محمد الهادي المدني

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:29، 21 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

الشاعر[عدّل]

ولد محمد الهادي المدني بتونس العاصمة في نهج الناعورة عدد 4 يوم 28 أفريل 1903. وهو سليل عائلتين من المهاجرين المجاهدين الجزائريين. أما أبوه فهو محمد بن أحمد بن محمد المدني المولود بالجزائر العاصمة سنة 1852، وأمّا جدّه فقد كان أمين الأمناء بها. وهو أيضا شقيق المناضل والكاتب الصحافي أحمد توفيق المدني. وأمّا والدته فهي عائشة بنت الشيخ عمر بويراز دفين مقام الصحابي أبي أيوب الأنصاري بتركيا.

التحق الصبي محمد الهادي بالمدرسة القرآنية الأهلية في سنّ مبكّرة. ثم انتقل سنة 1916 إلى جامع الزيتونة حيث زاول دراسته فحصل على شهادة التطويع في جوان 1922 متخرّجا على مشاهير الشيوخ أمثال محمد المختار ومحمد الزغواني ومحمد الطاهر بن عاشور ومحمد عزيز جعيط ومحمد بن يوسف ومحمد النخلي ومحمد البشير النيفر. وقعت في فترة دراسته أحداث مهمّة في الداخل والخارج. ففي سنة 1915، اندلعت ثورة الجنوب التونسي على قوات الاحتلال. وفي سنة 1916 نشطت الدعاية الوطنية في المهجر. فبادر محمد باش حانبه بإصدار "مجلّة المغرب" بمدينة جنيف بسويسرا. ومنذ العدد الأوّل، أعلنت بصريح العبارة عن "إفلاس سياسة المشاركة". وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أعلنت المجلة دون التباس وجوب منح الاستقلال لتونس والجزائر.

وهكذا نتبيّن مدى تأثير هذه العوامل في توجّهات الشاب محمد الهادي الوطنية. فهو ابن جيل العشرينات من الزيتونيين النيّرين الذين حملوا مشعل النهوض لاسترجاع المجد الضائع وتحطيم قيود الذلّ والتعلّق بأسباب الحياة والحضارة. وستتفتّق ملكته الشعرية مع معاصريه ورفاقه محمد الشاذلي خزندار وصالح السويسي ومحمد الفائز القيرواني وسعيد أبو بكر وأبي القاسم الشابي والطاهر الحداد. وقد تولّى التدريس بالجامع المعمور (1922 - 1923). فكان من أبرز تلامذته: مُفدي زكرياء شاعر المغرب العربي الشهير، وجلال الدين النقاش شاعر تونس الكبير.

يعتبر الهادي المدني أحد ممثّلي الاتجاه الكلاسيكي في الشعر، أسهم بشعره وقلمه منذ العشرينات في إيقاظ الوعي الوطني وهو الذي نظم سنة 1924 قصيدة ثورية قال فيها (وافر) : <poem> ألا يا أيّها الوطني شمر فإن بلادك الخضرا تعاني كفى ما قد مضى فانهض وكسّر قيود الذل عنها والهوان

وناصر قضايا التحرّر والتقدّم في تونس والعالم الإسلامي، ونالت قضية تعليم المرأة نصيبًا مهمّا من أشعاره. وكان مُولعا بأشعار المجدّد العراقي الكردي جميل صدقي الزهاوي (1863 - 1936). وفي هذا المجال بالذات، تقترن دعوة محمد الهادي المدني إلى تعليم البنت بشواغل ذلك الجيل من الزيتونيين النيّرين. تعدّدت مشاركاته الأدبية من شعر ونثر ومحاضرات نشرها في الصحف والمجلاّت التونسية: ك "الثريا" و"السبيل" و"الشبان المسلمين" و"الفكر"، وخاصة في مجلة "البدر" وهي مجلة علمية، أدبية، تاريخية صدرت شهريا من جويلية 1920 إلى نوفمبر 1924. ومن خصاله أنّه هبّ سنة 1946 لمساعدة الطلبة التونسيين بفرنسا في إطار حملة وطنية. وقد صدر ديوان المدني في جزءين سنتي 1968 و1975. وظلّ الثالث والرابع منه مخطوطين مع آثار أخرى.

القاضي[عدّل]

محمد الهادي المدني شاعر مرهف الاحساس، وطني صادق ناضل بالكلمة في سبيل الوطن والعروبة والاسلام. وهو أيضا من كبار القضاة، مارس خطة القضاء مدّة أربعين عاما أو تزيد، عُرف بين خلاّنه وأقرانه بشاعر القضاة. ولقد كان له نشاط حثيث في سبيل إقرار فقه قضائي يعتمد الدراسة والتحليل وشرح أمهات المسائل وإرجاع الفروع إلى أصولها وتحسيس شباب القضاة بمجدهم التليد وماضي حضارتهم الزاهرة وذلك فيما نسمّيه "الرسائل العلمية" للمدني. وسعى محمد الهادي المدني أيضا إلى تكوين جمعية "ودادية القضاة" ووضع قانونها الأساسي وسطّر برامج عملها ثمّ أشرف على نشريتها الدورية "القضاء التونسي" بوصفه الأمين العام للودادية وللنشرية، ودام إشرافه هذا سنوات طويلة.

وكانت هذه النشرية تجمع الدراسات المطوّلة بأقلام نخبة من القضاة وتنشر الأحكام القياسية المكوّنة لفقه قضائي تونسي، فكانت اللبنة الأولى في صرح هذه المؤلفات القانونية التي أصدرتها فيما بعد وزارة العدل. وكان المدني يحرّر الدراسات ويكتب الرسائل ويشرف على الطباعة ويتّصل بالقضاة ويتلقّى توقّفاتهم ليجيب عنها ويستمع إلى تأوّهاتهم ليحاول إيجاد طرق الانصاف. وكان يتصّل بالدوائر العليا ويتمكّن بما وهبه الله من رقّة في الطبع وذلاقة في اللسان من الوصول إلى هدفه في يسر وتحقيق ما تصبو إليه الجمعية ممّا فيه خير لرجال القضاء. ومعلوم أنّ المؤسسة الوحيدة التي استطاعت غداة الاستقلال السير دون احتياج إلى إعانة أجنبية، هي العدلية التونسية، وما ذلك إلاّ بفضل عمل دؤوب وإخلاص من القضاة بقيادة جمعيتهم الودادية وقد كان المدني أحدهم.

وألقى المدني عدّة محاضرات بمناسبة افتتاح السنوات القضائية كما ألّف دراسات في مناسبات أخرى نذكر منها: "مدى تأثّر التشريع الاسلامي بغيره من الشرائع"، و"المحاضرة ونشأتها بتونس"، ودراسة لكتاب "أحكام السوق" ليحيى بن عمر، ومحاضرة حول "العلاقات بين تونس ولبنان"، وأخرى تتعلّق ب"إفشاء سرّ المهنة ومدى القصد الجنائي في إنشائه" ودراسة حول "الحصانة الدبلوماسية"... وتوفي محمد الهادي المدني في 4 ذي الحجة 1411 / 16 ماي 1991 عن سنّ تناهز 88 سنة.