللبان
طورا تدغدغ بطنه فإن هفا
عركت له أذنا من الاذان

المدرسة الشرقية التونسية

ويمثل الفرع الثاني مدرسة العود التونسية الثانية فقد اعتمدت العود المشرقي. وهي تختلف عن المدرسة الأولى من حيث نوعية عودها الذي يحوي خمسة أوتار أي بإضافة الوتر الذي أدخله زرياب على تلك الالة الوترية. وحافظ على دوزنة أوتاره على النحو التالي:

اليكاء (قرار)

العشيران (قرار)

الدوكاه (وسطي)

النوى (وسطي)

الكردان (جواب)

وإذا كان العود الشرقي قد انتشر عند العازفين التونسيين الذين كانوا يفضلونه على العود التونسي أو العربي وفق المصطلح المتداول فإن عناصر الجيل القديم كانوا يعزفونه بإصبعين أي بالسبابة والخنصر.

وقد كان خميس الترنان يعزف العودين التونسي والمصري بالإصبعين في حين أن جيل المخضرمين مثل علي السريتي وأحمد القلعي وصالح المهدي شهر زرياب وبعض الملحنين مثل الشاذلي أنور ومحمد رضا وقدور الصرارفي فكانوا يعزفون العود المشرقي بالأصابع الأربعة من حيث دساتين الملمس وتعديل عصافير الأوتار وفقا للدوزنة المذكورة سلفا. ومما لا شك فيه أن أولئك العازفين قد تأثروا بالعازفين المصريين من أقطاب الابداع الموسيغنائي لعل أبرزهم محمد عبد الوهاب وأستاذه محمد القصبجي وفريد الأطرش وأستاذه رياض السنباطي. على أن بعض العازفين قد انقسموا إلى ملحنين يستعملون العود في الابداع الموسيغنائي مثل محمد الموجي وبليغ حمدي الذي طور العود وكهربه على غرار القينارة الكهربائية في حين بقي البعض الآخر من العازفين مصاحبين لنجوم الغناء وحصلوا على مقاعدهم في صلب الفرقة الموسيقية العربية.

أما في تونس فإن الشاذلي أنور كان يتخذه للتلحين فقط وكان يعزفه باليد اليسرى مثل أحمد الصباحي فعرفا بالجنفاوي أو الشلاوي أو اليساري في الاصطلاح الموسيقي لا السياسي طبعا. وكذلك الشأن بالنسبة إلى علي السريتي الذي يعدّ من أبرز رموز مدرسة العود التونسية ذات المنحى المشرقي. فبرع السريتي من خلال احتكاكه بالعازف التركي الحايك وبعض العازفين الأتراك مدة إقامته بالعاصمة الفرنسية في الثلاثينات من القرن العشرين. فكرع السريتي من حياض العزف على العود في عصامية نادرة شأنه شأن تلميذه أحمد القلعي الذي لحن له القرفي كونشرتو في النمطية الغربية برع فيه كعازف سنفوني مثل الراحل حسن الغربي كعازف قانون في الأركسترا السنفوني الفرنسي. أما في جيل الشبان الجدد فإن بصمات علي السريتي بدت واضحة التأثير على تلاميذه لعل أبرزهم أنور إبراهم في حين انتصب أحمد القلعي أستاذا لالة العود بالمعهد العالي للموسيقى غداة انبعاثه سنة 1982 وتأثر به كل من مراد الصقلي وكمال الفرجاني ومحمد الماجري في حين تأثر محمد زين العابدين بالعازف العراقي الكبير منير بشير سليل المدرسة العراقية التي بعثها محيي الدين الشريف وشقيقه الأكبر جميل بشير.

أما العازف العراقي نصير شمة فقد تولى تدريس تلك الالة الوترية بالمعهد العالي للموسيقى بتونس في مطلع التسعينات وتخرج على يديه عدد من أبرز العازفين أمثال رضا الشمك ويسر الذهبي. ثم استقر نصير شمة شهر زرياب الصغير بالقاهرة حيث بعث البيت العربي للعود في صلب دار الأوبرا المصرية بدعوة من الدكتورة رتيبة الحفني ولكن نصير شمة قد برز في المهرجان الخاص بالعود الذي احتضنته تونس بالمسبح البلدي وقد أبهر الجمهور بعزفه بيد واحدة أي بالنقر بالريشة والنبر بالبنان وقد لحن معزوفة العامرية إثر غزو العراق حتى يتيسر للمعاقين العزف بيد واحدة.

وخلاصة القول إن مدرسة العود امتازت بخاصية الازدواجية من حيث العزف على عودين عرف الأول بالعود التونسي وهو نادر الاستعمال نظرا لعزوف العازفين الشبان عن تعاطيه مفضلين العود المشرقي الذي شكل ثنائية تلك الازدواجية. وإذا كان العود التونسي لم يخرج من محيطه التونسي أي عزف نوبات المألوف والفوندوات والارتجالات في المعزوفات مثل التوشية أو الاستخبارات في المواويل التي تعرف بالعروبيات فإن رواد مدرسة العود المشرقية قد برعوا في عزف القوالب الفارسية والتركية مثل البشرف والسماعي واللونقا فضلا عن الارتجالات التي تعرف بمصطلح تقاسيم في محاسبة المطرب أي مرافقته في مواله الذي يستدعي دائرة مقامية واسعة تخول له الصولات والجولات في يمّ المقام المشرقي.

ومسك الختام مع حاضر مدرسة العود بتونس بمميزاتها المشرقية مع عدد من العازفين الجدد أمثال الأخوين المرايحي من أبناء الحكيم الفنان الدكتور لطفي المرايحي والأخوين البشير ومحمد الغربي والشاب سميح المحجوبي وقد برز جميعهم في عزف العود المشرقي من خلال المباريات التي ينظمها مركز النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية في سيدي بوسعيد. ومما لا شك فيه أن تلكم المباريات وفرت لجيل الشبان من العازفين التونسيين فرصة إعادة تأهيل العود الذي تقلص ظله ردحا من الزمن وبقي في ظل الفرقة الموسيقية يرافق نجم الغناء في وصلته الغنائية مثل العازف السوري قدري دلال في مرافقته للمنشد صبر المدلل أو في مرافقة القصبجي لأم كلثوم. فالعازفون الشبان يقدمون عروضا فنية خاصة بآلة العود في أبرز المسارح الأوروبية على غرار آلة البيانو التي اختصت بتقديم الصونطات والكونشرتوات ويعود الفضل في ذلك إلى العراقي منير بشير الذي أضاف عدة أوتار لعوده حتى حوله إلى بيانو فطاف جل المسارح العالمية مقدما عروضا منفردة للعود تصل الابداع بالامتاع والمؤانسة واقتفى أثره تلميذه محمد زين العابدين الذي كان بعث فرقة العازفين سنة 1989 على غرار العازفات وقدّم عدة عروض صحبة زوجته سندة الخياطي، فيما شكل مراد الصقلي والأسعد الزواري ثنائيا مثلما كان الشأن بين كمال الفرجاني وأستاذه أحمد القلعي الذي برز أيضا كعازف على البُزق وتبقى الريادة لعلي السريتي الذي تبنى عازفات من اليابان لتشكيل فرقة البشرف عند زيارته إلى اليابان فيما برز تلميذه أنور إبراهم بالولايات المتحدة الأمريكية حيث شارك في مهرجان الجاز معتمدا على عوده وفي ذلك دعم لرواج العود وتكريم لعازفيه من جيل الشبان في رحلتهم الابداعية عبر الآفاق المستقبلية.

ببليوغرافيا

  • بوذينة محمد، الآلات الموسيقية،دار بوذينة للنشر،الحمامات-تونس، 1999.
  • زغندة فتحي، الآلات الموسيقية المستعملة في تونس، نشر مركز الموسيقى العربية والمتوسطية(النجمة الزهراء)، تونس،1992 .
  • Illaux Colette,Le ûd,sa place dans la société tunisienne, thèse,Paris,Sorbonne,1974