محمد بن فضيلة

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:34، 24 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1911 - 1957م] الصحافي الفكاهي ورجل المسرح محمد بن فضيلة، من مواليد سنة 1911. التحق لمّا بلغ سنّ الدراسة بالمدرسة الابتدائية القرآنية "العرفان" التابعة للجمعية الخيرية الاسلاميّة، التي يقع مقرّها في نهج الورغي المتفرّع عن نهج القعّادين من حيّ باب سويقة. ومن أبرز زملائه في الدراسة الصحافي الهادي العبيدي. ما إن أتمّ دراسته الابتدائيّة حتى اقتحم ميدان الصحافة فبدأ نشاطه في جريدة "الزّهو" الفكاهية الشعبية التي صدرت بداية من شهر ديسمبر 1921. وكانت مهمّته مساعدة صاحب الجريدة الحاج عثمان الغربي (1870 - 1943) على القيام بمهامّه الادارية والاشراف على طبع الجريدة وتحريرها وتوزيعها. وكان مدير جريدة "الزهو" وصاحب امتيازها يعدّ من كبار شعراء الملحون ورواة الأدب الشعبي في تونس، فتزوّد ابن فضيلة منه بنصيب وافر من الشعر الملحون والأدب الشعبي، وتدرّب على العمل الصحفي منذ شبابه الباكر. وفي سنة 1936 انفصل عن جريدة "الزهو" وأصدر مجلّة أدبية باسمه الخاصّ، أطلق عليها اسم "الحياة". لكنّ هذه المجلّة لم تعمّر طويلا، إذ لم يصدر منها سوى ستّة أعداد، الأوّل في 2 أكتوبر والأخير في 29 نوفمبر 1936. وإثر ذلك أصدر محمّد بن فضيلة جريدة "الوطن" الأسبوعية الفكاهيّة التي ظهر عددها الأوّل في 27 ديسمبر 1936. فسارت الجريدة منذ صدورها في الاتّجاه نفسه للصحف الهزليّة الموالية للحزب الدستوري الجديد، لا سيما منها جريدة "السرور" لصاحبها علي الدوعاجي وجريدة "الشباب" لصاحبها محمود بيرم التونسي. وأسهم في تحرير "الوطن" ثلّة من الشعراء والأدباء من جماعة تحت السور، في مقدّمتهم الهادي العبيدي، وتميّزت، على غرار "السرور" و"الشباب" بمقاومة الاستعمار وأذنابه، ومهاجمة الرجعيين والمحافظين، وذلك بواسطة الفصول النقديّة المحرّرة في الغالب باللغة الدارجة والملزومات والرسوم الكاريكاتورية بريشة عمر الغرايري وتوفيق بوغدير. وتعرّضت الجريدة من أجل ذلك إلى المضايقات الإدارية والاعتداء على صاحبها، إذ جاء في جريدة "الزهو" (العدد المؤرخ في 3 جانفي 1937) مايلي: "برز أوّل عدد من جريدة "الوطن" لصاحبها السيد محمد بن فضيلة صاحب جريدة "الحياة". وما كاد هذا العدد ينشر حتى بلغنا أنّ هذا الرصيف وقع عليه الاعتداء من أحد الشبّان، بسبب تعرّض الصحافي المذكور لبعض الشخصيّات والتشنيع بها".

وقد تعرّضت "الوطن" عدّة مرّات للتعطيل الإداري وأحيل صاحبها على المحاكم بتهمة النيل من هيبة الدولة. فعطّلت للمرّة الأولى إثر صدور العدد المؤرّخ في 17 جانفي 1937. ثم عادت إلى الظهور من جديد وتعطّلت لمدّة ثمانية أيام بمقتضى قرار مؤرخ في 5 جويلية 1937. وكثيرا ما يرجع سبب هذا التعطيل إلى نشر رسوم كاريكاتوريّة ترى فيها حكومة الحماية مسّا بهيبتها. من ذلك أنّها عطّلت الجريدة لأنها نشرت صورة كاريكاتوريّة بريشة توفيق بوغدير، تمثّل تونس في هيئة امرأة مغلولة وبجانبها امرأة ترضع ابنها من إناء فيه دم، وكتب تحت الصورة: " امرأة المعمّر لولدها: اشرب هذا فهو أحسن من حليبي". فأحيل الرسّام وصاحب الجريدة على المحكمة الفرنسيّة، بتهمة الدعوة إلى التباغض بين الأجناس.

وإثر حوادث 9 أفريل 1938 الدّامية، قرّرت السلطة الاستعمارية تعطيل "الوطن" مع سائر الصحف المناصرة للحزب الدستوري الجديد، وحكمت على محمد بن فضيلة بالسجن المضيّق لمدّة ثمانية أشهر. ثم رخّص للجريدة في الصدور من جديد في أول جانفي 1939, وما لبثت أن توقّفت بمقتضى قرار إداري مؤرخ في 4 أفريل 1939. وبقيت معطّلة طوال فترة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). وحينما تتعطّل الجريدة يتفرّغ محمد بن فضيلة للعمل الذي كان يقوم به إلى جانب نشاطه الصحفي، ضمن بعض الجمعيات المسرحية، مثل جمعية "الاتحاد المسرحي" حيث كان يتولّى "تلقين" الممثلين أثناء عرض المسرحيّات بالركح.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها قرّر المقيم العام الاشتراكي جان مونص (1947 - 1950) إلغاء الرّقابة التي كانت مفروضة على الصحف التونسية، وذلك بمقتضى الأمر العليّ المؤرخ في 26 أفريل 1947. فاستأنفت بعض الصحف العربية القديمة صدورها، ومنها جريدة "الوطن" التي صدر العدد الأول من سلسلتها الجديدة في نوفمبر 1948. وسخّر محمد بن فضيلة جريدته في الفترة الممتدة من نوفمبر 1948 إلى أوت 1950 للدفاع عن القضية التونسية ومناصرة الحزب الدستوري الجديد وزعمائه، ومقاومة الاستعمار الفرنسي وأذنابه. وتميّزت بالخصوص بمعارضتها لوزارة مصطفى الكعّاك وأعضاء المجلس الكبير. واعتمدت في ذلك النقد اللاذع والسخرية، من خلال الشعر الملحون والرسوم الكاريكاتوريّة التي كان صاحب الجريدة يوحي بها إلى الرسام الكاريكاتوري البارع عمر الغرايري. وحظيت "الوطن" بإقبال جماهيري منقطع النظير، حتى كان العدد منها يصدر في بعض المناسبات في 30.000 نسخة، وهو رقم قياسي لم تبلغه الصحف التونسية قبل ذلك.

وإثر اندلاع المعركة الحاسمة من أجل الاستقلال في 18 جانفي 1952، أعاد المقيم العام دي هوتكلوك (1952 - 1953) العمل بالرقابة على جميع الصحف بداية من 26 مارس 1952، فتعرّضت جلّ الصحف التونسية إلى التعطيل ومنها "الوطن". ولما فشلت سياسة القمع فشلا ذريعا، اضطرّت الحكومة الفرنسية إلى إقالة دي هوتكلوك وتعيين مقيم عام جديد مكانه وهو بيار فوازار (1953 - 1954). فبادر إلى إصدار قرار مؤرخ في 27 أكتوبر 1953 يقضي بحذف الرقابة على الصحف. فأصدر محمد بن فضيلة جريدة "الوطن" في سلسلة جديدة في 21 مارس 1954 واستمرت في الظهور إلى أن توفّي صاحبها في سنة 1957. فأعاد إصدارها في 28 مارس 1957 صديقه الصحافي الفكاهي ورجل المسرح المعروف عبد المجيد بوديدح، واستمرّت في الظهور إلى أن احتجبت نهائيّا إثر صدور العدد المؤرخ في 12 ماي 1958.