محمد باش حانبة

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1881 - 0291م]

1) نشأته و نشاطه في تونس

محمد باش حانبة هو شقيق زعيم حركة الشباب التونسي علي باش حانبة (1875 - 1918), ولد بمدينة تونس في شهر جوان 1881, و هو ينتمي إلى أسرة تركيّة أصلها من منطقة الأناضول. زاول دراسته بالصّادقية واشتهر بين أقرانه بالاجتهاد والاقبال على الدّراسة ودماثة الأخلاق وحسن السلوك. فقد جاء في شأنه في وثيقة بتاريخ 10 مارس 1903, حرّرها مدير المعهد الصّادقيّ دلماس، ما يلي:"لقد واصل محمد باش حانبة دراسته بالمعهد الصادقي إلى أن أحرز الشهادة العليا لهذا المعهد. وكان طيلة مدّة الدراسة يمثل الخلق النقيّ و الدّراسة الجادّة".

وإثر تخرّجه بالصّادقية في آخر السنة الدراسيّة 1902 - 1903, شارك في مناظرة المترجمين التي نظّمتها إدارة المصالح العدلية. فنجح فيها بامتياز وعيّن مترجما لدى المحكمة الابتدائية بتونس المعروفة عهدئذ باسم "الدريبة". فاضطلع بهذه المهمّة على أحسن وجه وواصل في الوقت نفسه دراسة الحقوق بالمراسلة، إلى أن أحرز سنة 1906 شهادة الكفاية في الحقوق الفرنسيّة.

وفي 17 فيفري 1909 صدر قرار بتعيينه قاضيا متدرّبا بالمحكمة الابتدائية بتونس التي كان على رأسها وقتئذ القاضي الشيخ حمّودة تاج.وفي أثناء قيامه بهذه المهمّة العدليّة، عرف القاضي الشّاب محمد باش حانبة بالحزم والنّشاط والاستقامة والكفاءة، حتى نال إعجاب زملائه واستحسان رؤسائه. وارتقى إلى رتبة قاض مترسّم في أفريل 1912.

2) هجرته إلى الخارج و نضاله الوطني

وفي السّنة نفسها سافر محمّد باش حانبة إلى فرنسا لزيارة أخيه علي الذي كان أبعد من تونس في شهر مارس 1912, صحبة زعماء حركة الشباب ا لتونسي، إثر حوادث مقاطعة الترامواي بالعاصمة. ثم رجع إلى أرض الوطن لمحاولة إعادة تنظيم الحركة الوطنيّة. لكنّ السّلطة الاستعمارية ضيّقت عليه الخناق فاستقال من وظيفة القضاء في سنة 1913 وغادر البلاد ا لتونسيّة متّجها إلى إستانبول للالتحاق بأخيه علي باش حانبة. وفي سنة 1916 تحوّل إلى سويسرا للدّفاع عن القضيّة التّونسية والنّضال من أجل تحرير وطنه بوجه خاصّ والمغرب العربي بوجه عامّ. وطوال إقامته في جينيف اضطلع بمهمّة التنسيق بين الوطنيّين التونسيّين والجزائريّين المهاجرين في أوروبا. فأنشأ "الهيئة الجزائرية التونسيّة" التي كانت تضمّ ثلاثة تونسيّين: محمد باش حانبة والشيخ صالح الشريف والشيخ الخضر حسين، وثلاثة جزائريين هم :محمد الشيبي ومحمد بيراز ومحمد مزيان التلمساني. ذلك أنّ الوطنيّين التونسيّن لم يقوموا بنشاطهم في المهجر، طيلة الحرب العالمية الأولى، في النطاق التونسي الضيّق، بل آمنوا بوحدة المغرب العربي وبضرورة العمل المشترك بين كلّ الوطنيين التونسيّين والجزائريّين بوجه خاصّ. فإلى جانب الهيئة التونسية الجزائرية التي أنشأها محمد باش حانبة، أنشأ أخوه علي بالاستانة "لجنة تحرير المغرب العربي"، في حين كوّن صالح ا لشريف في سنة 1916 ببرلين "لجنة استقلال تونس والجزائر".

ومن ناحية أخرى كان محمد باش حانبة متّصلا اتّصالا وثيقا ببعض القادة العرب المقيمين في أوروبا، منهم الأمير شكيب أرسلان والشيخ عبد العزيز جاويش، التونسي الأصل، وكان يراسل الشيخ عبد العزيز الثعالبي المقيم بتونس منذ سنة 1914 إثر عودته من المنفى.

3) نشاط محمد باش حانبة في ميدان التأليف والنشر

أصدر محمد باش حانبة في جينيف عدّة كتب ونشريّات للتعريف بالقضية ا لتونسية بوجه خاص، وقضايا المغرب العربي بوجه عام وفضح السّياسة الاستعمارية الفرنسية والمطالبة باستقلال أقطار المغرب العربي. ومن هذه النشريات نذكر، على سبيل المثال:

  • الشعب الجزائري - التونسي و فرنسا (1917).
  • الحماية الفرنسية المفروضة على تونس (1918).
  • مناورة فرنسية: الاصلاحات الأخيرة بالجزائر (1918). لكن أهمّ عمل قام به محمد باش حانبه في ميدان النشر هو إصدار "مجلة المغرب العربي" النّاطقة بالفرنسية، في مدينة جينيف لتحلّ محلّ جريدة "التّونسي" التي عطّلتها حكومة الحماية في سنة 1912. ومنذ العدد الأوّل الصادر في شهر ماي 1916, أعلنت المجلّة "إفلاس سياسة مشاركة التونسيّين للفرنسيّين في الحكم" التي كانت تنادي بها جريدة "التّونسي". ثم أخذت توضّح في الأعداد الموالية السياسة الجديدة الواجب انتهاجها لتمكين الشّعب التّونسي من تقرير مصيره بنفسه.

وما إن وضعت الحرب العالمية أوزارها في سنة 1918 حتى نادى محمّد باش حانبة بصريح العبارة بوجوب منح تونس والجزائر الاستقلال،قائلا: "إن الشعب التونسي - الجزائري الذي أُخْضع بالقوّة، لم يتخلّ قطّ عن استقلاله. وهو يوجّه دعوة ملحّة إلى الضمير العالمي، ليعترف له بحقّه في العيش في كنف الحريّة والاستقلال".

ولمّا لاحظ موقف الحلفاء المتردّد من قضايا شعوب المغرب العربي، أطلق هذه الصيحة:"إنّ حقوقنا وحرّياتنا لا رجعة فيها، وإنّنا لم نفقد الأمل في اكتسابها طال الزمان أو قصر".

وفي أواخر سنة 1918 اضطرّت"مجلّة المغرب العربي" إلى التوقّف عن الصدور، إذ ظهر عددها الأخير بتاريخ سبتمبر - ديسمبر 1918. أما محمّد باش حانبة فقد تحوّل إلى برلين في سنة 1919 وأقام بها واتصل هناك بمحمد علي الحامي زعيم الحركة النقابيّة الوطنيّة التونسيّة عام 1924, وظل في برلين إلى أن وافته المنيّة يوم 27 ديسمبر 1920. وكان آخر عمل قام به قبل وفاته المذكّرة التي وجّهها في شهر جانفي 1919 إلى مؤتمر السّلام بفرساي "للمطالبة باستقلال تونس والجزائر". وكذلك البرقيّة التي وجّهها في الشهر نفسه وباسم الهيئة نفسها إلى رئيس الولايات المتّحدة الأمريكية ويلسن الذي نادى بحقّ الشّعوب في تقرير مصيرها بنفسها، طالبا منه تمكين مندوبين شرعيّين من حضور مؤتمر فرساي "باسم الشعب التونسي - الجزائري الذي أراق دماءه في سبيل تحرير الشعوب".