محمد المالقي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:06، 25 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1889 - 1980م]

أستاذ الأجيال الذي عرفته منصّات القضاء طيلة خمسين عاما محنّكا رصينا نزيها يتطلّع دوما إلى الحقّ بصبر وثبات جأش لا تأخذه فيه لومة لائم ولا تثني عزيمته متاعب الحياة ومشكلاتها، مقيما على البحث والدراسة والتنقيب، تراه دوما في مكتبه وراء الملفّات يتصفّح المدوّنات وشروحها ويسجّل الملاحظات وتعاليقها.

ينحدر من عائلة أندلسية الأصل ومن بيت علم ومجد وفضل فوالده هو المحامي محمد الهادي المالقي العضو بمجلس جمعية الوكلاء والكاتب العام بها المكلّف بالقلم الفرنسي. وعميد عائلته هو الشيخ صالح المالقي شقيق الأستاذ الهادي وعمّ الرئيس محمد، وهو القاضي وشيخ الجامع الأعظم والد الفاضلين الرئيس محمد المالقي الأصغر وشقيقه الأستاذ عبد الحميد المحامي. ولد محمد المالقي بتونس العاصمة في 25 أوت 1889. وزاول دراسته بالمدرسة الصادقية ثمّ انتقل إلى معهد كارنو وفيه تخرّج، ثمّ انخرط في سلك الوظيف العدلي سنة 1909 كاتبا مترجما. وفي عام 1922 دخل سلك القضاء وسمّي قاضيا بدائرة الاتهام. وارتقى في هذا السّلك فسمّي رئيسا لدائرة من دوائر الاستئناف المدني ثمّ الجناحي والدائرة الجنائية حتى أصبح رئيسا أوّل لدوائر الاستئناف، وعميد الرؤساء. وفي 29 جويلية 1954 سمي رئيسا لدائرة التعقيب وكاهية رئيس محكمة التعقيب.

وفي هذه الفترة كلّف بإدارة شؤون وزارة العدل على حين كان زميله الرئيس محمد النيقرو رئيس القسم الأوّل مكلفا بالوزارة الكبرى. وفي 15 نوفمبر 1958 سمّي رئيسا أوّل لمحكمة التعقيب، فخلف الرؤساء: عبد العزيز تاج ومحمد بوسن ومحمد القلعي و موسى الكاظم بن عاشور. وبطلب منه أحيل على التقاعد بداية من 1 مارس 1959م وتفرّغ منذ ذلك الحين للتدريس والتأليف والنشاط الثقافي والعلمي. وقد سمّي رئيسا شرفيّا لمحكمة التعقيب بمقتضى الأمر عدد 48 لسنة 1959. ومحمد المالقي هو الرئيس الخامس لجمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية وذلك مدة سنتين (1932 و1933).

عرف الناس كلّهم محمد المالقي بالرئيس المالقي أي القاضي الذي يرأس الجلسات، ويصدر الأحكام، ويفصل النزاعات، ولم يشتهر أحد في عصره بوظيفه وعرف بين الناس بخطّته كما اشتهر الرئيس محمد المالقي. فالقصر الملكي يعرفه، والصحف والمجلات تتسابق لنشر أخباره، ومعابر المحاكم كلّها لا تتحدّث إلا عن الرئيس المالقي. ومؤلفاته القانونية ظهرت في المكتبات فأكسبته شهرة أخرى وعرفت به قاضيا متضلّعا من القوانين يحبّه الناس ويسرّهم لقاؤه ويفرحون للتقاضي أمّامه، فهو عادل في أحكامه، مجتهد في قضائه، منصف، خيّر، رجل الشارع في المنتديات والملتقيات وحتى في فندق الغلة ودكاكين التجارة، يعرف القاضي المالقي ويتطلّع إلى أحاديثه ومناقشاته وأسلوبه في كلامه وفي مخاطبته لكلّ الناس. لكنّ قلّة قليلة من الناس كانت تعرف محمد المالقي أستاذا محاضرا بكليّة الحقوق، يضحّي براحته ووقته في سبيل إنارة الطريق أمام جموع غفيرة من الطلبة كانت تحضر دروسه وتستمع إليه وهو يشرح ما غمض من بنود القوانين ويعالج ما عسر فهمه من قواعد التشريع في مختلف موضوعاته بأسلوب سهل مبسط وبلغة تعتمد الافهام دون عسر.

وفي سنة 1966 عيّن محمد المالقي أوّل مدير عام لهذه المدرسة يساعده في تصريف الشؤون الإدارية كاتب عام هو الأستاذ الهادي بوسنّ. واستمرّ ذلك إلى أن صدر الأمر المؤرخ في 21 أوت 1972 والقاضي بإدماج تلك المدرسة في كلية الحقوق والعلوم السياسية. وهكذا ولدت مع المالقي هذه المؤسسة العتيدة المدرسة العليا للحقوق التي تخرّج فيها رجال أفذاذ، وفي آخر عهده أخذت عنها المشعل كلية الحقوق. وبذلك انتهت مهمّة محمّد المالقي الذي لازم مع ذلك مكتبه بكلية الآداب وناديه الذي يضمّ نخبة من أصدقائه وخلاّنه، وهم من خيرة العلماء المبرزين والقضاة الأجلاّء. كان المالقي رجلا اجتماعيا دمث الأخلاق له علاقات طيبة متينة بفئات من مختلف أفراد المجتمع خاصة ممن لهم تأثير في سير دواليب الادارة، فكان يسخّر هذه العلاقات الانسانية لفائدة وطنه والمؤسسة القضائية التي كان رائدا من روّادها يعيش فيها منذ أوائل هذا القرن، ويشرف على تكوين الأجيال من رجالها وتخريجهم وتقلّدهم لأعلى الوظائف فيها، وكان يريد أن يرتفعوا بهذه المؤسسة وأنّ يحرسوها. وفي مقدمة كتابه شرح القانون المدني يعرب عن عواطفه الجياشة إذ يقول: "لقد مرّت بالبلاد عصور ذابت فيها شخصيتها، وتعطّل تشريعها، وطبع بطابع أجنبي عنها لا يمتّ بصلة إلى طبيعة الشعب التونسي ومميّزاته، بل يعطي صورة لما كان يرزح تحته من أثقال يئنّ منها ويتوجّع...". وتوفي الرئيس محمد المالقي يوم 18 ذي الحجة 1400هـ/27 أكتوبر 1980م.