محمد الطاهر ابن عاشور - الثاني

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1879 - 1973م]

ينتمي محمد الطّاهر بن محمد بن محمّد الطّاهر الأوّل ابن محمّد بن محمّد الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور (بالفتح) إلى أسرة تونسية أندلسية الأصل اختار مؤسسها محمد (1620 - 1698م) المولود بمدينة سلا المغربيّة بعد خروج أبيه من اسبانيا فارا بدينه اختار المقام بـالعاصمة التونسية في سنة 1060هـ/1649 - 1950م فاشتهر فيها بالفضل والصلاح وكذلك ابنه عبد القادر.واختص أفراد الأسرة العاشورية في المناشط العلمية والدينيّة من تدريس وإشراف على زاوية سيدي علي الزواوي بتونس وزاوية سيدي داود السلاوي بضاحية قرطاج وزاوية سيدي المصطاري المكناسي ببنزرت مرتزقين بالاشهاد وبعضهم بصناعة الشاشية. أما الخطط الشرعية فأول من ارتقى إليها هو محمد الطاهر الأول (1815 - 1868), جد مترجمنا. فقد سمّي قاضيا مالكيا للعاصمة في سنة 1851, وسنّه وقتئذ خمس وثلاثون سنة، ثم صار مفتيا ونقيب الأشراف وناظرا على الأوقاف الموزعة على المدرسين وعضوا في المجلس الخاص للباي محمد الصادق. وللشيخ محمد الطاهر الأول تأليفان كثيرا ما ينسبان غلطا إلى حفيده مترجمنا محمد الطاهر الثاني وهذان التأليفان هما: حاشية سماها هدية الأريب لأصدق حبيب على شرح قطر النّدى (القاهرة 1296هـ/1877- 1878م) وشرحه للبردة البوصيرية: شفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح (القاهرة 1296هـ/1878 - 1879م وتونس 1341هـ/1922 - 1923م). أما محمد الطاهر ابن عاشور الثاني فقد خص منذ نشأته بعناية فائقة من والده محمد (المتوفى سنة1920الذي كان زيتوني التكوين وكاهية رئيس الادارة المشرفة على جمعية الأوقاف ثم رئيسا لها ومن جده للأم الوزير العالم محمد العزيز بوعتور (ت. 1907م) وكانت هذه الصلة بين الجد العالم والحفيد النّبيه تزداد وثوقا على مرّ الأيام. بدأ محمد الطاهر ابن عاشور تعلم القرآن في سنة 1885م، أي بعد أربع سنوات من احتلال الفرنسيّين تونس (1881) ثم تلقّى الدروس الابتدائية بمسجد مجاور لدار جدّه بنهج الباشا بتونس، وواصل دراسته بجامع الزيتونة ابتداء من سنة 1892م متتلمذا لأساتذة منهم عالم الدين الشهير الشيخ سالم بوحاجب (ت.1342هـ/1924م). وفي سنة 1898 أخذ يتعلم اللغة الفرنسية متطلعا إلى حضارة فرنسا وآدابها، وحصل سنة 1899 على شهادة التطويع بنظامها الجديد الذي أحدث في تلك السنة (مقال ودرس وأسئلة). وفي سنة 1903 انخرط في سلك مدرّسي جامع الزيتونة من الطبقة الثانية بعد نجاحه في المناظرة ثم ارتقى إلى درجة مدرس من الطبقة العليا بعد فوزه في المناظرة أيضا وكان ذلك في سنة 1905. أمّا الاجازات في رواية الحديث النبوي فللشيخ محمد الطاهر ابن عاشور منها أربعة أسانيد، أوّلها إجازة الشيخ محمد العزيز بوعتور في سنة 1321هـ/1904م، وثانيها إجازة الشيخ محمود ابن الخوجة المتوفى في 1911 وثالثها إجازة الشيخ سالم بوحاجب في سنة 1328هـ/1911م، ورابعها إجازة الشيخ عمر بن أحمد المعروف بابن الشيخ وذلك في سنة 1325هـ/1908م. أما أهم مراحل حياته العملية فبالإضافة إلى اضطلاعه بالتدريس بالجامع الأعظم، جامع الزيتونة (وكانت دروسه في اللغة والبيان وأصول الفقه ومقاصد الشريعة والحديث والتفسير) فقد باشر الشيخ محمد الطاهر التدريس بالمدرسة الصادقية من سنة 1905 إلى سنة 1932 ما عدا مدة قيامه بمهام القضاء (1913 - 1923). كما عيّن عضوا بمجلس إدارتها في سنة 1909. واشتهر محمد الطاهر ابن عاشور منذ تلك الأعوام بآرائه الاصلاحية وحرصه على تجديد الفكر الديني والتعليم الزيتوني التي لم يتردّد في الاصداع بها سواء بالتعبير عنها في المجالس الأدبية والمحافل الثقافية وفي الجمعية الخلدونية التي كان عضوا في هيئتها المديرة في سنة 1905 أو بالتحاليل الكتابية في المجلات العلمية خاصة في مدة زيارة الشيخ محمد عبده الثانية لتونس في سنة 1903. وكان محمد الطاهر ابن عاشور من أشد العلماء التونسيين حماسا لمواقف رائد الحركة السلفية الاصلاحيّة. وفي سنة 1907 سمّي نائبا للدولة لدى الهيئة المشرفة على التعليم الزيتوني والمسماة النظارة العلمية وعضوا بمجلس المدارس في سنة 1909 ثم عضوا بلجنة النظر في إصلاح التعليم الزيتوني الثانية في سنة 1910 (وولي المهامّ نفسها في اللجنتين الثالثة والرابعة سنتي 1924 و1933) كما عين في سنة 1911 عضوا بمجلس الأوقاف الأعلى.

وفي سنة 1911 بدأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور نشاطه القضائي في خطّة حاكم بالمجلس المختلط العقاري ثم أخذ يتدرج في الخطط الشرعية فشغل خطة القضاء المالكي من سنة 1913 إلى سنة 1923 ثم سمي مفتيا مالكيا بالمجلس الشرعي فمفتيا ثانيا مكلفا بخطة باش مفتي في سنة 1924 إلى أن عيّن رسميا باش مفتي المالكية (كبير أهل الشورى) في سنة 1927. والجدير بالملاحظة أن خطة باش مفتي وكذلك خطة قاض مالكي تجعلان من صاحبهما عضوا من الأعضاء الأربعة للنظارة العلمية المشرفة على التعليم الزيتوني. وفي سنة 1932 تولّى محمّد الطاهر ابن عاشور لأوّل مرّة في تاريخ الخطط الشّرعية التّونسية منذ حلول العثمانيين بتونس منصب شيخ الاسلام المالكي بعد أن كان هذا المنصب ينفرد به رئيس المفتين من المذهب الحنفي متقدما على زميله باش مفتي المالكية، كما انفرد في السنة نفسها بمسؤولية إدارة التعليم الزيتوني بعنوان شيخ الجامع الأعظم وفروعه بعد حذف النظارة العلمية، فشرع في تحقيق برنامجه الاصلاحي بما في ذلك ضبط برامج التعليم وإدخال إصلاحات على أساليب الامتحانات إلا أن الشيخ محمد الطاهر أبعد عن مشيخة الجامع في سنة 1933 بعد اضطرابات وقلاقل غداة أحداث التجنيس التي اتهم فيها الوطنيّيون الطاهر بن عاشور بإصدار فتوى حول التجنيس متلائمة مع الأجندة الاستعماريّة. وفي سنة 1945 عيّن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثانية شيخا للجامع الأعظم وفروعه واستأنف تطبيق برنامجه الاصلاحي فجعل الفروع الزيتونية تحت مراقبة إدارة مشيخة الجامع، ووفّر لها إمكان تنظيم امتحان الأهلية، كما زاد في عدد الفروع الذي ارتقى من ثمانية إلى خمسة وعشرين (منها اثنان للفتيات) في مدة سبعة أعوام (1949 - 1956) حتى إنّه أسس فرعين في قسنطينة سنة 1947.وأحدث إدارة المدارس لتحسين ظروف عيش الطلبة. على أنّ الحوادث السياسية في البلاد وانعكاسها على الأوساط الزيتونية تسببت في اضطرابات داخل الجامع تعطل من جرائها تطبيق برنامج الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور. فقررت السلطة في سنة 1952 إبعاده عن مباشرة وظيفه مع بقائه في خطته حتى عاد في سنة 1956 إلي مباشرة شؤون التعليم الزيتوني بعنوان شيخ عميد للجامعة الزيتونية من سنة 1956 إلى سنة 1960. وانتخب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ سنة 1950 وعضوا مراسلا للمجمع العلمي العربي بدمشق منذ سنة 1955 كما شارك في الموسوعة الفقهية التابعة لوزارة الشؤون الاسلامية الكويتية بعدّة موضوعات. وهو أول من أحرز مع صديقه المؤرّخ حسن حسني عبد الوهاب على الصنف الأكبر من وسام الاستحقاق الثقافي الذي أحدث في سنة 1968, كما أحرز على جائزة رئيس الجمهورية في الاسلاميات سنتي 1972 و1973. توفّي الشّيخ محمد الطاهر ابن عاشور ببستانه بالمرسى في 12 أوت 1973 بعدما أظهر من الصّبر والرّضا بما أراده الله من المحن كوفاة ابنه المناضل السّياسي زين العابدين ابن عاشور في سنة 1965 ثم كارثة وفاة ابنه الأكبر مفتي الجمهورية وعميد الكلية الزيتونية للشّريعة وأصول الدين الشيخ محمّد الفاضل ابن عاشور في سنة1970, محافظا على نظام حياته المؤسّس على الاعتدال والانضباط والبحث والمراجعة والاصلاح والتعقيب في مكتبته الشهيرة وعلى مواصلة النّاس في أفراحهم وأتراحهم منكبّا على حاجات أسرته وأحفاده وذويه وبني وطنه مخلّفا إنتاجا علميّا ممتازا متنوّعا. لم يشذّ محمد الطاهر ابن عاشور عن أقرانه بل وعن العلماء التونسيين في العصور الحديثة بجسامة عمله العلمي فحسب بل بما تتصف به تآليفه من حرية تفكير وحرص متواصل على الابتعاد عن التقليد والرضا بما وضعه السلف وتعمق في البحث وسعة الاطلاع وتضلع من اللغة العربية والمواد الشرعية. وقد تجلّت هذه الصفات الفكرية في كتاب ألفه محمد الطاهر ابن عاشور في حدود سنة 1910(ولم ينشر إلا في سنة 1967) وعمره سبع وعشرون سنة، سمّاه "أليس الصبح بقريب؟"

(تونس 1967 و1988) ، تناول فيه موضوع التعليم الاسلامي مبرزا جوانبه السلبية ومقترحا فيه الأساليب الكفيلة بإصلاحه. ثم نمت هذه الخصال وتألقت في تأليفين يحق لنا أن نعتبرهما من أهمّ ما صنّف في العلوم الاسلامية في العصور الحديثة هما: مقاصد الشريعة الاسلامية (تونس 1945 - 1946 و1978).ومؤلفه محمد الطاهر ابن عاشور هو أول من خصّ هذا الموضوع بتأليف مستقل فرفعه إلى درجة علم منفصل عن علم أصول الفقه فكان كتاب مقاصد الشريعة متمما ومقوما ومستوعبا لما تناوله أبو إسحاق الشاطبي (المتوفى سنة 1388م) الذي هو أول من أفرد موضوع مقاصد الشريعة بالتدوين في القسم الثاني من كتابه "التعريف". وأما تصنيفه الاخر فهو تفسيره التام للقرآن الذي سماه "تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، واختصره في عنوان "التحرير والتنوير من التفسير".

(صدر هذا العمل في مجموعة واحدة، تتركب من 30 جزءا في 15 مجلدا بعدما نشر جزء منه في تونس سنة 1956 وفي القاهرة سنتي 1965 و1966، ثم طبعت الأجزاء منّجمة في تونس ابتداء من سنة 1968). واستغرق هذا التأليف الذي لم ينجزه قبله أحد من العلماء في تونس خمسين سنة من العمل المتواصل. وقد بذل فيه محمد الطاهر ابن عاشور الجهد في الكشف عن فرائد من معاني القرآن وإعجازه خلت منها التفاسير ومن أساليب الاستعمال الفصيح "ما تصبو إليه همم النّحارير (.) بحيث يجد القارئ في التحرير والتنوير أحسن ما في التفاسير وأحسن ممّا في التفاسير". وألّف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كتبا أخرى في العلوم الدينية والشرعية، فالمطبوع

منها هو:

1 - حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح على شرح تنقيح الفصول في الأصول لشهاب الدين القرافي (تونس 1341هـ/1922 - 1923م).

2 - نقد علمي لكتاب "الاسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق (القاهرة 1344هـ/1925 - 1926م).

3 - أصول النظام الاجتماعي في الاسلام (تونس 1964 ثم تونس والجزائر 1977).

4- قصة المولد (تونس 1392 / 1972).

5 - كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعية في الموطّإ (تونس الجزائر 1975). 6 - النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح (تونس ليبيا 1979).

7 - تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة (مجموعة مقالات وأجوبة جمعها ابنه عبد الملك ابن عاشور، تونس 1985).

وكان للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور اعتناء خاص بالعلوم الأدبية واللغوية مع تضلّع نادر. وأبرز أعماله في هذا المجال جمعه وتحقيقه لديوان بشّار بن برد حيث ارتقى بفضل هذا العمل عدد الأبيات المعروفة لهذا الشاعر من 600 إلى 7.600 بيت (طبعة أولى بالقاهرة في 4 أجزاء ابتداء من سنة 1950 وثانية في سنة 1967 ثم طبعة تونسية جزائرية في 4 أجزاء أيضا في سنة 1976). كما ألف أيضا:

8 - أصول الانشاء والخطابة (1339هـ/1920 - 1921م)

9 - شرح قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق (تونس 1929).

10 - موجز البلاغة (تونس 1932).

11 - شرح المقدمة الأدبية لشرح الامام المرزوقي على ديوان الحماسة لأبي تمام (تونس 1958 ثم تونس - ليبيا 1978).

12 - تحقيق الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم الاصفهاني (تونس 1968).

13- تحقيق لكتاب سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن بسام النحوي (تونس 1970).

14- جمع وتحقيق لديوان النابغة الذبياني (تونس - الجزائر 1976).

وللشيخ محمد الطاهر أيضا دراسات ومقالات في العلوم الدينية والأدبية نشرت في عدة مجلات تونسية وشرقية. وله مقالات في المجلة الزيتونية. أما المجلات المصرية التي صدرت فيها دراسات له فهي: المنار، الهداية الاسلامية، هدى الاسلام، نور الاسلام ومجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة كما نشر الشيخ في مجلة المجمع العلمي بدمشق. وله أيضا تآليف ودراسات مهيّأة للنشر لم تطبع وبعضها بصدد الطبع منها:

1 - مجموعة فتاوى.

2 - مجموعة مكاتبه في النوازل الشرعية.

3 - مجموعة مسائل فقهية.

4 - آراء اجتهادية.

وفي العلوم اللغوية والأدبية وفي التاريخ:

5 - شرح قلائد العقيان للفتح بن خاقان وشرح على شرح ابن زاكور. (نشرته الدار التونسية للنشر 1989).

6 - تحقيق وتعليق على كتاب "مقدمة في النحو" المنسوب إلى أبي محرز خلف الأحمر.

7 - تحقيق وتصحيح لكتاب الاقتضاب في شرح أدب الكاتب لابن قتيبة لابن السيد البطليوسي النحوي وتعليق عليه.

8 -أمالي على دلائل الاعجاز للجرجاني.

9 - شرح معلقة امرئ القيس.

10 - تحقيق شرح القرشي على ديوان المتنبي.

11 - غرائب الاستعمال.

12 - قطع من شرح ديوان الحماسة.

13 - تصحيح وتعليق على كتاب الانتصار لجالينوس للحكيم ابن زهر.

14 - أصول التقدم في الاسلام.

15 - فهرس في التعريف بعلماء أعلام.

16 - تاريخ العرب.

ولئن ذكرنا بشيء من الالمام المختصر بعض أبرز تآليفه فلا شكّ في أنّ محمد الطاهر ابن عاشور يُعَدّ من أبرز علماء الزّيتونة لا في عصره فحسب بل وفي كل العصور، كما أنّه من ألمع علماء الاسلام لما اتّصف به من حدّة ذكاء وتعمّق في العلوم الدينية واللّغوية والأدبية ومن اعتماد على العقل والنقد مع تثبت ومقارنة في البحث. وكانت هذه الصّفات تعزّزها مثابرة نادرة وقدرة فائقة على العمل الفكري وعزيمة على الانجاز والاتمام مع وضوح المنهج وبلاغة رائقة في التحرير والخطابة. فلا ريب في كونه ينتمي إلى أرفع طبقة من علماء الاسلام، طبقة المفكرين المجدّدين المعتمدين على العقل والاجتهاد. الفقه القضاء التعليم الأدب