محمد عطية

من الموسوعة التونسية
نسخة 11:08، 18 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1903 - 1987م]

حياته[عدّل]

ولد محمد عطية بمدينة سوسة سنة 1903 ميلادية التي توافق سنتي 1320 و1321 من التاريخ الهجري، وقضّى سنوات صباه في مسقط رأسه إلى أن أحرز الشهادة الابتدائية، وانتقل بعد ذلك إلى تونس حيث التحق بالمدرسة الصادقية، وكان لا يلتحق بها إذ ذاك إلا المتفوّقون من الناجحين في الشهادة الابتدائية، فزاول دراسته الثانوية في هذه المدرسة العريقة مدة ستّ سنوات إلى أن حصل على دبلوم الصادقية والجزء الأوّل من شهادة الباكالوريا. ثم انتقل إلى معهد كارنو حيث أنهى دراسته الثانويّة بتفوق ونال الجزء الثاني من الباكالوريا، ولكنّه لم يكتف بالحصول على هذه الشهادة التي تفتح في وجهه أبواب الوظيفة العمومية، كالكثيرين من أبناء جيله، بل تحوّل إلى باريس حيث زاول دراسته العليا في كلية الآداب التابعة لجامعة الصوربون إلى أن أحرز الإجازة في الآداب واللّغة العربية. ثمّ تاقت نفسه إلى الترشح لمناظرة التبريز في اللغة والآداب العربية، وقد كانت السلط الفرنسيّة لا تسمح للتونسيين بالمشاركة في هذه المناظرة بوصفهم أجانب. وبفضل ما أبداه محمد عطية من حزم وعزم وثبات سمحت له السلطة المعنية بالأمر بالمشاركة فيها بصفة استثنائية، فكان له ما أراد ونجح في مناظرة التبريز بامتياز في جوان سنة 1932، فكان بهذا النجاح أوّل تونسي يحصل على هذه الدرجة، وفتح باب التبريز في وجه مواطنيه ابتداء من ذلك التاريخ.

انخراطه في سلك التعليم[عدّل]

ولما رجع محمد عطيّة إلى تونس عيّنته إدارة العلوم والمعارف أستاذا بالمدرسة الصادقية. فأقبل على الاضطلاع بمهمته بكل حماس وتفان ونال إعجاب تلاميذه، ولكنّه لقي النفور وعدم الاكتراث من زملائه الفرنسيين الذين كانوا أقلّ منه مرتبة علمية، وهو ما اضطره إلى الالتحاق رأسا بقاعات التدريس، وعدم الانتظار في قاعة الأساتذة كما هي عادة رجال التعليم.

إدارة المدرسة الصادقية[عدّل]

لم يلبث محمد عطيّة إلا قليلا حتّى عيّن سنة 1934 مديرا مساعدا للمدرسة الصادقية إثر إحالة المدير ميرا على التقاعد، في حين عيّن موظف فرنسي مديرا للصادقية، وهو لوكنت رئيس مصلحة التعليم الثانوي بإدارة التعليم العمومي، وقد جمع بين الوظيفتين. ومنذ أن كلّف محمّد عطية بمهام مدير مساعد، وجد المدرسة الصادقية قد اصطبغت بالصبغة الفرنسية الخالصة، وأصبح الجانب العربي اسما بلا مسمى. ذلك أنّ الفرنسيين قد حادوا منذ انتصاب الحماية عن المهمة التي عهد بها إلى المدرسة الصادقية مؤسّسها خير الدين سنة 1875، وهي الجمع بين العلوم العربية والشرعية وبين العلوم الدقيقة، والتوفيق بين الأصالة والتفتح. وهي المهمة نفسها التي ألقيت على عاتق جامع الزيتونة بمقتضى الاصلاحات التي أدخلت عليه سنة 1876. وحاول محمد عطيّة لمّا عيّن مديرا مساعدا للصادقية العودة إلى المقصد الذي أراده لها مؤسسها، وهي مهمّة صعبة للغاية في مثل تلك الفترة التي كانت فيها السلطة الفرنسيّة تسعى إلى فرنسة البلاد التونسية ومسخ ذاتيتها. فهل نجح المدير التونسي المساعد في هذه المهمّة؟ يمكن أن نتبين ذلك من الخطاب الذي ألقاه بين يدي الملك محمد المنصف باي لما زار المدرسة الصادقية في أكتوبر 1942 بمناسبة افتتاح السنة المدرسية. وممّا جاء فيه: "ولمّا وفّقني اللّه إلى دراسة العربية وتدريسها بالطرق العصرية، وحظيت بإدارة الصادقية عملت على تحقيق تلك الأمنية، فحوّلت طرق تعليم العربية، ووسّعت في نطاقها وزدت في ساعاتها، وأحدثت تعليم تاريخ الاسلام والحضارة الإسلاميّة، وتدريس الآداب والأساليب الانشائية. وتناول هذا التوسع العلوم الدينيّة، فصار ممّا يدرس تفسير القرآن الكريم ومقاصد الشريعة، وبهذا أصبح تلامذتنا يكسون حللا عربية بنات أفكارهم ووليدات شعورهم في طيّات روح تونسية إسلاميّة، شعارها: الصدق في العقيدة والمقال والعمل". ولمّا عيّن مدير الصادقية قسطون على رأس إدارة العلوم والمعارف في سنة 1944، قرّرت الحكومة الفرنسية المؤقتة بالجزائر تعيين محمد عطية مديرا للمدرسة الصادقية، كامل الحقوق، وذلك لترضية التونسيين وتهدئة الخواطر، بعد خلع المنصف باي، رغم معارضة الغلاة من الاستعماريين لهذا التعيين. فشمّر المدير التونسي عن ساعد الجد لمواصلة تطبيق برنامجه الرامي إلى الرّفع من شأن المدرسة وتطوير برامجها حتى تكون مواكبة لروح العصر مع الحفاظ على الأصالة العربية الإسلاميّة. فأضاف إلى برامج التعليم بالصادقية مواد جديدة مثل التاريخ التونسي والفلسفة الاسلاميّة واللغات اللاتينيّة واليونانيّة والألمانيّة، وأنشأ شعبا جديدة، وأحدث سنة سابعة لاعداد تلامذة الصادقية للحصول على الجزء الثاني من الباكالوريا، بعد أن كانوا مجبرين على الانتقال إلى معهد كارنو لهذا الغرض. وشجّع الصادقيين على متابعة دراستهم العليا بفرنسا، فأسند إليهم منحا دراسية من ميزانية الصادقية وتدخّل لدى إدارة العلوم والمعارف لتمكينهم من قروض شرفية.

ولقد كانت له عناية خاصة بتلامذة المدرسة من حيث السلوك الأخلاقي والانضباط التلقائي، فكان يحثّهم على الانصراف إلى التعليم كليا حتى يتخرجوا وهم مكتملون للغرض الذي تأسست من أجله المدرسة الصادقية، لذلك كان إشرافه على سيرتهم إشرافا مدققا، حتى لا يحيدوا عن الطريق القويم. ومن غيرته على الصادقية قام بإنشاء معهد تابع لها هو معهد خزنه دار الذي فتح أبوابه في أكتوبر 1951، وكان مخصّصا لتلامذة الصادقية المقيمين ونصف المقيمين والخارجيين القاطنين في الضواحي الغربية. وبذلك ازدادت طاقة الايواء في الأصل والفرع، وارتفع عدد التلامذة الصادقيين ارتفاعا ملحوظا.

نظرته الوطنيّة[عدّل]

من المعروف أنّ محمّد عطية كان متعاطفا سياسيّا مع اللجنة التنفيذيّة (الحزب الدستوري القديم)، وكان متّفقا مع بعض رجال هذا الحزب على منع تلامذة المدرسة الصادقية من الاشتغال بالسياسة. ذلك أنّه كان يؤمن بأنّ الواجب الوطني يقتضي أنّ يتفرّغ تلامذة التعليم الثانوي لدراستهم حتى يتمكّنوا بعد إتمام تعلمهم بنجاح من منافسة الفرنسيين والحلول محلهم في المناصب الإداريّة. وبالعكس من ذلك، كان زعماء الديوان السياسي (الحزب الدستوري الجديد)، وبالخصوص زعيم الشباب علي البلهوان، يحثّون التلامذة على النضال في صفوف الحزب في سبيل استقلال بلادهم. وكان علي البلهوان قد أعفي من مهام التدريس بالصادقية في شهر مارس 1938 إثر المحاضرة التي ألقاها بعنوان "نصيب الشباب في الكفاح". وقد احتجّ تلاميذ المدرسة الصادقية على عزل أستاذهم وتضامن معهم طلبة جامع الزيتونة، فاضطرت السلطة إلى غلق المدرسة الصادقية قبيل اندلاع حوادث 9 أفريل 1938. وتجدّدت الاضطرابات بأكثر حدّة في المعهد الصادقي ومعهد خزنه دار، إثر اندلاع المعركة الحاسمة في 18 جانفي 1952 وقد كان موقف محمّد عطية من وجوب ابتعاد التلامذة عن السياسة، سببا فيما تعرّض له إثر حصول تونس على الاستقلال الداخلي، إذ قررت الحكومة التونسية في أكتوبر 1955 إعفاءه من إدارة المدرسة الصادقية وأحيل على المحاكمة في أوت 1958.

وفاته[عدّل]

وبعد إعفائه من مهامه على رأس الصادقية التي كان متعلّقا بها أشدّ التعلق، تفرغ الأستاذ محمد عطية إلى الاهتمام بشؤونه الخاصة إلى أن توفي في 19 ماي 1987.